– الأيام اللي فاتت تابعنا كارثة وفاة الطفلة ندى من محافظة أسيوط، عمرها 12 سنة، بسبب اجراء “ختان” لها، النيابة أمرت بحبس الطبيب، وإخلاء سبيل الأب والأم والخالة على ذمة التحقيقات بعد 4 أيام من حبسهم احتياطيا.
– النهاردة 6 فبراير هو اليوم العالمي لمناهضة ختان الإناث، ومنظمة الصحة العالمية بتدعو كل الدول لمنعه بالقانون، وده بالفعل حصل في مصر وغيرها من الدول الإفريقية، لكن لسه بتحصل حالات كتير.
هنناقش إيه الوضع القانوني لجريمة الختان؟ وإيه أخطارها الطبية؟ وليه لسة موجودة في مجتمعنا؟
– الطبيب اللي عمل الجراحة ادعى في التحقيقات انه كان بيعمل للبنت “عملية تجميل”، لكن حصل لها نزيف ومضاعفات، فدخلت غرفة العمليات تاني بعد دقايق من خروجها، لكن مقدرش ينقذ الموقف، وقال إنه كان شغال لوحده، بدون الاستعانة بأي تمريض أو طبيب تخدير لعدم الحاجة إليهم!
– لكن والد الطفلة هوا اللي أبلغ الشرطة وقال انهم كانوا رايحين عشان “يختنوها”، وأم الطفلة وخالتها اللي كانوا أخدوها للدكتور اعترفوا بان ده اللي حصل.
– كمان تقرير الطب الشرعي أيد بلاغ الأب، وقال انه الجثة واضح فيها استئصال جزء من بظر البت، يعني الدكتور كذاب.
– القانون بيتعامل مع ولي أمر الطفلة والفاعل كمتهمين بجناية.
– مصر عندها نص قانوني بيجرم ختان الإناث من 2008، و العقوبة كانت السجن لمدة تتراوح بين 3 شهور وسنتين. لكن حصلت تعديلات للقانون سنة 2016، وتم تغليظ العقوبة للسجن 7 سنوات للمسؤولين عن إجراء العملية، واتحولت الجريمة من جنحة لجناية.
– لكن نقدر نقول ان القانون لسه حبر على ورق، ومش بيتطبق الا في حالات نادرة جدا أغلبها لما يحصل وفاة.
ليه القانون مبتطبقش؟
– السبب الرئيسي هوا طبيعة الجريمة اللي بيشترك على التواطؤ فيها عادة منفذها وأهل الضحية.
– وأحيانا الوفيات بتتكيف قانونيا انها خطأ طبي وارد، عشان بتتسجل على أنها نزيف أو بسبب الحساسية ضد حقنة المسكن، وفي الحالة دي العقوبة مخففة لدرجة ممكن تخلص على غرامة 500 جنيه!
– كمان فيه باب خلفي تاني للهروب وهوا المادة 61 من قانون العقوبات لما الجريمة تتبرر انها كانت إزالة كيس دهني أو ازالة زوائد جلدية ضارة، لأنها بتتكلم عن عن عدم وجود عقوبة على أي جريمة، لو مرتكبها كانت نيته يحمى نفسه أو غيره من ضرر جسيم.
من الناحية الطبية، إيه أضرار ختان الإناث؟
١- مضاعفات العملية الخطيرة، زي النزيف الحاد لان المنطقة غنية بالأعية الدموية ما قد يؤدي للوفاة، وأيضا لإن المنطقة غنية بالأعصاب قد يسبب صدمة عصبية تؤدي للوفاة برضه.
٢- التئام الجرح بيعمل “ندوب” (يعني مكان الأنسجة الطبيعية بتتكون ألياف أكتر صلابة) فد تسبب تضيق فتحة البول واحتباسه المستمر، أو تضيق فتحة المهبل وآلام شديدة بالدورة الشهرية.
٣- مشاكل جسدية مباشرة في العلاقة الجنسية بعد الزواج، والأطباء هنا بيقولو ان بظر المرأة يقابل تشريحيا العضو الذكري للرجل، يعني ده عضو في الجسم زي أي عضو مش مجرد “حتة جلد” زي ما بيتقال بجهل، وأزواج كتير بيشتكوا من أزمات مختلفة ده سببها.
٤- مشاكل نفسية في العلاقة الزوجية، بعض البنات بتجيلهم صدمة نفسية تتعقد من أي اقتراب من المكان ده في جسمها، أو بالعكس قد يصيبها هوس بالمكان ده في جسمها.
٥- أبحاث حديثة وجدت علاقة وثيقة بين الختان والعقم.
– في ٢٠٠٥ باحثين من معهد كارولولينسا في السويد اشتغلوا على دراسة في السودان وجدت إن نسبة العقم بتزيد ٥ إلى ٦ مرات عند المختونات عن غير المختونات، بسبب تعرضهن للعدوى البكتيرية اللي بتوصل للجهاز التناسلي، أو الالتهابات والندوب.
– نفس النتايج بيأكدها أطباء مصريين، مثلا الدكتور حسين فايد، أستاذ امراض تأخر الانجاب بطب الأزهر، قال في مؤتمر علمي بمصر ٢٠١٤ ان ختان الإناث من الأسباب الرئيسية لحالات العقم في مصر.
٦- مضاعفات أثناء الولادة، لإن المكان اللي تعرض للجراحة والندوب قد يؤدي لتضيق المهبل وعسر الولادة وخطورة على الطفل، أو يؤدي لنزيف الأم وخطورة عليها تصل للوفاة.
وممكن كمان تقروا على هاشتاج
#حكايات_الختان تجارب مؤلمة لبنات اتعرضوله وبيحكو عن المآسي اللي عانوا منها.
لكن ازاي بعض الأطباء بيعملوا بنفسهم الجريمة دي رغم كل ده؟
– طبعا دي مشكلة رئيسية لإن ده بيدي شعور لبعض الأهالي انه عمل مفيد، وحسب مسح عملته منظمة اليونسيف في 2014 لقوا إن 82 % من عمليات الختان بتتعمل على ايد أحد أفراد الفريق الطبي، سواء من الأطباء أو المعاونين أو التمريض.
– للأسف كل المهن فيها فاسدين أو جهلاء، زي ما وارد بعض المهندسين يغشوا في بناء عمارات وتقع مثلا، ده ميخليش اللي عملوه صح.
– أي دكتور محترم هيبقى عارف إنه محدش بيخترع طب لوحده، والطب اللي في المراجع العلمية بما فيها أبحاث الأطباء العرب والمسلمين مفيهاش أبدا حاجة اسمها “ختان الإناث”، لكن اسمها جريمة “تشويه الاعضاء التناسلية للإناث” بمعنى انه تدخل جراحي بلا داعي طبي.
– يعني مفيش أساسا مرجع علمي لطريقة إجراء العملية، عشان كده بنشوف اختلافات في الجزء اللي بيتم بتره بين محافظات مختلفة في مصر، وبين الدول الافريقية المختلفة، وبالتأكيد ده أبعد ما يكون عن الممارسة العلمية.
“واحد أعرفه قالي لازم يتكشف على كل بنت من دكتور أمين عشان فيه بنات عندها عيب خلقي وبنات سليمة”؟
أو مش وارد فعلا تتعمل “عملية تجميل”؟
– أي طفل وارد يكون عنده عيل خلقي نادر، بس ده لازم يسبب مشكلة، مثلا فعلا بيحصل نادرا ان بنات بتتولد بانغلاق تام بالمهبل فبتشكي وقت البلوغ من انتفاخ البطن وألم شديد جدا لاحتباس الدورة، ده موضوع تاني خالص، دي عملية مذكور بمراجع الطب دواعيها وطريقتها ملهاش أي علاقة بالختان.
– ده حتى لو موجود فعلا عيب خلقي محدش بيحط طفل تحت خطورة الجراحة، إلا لو فيه شكوى خطيرة واضحة، ده احنا بنشوف ناس مولودين مثلا ب ٦ صوابع مكان خمسة في القدم أو اليد، والأهل بيسيبو الطفل لما يكبر ويشوف هيشيلها ولا لا مادامت مش مأثرة على حياته، وفيه ناس بتسيبها فعلا!
– نفس الكلام من باب اولى عن “عمليات التجميل” اللي ممنوعة تماما تجرى للأطفال خاصة انهم بيكونو عرضة للنمو وتغير شكل الجسم.
– للأسف عندنا ثقافة منتشرة ان جسد الطفل ملك الأهل بالكامل، بتوصل ساعات لحالات الأهالي اللي بيضربوا اولادهم لدرجة التعذيب حتى الموت، زي قصة أستاذ الأزهر اللي ضرب ابنه بسير غسالة حتى الموت، وقصة الطفلة جنة وغيرها من المآسي.
هل الجانب الديني هوا السبب؟
– للأسف عندنا ناس كتير بتخلط العادات بالدين، والختان في مصر عادة فرعونية مذكورة في البرديات من آلاف السنين، وبعض الباحثين يرجح إنها اتنقلت للفراعنة من رحلاتهم التجارية إلى “بلاد بونت” اللي هيا الصومال حاليا، يعني دي موجودة من قبل الاسلام والمسيحية خالص!
– احنا هنا مش صفحة دينية، وهنكتفي بنقل فتاوى التحريم من دار الافتاء والأزهر هتلاقوها في المصادر، وفيها كلام تفصيلي سواء مناقشة الأحاديث الضعيفة، أو مرجعية “مقاصد الشريعة”، ده غير سؤال بسيط طرحه المفتي شوقي علام إننا إزاي وردنا في السيرة ختان الرسول للحسن والحسن ولم يردنا أي واقعة ختان لبناته لو كان أمر بيه فعلا؟
– لكن اللي نحب نضيفه هنا ونفكر فيه: هوا ازاي حاجة دينية كده مش موجودة في السعودية نفسها ولا في الغالبية الساحقة من البلاد الإسلامية!
لو شفتو التعليقات على خبر وفاة ندى في أي وسيلة إعلام عربية هتلاقو تعليقات كتير من عرب بكل الجنسيات ميعرفوش أي حاجة عن الموضوع ده، إزاي متبقاش موجودة إلا في البلاد المرتبطة بأفريقيا زي مصر والسودان والصومال، زينا زي دول افريقية تانية زي إثيوبيا ومالي وكينيا.
– وطبعا عندنا مسيحيين في مصر من ممارسي نفس العادة والكنيسة بتبذل جهود من جانبها.
ايه المفروض يحصل عشان يتفعل القانون؟
– المشكلة الرئيسية هنا إن تقريبا مفيش أي بلاغات بتوصل للقضاء إلا لو البنت ماتت، وحتى زي ساعات يخبوها زي ما شرحنا، لأن أصحاب المصلحة متواطئين سواء كانو الأهل أو المجرم مرتكب العملية.
– المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية عملت ورقة موقف بتتكلم عن تفعيل مادة تجريم الختان، اقترحت سياسة مختلفة وهيا ان خلق مصلحة مباشرة لدائرة أكبر من الأشخاص اللي لهم علاقة بالطفلة ممكن يؤدي لزيادة البلاغات.
– يعني مثلا لو اتحددت عقوبة لـ “مدير المؤسسة الطبية” اللي حصل فيها ختان وكان عارف بحدوثه، هيبقي من مصلحته انه يبادر بالابلاغ ويقول مكنتش أعرف عشان ميتعاقبش.
– تاني حاجة التمييز بين الأهالي والدكاترة في العقوبة، عشان بالوضع الحالي الأهل والطبيب عليهم نفس العقوبة، فبحالات كتير الأهالي بيخافو يبلغو لو ماتت الطفلة عشان ميتسجنوش، وكمان بعض الحالات اترصدت ان البنت بتتساب تنزف عدة أيام لحد ما تموت أو توشك على الموت عشان الأهل خايفين يروحو بيها مستشفى يتبلغ عنهم.
– ورقة المبادرة بتقترح السماح قانونا بالاعفاء من العقوبة أو تخفيفها للأهل لما يبادروا بالإبلاغ مع بقاء إدانتهم بارتكاب الجريمة، وتقترح اعتبار الفاعل الأصلي هوا مجري العملية خاصة انه الطبيب عارف كويس مدى عدم قانونية الفعل، وهيكون الردع أوقع لو كل مجرم منهم عرف ان الاهالي مش هيكونو بالضرورة في نفس صفه ووارد هما اللي يبلغو عنه لو حصل ضرر.
– لو تغير التكييف القانوني لوفاة بنت أثناء الختان، وبقي “جرح أدى إلى وفاة” هيكون فيه عقوبة أكبر ممكن توصل ل15 سنة سجن مشدد وده هيكون رادع أكبر.
– غير التفاصيل القانونية فللأسف التعامل الرسمي العملي في قضية الختان مش بيظهر غير لما فتاة تموت أثناء الجراحة، وفي قصة ندى مثلا ظهر ان الطبيب ده كان معروف باجراء الجريمة دي في المنطقة من سنوات طويلة، ليه مفيش أي جهة تدخلت إلا لما ضحية ماتت؟!
ليه عمرنا ما شفنا حملات تستهدف المعروفين بالممارسة دي وده مش بيكون سر خاصة في القرى والأرياف؟
– وبشكل عام الأضرار الجسدية والنفسية البالغة واللي ممكن توصل للوفاة تستحق من الدولة والمجتمع، اهتمام أكبر، ولازم يتم تكثيف حملات التوعية بطرق فيها مصداقية مش تسديد خانات موظفين، في المدن والقرى، في المدارس والإعلام والمساجد والكنايس وكل المساحات العامة، سواء بمجهودات الحكومة أو المجتمع المدني. حياة وصحة أطفالنا يستحقوا مجهود أكبر في التصدي للجريمة دي.
– كل العزاء في وفاة ندى، وكل الضحايا اللي حفظنا أساميهم زي بدور، وإيمان، وسهير، وميار، واللي منعرفهومش، ونتمنى تكون ندى آخر اسم في سلسلة ضحايا الجريمة المستمرة دي.