– يوم الجمعة مصر تقدمت رسمياً بشكوى لمجلس الأمن ضد أثيوبيا، بتطلب منه التدخل على خلفية فشل مفاوضات سد النهضة المستمر، وآخر جولاتها كانت المفاوضات الأخيرة اللي تمت من 9 ل 13 يونيو بدعوة سودانية.
– في البوست دا هنشوف إيه أخر التطورات، وإيه هي اختيارات مصر المطروحة؟ وإيه اللي هيترتب على الشكوى لمجلس الأمن؟
*****
مجلس الأمن ممكن يضيف إيه لمصر؟
– مصر قدمت شكوى بناء على المادة 35 من الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة المتعلق ب”حل النزاعات سلمياً”، واللي بتجيز لأعضاء الأمم المتحدة أن تنبه مجلس الأمن إلى أي أزمة تهدد الأمن والسلم الدوليين.
– الخطاب المصري قدم العديد من الأسانيد القانونية، وحكى إن مصر بتقدم الشكوى بعد استنفاذ كل إمكانيات التفاوض واللي شملت جولة واشنطن، اللي فيها الدول الثلاث وافقت على صياغة وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي للاتفاق، لكن فجأة اثيوبيا انسحبت، وان أثيوبيا مستمرة في عدم الالتزام بالقوانين الدولية عن “الدول المشاطئة” ودون استكمال دراسات أمان السد، ما يهدد حياة ١٥٠ مليون نسمة في السودان ومصر.
احتمالات تعامل مجلس الأمن:
١- ان المجلس يتجاهل الشكوى المصرية، أو يرفضها باعتبار ان الوضع “لا يهدد الأمن والسلم الدولي”، وده احتمال ضعيف، لكن لو حصل مش هيكون أمام مصر إلا انها تلوح بما “يهدد السلم والأمن الدولي” زي اجراءات سياسية حادة أو مناورات عسكرية بحرية وجوية بأقرب نقطة ممكنة لأثيوبيا مثلا.
٢- ان المجلس يصدر قرار تحت “الفصل السادس” بوقف ملء السد إلى حين التوصل لاتفاق، ودي قرارات ليها “إلزامية أدبية”، وساعتها اثيوبيا هيبقى قدامها أحد خيارين:
الخيار الأول ان ده يضع ضغط على إثيوبيا للعودة لعقد اتفاق ملزم، خاصة ان الشركات العالمية هتتردد في الاستثمار في ظل أوضاع مضطربة زي دي، وده اقرب الاحتمالات لما تريده مصر حاليا للوصول لحل سلمي تفاوضي.
أو الخيار التاني ان اثيوبيا تقرر تجاهل القرار ده، وساعتها بيعتبر القرار خطوة للإحالة لمحكمة العدل الدولية اللي لو مصر نجحت تقنع مجلس الأمن بيها، ساعتها مش من حق إثيوبيا ترفض، وأحكام المحكمة بتشكل مسؤولية على المجتمع الدولي، وبتدي حق واضح للصادر الحكم لصالحه.
٣- إن مجلس الأمن يصدر قرار تحت “الفصل السابع”، يعني تنفيذ القرار بالقوة تحت مظلة الأمم المتحدة، لكن ده احتمال ضعيف جدا والمعتاد ان الدول الكبرى مش بتستخدمه في النوع ده من النزاعات.
*****
هل مصر ممكن تحشد مؤيدين للقرار بمجلس الأمن؟
– مجلس الأمن بيتكون من 15 عضو، 5 دائمين و 10 غير دائمين بيتم تغيير 5 منهم كل سنة، الخمس أعضاء الدائمين هم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، والدول دي عندها حق “الفيتو” اللي بيمنع استصدار أي قرار بدون موافقتهم. وأما ال 10 أعضاء الغير دائمين الموجودين حالياً هم: ألمانيا، بلجيكا، الدومينكان، إندونيسيا، جنوب أفريقيا، استونيا، النيجر، سانت فينسنت، تونس، فيتنام.
– وبالتالي مصر محتاجة بشكل واضح دعم 9 دول على الأقل لموقفها من أعضاء مجلس الأمن، بشرط عدم استخدام أحد الأعضاء الدائمين حق الفيتو، ومصر باختيارها عملياً إدخال أمريكا كطرف في المفاوضات قبل كده، بتضمن عدم استخدامها الفيتو، وباقي الدول الكبرى مش متوقع تستخدمه، رغم وجود تخوفات من الصين اللي ليها استثمارات كبيرة في أثيوبيا.
