– في الأيام الأخيرة، حصل أكتر من حادث انتحار مأساوي أثرو في كل المصريين، أبرزهم كانت انتحار الشاب نادر محمد جميل، خريج كلية الهندسة جامعة حلوان، قفزا من برج القاهرة. كمان فيه طالبة في كلية الصيدلة رمت نفسها في النيل، وشاب آخر انتحر في محطة مترو أرض المعارض.
– كتير من المصريين بيسألوا عن سبب تكرار القصص الشبيهة مؤخراً . وهل فعلا معدلات الانتحار زادت ولا التركيز عليها زاد؟ ولو زادت ايه الأسباب؟ وإيه الحلول؟
– الأسئلة دي وغيرها كانت موضوع بوست سابق لينا حول تقرير من مركز (دفتر أحوال للتوثيق والأرشفة) اللي بيقدم عمل متميز في مجاله، وهنعيد نشره هنا.
التقرير بيرصد المركز حالات الانتحار المعلنة في الصحف من 2011 إلى 2017، وبيعمل رصد إحصائي لأسبابها وفئاتها.
****
في البداية خلينا نشوف الناس ازاي اتعاملت مع الواقعة الأخيرة؟
– بعد الحادثة حصل خطأ مهني وانساني كبير بنشر بعض المواقع الصحفية فيديو للحادث، وده مش بس ضد الأخلاقيات الصحفية، كمان خطورته على الأشخاص اللي بيواجهوا مشاكل نفسية وعندهم احتمالية للأفكار الانتحارية.
– في بوست انتشر بشكل كبير جدا، فيه دعوة لأي شخص بيمر بمرحلة اكتئاب ومش لاقي حد يتكلم معاه، إنه يتواصل مع أي شخص من اللي ناشرين البوست ويحكي اللي عنده، يمكن أي حد يساعده. لكن رغم النوايا الطيبة للفكرة دي فالاكتئاب لازم نتعامل معاه باعتباره مرض حقيقي، وليه أعراض ومشاكل ولو الأعراض دي موجودة فلازم الإنسان يتوجه لطبيب نفسي متخصص.
زي بالظبط لو حد عنده أي مرض جسدي من أو الانفلونزا للسرطان لازم ياخد علاج متخصص.
*****
إيه حجم حالات الانتحار؟ وهل بتزيد ولا بتنقص؟
�
– من 2011 ولحد 2017 رصد تقرير دفتر أحوال 1746 حالة إنتحار منها 283 حالة شروع في الانتحار.
– سنة 2017 كانت الأكبر في عدد الحالات بواقع 422 حالة.
– بنلاحظ كمان أنه لو قارننا الرقم بين السنوات الأربعة الممتدة بفترة رئاسة السيسي الأولى هنلاققي الأرقام تضاعف، في 2014 كان عندنا 223 حالة، وبقو 422 حالة في نهاية 2017.
– لكن على أهمية المعلومات دي فيه ملاحظة حول “منهجية البحث” لازم مننساش انها اخدت المتاح عبر المنشور بالصحف، يعني دي عينة ممثلة مش كل الأرقام.
وكمان وارد فيه حالات في 2011 و 2012 لم ينشر عنها لما كانت الصحافة مهتمة أكتر بتغطية الأحداث السياسية وده سبب قلة الحالات وقتها .. ووارد برضه يكون انخفاض معدل الحالات وقتها مرتبط أكتر بدوافع الانتحار وهو إنه حالة فقدان الأمل واليأس منطقي إنها تزيد نتيجة المناخ السياسي والاقتصادي المحبط.
�
– وبالطبع هنا أحد التفسيرات المباشرة هي الأزمة الاقتصادية بعد اجراءات التعويم، اللي ارتبطت أكتر بمدى بشاعة محاولة الانتحار نفسها، وبالتي قصة ان رب الأسرة يحرق نفسه أو يشنق نفسه أو يرمي نفسه تحت المترو بسبب اتكررت للأسف.
– كمان وارد اللي بيدعم فكرة أن الإجراءات الاقتصادية مرتبطة بالظاهرة هوا أنه الثلاث محافظات الحضرية الأكبر وهي القاهرة الجيزة والاسكندرية سجلوا معدلات صعود في معدلات الانتحار أكبر بكتير من المحافظات الريفية، وده من واقع إن الإجراءات الاقتصادية أكثر تأثيرا على فقراء المدن بسبب عدم وجود بدائل لشراء الغذاء، وبسبب فارق تسعير الغذاء.
