– “الحوجة هي اللي خلتني طلعت إبني للشغل”.
– ده كان رد السيدة أميرة شحات سليم، لما عرفت بخبر وفاة ابنها سعيد (13 سنة) غرقا في النيل بعد غرق عربية فيها 23 واحد من عمال التراحيل في منشية القناطر.
– السيارة اتقلبت في النيل أثناء عبورها على معدية في النيل، ونتج عن ده وفاة 8 أطفال كانوا بيشتغلوا في مزرعة على طريق مصر اسكندرية الصحراوي وراجعين لمحل إقامتهم في إحدى قرى محافظة المنوفية.
– صفحة الموقف المصري بتتقدم بخالص العزاء لأسر الأطفال دول في الفاجعة اللي حصلت، وبندعي ربنا يرزقهم الصبر والسلوان على المصاب الجلل ده.
– ايه اللي حصل؟ إزاي ممكن نتأكد في الفترة اللي جاية أنه ده ميتكررش تاني؟ والسؤال الأهم اللي بتطرحوا الحادثة ليه أطفال زي دول يكونوا بيشتغلوا؟ دا اللي هنحاول نجاوب عليه في البوست دا.
*****
ايه اللي حصل؟
– العربية اللي غرقت كانت بتنقل أطفال عمال غير قانونيين تحت السن، من ضمن آلاف الأطفال اللي بيشتغلوا في المزارع الكبيرة اللي حوالين الدلتا، في مناطق زي النوبارية، وادي النطرون، ومديرية التحرير وطريق إسكندرية الصحراوي.
– المزارع دي بتجيب الأطفال دول عشان عمالة أرخص من أنها تجيب شباب كبير، ونفس الحال مع الستات والبنات الصغيرة بياخدوا أجر أقل، تقريبا متوسط الأجور في اليوم للأطفال دي بيكون 30-50 جنيه علي حسب الشغل.
– الأطفال دول من عزبة في أشمون فقيرة اسمها عزبة التفتيش تابعة لقرية طليا، ومعظم اللي تم انتشال جثثهم تتراوح أعمارهم من 13-16 سنة.
– في أثناء عبور العربية على معدية غير شرعية بين قريتين القطا بالجيزة وعزبة الرمل في المنوفية، من اللي بتنقل الناس من ضفة للتانية في فرع رشيد اتزحلقت العربية ووقعت في النيل.
– وفقا لشهادة الناجين العربية دخلت المعدية وهي لسه متحركتش ونزلت من الناحية التانية بعد ما فقد السائق السيطرة على العربية، وطبعا نزلت في النيل لأنه مفيش حواجز أمان حديدية على الناحية التانية من المعدية تمنعها من الانزلاق.
– بيان النيابة بيقول أنه المعدية دي كانت غير شرعية، وتم القبض على قائد السيارة وصاحب المعدية واثنين من اللي شغالين عليها.
– ممكن فعلا تكون المعديات غير شرعية، دي ظاهرة منتشرة في كل مصر تقريبا، مصر تقريبا فيها 10 آلاف معدية نيلية، 97% منهم بيفتقدوا لأدنى معايير الأمان بالإضافة لأنه في كثير من الأحيان بتكون غير مرخصة.
– الأطفال اللي غرقوا هما محمد صبري سالم يبلغ من العمر 19 سنة، وزياد أحمد حسن 13 سنة، وهاجر عبد الصمد وتبلغ من العمر 13 سنة، ودعاء نبيل عبد الرسول وتبلغ من العمر 15عام وندى أحمد حسن وتبلغ من العمر 14 عام وسعيد مسعد سعيد ويبلغ من العمر 14 عام وزينب عبدالمؤمن وتبلغ من العمر 22عام وشروق ياسر محمد وتبلغ من العمر 13عام.
– كل العزاء والتضامن مع أهالي الأطفال اللي ماتوا ونتمنى ده ميحصلش تاني مع أي أسرة مصرية.
*****
ازاي ممكن نتأكد أنه ده ميتكررش؟
– دي مش حادثة فردية، الأمر متكرر وبيحصل ولسه هيحصل للأسف، لأنه في عوامل كثيرة بتساهم أنه النوع ده من الحوادث تحصل، لسه في أبريل اللي فات طفلة ماتت في الشرقية في حادث مشابه كان انقلاب سيارة تحمل عمال يومية بينهم أطفال برضه.
– بالتالي في مشكلة صغيرة، وفي مشكلة أكبر، المشكلة الصغيرة هي المعديات اللي على النيل اللي مفيهاش عوامل أمان، واللي رغم أنها مشكلة ملحة، إلا أنه كان حل الدولة هو إنشاء كباري، وده فعلا مهم، مهم تعمل كباري للربط بين التجمعات الحضرية الكبرى على جوانب النيل، تقريبا في السنين اللي فاتوا اتعمل 15 كوبري بتكلفة تتخطى 1.5 مليار جنيه.
– لكن الكباري دي لا تغني عن المعديات النيلية، اللي في الغالب بتربط بين قرية وقرية تانية لأنه الناس في مصر منتشرة على جوانب النيل في كل مصر تقريبا، فمش معقول يعني هتعمل كوبري بين كل قرية والتانية على النيل.
– الناس بالأساس بتلجأ للمعديات دي لتوفير الوقت اللي ممكن تاخده عشان تروح وتعدي الكوبري واللي في الغالب بيكون أضعاف الوقت.
– بالتالي كان في حاجة لتطوير أسطول المعديات التابع للدولة والتأكد من عوامل الأمان فيها وأنها غير متهالكة،وتشديد الرقابة على تشغيل المعديات غير المرخصة، وده كله محصلش وبالتالي شوفنا الفاجعة دي.
– المشكلة الأكبر والأهم اللي بتكشفها الفاجعة دي هي عمالة الأطفال الصغيرين دول، زي ما قولنا كل الأطفال دول بيشتغلوا بأجور قليلة في مزارع الدواجن أو المزارع الكبيرة في أكثر من مكان، وبيتعرضوا لأخطار الطريق بالإضافة للاستغلال في العمل والعنف والاستغلال الجنسي.
– طبعا منطقي وطبيعي تزيد معدلات عمالة الأطفال مع زيادة معدلات الفقر وخاصة في القطاعات اللي سائد فيها نمط التشغيل غير الرسمي اللي بالمناسبة تقريبا 60% من المشتغلين في مصر فيه زي الزراعة.
– الأطفال دول راحوا يشتغلوا في الاجازة أو في وقت الدراسة زي دلوقتي وتسربوا من التعليم بسبب الفقر بشكل مباشر، زي ما قالت أم سعيد اللي هي والدة أحد الأطفال اللي ماتوا فهي بتقبض 400 جنيه، غالبا ممكن دول يكونوا معاش تكافل وكرامة واللي هو رقم غير كاف لأي حاجة في الدنيا.
– بالتالي اللي حصل ده بيفتح عنينا على منظومة الحماية الاجتماعية للفقراء في مصر واللي تغنيهم عن تشغيل أطفالهم في أعمال خطيرة فيه سفر يومي زي دي.
*****
إزاي ممكن نحل مشكلة عمالة الأطفال في مصر؟
– في ارتباط واضح لأي حد بين عمالة الأطفال والفقر، دي زي دائرة شريرة بتغدي بعضها وبتعيد إنتاج الفقر نفسه، الطفل يكون أهله فقراء فيضطروا يبعتوه يشتغل في المزارع دي بفلوس قليلة عشان يدوبك يعرفوا يكفوا أساسيات الحياة، فيتسرب الطفل من التعليم مع الوقت، وتعاد دائرة إنتاج الفقر.
– مصر فيها قوانين ضد عمالة الأطفال من سنين، وفي تعديلات بتتعمل دلوقتي على القانون لتغليظ العقوبة، لكن كل القوانين دي بدون تطبيق ولا رقابة فعلية من أجهزة الدولة على المزارع وأصحابها ملهاش أي لازمة.
– كمان القوانين مش بتحل مشكلات كبيرة في الواقع وهي مشكلة الفقر، الفقر بيتحل بالتنمية وبحلول جذرية لمشكلاتنا الاقتصادية في البلد.
– الفقر بيتحل بأنه يكون في نظام حماية اجتماعية يسمح لأم سعيد أو أي أم معيلة في أسرة فقيرة أنها تستغني عن تشغيل أطفالها عشان تصرف تعيش.
– الوضع بدون البروباجندا والأرقام والإنجازات والكباري والافتتاحات سيء جدا على الأرض، الناس فقيرة ومضطرة تشتغل كل حاجة خطر وتبعت ولادها يعملوا كده عشان يعيشوا بس.
– اللي حصل ده مش استثناء بالمناسبة معظم أماكن العمل في مصر مفيهاش أي عوامل أمان في المصانع والشركات وفي مجال التشييد والبنآء الناس شغالة باليومية لو ماتت بكره مفيش أي حاجة على الشركات، وده في القطاع الرسمي فما بالك بالقطاع غير الرسمي.
– حل مشكلة عمالة الأطفال في البلد بينطلق من حل مشكلاتنا الاقتصادية، من أننا نوجد نمط نمو وتشغيل يوفر أجور كويسة لأغلب سوق العمل في مصر فلا يضطر الآباء أنهم يشغلوا ولادهم ولا يبعتوهم مزارع ولا يحصل كوارث زي دي.
– في نوعين من التفكير في المشاكل اللي زي دي، أنك تفكر بشكل كلي وتبدأ تشتغل على حلول للمشكلات الكبيرة في الاقتصاد اللي بتنتج نمط عمالة الأطفال، أو أنك تفكر بضيق أفق ونقعد نتكلم عن خطأ الناس اللي بعتت ولادها وأنه إزاي العبارة مش مرخصة واللي هي بالمناسبة حاجات لازم نفكر فيها لكن واحنا شايفين الصورة الأكبر.
– نتمنى تكون الحادثة دي بداية لأنه الحكومة تفكر فعلا في القضية بشكل جدي وتربطها بالاقتصاد والتشغيل واللي بيحصل فيه مش بس بالمعدية والسواق وصاحب المزرعة.
– خالص العزاء مرة تانية لأسر الضحايا، ونحسبهم عند الله شهداء.
*****