– من نهاية شهر أبريل بدأت احتجاجات واسعة في كولومبيا ضد الحكومة اليمينية هناك بسبب قانون الضرائب الجديد.
– الاحتجاجات ما زالت مستمرة رغم أنالرئيس والحكومة تراجعوا عن القوانين،المثير في استمرار الاحتجاجات دي هي مدى اتساعها في بلد بيعاني من أزمة اقتصادية وسياسية من عقود طويلة.
*****
إيه اللي بيحصل في كولومبيا؟
– في 28 أبريل بدأت احتجاجات من الناس في كولومبيا بعد ارسال الرئيس إيفان دوكي قانون جديد للضرائب للبرلمان الكولومبي.
– القانون الجديد بيفرض ضريبة قيمة مضافة على معظم السلع والخدمات.
– أيضا القانون بيقلل الحد الأدنى من الدخل اللي عليه إعفاء ضريبي لحوالي 684 دولار شهريا، وطبعا مع الأزمة الاقتصادية اللي بسبب كورونا وتأثيرها على دخول الناس هناك وتراجع النمو الاقتصادي في البلد بحوالي 6 % فالوقت كان سيء جدا للقرارات دي.
– والحكومة بررت ده بأنها محتاجة تزود الحصيلة الضريبية علشان تنفق على البرامج الاجتماعية اللي موجودة زي إعانات البطالة.
– بسبب تداعيات كورونا معدل البطالة ارتفع في كولومبيا عشان يوصل 16 % في وسط أزمة اقتصادية وسياسية مستمرة منذ تولي الرئيس إيفان دوكي المحسوب على اليمين زمام الأمور هناك.
– بالتالي الاحتجاجات الحالية هناك هي استمرار لموجة احتجاج ضد الحكومة، لكن الجديد هو اتساع مدى الاحتجاجات المرة دي، من حيث الأعداد والمدن اللي بتحصل فيها المظاهرات، وخاصة بعد فرض حظر التجول من قبل الحكومة.
– بعد 4 أيام من بداية الاحتجاجات قررت الحكومة سحب قانون الضرائب ده، ولكن ده موقفش الاحتجاجات اللي كانت اشتعلت أكثر بسبب تعامل الشرطة العنيف مع المتظاهرين.
– منظمات حقوقية بتقول أعداد الضحايا نتاج عنف الشرطة وصلت 42 قتيل من المتظاهرين وعنصر من الشرطة خلال المصادمات اللي حصلت في الأسابيع الأخيرة.
– التعامل العنيف جدا من الشرطة مع المظاهرات كان محل انتقاد كبير من المؤسسات الحقوقية، وخاصة أنه الشرطة الكولومبية شديدة التسليح ومتعودة على استخدام العنف المفرط لأنه تدريباتها بتكون بالأساس لمكافحة الجريمة المنظمة زي عصابات المخدرات أو المتمردين في الأقاليم المختلفة في كولومبيا، وكمان بتشرف عليها وزارة الدفاع.
– بالتالي كان مشهد دموي أنه تلاقي الشرطة تتعامل مع متظاهرين سلميين في الشارع بنفس العنف اللي بتتعامل به مع عصابات المخدرات.
*****
– على الرغم من سحب قانون الضرائب الجديد، إلا أنه الاحتجاجات ما زالت مستمرة ضد الحكومة بسبب سوء الوضع الاقتصادي والتوجهات الاقتصادية اليمينية للحكومة الكولومبية.
– كولومبيا بلد فيه معدلات فساد مرتفعة، ترتيب البلد في مؤشر مدركات الفساد 2020 كان 92 من 180 دولة بيغطيها المؤشر، ونسبة الفقر وصلت 42,5%، في وقت بيعمل ما يقرب من نصف السكان الناشطين في قطاعات غير منظمة.
– الفساد والعلاقات المشبوهة بين السلطة ورجال الأعمال وتجار المخدرات مستشري جدا في كولومبيا لدرجة أنه لما المعارضة هناك حاولت تنظم استفتاء شعبي في 2018 لتشديد الإجراءات الخاصة بمكافحة الفساد لم يكتمل النصاب القانوني للاستفتاء اللي هو ثلث الناخبين. بالتالي الفساد تحول لشيء عادي هناك.
– لكن الأجيال الجديدة من الشباب عندها مشكلة مع ده كبيرة، وخاصة الشباب والطلاب من الطبقة الوسطى واللي كانوا حاضرين بشده في الاحتجاجات الحالية، بالتالي الاحتجاجات دي بالنسبة لهم فرصة لإصلاح الوضع المتعلق بالفساد في كولومبيا.
– خاصة وإن المعارضة والنقابات المنظمة للتحرك الأخيرة، وكمان بعض الممثلين عن الحزب الحاكم، قالوا عن المشروع قبل سحبه إنه هيأثر بشكل كبير على الطبقة الوسطى، وأنه في غير محله في ظل كورونا اللي فاقمت الأزمة الاقتصادية.
– جزء مهم جدا من استمرار الاحتجاجات هو اللا مساواة الكبيرة، واللي طبيعي تيجي مع الفساد المستشري في البلد، بحيث إن 20 % من الطبقة الأغنى هناك بيحصلوا على 55% من الناتج المحلي بينما الـ80 % بيحصلوا على 45 %، بحسب أرقام 2018.
– الثلاث أشخاص الأغنى في كولومبيا بيتحكموا في 10% من الدخل القومي في البلد، بينما تقريبا نص السكان حوالي 23 مليون من 51 مليون تحت خط الفقر.
– طبعا الوضع ده قنبلة موقوتة في أي بلد، وبالتالي حتى بعد الرئيس ما سحب قانون الضرائب استمرت الاحتجاجات للمطالبة بحياة أفضل.
*****
– كولومبيا بلد نامي شبيه بالوضع المصري، حتى أنه الناتج المحلي للدولتين متقارب، وده طبعا مع الأخذ في الاعتبار أنه مصر ضعف عدد السكان.
– لكن اللامساواة المرتفعة سبب أنه كولومبيين أكثر تحت خط الفقر، بالتالي الاحتجاجات الاجتماعية هناك شيء متكرر خاصة مع صعود الرئيس اليميني الحالي بسياساته، واللي عنده أجندة اقتصادية شبيهة بالإصلاحات الاقتصادية اللي بتحصل في مصر دلوقتي، وفيه مبررات حكومية متشابهة بتقول إن الإصلاح دا ضروري لضمان الاستقرار المالي للدولة، والحفاظ على تصنيفها الائتماني وتمويل البرامج الاجتماعية.
– يمكن الوضع في كولومبيا أفضل شوية من الناحية السياسية لأنها بلد فيه ديمقراطية وانتخابات وحق تنظيم، بالتالي مثلا المظاهرات الأخيرة كانت بدعوة من النقابات العمالية في البداية، لكن في النهاية نفس المشكلات بتاعه التعامل العنيف من الشرطة موجودة في البلدين.
– وإن كانت أعداد الضحايا لا تقارن بعنف الشرطة في مصر في مراحل مختلفة سابقة حصل فيها ضحايا أكثر، إلا أنه نمط العنف وتكراره متشابه بين الدولتين.
– لازم نشير هنا لأن المنظمات الحقوقية الدولية، ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نددوا بالعنف من جانب الشرطة، وكان فيه إدانات أوروبية وأمريكية، ودا يدينا فكرة إنه شيء طبيعي أما بتحصل انتهاكات لحقوق الإنسان في أي مكان في الدنيا، بيحصل تنديد وإدانة ومطالبات بالتهدئة، وإن الوضع في مصر مش استثناء ولا ترصد ولا مؤامرة ولا حاجة.
– وطبعا كالعادة الرئيس الكولومبي بيرفض الاعتراف بتجاوزات الشرطة وبيأكد أنهم بيعملوا “في إطار تطبيق مطلق للدستور” وأن الانتهاكات “بسبب سلوك فردي (…) تقدم إلى القضاء”.
– شيء مهم جدا لازم نشوفه كمان في اللي بيحصل في كولومبيا وهو أنه لما يبقي في دولة فيها معدلات الفقر واللامساواة المرتفعة دي مينفعش تكون الإصلاحات الضريبية المقترحة هي ضرائب قيمة مضافة تتفرض على الجميع بالتالي تزيد من عبء الضرائب على الفئات الأفقر.
– لازم اللي يحصل العكس، ويتم استخدام السياسات الضريبية لمعالجة سوء توزيع الثروة.
– يمكن ده طبق الأصل اللي بيحصل في مصر، واللي كتبنا كتير عن مدى خطورته على وضع الفقراء في مصر، وإزاي ضرائب زي القيمة المضافة مش هتحل أزمة نقص الحصيلة الضريبية كنسبة من الناتج المحلي بالعكس هتزيد التشوه الموجود في الهيكل الضريبي في مصر.
– اتكلمنا أيضا قبل كده على أنه المفترض أنه يكون في ضرائب دخل تصاعدية الشرائح اللي فيها تكون متقسمة بشكل أكثر عدالة، وأنه يكون في تفعيل الضرائب زي الضرائب على الثروات والتركات وضرائب الأرباح الرأسمالية المهمة لزيادة الحصيلة الضريبية بدون ما تكون الزيادة دي على حساب الفقراء.
– اللي بيحصل في كولومبيا رغم كل مشاكل الدولة هناك هو نتيجة أنه في مساحة للناس تتنفس وتخرج للشوارع تعبر عن غضبها واللي هي مساحة مش موجودة في مصر بفعل القبضة الأمنية العنيفة.
– بالتالي الحديث عن أنه الشعب يؤيد الإصلاحات الاقتصادية اللي بتيجي عليه مش بيبقى دقيق أوي طالما مفيش نتائج ملموسة بتوصل للناس، ولأنه في أول اختبار بعيدا عن القبضة الأمنية بتنزل الناس للشارع، وبيكون الغضب كبير ومتراكم، والعواقب كبيرة جدا نتيجة السياسات اللي بتيجي على ملايين الفقراء بدل ما تساعدهم.
– بنتمنى إن أي خطوات بتتاخد في مساحة برامج الإصلاح الاقتصادي يكون من أولوياتها تراعي الفقراء ومحدودي الدخل، خاصة وإننا داخلين على مرحلة جديدة أعلنت عنها الحكومة ووعدت إنها لن تحمل المواطنين أعباء جديدة، وهتركز أكتر على القطاعات الانتاجية.
*****