*****
هل حصل سابقا ان مجلس الأمن حل صراعات حدودية؟
– في سوابق مهمة حصلت بالفعل زي مثلاً الصراع بين انجلترا وألبانيا، لما أوصى مجلس الأمن الدولتين باللجوء لمحكمة العدل الدولية، بشأن قضية مضيق كورفو، وأصدرت محكمة العدل حكماً شهيراً في ده سنة 1949.
– كمان محكمة العدل أصدرت حكمين شهيرين في مجال الأنهار الدولية؛ الأول في 1997 بين المجر وسلوفاكيا، واللي سلوفاكيا اعتدت على اتفاقيات مشتركة بينهم خاصة بسد نهر “الدانوب” واللي بقا عملياً بيحرم المجر من حقوقها في المياه وبيسببلها ضرر.
– والثاني في العام 2010 بين أوروغواي والأرجنتين واللي عرف باسم “حرب الورق” بسبب بناء الأوروغواي مصانع للورق على ضفاف نهر أوروغواي اللي هو ضمن الحدود المائية المشتركة بين البلدين، وحكمت محكمة العدل الدولية إنه الأوروغواي بالفعل انتهكت جزئياً معاهدة مائية بين البلدين، لكنه مكانش مكانش انتهاك أساسي، وألزمت الطرفين بالتعاون، وبالفعل وقعوا اتفاقية مشتركة بعدها.
*****
طيب ايه اللي كان حصل في المفاوضات الأخيرة؟ إيه بالظبط نقاط الخلاف؟
– في الواقع ظهرت إثيوبيا بوجهها الحقيقي اللي متمسك بجوانب سياسية هي الأزمة الحقيقية، مش الخلافات الفنية زي عدد سنوات الملء وهل يتملي السد في ٣ سنين ولا سبعة ولا عشرة مثلا، دي خلاص مش هيا الأزمة الجوهرية.
– في الجولة الأخيرة اللي دعت لها السودان، السودان قدم ورقة توفيقية رفضتها إثيوبية، وبعدها لما اتطلب من إثيوبيا تقدم هيا ورقة فيها تصورها ظهر انها بتتكلم عن المياة كملكية خاصة لإثيوبيا، “حق سيادي”، رافضة توقيع أي التزام زي مثلا ان حصص المياة لمصر والسودان هترجع زي ما كانت بعد بناء السد واكتمال ملء الخزان.
حسب بيان وزارة الري المصرية:
١- أثيوبيا حاولت أن مصر والسودان يوقعوا على ورقة “بالتخلي عن حقوقهم المائية” مقابل اتفاق “غير ملزم”.
٢- الطرح الإثيوبي يهدف إلى إهدار كافة الاتفاقات التي توصلت إليها الدول الثلاث خلال المفاوضات الممتدة لما يقرب من عقد كامل.
٣- الورقة الإثيوبية لا تقدم أي ضمانات تؤمن دولتي المصب في فترات الجفاف والجفاف الممتد.
٤- إثيوبيا ترى ان القواعد اللي ستتوافق عليها الدول الثلاث “استرشادية” فقط!! بمعنى حق أثيوبيا المطلق في تغيير وتعديل قواعد ملء السد على ضوء “معدلات توليد الكهرباء من السد ولتلبية احتياجاتها المائية”.
*****
إيه رد الفعل الإثيوبي؟
– بعد خطاب مصر الأول لمجلس الأمن قبل تقديم الشكوى، إثيوبيا أرسلت خطاب لمجلس الأمن بيتكلم عن أهمية السد لتنميتها وانها حريصة على ألا تضر جيرانها، لكنها غير ملزمة أصلا قانونا بعقد اتفاق قبل الملء!
– وزير الخارجية الأثيوبي غيدو أندارغاشيو قال لوكالة الأسوشييتد برس، إنه السد هيتم ملئه الشهر القادم سواء في اتفاق أو لأ، وإنه أثيوبيا لن تتوسل إلى مصر والسودان، لاستخدام موارد المياه الخاصة بها لتنميتها”، وإثيوبيا تدفع ثمن بناء السد بنفسها ولا تدفع أي دولة لها مليما واحدا”.
