– الأسبوع اللي فات بدأت في تونس أول محاكمة “عدالة انتقالية”، تخص قضية تعذيب واختفاء حصلت سنة 1991، هيتحاكم فيها 14 متهم على رأسهم غيابيا الرئيس السابق بن علي، ووزير الداخلية السابق، ورئيس أمن الدولة السابق.
– التجربة التونسية زي ما هيا مهمة جداً لينا فيما يخص الحفاظ على السلم الأهلي وعلى أدوات الديمقراطية، كمان مهم جداً نعرف تجربتهم في “العدالة الانتقالية”، إزاي الناس عملت معركة طويلة بعد 7 سنين بدأت تؤتي ثمارها؟ إية قصة هيئة “الحقيقة والكرامة” اللي اتشكلت للتحقيق في جرائم النظام السابق؟ ايه اختصاصاتها؟ وازاي جمعوا الأدلة؟
– وطبعا احنا ممكن نستفيد إية من القصة دي؟ خاصة إن كلنا عارفين وضع التعامل مع ملفات نظام مبارك واستعادة الأموال، وعودة كتير من الممارسات السابقة زي زمان، وخاصة كمان ان الدستور الحالي ينص في المادة 241 على اصدار قانون العدالة الانتقالية.
*****

يعني ايه “عدالة انتقالية”؟ تفرق ايه عن المحاكم العادية؟
– العدالة الانتقالية بتحصل في تجارب الدول بعد التغيرات الكبيرة زي الثورات، والتحول من الدكتاتورية للديمقراطية.
– الغرض منها بيكون أوسع من محاسبة المتورطين في جرايم النظام القديم، لكن الأولوية بتكون لـ “الحقيقة” يعني نفهم ازاي ده حصل، وإزاي نغير السياسات وشكل الدولة بحيث نمنع تكراره، وأولوية تانية هي “المصالحة” لكل المواطنين بما في ذلك النظام القديم حسب شروط معينة.
– ممكن تشمل أنواع جرايم سياسية زي المسؤولية عن تزوير الانتخابات أو عن الفتنة الطائفية مثلا.
– بتتشكل ليها هيئات مستقلة تضع قوانينها الخاصة.
– بتلتزم ب “جبر ضرر” الضحايا زي صرف تعويضات للأفراد أو الاعتذار.
– ممكن تسمح بأنواع عقاب أو عفو غير معتادة، ومن أشهر التجارب العالمية هيئة “الحقيقة والمصالحة” في جنوب أفريقيا، اللي كانت بتسمح بالعفو عن المذنبين بشرط إنهم يعترفوا ويطلبوا الصفح، وبموجبها حصلت مصالحة بين الأفارقة والبيض على أساس المواطنة المتساوية.
*****

إيه اللي بيحصل في تونس بالظبط؟

– المحاكمة اللي بدأت تخص جريمة قديمة هيا الاخفاء القسري والتعذيب حتى الموت للمواطن كمال المطماطي سنة 1991، واللي لحد النهاردة محدش يعرف مكان جثته، لكن فيه كلام غير رسمي انهم حطوها في أساسات عمود كوبري وصبوا عليها الأسمنت!
– القضية هي الأولى من قضايا كتير أحالتها “هيئة الحقيقة والكرامة” للمحاكم المتخصصة بالعدالة الانتقالية فى تونس.
– مجال عمل الهيئة ميخصش عهد الرئيس السابق بن علي بس، لا كمان من لحظة استقلال الجمهورية التونسية سنة 1955.
– قانون العدالة الانتقالية في تونس صدر في 2013، والقانون نص على تكوين محاكم متخصصة للعدالة الانتقالية تحاكم فى الجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان، وجرائم الفساد المالي والسياسي زي تزوير الانتخابات أو “الدفع للهجرة الاضطرارية”.
– الدولة تتحمل كافة مصاريف إجراءات القضايا، وتلتزم بتعويض ضحايا الانتهاكات والجرائم.
– مين القضاة اللي بيحاكموا؟
القانون نص على إن الهيئة تختار بنفسها قضاة المحاكمات دي بشرط أنهم يكونوا لم يشاركوا في أي محاكمات “ذات صبغة سياسية”، وإنهم ياخدوا تعليم مخصوص عن العدالة الانتقالية.
*****

يعني ايه “هيئة الحقيقة والكرامة”؟
– القانون نص على انشائها كهيئة مستقلة تتولى كل صلاحيات العدالة الانتقالية.
– تم انتخابها من لجنة مكونة من أعضاء المجلس التأسيسي التونسي، بترتيب معين يضمن عدم سيطرة أي حزب (مثلا كل حزب سياسي له من نائب واحد إلى 30 حقه يكون له عضو باللجنة، والعدد يزيد بزيادة الاعضاء)
– اللجنة تختار 15 عضو ليهم شروط ، منها أنه العضو ميكونش عضو بالمجلس التأسيسي، ولا يكون مسؤول بأي حزب سياسي، والتصويت على التشكيل تم برضه بشروط لضمان تضمن عدم تحكم أي حزب.
– مدة عمل الهيئة هي 4 سنوات تبدأ من 2014، قابلة للتجديد سنة بقرار من الهيئة نفسها بعد موافقة البرلمان التونسي.
– مهام الهيئة تشمل كل اجراءات كشف الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين، وجبر الضرر والاعتذار للضحايا وأسرهم، والمصالحة الوطنية.
– مهام الهيئة تشمل كمان إصلاح المؤسسات لضمان عدم تكرار اللي حصل، ومراجعة القوانين، وتحديث مناهج التعليم الخاصة بالعاملين بمؤسسات الدولة.
– الهيئة ليها صلاحيات تخص كل مهامها ومنها عقد جلسات استماع للضحايا والشهود سرية أو علنية.
*****

طب هل الموضوع مشي كدة بسهولة ومن غير صعوبات ؟

– بالتأكيد لا، تونس زي مصر زي أي بلد بظروف شبيهة، لازم تواجه صعوبات ومقاومة شديدة من رجال النظام السابق.. مفيش حالة مثالية أو مفيهاش نقص أو لحظات تراجع.
– مثلا رغم نص القانون على تمكين الهيئة من كل الأرشيف الوطني، ورغم تعاون المؤسسات الدولية زي الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية اللي سلمت كل أرشيفها عن تونس للهيئة، لكن حصلت مشكلة كبيرة حوالين طلب الهيئة لأرشيف القصر الرئاسي واللي رفضت الجهات الأمنية تسليمه، لكن نجحت الهيئة فى 2014 بعد ضغط شعبي وضغط من المجتمع المدني أنها تحصل على الأرشيف ده.
– كمان مثلا اترفض اطلاع الهيئة على الأرشيف العسكري والأمني عشان يتعطل مسار عمل الهيئة.
– العديد من أفراد الأجهزة الأمنية رفضوا الحضور لأي تحقيق أمام الهيئة، وطلبت الهيئة من البرلمان استدعاء الوزارات والجهات المسؤولة عن تعطيل أعمال الهيئة ومحاسبتها.
– كمان حصلت أكثر من استقالة داخل الهيئة قبل بداية أعمالها لخلافات داخلية، أو بسبب ضغوط وانتقادات تعرضت ليها الهيئة ورئيستها سهام بن سدرين زي اللي اتهموها بإهدار الأموال أو ببطء العمل وغيرها.
– من أهم العراقيل كانت رئيس الجمهورية التونسية الباجي السبسي واللي قال بعد انتخابه اننا عاوزين “مصالحة شاملة وضد العدالة الانتقامية”، وبعدها قدم مشروع للبرلمان للتصالح في كل قضايا التربح والفساد المالي، وانه متاح يستخدم سلطته للعفو عنهم بحجة جذب الاستثمارات.
– لكن حصلت مظاهرات شعبية ورفض حركات سياسية ونواب، أدى في النهاية إلى تعديل القانون واتحذف منه ما يخص رجال الأعمال، وبقى بينص على مصالحة الموظفين والمسؤولين اللي تورطوا بقضايا فساد لكن محققوش منافع شخصية لهم.
– الباجي السبسي رفض حضور أول جلسة استماع علنية للضحايا هو ورئيس الحكومة.
– الهيئة عملت 13 جلسة استماع علنية شملت الضحايات وشملت كمان مسؤولين حكوميين كبار سابقين، واتذاعت مباشرة على التلفزيون التونسي، بعضها كان فيها شهادات إنسانية مؤثرة جدا حول التعذيب (لينكاتها موجودة في المصادر) وبعضها كان سياسي زي جلسة كاملة مخصصة لوقائع تزوير الانتخابات بحضور مسؤولين حكوميين، زي شهادة وزير الداخلية الأسبق إدريس قيقة عن تزوير انتخابات سنة 1981.
– كمان عملت اللجنة أكثر من 10 آلاف جلسة تحقيق سرية في المدة نفسها .
– استقبلت الهيئة أكثر من 65 ألف ملف عن الانتهاكات اللي قام بيها رموز النظام السابق ضد المعارضين السياسيين ، وبدأت في مارس 2018 فى إحالة القضايا لمحاكم العدالة الانتقالية.
– في بداية السنادي حصل خلاف بين الهيئة والبرلمان والحكومة على موضوع تجديد عمل الهيئة لمدة سنة ، والبرلمان فعلا صوت بإنهاء عمل الهيئة وتسليم ملفاتها، لكن الهيئة تمسكت بحقها في التجديد لنفسها لمدة سنة تنتهي في ديسمبر 2018 بناء على قانون العدالة الانتقالية، وقدرت الهيئة مؤخراً انها تمدد أعمالها بالتوافق مع الحكومة تحت مسمى “إنهاء الأعمال الختامية”.
*****