– في المجمل كمان حسب التقرير الذكور كانوا أكثر اتجاها للانتحار من الإناث، والأسباب الأسرية والمرضية والمالية هي أكثر الأسباب الدافعة للانتحار.
– الأسئلة أوسع من بس الإجراءات الاقتصادية، لكن عن جودة النظام التعليمي اللي فيه طلاب انتحروا بسبب نتايج امتحانات، وعن النظام الصحي اللي بيدفع مرضى للانتحار بسبب يأسهم من العلاج.
– في 2017 قررت وزارة الصحة إجراء دراسة على عينة عشوائية من طلاب الثانوية العامة قدرت ب 10638 طالب، أكتر من 21 % منهم بيفكر في الانتحار بسبب ضبابية المستقبل والخوف من نتيجة الثانوية العامة وردود فعل الأهالي وضغطهم النفسي عليهم!
– كمثال من أيام انتحرت فتاة سنها 19 سنة طالبة في المعهد الفني الصحي بالاسكندرية بسبب التنمر والسخرية المستمرة للمدرسات والمشرفات من لون بشرتها وشعرها، وده مجرد نموذج تاني عن وضع النظام التعليمي.
*****
�
فين أرقام الانتحار الرسمية؟
الإجابة في كلمة واحدة: مفيش!
– رسمياً وزارة الصحة المصرية، اللي هيا الجهة اللي عندها كامل قاعدة بيانات شهادات الوفاه وأسباب الوفاه مش بتعلن اي احصاءات رسمية عن أعداد المنتحرين، ومصر بطلت تقدم تقارير بيها رسميا لمنظمة الصحة العالمية من سنة 1987، وده اللي خلا دايما فيه تضارب في التصريحات المتعلقة.
– بحسب آخر بيانات في موقع منظمة الصحة العالمية سنة 2014 المنظمة بتقول ان 8 مصريين من كل 100 ألف بينتحروا او بيحاولوا الانتحار، ده يعني حوالي 8000 مصري سنويا من ال 100 مليون.
– مشكلة تانية بتواجه جمع البيانات هي وجود عرف ان الانتحار شيء مشين للأسرة، بالتالي فيه حالات كتير الأسرة بتسجل لانتحار على أنها وفاة طبيعية، وده للأسف بيزود الغموض حتى لو ظهرت أرقام حكومية.
– وللتأكيد على حالة التعتيم وعدم الدقة هنلاقي إنه السنة الواحدة بيطلع فيها أرقام مختلفة جدا من جهات رسمية، يعني مثلاً الصحف نقلت عن تقرير الأمن العام لوزارة الداخلية سنة 2011 كان بيقول إنه عدد المنتحرين كان 253 شخص، بينما الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لنفس السنة قال ان فيها حصلت 18 ألف محاولة انتحار منهم 3 آلاف اتوفوا بالفعل!
*****
�
طيب ايه اللي المفروض يتعمل مع موضوع الانتحار؟
�- أولا تعامل الجهات الرسمية والشعبية من الموضوع بجدية لمحاولة إنقاذ حياة الناس بدل التصريحات المستفزة اللي بتأكد إنه كله تمام ومفيش أي مشاكل في المجتمع نتيجة الاجراءات الاقتصادية أو غيرها.
– اعلان رسمي واضح لأعداد حالات الانتحار، واتاحتها للجهات المختصة بعلم النفس والاجتماع وغيرها لتحليل أسبابها.
– فيه جانب حكومي كبير يخص معالجة الدوافع العامة، زي عدم العدالة والأوضاع الاقتصادية، وكل أسباب الاحباط العام.
– جانب تاني يخص نظرة الدولة والمجتمع للمرض النفسي، لأن ده مش حاجة دلع أو رفاهية، ده مرض زي أي مرض، وممكن يصيب أي حد بما فيه ناس معندهاش أي مشاكل اقتصادية أو عائلية، ولو لم يتم علاجه بجدية ممكن الشخص ينتحر فعلا .. والكلام ده لينا كلنا مينفعش نسيب أصدقائنا أو حد من أسرتنا عنده اشتباه اكتئاب مرضي ومنخليهوش يتواصل مع طبيب نفسي يقدر يميز ده زعل زي أي حد ولا مرض يحتاج علاج متخصص.
وجانب تاني هوا الوعي بخطورة ظواهر اجتماعية زي “التنمر” وعدم التهاون معاها.
– الحياة في مصر بقت ضاغطة علينا جميعا ولأسباب تكاد تكون مشتركة بينا، والحل بيكون أننا نواجه الظاهرة مش أننا ندفن راسنا في الرمل مع الحكومة.
*****