– رئيس الأركان الإثيوبي آدم محمد، زار موقع سد النهضة مع عدد من كبار قادة الجيش الإثيوبي، وقال “إن الجيش مستعد للتصدي لأي هجوم عسكري يستهدف السد، والرد على مصدر الهجمات بالمثل”.
– الخطاب الإثيوبي في أكتر من مقال اتنشرو بالإنجليزية مش بيناقش القانون الدولي والاتفاقيات، بل بيتكلم عن “مظلومية تاريخية” فيها مصر تسببت بتخلف وفقر إثيوبيا حسب كلامهم، ودلوقتي لازم ناخد حقنا ونملك كل مواردنا، والخطاب ده تحول لخطاب شحن شعبي ومزايدة بين القوى السياسية.
– تمسك إثيوبيا بانها لا تعترف بالاتفاقيات التاريخية عن حصص المياة، وبنفس الوقت رافضة حاليا عقد أي اتفاق ملزم حولها أصلا، بيدمر امكانية الاتفاق، لان لا مصر ولا السودان تقبل تهديد انها فجأة تلقى اثيوبيا عايزة تبيع المياة أو تقلل الحصص بمزاجها، مش بس عشان سد النهضة بل عشان خطط إثيوبيا المعلنة لبناء سدود تانية في المستقبل.
*****
إيه الموقف السوداني؟
– بشكل عام حصل تحول إيجابي، والسبب الرئيسي لده حسب البيانات السودانية إن السودان وجدت إن أثيوبيا مش عاوزة تكتب أي اتفاق ملزم، ولاتقبل لجنة تحكيم محايدة ملزمة في حال الخلاف أثناء التشغيل، ولا تدي ضمانات ملزمة عن سد الروصيص السوداني، وكل كلام أثيوبيا بيدور على قواعد استرشادية لكن بدون أي التزامات.
– وزارة الري السودانية أصدرت بيان بتدعم فيه الموقف المصري، وأكدت تحفظها على الورقة الأثيوبية اللي بتتضمن تراجع عن كل الاتفاقات اللي فاتت.
– بالإضافة لبعض التوترات الحدودية الأخيرة مع الجانب الأثيوبي، واللي تقريبا بتحصل كل موسم حصاد على الحدود بين البلدين، في العادي يعني أنه بيكون في صراعات علي الأرض والمحاصيل والمياة، لكن المرادي التصعيد زاد.
– الجانب السوداني رسميا أعلن عبر المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية أنه الميليشيات دي مدعومة من الجيش الأثيوبي، وحصل قبل يومين قصف على معسكر الأنفال للجيش السوداني.
– لكن السودان مازال غير حاسم، ورغم موقفه الرافض للتعنت الإثيوبي لكن لم يتضامن مع مصر في شكواها لمجلس الأمن، ووزير الدولة بالخارجية السودانية عمر قمر الدين، قال تصريح غريب هوا إن السودان “لن يدخل في مواجهة مع إثيوبيا في حال أقدمت على خطوة ملء خزان السد دون اتفاق” وهيواصل التفاوض بعدها، وده يعتبر خطاب مختلف عن البيانات الرسمية من الخارجية السودانية اللي مستخدمش صيغ “استسلامية” للأمر الواقع زي دي، وربما السبب هوا التجاذبات داخل الحكومة السودانية نفسها اللي فيها أحزاب مختلفة وفيها مكون عسكري ومكون مدني بمجلس السيادة كل منهم ليه رؤيته.
*****
ايه المتوقع في الفترة الجاية؟ إيه الخطوات اللي مصر ممكن تاخدها؟
– بشكل عام من لحظة انسحاب إثيوبيا من مفاوضات واشنطن وعدم ظهور أي رد فعل أمريكي جاد ضدها، الرسالة اللي وصلت لإثيوبيا هيا ان المجتمع الدولي ترك مصر وحيدة بدون تحرك واقعي لحسم القضية للأسف، وده دورنا الآن نحاول بكل الأدوات نغير ذلك.