ومصر إيه اللي حصل فيها ؟

– بالرغم من انه بعد 30 يونيو تم انشاء وزارة كاملة اسمها “وزارة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية” لكنها معملتش أي حاجة، وفي 2015 اتلغت خالص وتم دمجها بوزارة الشؤون القانونية ومجلس النواب.
– بالرغم من أنه الدستور المصري في المادة 241 نص صراحة علي التزام البرلمان بإصدار قانون للعدالة الانتقالية لكن لحد الآن لم يصدر، ولا حد قال تفسير واضح.
– المتحدث باسم البرلمان النائب صلاح حسب الله قال إنه ” القانون ليس من أولويات الأجندة التشريعية للبرلمان .. مع الإقرار بأنه استحقاق دستوري واجب” !
– ولإن ده محصلش رجعنا نشوف حالات تعذيب، وحالات فساد مسؤولين، وتدخل الأجهزة الأمنية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وغيرها.
– الصراع السياسي اللي فيه أطراف الإخوان والقوى المدنية والجيش تسبب في تخريب المسار السياسي بعد الثورة، بعكس تونس اللي فيها تم الوصول لحلول وسط وشراكة بين كل القوى.
– محاكمات نظام مبارك مكانتش بتحاسب على تزوير الانتخابات او تخريب الحياة السياسية أو رعاية الفساد والرشوة وغيرها من التهم السياسية.
– المحاكمات تمت بتكليف الشرطة نفسها والقضاء نفسه بدون أي تعديل، بجمع الأدلة وبالمحاكمات، وبالتالي الغالبية الساحقة من قضايا الظباط والمسؤولين خلصت بالبرءة، ومتحمكش على مبارك وأولاده إلا بالفساد المالي بقضية قصور الرئاسة لأنها الوحيدة اللي كان فيها ظابط احتفظ بكل الفواتير والمستندات.
– لو السلطة الحالية جادة في شعارات محاربة الفساد والإصلاح واحترام القانون، كان مفروض فوراً يتنفذ الدستور بالمسار ده لعدم تكرار الماضي، لكن من الواضح ان ده هوا المطلوب بالظبط..
– ومسيرنا في يوم تيجي فرصة بظروف أفضل ونكون اتعلمنا من تجربتنا وتجارب تونس وغيرها، ونحقق العدالة والحقيقة والمصالحة، ونبني بلدنا بدون ما نكرر الماضي.
*****

– الصورة لمتظاهرين رافعين صورة الشهيد كمال المطماطي.


المصادر




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *