– امبارح النيابة العامة أصدرت بيان عن وفاة البرلماني السابق، وأمين صندوق نقابة الأطباء سابقا، والقيادي السابق بحزب الحرية والعدالة د. عصام العريان عن عمر 66 عام، بأزمة قلبية داخل سجن العقرب سيء السمعة.
– وفاة عصام العريان مش هي الأولي من نوعها للسجناء السياسيين، أسماء كثير من اتجاهات مختلفة بتكون وفاتهم مترافقة مع اتهامات بالتعرض للإهمال الطبي، بينما الرواية الرسمية بتنفي، وشفنا مؤخرا قصر المخرج شادي حبش اللي بيان النيابة قال انه شرب كحول (سواء عن طريق الخطأ او عمدا) والبيان نفسه قال ان النايب العام أمر بتشريح الجثمان واستكمال التحقيقات لكن مشفناش أي نتيجة لهذه التحقيقات من وقتها.
– مهما كان الخلاف السياسي، وحتى لو كان السجين جنائي أساسا، ده ميحرموش من حقوقه القانونية في الزيارة والرعاية الصحية ومن قبلها المحاكمة العادلة.
– ومننساش الرعاية الصحية الخاصة اللي حصل عليها الرئيس الأسبق مبارك، لدرجة انه أمضى أغلب وقته في المركز الطبي العالمي، وزيه الملياردير هشام طلعت مصطفى اللي فضل في مستشفى السلام الدولي فترة طويلة جدا وفي الآخر خرج بعفو صحي وشايفينه قدامنا بكامل صحته وبيعمل مداخلات يكلمنا عن “النفوس غير السوية”!
– وفاة د.عصام بتخلينا نعيد اللي اتكلمنا عنه سابقا بملف الرعاية الصحية للسجناء، وليه دي من الأمور اللي مفروض تهم كل المصريين كأحد أدلة سيادة القانون اللي مفروض يكون تطبيقه واحد على الكل لمصلحتنا كلنا.
*****
ايه اللي حصل في قصة د.عصام؟
– في الأول ظهرت أخبار منقولة من “مصادر أمنية” مجهولة قالت ان الوفاة حصلت بسبب أزمة قلبية بعد مشادة مع قيادي إخواني آخر، والقصة دي كانت محل شك لان د.عصام كان اشتكى سابقا انه في حبس انفرادي أساسا في سجن العقرب شديد الحراسة.
– بعدها ظهر بيان النيابة مفيش فيه أي ذكر للقصة دي، ومفيش أي بيان رسمي من الداخلية أو مصلحة السجون.
– في فيديو أثناء محاكمته د.عصام كان بيقول للقاضي: “إحنا محرومين من كل حاجة من أول اللقمة لحد الصابون والليفة وأدوات النظافة كلها، مفيش فرشة سنان، مفيش معجون..”
– د.عصام ظهرت اصابته بفيروس سي داخل السجن في ٢٠١٦، وظهر في فيديو تاني بيقول للقاضي انه تم رفض نقله لمعهد الكبد.
– النمط ده من الشكاوى متكرر بشكل خاص في سجن العقرب تحديدا، زي اضطرار السجناء يستخدموا ماكنة حلاقة واحدة ما يهدد بنشر الأمراض، وزي منع الزيارة لشهور وأحيانا لسنوات كاملة، ويتحول السجن مش لعقوبة قانونية لكن لأداة انتقام سياسي.
– كان الاجراء القانوني الواجب لما د.عصام قال ده علنا في المحكمة القاضي يأمر بالتحقيق في الوقائع المذكورة، وبتنفيذ الحقوق القانونية ليه.
*****
هل دي الحالة الوحيدة؟
– حالات الوفاة بالإهمال الطبي متكررة، وغيرها كمان شكاوى مستمرة من منع العلاج والزيارات من سجناء بمختلف الاتجاهات.
-مثلا حالة السفير معصوم مرزوق قبل الإفراج عنه في مايو 2019 واللي كان بيطلب علاجه على حسابه الخاص واترفض طلبه أكتر من مرة.
أو الباحث والصحفي هشام جعفر اللي خرج فضل مسجون سنتين وحالة عينه بتتدهور لحد ما خرج وعنده مشكلة كبيرة في الرؤية.
أو حاليا البرلماني السابق وعضو الهيئة العليا بالحزب المصري الديمقراطي زياد العليمي اللي عنده مرض مناعي يعرضه للخطورة بشهادة طبيب السجن ومع ذلك مش مسموحله يتنقل للمستشفى أو حتى يتعالج على حسابه بمستشفى خاص بقاله أكتر من سنة.
– أو منع الزيارات وتلقي الخطابات اللي تعرض له لفترات طويلة الناشط علاء عبدالفتاح وتابعنا جهود أسرته واعتصاماتهم المتكررة قدام السجن عشان حق قانوني بسط جدا زي ده.
والحالات أكبر من إنها تتذكر في البوست.
– ورغم إن لائحة تنظيم السجون بتنص على وجود طبيب في كل سجن، إلا إن الطبيب ده غالبا بيكون موجود فقط في أوقات العمل الرسمية، لكن غير متوافر دائما لأي حالة طوارئ، ده غير ان الوصول ليه أصلا مش سهل، مفيش آلية محددة إلا ان السجناء يقعدوا يخبطوا على باب الزنزانة ويعملوا دوشة، وهما ونصيبهم عسكري ييجي، وعلى ما يرفع الموضوع للظابط فوقه اللي ممكن يكون نايم وغيرها من التعقيدات فيستغرق الموضوع ساعات طويلة ممكن تتسبب في موت إنسان.
– ولو المسجون عنده حالة خطيرة فده غالبا حكم بالموت فعليا، لأنه عشان يتنقل للخارج العلاج، محتاج التنسيق بين 3 جهات على الأقل: مصلحة السجون، إدارة السجون، إدارة الترحيلات، ولو سياسي فهحتاج موافقة جهة غير منصوص عليها قانونا هيا الأمن الوطني وبدون موافقتها محدش من مصلحة السجون بيقدر ياخد قرار أبدا. ممكن نربط ده بوفاة 30 مريض بالسرطان على الأقل داخل السجون المصرية فى الفترة من 2014 -2017 لأن الموافقات بتتأخر جدا.
– ده غير إشكالية الحبس الانفرادي غير القانوني اللي تحول لممارسة مستمرة، ولو شخص سنة كبير وتعرض لفقد الوعي بسبب السكر أو أزمة قلبية محدش هيحس غير تاني يوم يكون مات بالفعل.
– كمان من مشاكل قانون تنظيم السجون في مصر، إن مفيهوش أي آلية للرقابة والتفتيش من جهات مستقلة.
– حتى المجلس القومي لحقوق الإنسان اللي هوا جهة رسمية برضه زياراته بتكون بتصريح وطلبات متقدمة لوزارة الداخلية تستغرق شهور، وملوش إطلاقا حق التفتيش أو يحدد يلتقي مين وامتى، عشان كده الزيارات بتكون غالبا فرصة للتصوير والاشادة بمستوى السجون اللي بتظهر كانها فنادق ٥ نجوم.
*****
ليه المفروض إنه الملف ده يهم كل المصريين؟
– أسباب كتير بتخلي دي مش قضية أسر السجناء سواء جنائيين أو سياسيين، أبسطها إن السجن مفروض انه عقوبة قانونية ودستورية. بمعنى إن “تقييد حرية” الشخص ده عقوبة كافية ورادعة، ولا تحتاج لاجراءات إضافية خارج القانون معاها!
– التساهل مع تجاوز القانون في أي شيء، بيخلينا كلنا تحت خطر عدم احترام حقوقنا القانونية برضه.
– السجون المفروض إنه هدفها مش الانتقام، لكن ان اللي يدخلها يخرج وهوا حاله أفضل، ويكون شخص مفيد للمجتمع، لكن الوضع الحالي إن اللي هيخرج بعد ما تعرض لظلم وقهر أكبر وحرمان من حقوقه هيخرج جنائي ناقم على المجتمع أكتر، وهيعمل جرايم أكبر!
– ده غير تسهيل مناخ تجنيد الإرهابيين والدواعش للمسجونين زي ما اتكلمنا قبل كده أكتر من مرة نتيجة بيئة السجون.
– التعامل مع السجناء مقياس مهم لمدى احترام أي دولة لمواطنيها. لأن في النهاية مهما كانت جريمة المسجون فهو بيقضي عقوبته بالفعل، لكن تعرضه للتعذيب أو الأهانة أو الاهمال الطبي بيفتح الباب لنشر ثقافة عدم احترام أي مواطن بما فيه غير المسجونين.
*****
لازم الحكومة المصرية تبدأ في إصلاح شامل لملف السجون في مصر، الإصلاح دا لازم يكون في عدد من الإجراءات الأساسية والطبيعة في أي دولة بالعالم عندها أدني قدر من الحرص علي حياة مواطنيها:
١- وجود أكتر من طبيب بتخصصات مختلفة جوة كل سجن.
٢- تمكين كل سجين من الحصول على الأدوية اللي بيحتاجها.
٣- تحديد أعداد قصوى للزنازين.
٤- وقف جريمة الحبس الانفرادي.
٥- تمكين كل الجهات المعنية من الزيارة والتفتيش والمتابعة، زي نقابة الأطباء والنيابة والمنظمات الحقوقية المستقلة والمجلس القومي لحقوق الانسان والصليب الأحمر والهلال الأحمر.
٦- إلتزام إدارات السجون بساعات التريض المنصوص عليها كحد أدنى.
٧- التوسع في إجراءات العفو الصحي، خصوصًا لأصحاب الأعمار المتقدمة والأمراض المناعية المزمنة.
– كل دي إجراءات ضرورية ومهم إن كل الصحفيين والحقوقيين والأحزاب والقوى السياسية تتكلم عنها وتسعى للضغط والتفاوض مع السلطة لتنفيذها.
– والأهم من الإجراءات دي الأصل هوا ضمان حق المحاكمة العادلة، وإن المسؤولين في مصر لازم يبطلوا يتعاملوا مع معارضيهم بإنه حل المشكلة هو وضعهم في السجون لفترات طويلة جدا أو لحد ما يموتوا، وده بيحصل حاليا لكل التيارات بما فيها أعضاء أحزاب قانونية وصحفيين وباحثين، وبيتم تجاوز القانون أو التلاعب بيه زي مد فترات الحبس الاحتياطي.
غطينا سابق قصص الصحفية سولافة مجدي، والباحث عبده فايد، والباحث إسماعيل الاسكندراني، والقائمة طويلة جدا.
– اللي بيحصل ده مش هيحل مشاكل البلد ولا هيخلينا بلد متقدمة، بالعكس ده بيرسخ أكتر للخوف والفوضى وفقدان الثقة في العدالة والقانون وحيادية مؤسسات الدولة، والسكوت على المستوى ده من الانتهاكات والجرايم هيفضل في ذاكرة كتير من المواطنين اللي مش هيفتكروا الفترة دي ولا المسؤولين عنها إلا بالغضب والاستياء.
– كل العزاء لأسرة الدكتور عصام العريان، وبالتأكيد الاختلاف السياسي معاه أو مع غيره مينفعش أبداً يخلينا نتجاهل الظلم الكبير اللي بيتعرض ليه المسجونين حاليا، واللي نتمنى إنه يتوقف وتتحل مشاكل السياسة بعيد عن الموت والسجون.
*****