١- مبدئيا مصر هتكمل في مسار الشكوى لمجلس الأمن وهيتضح قريبا المسار اللي هتتوجه له دول المجلس، والمسار المصري الحالي اللي مازال بيضع أولوية الحل السياسي هوا الأفضل، ومهم ادراك ان محدش بياخد في التفاوض كل اللي عايزه، ولازم كل الأطراف تحصل على مكاسب لتبرر الاتفاق قدام جمهورها.
٢- بخصوص مصير اتفاق المباديء، مصر في شكواها لمجلس الأمن قرر تعتمد على إن إثيوبيا خالفت اتفاق المباديء بتوجهها للملء المنفرد دون اتفاق، وبالمقابل إثيوبيا بدئت تظهر فيها أصوات بتلوم على آبي أحمد انه وقع الاتفاق ده لإن قبله كانت مصر تستند بس على الاتفاقات التاريخية اللي إثيوبيا بترفضها وانه كده منح مكسب لمصر، لكن ده لم يمنع ان اثيوبيا تقول لمجلس الأمن ان اتفاق المباديء لا ينص بوضوح على منع الملء المنفرد وتعتمد على تفسير مختلف للنصوص عن مصر.
لكن الواضح ان خلاص فكرة إلغاء التوقيع على الاتفاقية بقت غير متوقعة حاليا مادام أصبحت الاستراتيجية اعتماده كسند لموقف مصر دوليا.
٣- لو وصلنا لنقطة محكمة العدل الدولية هيكون ده إيجابي في الأغلب، لأن موقف مصر قوي قانونا بموجب إتفاقيات تاريخية أعوام 1929 و 1959، ده غير إتفاق الرئيس السابق مبارك مع رئيس الوزراء الأثيوبي “زيناوي” سنة 1993، وكلها اتفاقات قائمة متلغتش، وهيتم الاحتجاج بيها، ده غير القوانين الدولية اللي بتحكم الأنهار العابرة للحدود والدول المشاطئة بشكل عام وبترتيب التزامات واضحة على دول المنابع.
– لكن مفهوم طبعا إن القانون لوحده مش كفاية، الدول الأقوى ممكن تخالفه دون رادع، مثلا إثيوبيا نفسها بنت سد غينالي داو اللي بيأثر على نصيب الصومال من مياه نهر غينالي، وأيضا تعامل تركيا في بناء سد إليسو على نهر دجلة رغم احتجاج العراق.
ومفهوم “القوة” بحق الدول مقصود بيه القوى السياسية والاقتصادية مش العسكرية فقط.
٤- مهم الاستثمار في توضيح موقفنا للدول الإفريقية إننا لسنا ضد السد نفسه أو التنمية في إثيوبيا زي ما الخطاب الاثيوبي بيكوده حصلت فيه خطوات مؤخرا بالتواصل مع الاتحاد الافريقي ومع الدول بشكل مباشر ثنائي.
– وبالطبع ده مفروض يكون جزء من سياسة طويلة المدى للتعاون والاحترام مع الدول الافريقية ومنها إثيوبيا.
– حصلت خطوات إيجابية نحو السودان مؤخرا، زي إرسال طائرة التجهيزات الطبية لمكافحة كورونا، وزيارات متبادلة، والأهم الاشتراك في المصالح زي التخطيط لمشروع الربط الكهربائي بين البلدين، وكمان فتح معبر إشكيت الحدودي في ١١ يونيو الماضي لتبادل السلع والبضائع بين البلدين.
لكن مهم كمان لا يتم الاكتفاء بالتواصل على المستوى العسكري، خاصة مع الفريق حميدتي، لكن مهم الأطراف المدنية بالحكومة المصرية تكثف التواصل والتعاون مع ع الأطراف المدنية بمجلس السيادة السوداني.
٥- مازالت مصر مأخدتش خطوات حازمة جداً وواضحة جدا ضد الأطراف الداعمة لسد النهضة سياسيا واقتصاديا، بما فيهم دول مفروض انها دول صديقة لمصر.
السد بيتبني أصلا عبر شركة إيطالية ومن حق مصر تقول هنوقف شراء السلاح وكمان هنراجع عقد غاز إيني مقابل الموقف ده .. نفس الكلام بخصوص الاستثمارات السعودية والإماراتية الهائلة في إثيوبيا واللي حتى مطلعوش بيان يدعم موقف مصر!
