– من حوالي أسبوع نشرت النيويورك تايمز تقرير صحفي عن الإقرارات الضريبية للرئيس الأمريكي ترامب وحجم الضرايب اللي دفعها خلال عشرين سنة.
– التقرير الصحفي عمل ضجة كبيرة جدا، وتم استخدامه في المناظرة الرئاسية بين ترامب وبايدن، وبعدها مباشرة ترامب أعلن اصابته هوا وزوجته بفيروس كورونا، والصحافة الأمريكية واصلت نشر أخبار حصرية عن حالته الصحية.
– النهاردة هنحكي تفصيليا عن قصة ضرائب ترامب؟ ايه رد فعله عليها؟ وايه اللي ممكن نشوفه في الأحداث دي كلها؟
*****
– كثير من الجرايد اتكلمت قبل كده عن موضوع ضرائب ترامب، خاصة ضرائب الدخل الفيدرالية اللي كتير من الأغنياء بيقدروا يلاقو ثغرات قانونية لعدم دفعها.
– مثال شهير على ده هو جيف بيزوس أغنى رجل في العالم، صاحب شركة أمازون، قدر انه ميدفعش في 2018 أي ضريبة دخل فيدرالية وحصل عليه هجوم كبير بسبب ده وبسبب انخفاض أجور عمالته، واضطر بعدها يرفع الحد الأدنى لعماله إلى 15 دولار في الساعة (الحد الأدنى في أمريكا 7.25 دولار)
– صعب نشرح بالتفصيل هنا تعقيدات أنواع الضرايب في أمريكا، لكن خلينا نقول إنه في ثلاث مستويات لدفع الضرائب، مستوى المقاطعات أو الأحياء ومستوى الولايات والمستوى الفيدرالي.
– في الحالة بتاعه ترامب التركيز كان على ضريبة الدخل الفيدرالية، وهي جزء مستقطع من صافي الدخل الشخصي لترامب سنويا للحكومة الفيدرالية.
– التايمز قالت انها حصلت على مستندات الإقرارات الضريبية لترامب في الفترة من 2000 – 2017 من مصادر خاصة بيها، والبعض بيرجح إن المصدر هوا ماري بنت أخو ترامب، اللي كتبت كتاب من قريب بتتنقد فيها عمها وترامب وأسرته حاولوا منع الكتاب من الصدور لكن فشلوا.
– في الفترة دي يعني 17 سنة ترامب دفع صفر ضرائب دخل فيدرالية في 10 سنين منهم، وفي 2016 أول سنة رئاسية دفع 750 دولار بس، وكذلك في 2017.
– صعب تحديد هل ده احتيال ضريبي مخالف للقانون ولا استغل ثغرات قانونية، وحاليا مصلحة الضرايب الأمريكية بتراجع مسترجعات ضريبية حصلت لترامب بقيمة 72 مليون دولار، لكن في الحالتين المسألة أثارت رد فعل شعبي كبير لأن الناس قالت مش معقول يبقى فقراء البلد بيدفعو ضرايب أكتر من ملياردير زي ترامب.
– كمان الادعاء العام في نيويورك بيحقق في قضية خاصة بضرائب الرئيس من فترة بعد قرار من المحكمة العليا.
– جزء تاني مهم من تحقيق نيويورك تايمز هو أنه بيكشف أنه مؤسسات ترامب المالية عندها خسائر تقدر ب حوالي 220 مليون دولار في 2017 من استثماراته في مجال الفنادق وملاعب الجولف، وده بيضرب صورته عن نفسه كرجل أعمال ناجح بنى نفسه بنفسه، بينما لو انتا في الواقع بتخسر لدرجة انك مبتحققش دخل تدفع عليه ضرايب يبقى انتا فاشل مش ناجح.
– الجريدة كشفت كمن ان عنده مكاسب من برنامج the apprentice بحوالي 400 مليون دولار مدفعش عليها أي ضرائب.
– وأنه في علاقات مالية بين مؤسسات ترامب وبين نخب مالية فاسدة في أذربيجان، والهند وروسيا ودول أخري وده ممكن يؤثر على الأمن القومي الأمريكي.
*****
– موضوع الضرائب حضر في المناظرة الرئاسية الأولى بين ترامب والمرشح الديمقراطي جو بايدن، واللي بايدن اتهم الرئيس فيها بأنه مبيدفعش ضرايب زي بقية الشعب الأمريكي.
– وكان رد ترامب أنه ده كلام كاذب، وأنه بيدفع ملايين الدولارات سنويا من الضرائب، لكن محددش دفع كام بالظبط.
– الجدير بالذكر أنه ترامب هو الرئيس الأمريكي الوحيد اللي لم يكشف عن سجلاته الضريبية من السبعينات تقريبا، لانه العرف جري أنه كل الرؤساء يكشفوا عن السجلات دي رغم أنه القانون لا يلزمهم بده بوضوح.
– وفي المناظرة لما جو بايدن حاصره بالكلام عن الضرايب اضطر يدافع عن نفسه بطريقة سيئة، وقال إنه أي راجل أعمال هيحاول يستفيد من القانون عشان يدفع ضرايب قليلة.
