من حوالي أسبوعين تعرض مواطنين في قرية “دمشاو هاشم” في المنيا لإعتداءات طائفية تسببت في إصابة 3 مسيحيين وحرق بيوت ونهب محتوياتها، بحجة وجود كنيسة غير مرخصة!
– التطور اللي حصل هوا ضغوط بيتعرضوا ليها للموافقة على صلح عرفي، وده اللي أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قبل أيام بيان بيرفضه.
– قبلها بأسبوع واحد حادثة مشابهة بالظبط في قرية “عزبة سلطان” المجاورة، اللي تظاهر فيها أهالي أسبوعين ورا بعض بيهتفوا “مش عايزين كنيسة”.
– الحادثتين الأخيرتين بيرجعونا لقضية مثارة من سنين طويلة حول دور الدولة والمجتمع في أحداث العنف الطائفي، واشكاليات بناء الكنائس، وإزاي محدش عارف يوقف ده رغم كل خطابات الوحدة الوطنية وإصلاح الخطاب الديني، بل جهات بالدولة بتنكر وجود أزمة أصلاً وبتقول أنها توترات عادية وحوادث فردية زي ما قال المتحدث بإسم مجلس النواب النائب صلاح حسب الله.

****

إيه اللي حصل في المنيا؟
– بحسب بيان رسمي من مطرانية المنيا قالوا انهم أبلغوا قوات الأمن قبل أيام من حدوث الاعتداءات بعد ما تم رصد دعوات على مواقع التواصل للحشد ضد وجود كنيسة في القرية، وده على خلفية ان قرية عزبة سلطان المجاورة حصل فيها نفس الشي، لكن برضه الأمن تجاهل الموضوع وموصلش القرية إلا بعد حرق البيوت!
– حالياً مقبوض على 19 شخص على ذمة القضية.
– الحادثة مش الأولي في دمشاو هاشم، بل فيه حادثة مشابهة حصلت في 2005 ونتج عنها تهجير لأسر مسيحية بعد جلسة عرفية داخل القرية.
– بشكل عام المنيا كمحافظة كانت مركز للعنف الطائفي ده، ومن 2011 إلى 2017 حصل فيها 40 حادثة من اجمالي 83 حادثة شبيهة.

****

الدولة والمجتمع .. تمييز مركب

– لو تجاهلنا مؤقتا الحوادث الارهابية المباشرة لتفجير الكنائس اللي شفناها مؤخراً، هنلاقي انه فيه مشكلة لا تقل أهمية عن الارهاب وهي التحريض الطائفي المجتمعي، وتعامل الدولة مع التحريض ده.
– بالنسبة للمجتمع ففي معظم الحوادث كان السبب إن أهالي بالقرية رافضين بشكل قاطع بناء أي كنيسة، لا مرخصة ولا غير مرخصة، كإنها إهانة لقريتهم، لدرجة ممكن بعد تفاوض طويل يعرضوا انه تتبني كنيسة بره القرية وميبقاش عليها قبة أو صليب!
أو يرفضوا ويقولو فيه كنيسة في قرية جنبنا ما يروحو هناك، بينما القرية اللي جنبهم بدورها فيها ناس تحس باهانة لما تلقى مسيحيين جايين من براها!
– بعض الوقائع حصلت لأن فيه أهالي اعترضوا على حضور لجنة لتقنين وضع مبنى يستخدم ككنيسة.
– حصلت نماذج لاعتداء على المصلين المسيحيين بالحجارة بعد الخروج من الصلاة خاصة لو كانوا جايين من قرية مجاورة مفيهاش كنائس فبيكونو مستائين انهم جايين يصلوا عندهم!
– بعض الاعتداءات حصلت برضه بسبب شائعات عن علاقة عاطفية بين مسيحي ومسلمة، أو حتى حالات مشاجرة عادية جداً تتحول لحالة عنف جماعي.