ده غير العلاقات المصرية الإسرائيلية كمان مادام الرئيس السيسي اتكلم سابقا عن “السلام الدافيء” يبقى منطقي ان دلوقتي تحديدا وقت نشوف فيه اثبات عملي لو ده فعلا ممكن يفيد مصر، النظر للعلاقات الإسرائيلية الإثيوبية الوثيقة، وللاستراتيجية الاسرائيلية القديمة للتغلغل في أفريقيا، رغم نفي إسرائيل رسميا العام الماضي الأخبار عن كونها أمدت أثيوبيا بأنظمة دفاع جوي حول السد.
٦- اتكلمنا بشكل موسع سابقا عن ضرورة إيجاد حلول مستدامة للفقر المائي اللي موجود بالفعل، سواء حلول على المستوى الداخلي زي محطات تحلية المياه رغم كلفتها العالية، وإعادة استخدام محطات الصرف، ومعالجة مشاكل التبخر في بحيرة ناصر أو حلول خارجية زي إعادة نظر مشروع ربط نهر الكونغو، رغم الصعوبات والتعقيدات الفنية الكبيرة اللي فيه.
– ممكن تشوفوا الحلول دي بشكل مفصل من البوست السابق في آخر البوست ده.
*****
هل الحل العسكري وارد؟
– الحل ده هو آخر خيار ممكن، ويجب عدم اللجوء ليه إلا في حال وصولنا لوضع كارثي حقيقي، لدرجة ان بعض الخبراء شايفين اننا نكمل في المسار التفاوضي حتى لو تم بدء الملء في يوليو، زي الدكتور هاني رسلان اللي قال ان اللي هيحصل في يوليو هو “الملء الأول” فقط اللي هوا كميته ٥ مليار متر، لا تؤثر على مصر، بينما السد لسه بناءه هيكتمل بعدها، ومعانا سنة على الأقل لمواصلة التفاوض.
– مسألة القدرة العسكرية المباشرة وهل طائرات الرافال مداها وحمولتها يوصل السد بشكل فعال ولا لا؟ وهل عندنا قدرات التزود بالوقود في الجو بشكل كافي؟ وهل عندنا قنابل تقدر تؤثر في جسم السد زي “القنابل الفراغية”؟ وهل عندنا قدرات تجاوز منظومات الدفاع الجوي الروسية اللي بتملكها إثيوبيأ؟
دي كلها أسئلة بيناقشها المتخصصين العسكريين، وكمان طبيعي دي أسرار دولة محدش يعرف بدقة الحجم الكامل للقدرات العسكرية اللي عند الدول بشكل عام، لا مصر ولا إثيوبيا، مع احتفاظ مصر بأفضلية واضحة في كل البيانات المنشورة بطبيعة الحال.
– لكن كمان الأسئلة السياسية لا تقل صعوبة هل مصر تقدر تحتوي وتتعامل مع النتائج بعد الضربة؟
العوامل تشمل على سبيل المثال:
١- رد فعل إثيوبيا على المدى القصير والطويل، هل هتحاول كاجراء انتقامي منع تدفق النيل بأي شكل؟ هل هتحاول الرد عسكريا بأي صورة ولو ضد مصالح مصرية في إفريقيا؟
٢- رد الفعل السياسي الإفريقي، وأوله من الدول اللي مفروض الطيران يعبر فوقها السودان أو إريتريا، اللي ممكن يوصل طرد مصر من عضوية منظمة التعاون الإفريقي أو مقاطعتها سياسيا واقتصاديا، وربما في المستقبل تكتل دول المنبع ضدنا، ويرسخ صورة مصر كدولة “مستعمرة” تتعامل بتكبر مع الأفارقة كما تقول الدعاية الإثيوبية.
٣- رد الفعل السياسي الدولي، وأكتر سيناريو بيقلق صانع القرار المصري بطبيعة الحال هوا سيناريو صدام حسين وغزو الكويت، واللي وصل لفرض عقوبات دولية وحصار، وده اتكرر مع حالات تانية زي الأضرار الجسيمة اللي تعرضلها الاقتصاد الروسي رغم انها دولة كبرى لما أمريكا وأوروبا طبقوا عقوبات بعد عملية غزو القرم في أوكرانيا عام ٢٠١٤.
وبالطبع مينفعش يتقارن الموقف الدولي لمصر بالدعم المتاح لإسرائيل في عمليتها لقصف المفاعل النووي العراقي عام ١٩٨١.
