– يوم الثلاثاء الماضي الادعاء العام الفرنسي طالب بعقوبة السجن ٤ سنوات للرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، في القضية اللي بيتحاكم فيها من حوالي شهر والمعروفة إعلاميا بـ “قضية التصنت”
– اللي بيحصل حدث مميز لأن ساركوزي هوا أول رئيس فرنسي يمثل امام محكمة في قضية فساد من بعد الحرب العالمية التانية.
– قبلها ساركوزي واجه اتهامات فساد تانية لكن لسه موصلتش للمحاكمة، وكمان الرئيس الفرنسي الأسبق شيراك كان حوكم في قضايا تعدي علي الأموال العامة واتحكم عليه بالسجن لكنه لم يمثل أمام محكمة بسبب حالته الصحية وكانت القضية مرتبطة بفترته في رئاسة بلدية باريس مش فترته الرئاسية.
– النهاردة حنشوف ايه قضايا فساد ساركوزي؟ وإيه الآليات اللي خلت فرنسا تكشف فساد على أعلى مستوى زي ده؟وايه اللي ممكن نتعلمه من القصة؟
*****
– القضية الحالية اللي بيحاكم عليها ساركوزي هي اسمها قضية التنصت، المحكمة بتتهم ساركوزي باستغلال السلطة، وده من خلال أنه كان بيستخدم خط تلفون مجهول للحديث مع محاميه عشان يحصل علي معلومات من أحد القضاه في محاكمته في قضية أخري.
– القضية فيها ثلاث متهمين هما ساركوزي، القاضي السابق جيلبير أزيبير ومحامي ساركوزي تيري إرتزوغ، والثلاثة متهمين بمحاولة الاتفاق للقيام بعملية فساد، لأنه ساركوزي اللي كان بيستخدم خط سري باسم ” بول بيسموث ” للتواصل مع المحامي بتاعه.
– في 2014 يعني بعد خرو ساركوزي من الرئاسة أصلا،أحد المكالمات قال ساركوزي للمحامي بتاعه أنه ” سأقوم بترقيته وسأساعده ” بالإشارة للقاضي اللي كان المفترض أنه يديهم معلومات سرية عن مسار قضية أخري.
– القاضي تم وعده بمنصب في موناكو، لكن محصلش عليه لحد التقاعد، ودفاع ساركوزي عن نفسه مبني علي أنه لم يرتكب أي مخالفة بالعكس الشرطة هي اللي ارتكبت لما سجلت مكالماته مع محاميه في انتهاك صريح لمبدأ سرية المعلومات بين الشخص والمحامي بتاعه.
– لكن الشرطة بتقول أنها خدت إذن للتصنت علي الهاتف بتاع ساركوزي من القضاء لانه كان مسار تحقيق جاري بالأساس.
– القضية اللي ساركوزي كان عايز يعرف معلومات عنها هي قضية مستمر التحقيق فيها من 2012 حوالين تمويل الحملة الانتخابية لساركوزي في 2007 واللي القضاء الفرنسي بيقول أنه تلقي تمويلات بملايين الدورلات من العقيد معمر القذافي لحملته الانتخابية.
– أيضا ساركوزي بيتم محاكمته حاليا علي قضية أخري اسمها ” قضية بينتانكور ” وهي تخص سيدة الأعمال والملياديرة وريثة مجموعة لوريال الفرنسية للتجميل، واللي ساركوزي متهم بابتزازها للحصول علي تمويلات لحملته الانتخابية.
– ساركوزي أيضا بيحاكم في قضية أخري متعلفة بالتلاعب في أرقام الانفاق علي حملته الانتخابية في 2012 واللي فضل أنه ينجح فيها، لكنه كان زاد عن الحد الأقصى للانفاق علي الحملة المقرر بالقانون الفرنسي ب 22.5 مليون يورو من خلال ضرب فواتير وأوراق من حزب الجمهوريين.
*****
ايه اللي ممكن يحصل؟
– من المتوقع أنه لو ثبتت التهمة علي ساركوزي في قضية التنصت هيواجه عقوبة السجن قد تصل ل 10 سنوات، بالإضافة إلي غرامة تقدر ب مليون يورو.
– ساركوزي من ست سنوات قيد تحقيقات وقضايا كثيرة زي ما قولنا وكل شوية جزء من الخيط بيتكشف عن فساد الرئيس الفرنسي الأسبق ومخالفاته المالية.
– ده طبعا راجع لفريق التحقيق الشاطر اللي قادر يجيب أدله مادية بدون أي مخالفات للقانون والدستور الفرنسي، حتي لما تصنتوا علي هاتف رئيس سابق خدوا إذن من القضاء.
– أيضا استمرار المحاكمات دي بسبب ضغوط من الرأي العام الفرنسي، واللي رغم محاولات ساركوزي الرجوع للحياة السياسية إلا أنه مازال رافض،رغم كل ما يمثله ساركوزي لليمين الفرنسي في لحظة زي دي فيها توترات كبيرة متعلقة بفرنسا والمسلمين والعلمانية.
*****
ايه اللي ممكن نشوفه في كل ده؟
– في مصر عندنا استمرت لسنوات محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، لكن رغم كل فساد مبارك والمسئولين في النظام السابق إلا أنه التهم والقضايا اللي اتعملت لهم من قبل النيابة العامة كانت تهم واهية مبنية علي تحقيقات ناقصة في كثير من الأحيان، ودي حتي بعيدا عن تسييس القضاء اللي واضح إلا أنه كان في النهاية مبرر للقضاة أنهم يحكموا بأحكام مخففة جدا أو يطلع مسئولين مبارك براءة من التهم دي.
– شوفنا ده في قضايا قتل المتظاهرين في التحرير، وقضايا موقعة الجمل، وقضايا أخري خرج مبارك منها براءة في حين أنه القضية الوحيدة اللي خد فيها إدانة وهي قضية القصور الرئاسية اللي الحكم طلع فيها بالسجن 3 سنوات قضاهم مبارك في المستشفى وخرج بعد كدة مع نجليه يمارسوا حياتهم عادي.
– ده حصل أيضا مع مسئولين أخرين في نظام مبارك وناس متورطة بشكل مباشر في قضايا فساد وقتل لمواطنين مصريين زي حبيب العادلي وذكريا عزمي وغيرهم كثير.
– كل القضايا دي بالمقارنة باللي بيتحاكم عليه ساركوزي دلوقتي هي فعلا تبين قد ايه وضع القضاء عندنا في مصر صعب، وقد ايه القضاء المسيس وبال علينا كلنا كمواطنين مصريين.
– أيضا نشوف في القضايا بتاعة ساركوزي بشكل واضح دور الصحافة وخاصة الصحافة المستقلة زي موقع ميديا بارت MEDIAPARTالفرنسي، وهو موقع مستقل شبيه بمدي مصر هنا وازاي اشتغلوا وعملوا تحقيقات صحفية ساهمت في كشف فساد مسئوليين فرنسين كثير ومنهم ساركوزي.
– محدش في فرنسا حجب الموقع ده، ولا اتهموهم بالخيانة وتلقي تمويلات من الخارج، بل بالعكس سلطات التحقيق تعاونت واستخدمت المعلومات دي في التحقيق بتاعها بعد التحقق منها.
– العكس تماما حصل بيحصل في مصر مع أي موقع مستقل أو جرنال فيه شبهة استقلالية بينشر أي شيء عن فساد مسئولين في الدولة، شوفنا ده حصل مع مدي بعد تحقيق صحفي عن نقل محمود السيسي ابن الرئيس لروسيا وحصل مع أكثر من مكان زي المنصة والمصري اليوم وغيرهم بسبب ما ينشروه.
– بشكل عام أكيد فرنسا عندها مشاكل واضحة بملف مكافحة الفساد، لكن في نفس الوقت عندها مقومات وإرادة لمكافحة الفساد ومؤسسات دولة مش فرد، ده زي حرية الصحافة إنها تراقب وتحقق حوالين أعلى مسؤول، وعندهم استقلال حقيقي للقضاء ميقدرش الرئيس يتدخل ويغير في أحكام أو أعمال القضاء، وطبعا انتخابات ديمقراطية بيتغير فيها الرؤساء والحكومات، وانتخابات محليات بصلاحيات، والمنظومة دي سبب رئيسي لاحتفاظ فرنسا بمكانتها كدولة متقدمة حتى لو عندها مشاكل وأوضاع غير مثالية.
– القضاء المستقل، وسيادة القانون، والصحافة الحرة، والتداول السلمي للسلطة، هي أكبر ضمانات لحقوق أي شعب في العالم، مش الثقة في أي حاكم مهما كان هوا مين، وبدونها المجتمع هيعاني من تسلط الحكومات، ومن الفساد والإفقار لأن محدش بيحاسب أو بيراقب، وأكيد إحنا كمصريين حقنا نتحكم باحترام زي بلاد ديمقراطية كتير في العالم.
*****