من أيام أصدر رئيس الجمهورية قرار بيمنع كبار العاملين في الدولة من السفر لأسباب تتعلق بوظيفتهم بدون تصريح خاص بالسفر منه شخصياً.
تفاصيل القرار ده، وأسبابه، ومقارنته بالوضع السابق، بالاضافة لحالة التكتم الرسمي عليه هتكون موضوعنا النهاردة.
*****
مين اللي هيتطبق عليهم القرار؟
– القرار ينص على استخراج ترخيص بالسفر بقرار من رئيس الجمهورية لأي أعمال وظيفية أو متعلقة بمهام رسمية، وده لكل من:
* رئيس الوزراء ومن على درجته (زي رئيس المحكمة الدستورية ورئيس البرلمان والنائب العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى، وبالطبع شيخ الأزهر.)
* نواب رئيس الوزراء
* وزراء الداخلية والدفاع والخارجية والعدل
* رؤساء الهيئات “المستقلة” (تشمل المجالس القومية ومنها المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للأمومة والطفولة وغيرها)
* رؤساء الأجهزة الأمنية ونوابهم (زي المخابرات العامة والمخابرات الحربية والأمن الوطني)
* رؤساء الهيئات الرقابية ونوابهم (زي الجهاز المركزي للمحاسبات، والرقابة الإدارية)
– كمان الجزء الباقي من القرار كان بينص على استخراج تصريح من رئيس الوزراء لسفر باقي الوزراء والمحافظين ونوابهم ورؤساء الشركات الحكومية والقابضة والهيئات العامة.
*****
هل كان عندنا سابقا حاجة زي كده؟
– سنة 1972 أصدر الرئيس السادات قرار جمهوري بمنع سفر الوزراء أو نوابهم إلا في حالات الضرورة القصوى وبموافقة منه ومن رئيس الوزراء، وشمل القرار برضه اذن رئيس الوزراء لوكلاء الوزرات ورؤساء الهيئات العامة.
– قرار الرئيس السادات كان على عدد أقل من المسؤولين، وكمان كان في إطار تأمينه لنفسه بعد القبض على الوزراء الناصريين اللي كانوا بيخططوا لاقالته بقضية “مراكز القوى”، بالإضافة كمان لحالة الاستعداد للحرب، وده بالطبع مش الوضع الحالي!
*****
طيب إيه الفرق بين القرار القديم والجديد؟
– الفارق الرئيسي في المشمولين بالقرار، في الوضع القديم كلهم مسؤولين بالسلطة التنفيذية، أما القرار الجديد فلأول مرة يضيف مسؤولين من الأجهزة والجهات اللي مفروض انها “مستقلة”!
– رؤساء الأجهزة الرقابية مثلاً مفروض مهمتهم يراقبوا أفراد السلطة التنفيذية، ونفس الوضع لرؤساء الهيئات القضائية اللي مفروض وارد يحاكموهم أو يحققو معاهم في أي مخالفة قانونية.
كده أي رئيس – لأن القرار ساري للمستقبل مش للرئيس الحالي بس – ممكن يمنع سفر رئيس جهاز بيحقق في قضية فساد بالتعاون مع جهات قضائية بالخارج مثلا.
– وكمان رئيس مجلس الشعب اللي هو “نظرياً” برضه رئيس سلطة تشريعية مستقلة، والمفروض سلطته مستمدة من المواطنين، ووارد البرلمان يسحب الثقة من الحكومة أو يحقق مع الرئيس، نفس الأمر لرئيس الوزراء اللي المفروض برضه بحسب الدستور بيتقاسم صلاحياته مع رئيس الجمهورية ومبياخدش منه أوامر مباشرة، وبرضه تعيينه بييجي من البرلمان!
– شيخ الأزهر كمان مفروض انه مستقل، ومنصبه ليه دواير نفوذ أوسع بكتير من مصر فقط.
– فارق تاني بين القرارين القديم والجديد هوا ان الحالة معادتش بس “المهام الرسمية” لكن تمت اضافة “أعمال متعلقة بوظائفهم” عشان يكون التعريف أوسع وممكن يتطبق على أي حاجة.
– وللأسباب دي فالقرار في أبسط أوصافه هو اعتداء مباشر وواضح من رئيس الجمهورية على نص الدستور، وعلى باقي السلطات.
– القرار هيكون غير عملي، لأنه هيتحول جزء من مكتب رئاسة الجمهورية كأنه مكتب جوازات وتأشيرات سفر للمسؤولين، ووارد يتأخر الإذن بقى لو الرئيس مش فاضي أو مسافر، وده وضع غريب وشاذ جداً.
*****
طيب يمكن القرار ده لتقليل النفقات؟
– طبعاً ده تبرير جميل ولو كان الأمر كده كنا أول ناس هترحب لأننا مع ضغط النفقات غير المهمة بالدولة في ظل معاناة المواطنين.
– لكن كان ممكن نصدق لو القرار ده شمل لائحة تنظيم مالية للسفر، وفيها حد أقصى لكل سفرية، وبيتحدد حسب معايير محددة أهميتها، وأعداد المرافقين لكل مسؤول، وبدلات السفر، ونفقات الحراسة، وغيرها. كان ساعتها هيبقى فعلاً قرار بهدف ضبط النفقات دي – اللي مش معروف حجمها بالمناسبة ولا بيطلع بيها تقرير-
– واللي يؤكد ان ده ملوش علاقة إن أصلاً مفيش أي كلام رسمي ولا نقاش ولا اعلان بيقول أي حاجة، الناس صحيت الصبح لقت القرار طالع، وبعدين فيه ناس بتجتهد تقول التفسير اللي الرئيس نفسه مقالوش ولا حاجة.
– وفوق كده كلنا شايفين سياسات الدولة العامة الأبعد عن كده في كل حاجة، من أول سيارات المسؤولين لحد قصة استيراد طيارات رئاسية جديدة ب 600 مليون يورو اللي عرضناها قبل كده.
*****
ايه احتمالات أسباب القرار ده؟
– من المستبعد ان ده مجرد إجراء روتيني لتنظيم القرار القديم، بسبب الإضافات الضخمة اللي حصلت وشرحناها.
– طيب هل في احتمال مثلاً بإنه الرئيس عاوز يكون على علم بكل تفاصيل السفريات أو اللقاءات الخارجية؟ ده برضه شيء مستبعد لأنه المفترض كل ده بيتقدم بيه تقارير رسمية.
– هل في احتمال إنه مثلاً يكون في صراع خفي أو خلاف بين الرئاسة وبعض المسؤولين؟ مفروض ان ده مش وارد لأنه كل المسؤولين الحاليين تم اختيارهم من الرئيس السيسي، بما فيهم كل قيادات الجيش والاجهزة الأمنية، وبمكانه تغيير أي حد يقلق منه.
– إنه يكون في مسؤولين غير معينين من الرئيس أو في صعوبة في تغييرهم وعلى خلاف مع السيسي، والمواصفات دي تنطبق بشكل رئيسي على شيخ الأزهر أحمد الطيب وهو محمي من العزل بنص دستوري.
خاصة إنه خلال الفترة الماضية سافر أكتر من دولة تم استقباله فيها من رؤسائها، وآخرها من شهر واحد الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز قابل شيخ الأزهر لما كان رايح السعودية لتقديم العزاء بأحد الأمراء.
وفي أخبار وإشارات متصاعدة عن خلافات مابينهم في ملفات زي تجديد الخطاب الديني وغيرها.
– وارد كمان تكون إشارة للمجتمع أو للخارج بإن الرئيس السيسي مسيطر على بشكل كامل، وبالتالي هو بيعزز أدواته قبل الإقدام على خطوات كبيرة، وده متماشي مع الأخبار المتواردة والمستمرة عن رغبات تعديل الدستور.
*****
هل في شيء مشابه بيحصل في الدول الديمقراطية أو أي دولة؟
– في حدود بحثنا ملقيناش أي دولة بالعالم كله عندها قانون أو قرار زي ده حتى الدول غير الديمقراطية، مهو الرئيس هوا اللي بيعين اللي بيثق فيهم ولو مش عاجبه هيغيرهم.
– في الوضع الطبيعي الرئيس والوزراء بيتم إنتخابهم بشكل ديمقراطي، سواء الحكومة من حزب واحد أو من عدة أحزاب هيكون فيه تنسيق بين كل مكوناتها بما فيها امور السفريات الرسمية، ولو حد دار حواليه شك في اهدار مال عام بالسفر أو في تقصير بمهمة رسمية بيتحاسب من البرلمان وحزبه والإعلام والجهات المعنية.
*****
في النهاية حابين نؤكد إننا في وضع نادر جداً، بقى عندنا قوائم ممنوعين من السفر بتشمل نشطاء وحقوقيين وسياسيين، وقوائم تانية مُقيدين في السفر وبتشمل المسؤولين اللي بيمنعوا الناس من السفر سواء أجهزة أمنية أو قضاة! .. مفيش نظام جمهوري ولادستوري، الكلمة العليا بيد السيد الرئيس وحده.
*****