– اللي قاله ترامب أثار انتقادات كتير ضده، لأنه أمريكا هي بلد قايمة على ثقافة اعتبار المواطنين هما “دافعي الضرائب” اللي بتدي الناس حقوقهم والتزاماتهم تجاه الدولة، وبالتالي لو في رئيس أو مسؤول غير موثوق في سجله الضريبي أو مبيدفعش ضرايب زيهم، بالـتأكيد هيكون عنده مشكلة.
– بعد المناظرة ظهرت إصابة ترامب وزوجته بفيروس كورونا، والإعلان تم رسميا عن طريق البيت الأبيض، وبعدها طبيب الرئيس بيدي إفادات تفصيلية بحالته وايه الأدوية اللي تلقاها، وعرفنا انه تلقى ريميدسفير ودكساميسازون ودواء جديد تجريبي عبارة عن مزيج أجسام مضادة من انتاج شركة “ريجينيرون” الأمريكية.
– الصحافة الأمريكية اشتغلت أكتر على الموضوع، مثلا سي إن إن نقلت عن “مصدر مطلع” إن الرئيس أصيب بارتفاع محدود في درجة الحرارة، ونقلت برضه تقييم تاني الدكتور إيزيكيل إيمانويل، المستشار السابق للسياسة الصحية في البيت الأبيض.
– الصحف استضافت خبراء يناقشوا البيانات المعلنة، مثلا أحد الخبراء قال ان كون الرئيس تعاطى دكساميسازون يبقى أعراضه مش طفيفة، لأن الدواء ده من مشتقات الكورتيزون مش بياخده غير الحالات اللي ظهر عندها أعراض متوسطة أو أكتر.
*****
– في مصر عندنا حصل شيء مشابه، وهو ما يخص اقرارات الذمة المالية للرئيس السيسي وللوزراء، واللي بحسب القانون والدستور مفروض تتنشر في الجريدة الرسمية.
– وقت الانتخابات الرئيس السيسي تجاهل الموضوع ومنشرش إقرار ذمته المالية في الفترة الرئاسية الأولى أو الثانية، ومفيش جهة قضائية قررت إنها تسأل الرئيس وتلزمه بالشرط القانوني ده، خاصة أنه الرئيس قال أنه تبرع بنص ثروته لصندوق تحيا مصر ومحدش كان عارف يتأكد من المعلومة دي من أي مصدر محايد.
– ولما موقع مدى مصر راح عمل شغله الصحفي وطلب إقرار الذمة المالية للرئيس رد موظفي الجريدة الرسمية بأنهم عمرهم ما نشروا إقرار ذمة مالية للرئيس ولا لأي مسئول حكومي قبل كده، رغم أنه المستشار محمد بهاء أبوشقة مدير حملة الرئيس ساعتها قال في مؤتمر صحفي كبير أنه الإقرار منشور في الجريدة الرسمية، والكلام ده مش حقيقي.
– ترامب وإدارته ورغم إنزعاجهم من تقرير النيويورك تايمز عن ضرائب ميقدرش يقبض على الصحفيين اللي عاملين التقرير، ولا يقدر يجبره على كشف مصدره اللي اداه الورق، وبالمثل نفس التعامل لما الصحافة اشتغلت على صحة الرئيس، وبالطبع محصلش ان المرشح المنافس اتقبض عليه بعد ما قال للرئيس قدام الشعب انه مبيدفعش ضرايبه، أو انتقد أدائه ووصفه بالكاذب والمهرج.
– كل أنظمة العالم فيها مشاكل، وأمريكا عندها فعلا مشاكل في القوانين الضريبية وفي تداخل المال بالسياسة وقدرة رجال الأعمال وجماعات المصالح الاقتصادية والسياسية على التأثير في القرارات، لكن الفارق أنه الديمقراطية هي الألية الوحيدة القادرة على العمل على المراجعة والإصلاح.
– الديمقراطية الحقيقية بتحقق للشعب أدوات الرقابة على المسؤولين والحكومة عن طريق البرلمان والأجهزة القضائية والرقابية وكمان الصحافة، وده اللي بيضمن أنه يحصل نقاشات عامة عن قضية كبيرة زي دي وكتير من الأصوات طرحت إقرار الكونغرس لقانون يلزم الرئيس بإعلان الإقرارات الضريبية مش الاكتفاء بتقديمها للجهات المعنية، أو حتى إصلاح أوسع لمنظومة الضرائب في الولايات المتحدة تسد الثغرات اللي بيستغلها ترامب وغيره من المليادريرات.
– رغم أنه الديمقراطية الأمريكية مليانة مشاكل ومش مثالية، إلا أنه وجود المؤسسات المستقلة اللي بتضمنه الديمقراطية هو اللي خلا ده يطلع للعلن.
– عندنا في مصر مفيش أي قدرة للصحافة أو للمواطنين علي الاطلاع علي الاقرارات الضريبة لرجال الأعمال ما بالك المسئولين الحكوميين، بالتالي بيكون من السهل التهرب الضريبي لانه مفيش أي رقابة شعبية ولا شفافية.
– نتمنى نشوف اليوم اللي يكون بلدنا فيه بلد ديمقراطي فيه شفافية وحرية تداول معلومات وفي رقابة شعبية حقيقية من الصحافة ويكون دور الصحافة هوا كشف الفساد مش التعرض للملاحقة المستمرة من الأجهزة الأمنية.
*****