السؤال الأول: مين اللي بيتآمر؟
الرئيس عبدالفتاح السيسي كرر كتير جداً كلامه عن “حروب الجيل الرابع” اللي مفروض ان بيها “أهل الشر” بيتآمروا على مصر لتقسيمها و”إسقاط الدولة”.
وكتير جداً سمعنا كلام من سياسيين وإعلاميين إن المؤامرة دي تشمل ثورة ٢٥ يناير، وثورات الربيع العربي، اللي صنعتها مخابرات إسرائيل وأمريكا ودول غربية، وشفنا اتهامات بتتوجه طول الوقت للمعارضين إنهم خونة وعملاء وقابضين ومتدربين بالخارج!
جميل .. عايزين توضيحات حاسمة وواضحة:
– مين “أهل الشر” اللي بيتآمروا؟
إسرائيل اللي علاقتنا بيها سمن على عسل؟ أمريكا اللي بتمنح الجيش المصري ١.٣ مليار دولار معونة عسكرية سنوياً، وبتستقبل بعثات تدريب الجيش كلها، وبالمناسبة الرئيس السيسي نفسه درس بأمريكا؟ بريطانيا وألمانيا اللي بيوقعوا معانا الصفقات؟ فرنسا اللي باعت لينا الميسترال والرافال؟
مادام مسئولي الدولة ورئيسها مصممين جداً إن فيه حاجة اسمها مؤامرة “الجيل الرابع” يبقى مش أقل منطق توعوا الشعب مين اللي بيتآمر؟!
– لو أي شخصية سياسية معارضة أو مستقلة قابل سياسي غربي، أو اتدعى لإلقاء كلمة في الكونجرس أو مثلا فوراً بيطلع هجوم رهيب عليه بصفته محرض ضد مصر وعميل و و و! هوا مش دي دول صديقة ولا إيه؟!
– إيه هيا رؤية مصر لدور إسرائيل بملف سد النهضة؟ هل هي دولة متآمرة ودعمت أثيوبيا بملف السد ضدنا؟ .. ولا هيا دولة صديقة وهتساعدنا وتضغط على أثيوبيا لصالحنا؟
ولا مطلوب من مصر اتفاق يخص مياه النيل، وعودة للكلام عن مشروع توصيل حصة من مياه النيل لإسرائيل؟
****
السؤال الثاني: مصر عايزة إيه؟!
دلوقتي الكلام الرسمي ان زيارة سامح شكري دي عشان حل القضية الفلسطينية الاسرائيلية .. جميل جداً، اللي هوا إيه بقى الحل ده؟
– الحل المطروح دولياً من كل الأطراف، هو “حل الدولتين”، بمعنى تنفيذ قرار الأمم المتحدة بالتقسيم عام ١٩٤٧، وبالتالي إسرائيل تنسحب من كامل أراضي ٦٧، والفلسطينيين يقيموا دولتهم “كاملة السيادة” عليها، أما مدينة القدس فيتم تقسيمها، وتصبح العاصمة الفلسطينية هي القدس الشرقية التي تشمل المقدسات، واللاجئين يعودوا كل منهم لمدينته وقريته الأصلية سواء كان مكانها بدولة فلسطين أو دولة اسرائيل.
الحل ده هوا نفسه اللي طرحته “المبادرة العربية” اللي قدمتها السعودية عام ٢٠٠٢، وهوا تقريبا نفس اللي بتطرحه “المبادرة الفرنسية” حالياً.
– بعض المثقفين والسياسيين من دول مختلفة بيطرحوا حل تاني هو “حل الدولة الواحدة”، وبموجبه تنشأ دولة واحدة تشمل كامل أراضي فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وتكون دولة مدنية ديموقراطية بها حقوق مواطنة متساوية لكل من اليهود والعرب، وده شبه تجربة جنوب أفريقيا مثلاً.
– الحكومة الحالية في إسرائيل يمينية متشددة رافضة تماماً الحلين، نتنياهو كرر رفضه مبدأ حدود ٦٧، وفي أبريل الماضي عقد اجتماع الحكومة على هضبة الجولان السورية وصرح إن إسرائيل ستحتفظ بالجولان إلى الأبد!، وكمان نتنياهو تمسك بالحفاظ على “يهودية دولة إسرائيل”، يعني انسوا فكرة حل الدولة الواحدة.
طيب إيه اللي عايزه نتنياهو؟
عايز يعمل دولتين بمزاجه! عايز يطبق حاجة اسمها “تبادل الأراضي”، المطروح بشكل عام هو انه الفلسطينيين يتنازلوا عن مستوطنات الضفة مقابل انهم ياخدوا مكانها جزء من صحراء النقب، واللاجئين يعودوا لدولة فلسطين دي فقط، وتكون دولة ناقصة السيادة.
طيب إحنا دلوقتي عارفين إسرائيل عايزة إيه، وعارفين موقف الفلسطينيين سواء فتح أو حماس، وعارفين موقف كل دول العالم، إلا مصر .. مصر عايزة إيه؟!
لما نتنياهو عطل المبادرة الفرنسية اللي كان مفروض اجتماعها اول الشهر الجاري قال ان هناك “مبادرات اقليمية”، واضح ان قصده على مصر … هيا ايه بالظبط “المبادرة المصرية”؟!
مش من الحق الشعب المصري يعرف اللي بيتكلموا باسمه عايزين ايه قبل ما يتفاجيء بكلام بيتقال على لسانه؟!
واستكمالا للنقاش المستمر حول جزيرتي تيران وصنافير، خلينا فاكرين ان بنقل السيطرة على الجزيرتين إسرائيل بقى لها كامل حق الملاحة في المضيق اللي تحول لمياه دولية طبقا للمادة ٣٨ من الاتفاقية الدولية لقوانين البحار. (الوضع الحالي إن حق الملاحة مكفول بموجب اتفاقية السلام بإذن مصر باعتبارها مياه إقليمية مصرية) . القرار الاستراتيجي دا هل هوا فعلا في مصلحة مصر و السعودية؟
حتى لو فعلا السعودية لها حق تاريخي في الجزيرتين، و دا مش صحيح برأينا، الاستراتيجية العربية تخلي من مصلحة العرب بشكل عام أن مصر تفضل متحكمة في المضايق، لأن بنقل السيادة على الجزر، مش هيبقى من حق السعودية أو مصر، حتى لو اتفقوا، أنهم يقفلوا المضايق، لأنها مياه دولية.
****
السؤال الثالث: ليه يكون السلام “دافيء”؟
كل ما نيجي نجيب سيرة اسرائيل نلقى حد يقول في وشنا “هوا انتوا عايزينا نحارب؟”
في الدبلوماسية والسياسة فيه اختيارات وبدائل تاني كتير جداً غير الحرب وغير “السلام الدافيء”!
تاريخ الحروب بيننا، واللي قدمنا فيه ١٠٠ ألف شهيد مش بيروح بالساهل كده، نقدر نشوف السلام البارد أو المتوتر بين الخصوم التاريخيين بأماكن كتير بالعالم، الهند وباكستان مثلاً، السعودية وإيران مثلاً.
ومش هنقول الكلام اللي إحنا عارفينه كعرب، وبعيد عن أي كلام ثوري أو قومي أو شعارات، عشان محدش يقول أي حجة، خلينا نتكلم عن أبسط منطق العالم كله بيقوله: دلوقتي إسرائيل بالقانون الدولي وبالأمم المتحدة “دولة إحتلال”، دولة غير طبيعية، ملهاش حدود رسمية، ومسجل ضدها جرائم دولية كتير جدا جدا .. دولة قتلت عشرات الآلاف من المواطنين العرب، فلسطينيين ولبنانيين وسوريين ومصريين، وشردت مئات الآلاف.
– في نوفمبر ٢٠١٥ البرلمان الاوروبي أصدر قرار بوضع علامات تميز المنتجات الصادرة من مستوطنات، وده تم بعد توسع حملة المقاطعة لاسرائيل بأوروبا وتشمل المقاطعة الاقتصادية والاكاديمية وغيرها .. فين مشاركة مصر كجزء من المجتمع الدولي هنا؟
– الدول الأوروبية بترفض أي تعامل رسمي في القدس لأنها محتلة، وعشان كده الزيارات الرسمية والوفود الدولية والسفارات في تل أبيب مش القدس، ليه وزيرنا يروح القدس كإنه بيعترف بالاحتلال؟!
– لو شفتو تصريحات أي مسئول غربي يقابل اي مسئول اسرائيلي لااازم تلاقيه حشر وسط كلامه أي حاجة عن المستوطنات .. إزاي وزيرنا في كلامه يساوي بين الطرفين بالظبط، وميقولش ولا كلمة واحدة عن “المستوطنات”؟
– من أسبوع مجلس الوزراء الاسرائيلي وافق على خطة لبناء ٨٠٠ وحدة جديدة بمستوطنات القدس والضفة، الاتحاد الأوروبي في بيان رسمي دعا لإلغاء القرار، والخارجية الأمريكية أدانت القرار وقالت إنه “يبدو جزءاً من خطة ممنهجة تهدم الجهود الرامية للتوصل لاتفاق سياسي”، وده مع تأكيد التمسك بالقرارات الدولية الخاصة بحل الدولتين.
هوا الخارجية المصرية أقل من إنها مجرد تقول كلمتين زي أوروبا وأمريكا عن الموضوع ده؟! إزاي يبقى موقف الدول البعيدة تماماً عننا أقوى من موقفنا بالملفات دي؟
كل دي مجرد نماذج لـ “بديل” متاح قدام مصر، مساحات مختلفة من الممارسة والمناورة السياسية والدبلوماسية.
****
كل الكلام ده نقدر نلخصه في المشكلة السياسية الرئيسية بمصر واللي كررناها كتير: الشفافية والمشاركة.
بغياب الشفافية والمشاركة يقدر أي نظام حاكم يفضل يخوف شعبه من المتآمرين بينما هوا علاقته بيهم زي الفل، ويقدر ياخد تصرفات فردية غير مدروسة أو مدروسة لصالحه الشخصي فقط زي ما حصل بقضية الجزيرتين، ويقدر يعلن الحرب أو السلام دافيء أو بارد بمزاجه.
ده بالظبط اللي بنرفضه .. الناس هيا اللي بتدفع تمن الحرب من دمها وفلوسها، وهتستفيد بمكاسبها أو تتضرر بخسائرها، والناس برضه هما اللي بينعكس عليهم نتائج السلام الإيجابية أو السلبية.
لازم أي قرار كبير يكون مطروح قبلها للنقاش العام، والناس تاخد حريتها ووقتها، وتكون شريكة بيه سواء بالمعرفة المسبقة أو بآلية اتخاذ القرار .. فاكرين مفاجئة تيران وصنافير؟ ان شاء الله هنفضل نشتغل لحد ما نوصل للحظة مفيش حاكم لمصر بيفاجيء شعبه!