– لكن في المقابل البعض بيقول ان في الوضع الحالي العديد من الدول تدخلت عسكريا ولو خارج القانون الدولي ومحصلش رد فعل جسيم، خاصة في ظل سياسية الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط اللي أخدها ترامب، وفي ظل أهمية ملفات اللاجئين والإرهاب اللي بيد مصر لأوروبا.
– والحقيقة إن مخاطر الحل ده العسكرية والسياسية تخلي فعلا مش مطلوب حد يطرحه بسهولة أبدا، وتفضل الأولوية لاستنفاد كل الوسائل الأخرى، مع استمرار تعزيز قدراتنا العسكرية لأسوأ الاحتمالات ووقتها يكون إضطرار شديد مش اختيار أبدا.
*****
– حاجة مهمة لازم أي مصري يشوفها في تعامل أثيوبيا معانا طول المسار ده، إنه دايما كان فيه حساب لرد الفعل الشعبي الأثيوبي، الديمقراطية بتجبر دايماً المسؤولين يحاولو يظهروا قدام شعبهم مدافعين عن كل الحقوق، خوفاً من العقاب الانتخابي والمحاسبة الشعبية، ده غير انه قادر يقول للأمريكان أنا عندي انتخابات ومينفعش اعمل اتفاق واخسر بعده بشهر وييجي حد تاني يلغيه، يعني الرأي العام الشعبي ورقة ضغط إضافية في ايد المفاوض.
– بينما للأسف الصورة في مصر مختلفة جدا سواء في أسلوب الإدارة، أو حتى في استمرار السياسات الأمنية لحد دلوقتي اللي بتعزز الانقسام وتؤثر على المصداقية محليا وبالصحافة العالمية زي ما بنتابع نموذج اللي بيحصل مع أسرة علاء عبدالفتاح بدون أي مبرر!
وده طبعا لا ينفي ان اللي حاصل في اثيوبيا تعنت شديد و”خطاب شعبوي” بيتم فيه استخدام عواطف الشعب الأثيوبي لأغراض سياسية، ولما السياسيين يشحنوا الجماهير بيكون صعب التراجع، وآبي أحمد مأجل الانتخابات في أثيوبيا وبيضغط بورقة السد وفي اعتراضات قوية هناك عليه من المعارضة للسبب ده.
– دعمنا لموقف بلدنا النهاردة في ظل الخوف من وضع كارثي حقيقي، وفي ظل إن الخطوات الأخيرة كانت موفقة فعلا، لاينفي على الإطلاق مسؤولية المعنيين بالملف عن خطأ أساسي حصل بنجاح إثيوبيا في استدراجنا للتفاوض كل السنين الماضية.
– اتفاق المباديء في حد ذاته مكانش بيقول استمرار التفاوض العبثي ده، ده كان بيقول بيتكلم عن الاحتكام لبعض المكاتب الفنية الاستشارية زي شركة BRLI الفرنسية، وبالاضافة لتقييم حقيقي لآثار السد، والأهم انه كان بيتكلم عن السعي لحسم الملف خلال ١٥ شهر. لو كنا أخدنا الخطوات الحالية في ٢٠١٨ مثلا كان الوضع هيختلف جدا.
– تقييم السياسات الماضية والمسار الحالي مفروض يكون عمل تشاركي أكبر من شخص الرئيس ومن السلطة وحدها، دهالمفروض بتقوم بيه مؤسسات دولة زي الخارجية والمخابرات وغيرها، ومعاها كمان المجتمع عن طريق البرلمان اللي مفروض ينتخب بنزاهة، والأحزاب، والمراكز البحثية والأكاديميين والخبراء المتخصصين.
– بنكرر كلامنا السابق إن مسألة مياه النيل أكبر حتى من كونها أمن قومي لكل مصري، دي حياة أو موت لمصر حرفيا، مفيهاش مؤيدين ومعارضين، ونتمنى نشوف تعامل على قدر التهديد الكبير ده لأمننا المائي والغذائي، من كل الأطراف الرسمية والشعبية في مصر، وبالتأكيد إحنا مع كل الاختيارات اللي تضمن حقنا كمواطنين مصريين في مياه النيل.
المصادر
مشاركة: