– في ١٨ أغسطس اللي فات ظهر وزير التعليم البريطاني على التلفزيون وقال انه بيعتذر بشدة لطلاب الثانوية على الازمة اللي تسبب فيها نظام الدرجات الجديد، وده بعد يومين بس من إصرار نفس الوزير إنه لا تراجع أبدا عن النظام الجديد.
– الوزير اعتذر بعد حوالي ٣ أسابيع من نزول آلاف طلاب ثانوي للشارع، عملو مظاهرات ووقفات احتجاجية قدام المدارس، بالإضافة لتوجه اتحاد الطلاب على مستوى بريطانيا لرفع قضية أمام المحكمة العليا البريطانية.
– وكمان الطلاب أطلقوا عريضة الكترونية جمعت أكتر من ٢٤٥ ألف توقيع تطالب بإلغاء نظام حساب الدرجات.
– النهاردة حنحكي لكم القصة دي، وايه اللي ممكن نتعلمه منها خاصة في ظل نقاشات كثيرة حوالين إصلاح التعليم والنظام الجديد للثانوية العامة؟
*****
ايه اللي حصل؟
– عشان نفهم اللي حصل هنشرح لكم سريعا نظام الثانوية العامة في بريطانيا واللي هي مختلفة بالطبع عن النظام هنا، هناك الثانوية العامة high school بتبدأ من سن 11- 16 سنة، وفي أخر سنة من الثانوية العامة بيتعمل اختبار أسمه GCSE .
– كمان بعد 16 سنة ممكن تكمل دراسة وتخش حاجة اسمها SIXTH FORM أو بمعني اصح تكلمة دراسة لسنتين عشان تاخد شهادة أفضل اسمها ال A LEVEL .
– اللي حصل ان الحكومة البريطانية بسبب فيروس كورونا قررت الغاء كل الامتحانات سواء نظام الجي سي إس إي، أو الإيه ليفل، وفي الأول كان التوجه هوا ان المدرسين يقيموا تلاميذهم ويدوهم الدرجات دي، وبعدها وزارة التعليم شافت ان المدرسين عندهم ميل ايجابي انهم يزودو الطلاب عن الدرجات اللي يستحقوها، فقررت الغاء الطريقة دي.
– الطريقة الجديدة كانت عبارة عن برنامج الكتروني “الجوريزم” بيتوقع الطالب ده هياخد كام، بناء على عوامل منها تقييم المدرس، ومنها درجات الطالب ده في السنوات السابقة، ومنها متوسط مجاميع الطلاب سنويا في المدرسة دي اللي الطالب بيدرس فيها.
– ده قلل درجات الطلاب بنسبة 40 % عن درجات اللي كان المدرسين مقيمين الطلاب بيها، وده كان له تأثير أخر أنه معظم الضرر كان علي الطلاب في المدراس الحكومية مش الخاصة اللي طلابها عادة بيكونوا طلاب أغنياء ومدارسهم بتجيب مجاميع أكبر، بالتالي فتح نقاش حوالين التمييز ضد الأقليات العرقية الفقيرة في البلد وانه النظام ده بيؤدي إنه يقلل من فرصهم في دخول الجامعة.
– واتقال افرض طالب مكانش موفق بالسنوات اللي فاتت وذاكر السنادي بس، أو افرض انه في مدرسة متوسط مجاميعها ضعيف لكن هوا كان هيجيب مجموع عالي، دي كلها عوامل ظلم واضحة.
– الخلاف حوالين طريقة التقييم أدي لإحتجاجات الطلاب في مظاهرات كبيرة بما فيهم الطلاب اللي بالمدارس اللي في المناطق الأغنى اللي أخدت تقييمات كويسة لكنهم نزلوا يتضامنو مع زمايلهم.
– كمان الاعلام غطي الاحتجاج بشكل مكثف وطلب من رئيس الوزراء التدخل، وحصل نقاش عام كبير حوالين طريقة التقييم ظهر فيه المؤيدين والمعارضين كل واحد بيشرح وجهة نظره ويدعو الناس لتأييده.
– في النهاية وزير التعليم قرر التراجع، وبقى مسموح للطلاب ياخدو الدرجة الأعلى سواء كانت درجة تقييم المدرس أو درجة النظام الإلكتروني.
– ومهم هنا نلاحظ إن النظام نفسه من الأساس فيه ثقة بنزاهة المدرس اللي هيقيم الطالب، مش انه وارد الطلاب يدفعوا رشاوى للمدرسين اللي أجورهم ضعيفة، أو إن مدرسين يبتزوا الطلاب يدفعولهم أو ياخدو دروس اجبارية وإلا ينقصوا درجاتهم.
– ده خلي في النهاية حوالي 327 الف طالب يقبلوا في الجامعات اللي كانت اختيارهم الأولي، و45 الف في الاختيار الثاني ليهم، و60 الف طالب أو اقل دول اللي كان عندهم مشاكل في التقديم للجامعات بسبب الفوضى اللي حصلت في نظام التقييم.
– بعد تراجع الحكومة من المتوقع أنه ال60 ألف يلاقوا أماكن في الجامعات اللي أعلنت عن إجراءات استثنائية للتعامل مع الفوضى دي.
– بعد حل المشكلة الموضوع لسه منتهاش، مطالبات كتير ليه في البرلمان والإعلام بالاستقالة لوزير التعليم، وانتقادات لطريقته البطيئة في حل الأزمة والتجاوب مع الطلاب فور ظهور المشكلة، ده غير ان الصحافة اتكلمت عن وجود علاقات لشخصيات حكومية بالشركة اللي ساهمت في عمل برمجيات “الألجوريزم” الخاص بالتقييم.
– امبارح الاثنين روجر تايلور، رئيس الهيئة البريطانية لتنظيم الاختبارات “أوفكويل” Ofqual، وهيا جهة مستقلة عن وزارة التعليم، قال ان اللي حصل كان خطأ جسيم، وكشف ان الهيئة رغم انها فعلا كانت ضد نظام تقييم المدرسين، واعتبرت المدرسين بيدوا الطلاب تقييمات عالية “بشكل غير معقول”، لكن الهيئة كانت برضه رافضة نظام التقييم الالكتروني، ونصحت وزارة التعليم بان قدامها خيار من اتنين اما تأجيل الامتحانات، واما عمل الامتحانات عن بعد، والتصريح ده يمثل ضغط جديد على وزير التعليم لتحمل المسؤولية والاستقالة.
– أليستير جارفيز، الرئيس التنفيذي لجامعات المملكة المتحدة، وهو منصب منتخب من ١٣٦ جامعة عشان يمثل مطالب الجامعات قدام الحكومة، طالب بتقديم دعم حكومي أكبر السنادي عشان الجامعات تقدر تقبل عدد أكبر من الطلاب السنادي، لأن بعد رفع الدرجات هيتم استيعاب طلاب تانيين بالاضافة للي اتقبلوا أول مرة في حدود الأماكن المتاحة.
*****
ايه اللي بيحصل في مصر في قصص مشابهة؟
– في السنوات الأخيرة بداية من 2016 و حتي 2019 حصلت احتجاجات من الطلبة أكثر من مرة علي نظام التعليم الجديد واللي هو مش مجرد طريقة مختلفة لحساب درجات النجاح ولكن تغيير جذري في التعليم.
– بداية من المنظومة الالكترونية، وحتي تغيير نظام الثانوية العامة المقترح، وغيرها اللي كان كتير من أولياء الأمور والطلبة رافضين تفاصيل فيها أو عندهم أسئلة أو اقتراحات، لكن الحكومة كان تعاملها في حالة المظاهرات القبض علي الطلبة دول وتوجيه الاتهامات لأولياء أمورهم بأنهم ممولين وتابعين للإخوان.
– الموضوع وصل أنه الاعلام التابع للدولة شن حملة علي جروبات أولياء الأمور، اللي طبعا أطلقوا عليها اسم ” جروبات الماميز ” واتهموهم بنشر وترويج الشائعات والوقوف ضد الدولة نتيجة اعتراضهم علي وزير التعليم طارق شوقي.
– حتي طارق شوقي وزير التربية والتعليم لم يتعامل بأي قدر من الشفافية مع أولياء الأمور ولم يناقشهم في أي خطط لتطوير التعليم وعشان كده الرؤية كانت غير واضحة وفي رفض من أولياء الأمور، ودا بعيدا عن تقييمنا لخطة التطوير واللي ممكن تكون جيدة فعلا ببعض الجوانب، لكن محتاجة شغل كثير علي الأرض واستيعاب مستمر لنتايج التطبيق عشان ميحصلش مشاكل واقعية زي مشاكل الامتحانات الالكترونية.
*****
– السؤال اللي لازم كل مصري يسأله لنفسه هو ليه بيحصل في بريطانيا كدة وليه بيحصل عندنا العكس؟ الإجابة ببساطة أنه في مشاركة مجتمعية حقيقية هناك، والحكومة والدولة بما انهم في دولة ديمقراطية فهما دائما خايفين من العقاب الانتخابي بالتالي بيحاولوا بقدر الإمكان يلبوا مطالب الشعب.
– مفيش حد طلع في بريطانيا مثلا اتهم الطلاب أنهم اخوان او اتهم أولياء أمورهم بأنهم مش فاهمين حاجة وبيروجوا لشائعات، بالعكس حصل نقاش عام في الاعلام حوالين الموضوع واستضافوا خبراء وطلبة من اللي تضرروا من الموضوع والوزير نفسه وتم حل المشكلة بسهولة والتراجع عن الخطأ.
– مش عيب أنه مسئول في أي دولة يقول أنا غلطت في القرار بالتالي أنا بعتذر وهحاول أصلح من الأمور،ومش عيب أنه المسئول في الدولة يسمع للناس ويشوف مطالبهم ويرد علي تخوفاتهم بشكل واضح وصريح.
– لو مثلا في قصة الدروس الخصوصية اللي الوزارة دلوقتي عايزة تلغيها حصل نقاش مجتمعي واسع وتم اشراك المعلمين وأولياء الأمور والطلبة والمسئولين عن التعليم فيه، وتم انشاء نظام بديل حقيقي يضمن حصول التلميذ علي نفس جودة التعليم في الدرس الخصوصي تابع للوزارة وتم تشجيع الناس عليه بمنطق أنه ارخص حتي كانت القصة سوف تحل.
– لكن التعامل اللي شبيه بالتعامل الأمني وفكرة الإبلاغ عن مراكز الدروس الخصوصية بدون بديل واضح ليها هو شيء مش هيحل المشكلة وشفنا مكانها المدرسين بقوا بيدو دروس عن بعد، لأن مادامت الخدمة مطلوبة هتفضل بتتقدم.
– قصة تانية زي ارتفاع مصاريف المدارس الخاصة، أو الانترفيوهات اللي بتتعمل لأطفال صغار في السن واللي أولياء الأمور اشتكوا منها أكثر من مرة لم تتدخل الوزارة لحلها لحد دلوقتي بسبب طبعا الضغط من جانب المدارس الخاصة في مصر واللي هي بيزنس كبير فيه الجيش نفسه دلوقتي.
– كل الحاجات دي بتقولنا قد ايه الديمقراطية والأليات اللي بتنتجها زي الانتخابات البرلمانية والمحلية، التظاهر وحرية التعبير، والمؤسسات الوسيطة زي النقابات والاتحادات الطلابية اللي جايه بانتخابات نزيهة، كلها مهمة لأنه الناس تحصل علي حقوقها دي مش مسائل بعيدة عن الحياة اليومية لكل مواطن.
– بتقولنا أيضا أهمية الديمقراطية في عملية الرقابة علي صناع القرار اللي هما مش ملايكة نازلة من السما ومعرضين للخطأ وخطأهم مش زي خطأ المواطن العادي لأنه بيترتب عليه في حالة طلاب الثانوية العامة مستقبل كامل، بالتالي لازم دائما يكونوا عرضة للرقابة والمحاسبة.
– نتمني أنه وزير التعليم والحكومة يشوفوا القصة دي والقصص اللي زيها وهما بيفكروا يشوفوا تجارب تطوير التعليم، لأنه تطوير التعليم مش تطوير مناهج وامتحانات بس ولكن منظومة كاملة لازم تتطور، وتكون جواها أليات الديمقراطية والرقابة والمحاسبة حاضرة طول الوقت، وفيها قدر من المشاركة المجتمعة دائما موجود لأنه ده مستقبل كل طلاب مصر مش مستقبل طارق شوقي لوحدة.
*****