***

الدولة بتتعامل ازاي؟
بشكل واضح بيتكرر غياب الأمن أو حضوره المتأخر، وبعدين يتقبض على بعض المعتدين وكمان على مسيحيين من اللي تم الاعتداء عليهم، والموضوع بيخلص في النهاية علي تصالح عرفي برعاية المحافظ ومدير الأمن، ده حصل مثلا في قرية أولاد ابراهيم بمركز أسيوط في أغسطس 2016.
– بل في بعض الحالات حصل الاعتداء من أفراد الشرطة زي ما حصل في الكنيسة الانجيلية فى الاسماعيلية لما قوة الأمن المكلفة بتأمين الكنيسة اعتدت بالسب علي القس عزت عفيفي، أو زي ما شفنا من حوالي شهر لما اقتحم أمين شرطة كنيسة في مركز ناصر ببني سويف وقال للمسيحين في المكرفون انتو كفرة، بعدها تم وقفه عن الحمل واحالته للتحقيق.
– في حالات تانية لما يعترض الأهالي على صلاة مسيحيين في أحد البيوت، كانت أجهزة الأمن بتقبض على صاحب البيت وتخليه يمضي إقرار انه مفيش كنيسة هنا عشان تهدئة المعترضين!

***

طيب ما الأقباط يرخصوا الكنائس بتاعتهم وخلاص إيه المشكلة؟
أولاً دي حجة فارغة، وهل الأهالي هيتحركوا لو واحد مثلا بيبني على أرض زراعية أو بيعلي دور مخالف؟!
ثانياً مفيش مخالفة أصلا، لأنه بنص المادة 8 من القانون الحالي ممنوع وقف اقامة الشعائر الدينية في كل الأماكن المقدم بها طلبات تقنين إلى حين اتخاذ القرار.

– بعد المقدمة دي نقول ان الموضوع مش بالسهولة دي أصلاً، فيه مشاكل كبيرة في قانون بناء وترميم الكنائس الصادر في 2016، يعني مفيش قواعد محددة زي مثلا لو المساحة كذا وعدد السكان كذا يبقى تلقائي تاخد التصريح، بل فيه كلام عام زي نص المادة 2 انه يُراعى التناسب “مع عدد وحاجة مواطني الطائفة المسيحية بالمنطقة”، طيب مين يحدد ده متناسب ولا مش متناسب؟
– والأهم إن شرط أساسي موافقة الجهات الأمنية اللي هوا ملوش أي قواعد.
– لجنة توفيق أوضاع الكنائس واللي شكلت بقرار من رئيس الوزراء في 2017 فيها عضو واحد من المسيحين وعشر أعضاء من أجهزة الدولة المختلفة، منهم ممثل للمخابرات العامة وممثل للأمن الوطني.
– الموافقات الأمنية دي عادة مبتجيش لما تحصل اعتداءات طائفية، فيتقال احنا شايفين انه الوضع غير آمن، أو أصلنا سألنا بعض كبار البلد فقالوا مش موافقين فلا نضمن سلامتكو، وكده المعتدين يحققو مطلبهم فيتشجع غيرهم!

– اللجنة اتقدم ليها من نشأتها حوالي 3730 طلب تقنين أوضاع لكنائس أو مباني خدمية أو جمعيات مسيحية، قننت منهم 166 حالة فقط لحد أبريل الماضي، والباقي لسه في قائمة الانتظار الطويلة البطيئة.
– كمان لو المسيحين عايزين يرمموا بس كنيسة قائمة برضه مجبرين ياخدوا نفس التصريحات الأمنية والموافقات القانونية.
– في حالة المنيا تحديداً مركز المنيا وأبو قرصاص الاتنين (150 قرية بتوابعهم) بحسب الأنبا مكاريوس محتاجين دور عبادة للمسيحيين، وده اللي بيخلي كنائس البيوت ممارسة منتشرة في قرى المنيا، لأنه الناس مش عارفة ترخص لكنائس قانونية، بسبب القانون مرة واعتراض الأهالي مرة واعتراض الأمن مرة تالتة.
– للأسف القانون ده حظي بدعم كل ممثلي الكنائس، واتناقش في غياب شراكة منظمات المجتمع المدني المستقلة اللي كانت متمسكة أصلاً بقانون دور عبادة موحد، وبالتأكيد جزء من ده هوا ان القانون بيرسخ لوضع بتستفيد منه المؤسسات الكنسية خارج نطاق المواطنة لأنه بينص ان التعامل بيكون مع “الممثل القانوني للطائفة”، يعني مش زي المسلمين مواطن عادي يطلب يبني مسجد، لا مفيش حاجة اسمها مواطن مسيحي في القانون ده، بل لازم يبقى تابع لكنيسته!
وفي المقابل تستمر الجهات الأمنية في ادارة الملف سياسيا بالتنسيق مع القيادات الكنسية، وجزء من المساومات دي بيظهر مثلاً في التوجيه السياسي وقت الانتخابات، بالظبط زي ما استخدام وزارة الأوقاف عند المسلمين بيؤدي لنفس النتيجة.

