– من أيام أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن بيانات نشرة التوظف والأجور وساعات العمل، النشرة دي سنوية بالتالي النظرة على أرقامها بتعكس التغير اللي حصل في السنة اللي فاتت في أوضاع سوق العمل، وبتدينا فكرة مهمة عن جودة الوظائف اللي بتنتجها معدلات النمو الاقتصادي ومدى تأثير النمو دا على دخول الناس.
– النشرة الأخيرة بتغطي 2020 مش السنة الحالية، بالتالي ممكن نبص فيها على تأثيرات كوفيد-19 على سوق العمل كمان.
– وعشان النشرة دي كمان أول سنة يكون فيها رصد لأجور منشآت القطاع الخاص اللي بتوظف أقل من 10 عمال واللي هي نسبة كبيرة جدا من القطاع الخاص في مصر.
– ايه أهم الأرقام اللي في النشرة دي؟ وايه دلالتها على وضع سوق العمل في مصر؟ والأهم ايه المطلوب لإصلاح سوق العمل في مصر؟ دا اللي هنناقشه في البوست دا.
*****
ايه أهم أرقام النشرة؟
– متوسط الأجر الأسبوعي في مصر في 2020 كان حوالي 915 جنيه، وده متوسط للقطاع العام والخاص، لكن لما نيجي نقارن بين الاتنين هنلاقي أنه القطاع العام أعلى بكثير في متوسط الأجر الأسبوعي، القطاع العام متوسط الأجر الأسبوعي فيه 1834 بينما القطاع الخاص حوالي 855 جنيه بس.
– الفجوة الكبيرة دي بتقول أنه مازال القطاع الخاص في مصر مبيديش أجور كافية مقارنة بالقطاع العام.
– أما في الفرق بين 2019 و2020 هنلاقي أنه متوسط الأجور الأسبوعية في القطاع الخاص انخفض بنسبة 13% السنة اللي فاتت وده طبعا نتيجة كورونا، وكمان هنلاقي أنه الإحصاءات دي بدأت تضم المنشآت اللي بتشغل أقل من 10 عمال، وهم الأسوأ في ظروف العمل.
– بينما في القطاع العام ارتفع متوسط الأجر الأسبوعي بنسبة 24% من 1479 في 2019 لـ1834 في 2020 وده نتيجة أنه القطاع العام ومعظم اللي شغالين فيه أحوالهم أفضل، وفيه قطاعات خدمية متأثرتش بشكل كبير بكورونا.
– على مستوى الفجوة بين النساء والرجال فما زالت هناك فجوة واضحة في الأجور، الرجال متوسط الأجر الأسبوعي ليهم حوالي 940 جنيه مقابل 776 للنساء يعني فرق حوالي 20%.
– الفرق في الأجور بين النساء والرجال واضح أكثر في القطاع العام، متوسط أجر الرجال الأسبوعي حوالي 1913 ومتوسط أجر النساء حوالي 1455 جنيه.
– طبعا الفجوة الموجودة في القطاع العام دي بسبب اعتماد قطاعات اللي متوسطات الأجور فيها ضعيفة زي التعليم على النساء بشكل كبير.
– قطاع التعليم في المجمل هو أقل القطاعات الاقتصادية من حيث متوسط الأجور الأسبوعية بحوالي 549 جنيه يعني أقل من الحد الأدنى الشهري للأجور المقدر بـ 2400 جنيه.
– بيانات أخرى مهمة في النشرة هي متوسط ساعات العمل الأسبوعية اللي كانت في القطاع العام حوالي 49 ساعة أسبوعيا، وفي القطاع الخاص حوالي 54 ساعة أسبوعيا، مع العلم أنه متوسط ساعات العمل الأسبوعي في العالم أقل من كده، المتوسط العالمي في حدود 46 ساعة أسبوعيا.
– الدول المتقدمة بتشتغل من 32 لـ40 ساعة في الأسبوع، والدول النامية بتشتغل من في حدود 46 ساعة أسبوعيا، بالتالي في الأغلب المصريين في القطاع الخاص بيشتغلوا عدد ساعات من الأعلى عالميا ومع ذلك بيحصلوا على أجور أدنى بكثير.
– طبعا المتوسط ده مرتفع بسبب إن كتير من المصريين بيشتغلوا وظيفتين أو أكتر، وكمان الاقتصاد غير الرسمي المصريين بيشتغلوا فيه ساعات كثيرة جدا، زي قطاع المطاعم متوسط ساعات العمل أسبوعيا فيه حوالي 51 ساعة، يعني أكثر من 10 ساعات يوميا، دا المتوسط لأنه في مصريين كتير بيشتغلوا 12 ساعة في اليوم لمدة 5 أو 6 أيام في الأسبوع في القطاع الخاص.
*****
نشوف ايه من كل ده ؟
– الأرقام دي بتقول أنه مصر مفيهاش بيئة عمل جيدة، وبالذات في القطاع الخاص واللي رغم توسعه في الـ30 سنة الأخيرة حتى أصبح المساهم الأكبر في الناتج المحلي والمشغل الأكبر للعمال إلا أنه لسه مش بيحقق أدنى معايير العمل الجيدة فيما يتعلق بساعات العمل الآدمية والأجور كأهم شيء.
– زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد كان المفروض تعني زيادات أكثر في الأجور الحقيقة باستبعاد أثر التضخم لملايين من المصريين اللي بيشتغلوا في القطاع ده، زي تجارب تنموية كثيرة حصلت في العالم في كوريا – الصين – جنوب شرق آسيا وغيرها حصل فيها تصنيع وزيادة للأجور الحقيقية للعمال.
– لكن ولأنه القطاع الخاص في مصر وخاصة الكبير مش قطاع صناعي، مرتبط بأنشطة تعتمد على العقارات والمقاولات فمحصلتش الزيادة المفترضة للأجور لأنه طبيعة سوق العمل مش بتبقي أفضل حاجة في القطاعات دي اللي بتعتمد على عمالة موسمية.
– أيضا شيء مهم جدا هو فشل الدولة في الاستثمار أو دفع القطاع الخاص للاستثمار في الصناعة وما يرتبط بده بقي من تعليم فني جيد بينتج سوق عمل مدرب وبياخد مرتبات كويسة.
– ممكن نشوف ده من رقم وحيد مرعب جدا عن التنمية في مصر في آخر 30 سنة وهو أنه في مصر حصة القطاع الصناعي من الوظائف انخفضت من 32 % في 1996 لـ21 % بس في 2017، الانخفاض المستمر في حصة القطاع الصناعي من التشغيل يعني انخفاض قدرة الاقتصاد ككل على توليد وظائف جيدة بدخول جيدة تقلل من الزيادة السكانية ويكون فيها معدلات أمان وظيفي أفضل.
– بالتالي سياسة الدولة الاقتصادية في تشجيع طفرة العقارات والإنفاق المكثف على البنية التحتية بهذه الشراهة سبب مؤثر في تدهور الصناعة، وبالتالي تدهور قدرة الاقتصاد على خلق وظائف عمل جيدة.
*****
ايه الإصلاحات المطلوبة؟
– إصلاح سوق العمل في مصر هو جزء من الإصلاح الاقتصادي المطلوب حاليا، وكمان إصلاح هيكل الاقتصاد ككل أنه يكون أكثر إنتاجية، بالتالي يكون القطاع الخاص والعام قادر يدفع أجور أكثر، وإصلاح نظام تعليم عشان يخرج قوة عمل عندها مهارات كافية.
– عشان نحقق العمل اللائق في مصر للمصريين فإحنا محتاجين إصلاحات كتيرة، لازم نشوف إصلاحات تشريعية في قانون العمل، وإصلاحات هيكلية في الاقتصاد، تشتغل على تطوير قدرات العاملين في القطاع الخاص عشان نزود الإنتاجية، وبالتالي يكون مقدمة لرفع الأجور وإصلاح بيئة العمل، وإصلاحات سياسية تتيح حريات نقابية في مصر.
– الإصلاحات دي أيضا لازم تشمل الآتي في وجهة نظرنا:
1- تفعيل الرقابة الحكومية على عقود العمل في مصر عن طريق الرقابة على أصحاب الأعمال.
2- إقرار قانون حد أدنى للأجور شامل في مصر للقطاع العام والخاص بدون استثناءات وربط الحد الأدنى ده بعدد ساعات العمل يعني، يكون في قانون بيقول أنه في حد أدني للأجور لكل ساعة في القطاعات المختلفة.
3- إلزام أصحاب الأعمال بالتأمين على العمال اللي عندهم خاصة في القطاع الخاص.
4- إلزام أصحاب الأعمال بالتأمين الصحي.
5- توفير آليات تأمينية مرنة ومدعومة حكوميا مخصصة للمنشآت متناهية الصغر.
6- محاولة تقليل الفجوة بين الرجال والنساء في سوق العمل عبر قوانين لصالح النساء (زي توفير حضانات بأماكن العمل وغيرها)، وإلغاء التمييز الرسمي في التعيين في بعض مؤسسات الدولة زي القضاء للنساء وغيرها بالاضافة لمكافحة التمييز غير الرسمي ووضع آلية تسمح بتلقي الشكاوى ضد التمييز بشكل عام على أساس الجنس أو الدين أو غيرها.
– ونعيد التذكير بمفوضية مكافحة التمييز المنصوص عليها بدستور 2014 ولم تنفذ حتى الآن.
– كل الحاجات دي محتاجة تتحقق جوا سياق ديمقراطي بيسمح للعاملين بالتعبير عن مطالبهم بدون ما توصف تلك المطالب بأنها مطالب فئوية ويتم القبض على الناس وترهيبهم.
– المفروض إنه في الدول الديمقراطية بتكون الدولة مراقب لسوق العمل، عشان تمنع أصحاب الأعمال من استغلال العمال، وتحسن بيئة العمل وتطور قدرات العمال والموظفين والخريجين لأن دي كلها عوامل جذب للاستثمار.
– نتمني الأرقام الرسمية دي واللي جاية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تخلي المسؤولين مدركين لمدى سوء وضع العاملين بأجر في مصر، وإنه في أهمية وضرورة إصلاح جذري لقوانين وأوضاع العمل، ده الطريق الوحيد لزيادة الإنتاجية وللنمو الاقتصادي، إنتاجية العمال بتتحسن لما ظروفهم المادية والمعيشية بتتحسن ويحسوا بالأمان الوظيفي.
– باختصار مفيش استثمار قوي بدون بيئة عمل محترمة ولائقة، واحنا لسه بعاد عنها جداً.
*****