*****

ممكن نقول أنه فيه سببين رئيسين لتكرار الاعتداءات الطائفية:

– الأول من الدولة اللي بتتراخى سواء عن طريق غياب المنظومة العقابية، أو التخلي عن سيادة القانون لصالح الجلسات العرفية والصلح اللي بتتم برعاية اجهزة الأمن.
وسواء ده عن اهمال أو عن عمد أو أيا كان التفسير، فالأكيد انه مينفعش التحجج انه مفيش قدرة أمنية، ما احنا بنشوف مدى الصرامة اللي بتتعامل بيها اي مظاهرة سياسية مثلا.

– السبب الثاني هو الخطاب الطائفي من المجتمع تجاه المسيحين، خاصة في القرى والأرياف، واللي بيعبر عن حالة تامة من غياب أي شيء إسمة إصلاح الخطاب الديني، وغياب أي دور للتعليم أو الثقافة، وبيدخل فيه عوامل دينية زي منشورات اتوزعت في القرية بفتاوى سلفية عن “حرمة بناء الكنائس في بلاد المسلمين”، وعوامل تانية غير دينية خالص زي تصور انه من كرامة القرية انه ميبقاش فيها كنيسة، أو اشاعات زي ان دول بيخبو سلاح في الكنايس وغيره من الكلام!

****

وايه الحل؟
– أول خطوة ندرك حجم المشكلة، وانها متراكمة من عشرات السنين، ومتداخلة في أبعاد تانية زي الاقتصاد والتعليم وغيرها، ومينفعش إلصاقها بحجج واهية زي انه يتقال ده اللي عملوا كده اخوان وباقي أهل القرية حبايب .. فيه مشكلة حقيقة في المجتمع، وفيه خطاب كراهية انتشاره أوسع بكتير من أي تصنيفات سياسية.

– جزء من الحل هو إلغاء قانون بناء الكنائس، واستبداله بقانون موحد لدور العبادة، خاصة ان كون الصلاة تتطلب كل التعقيدات دي متعارض مع نص الدستور على حرية ممارسة العبادة، لازم تتحط شروط واضحة ومتماثلة لبناء المساجد والكنائس لأننا مفروض يعني في بلد مواطنة متساوية.
– كمان جزء تاني يتعلق بسيادة القانون، لازم القعدات العرفية للصلح تنتهي، اضرب واحرق وكسر وفي الاخر هنقعد ونتراضى، وممكن نخلي الكنيسة شكلها مش باين من بره عشان منستفزش مشاعرك!
– الدستور الحالي في المادة 53 ينص على انشاء مفوضية مكافحة التمييز خلال دور الانعقاد الأول، ليه ده تم تجاهله تماما؟ وإن كان ده مش غريب طبعاً وسط الكم الرهيب من مخالفات الدستور.
– على المدى الطويل محاربة الخطاب الطائفي في المجتمع المصري، من خلال الخطاب الديني والتعليم والاعلام والثقافة، وده بأساليب مدروسة ومقنعة وتحترم الناس وعقولها عشان تقدر تغير قناعاتها فعلا، مش بترديد الشعارات.
– الدول المحترمة بيكون فيها حقوق مواطنة متساوية تشمل حرية الاعتقاد وممارسة العبادات بشكل لا يمكن المساس بيه، وتقدر توفر الأمن والحماية لمواطنيها وأملاكهم .. ودي بس مش مسئولية الجهات الحكومية لكن مسئولية المجتمع كله بالتضامن.

****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة