Categories: غير مصنف

هروب الأطباء من المستشفيات الحكومية.. مين السبب؟ وإيه الحلول

الخدمة الصحية عندنا في مصر دايماً فيها مشاكل، أهمها إمكانيات المستشفيات القليلة، زي توفر الأدوية والمستلزمات الطبية والنظافة، وطاقة المستشفى في استيعاب أعداد المرضى، لكن الجديد اللي بقى ظاهرة هوا عدم توافر الأطباء، موجة كبيرة من الاستقالات أو أن الاطباء الجدد ميستلموش التعيين من أساسه!

في البوست ده هنتكلم عن الظاهرة ده بالأرقام ونحلل أسبابها ونتايجها والحلول الأولية لمعالجة الأزمة.
*****

إيه حجم الأزمة؟

– في آخر 3 سنين فقط زاد حجم استقالات الأطباء في المستشفيات الحكومية بشكل غير طبيعي، وبحسب أمين صندوق نقابة الأطباء عدد المستقيلين سنة 2016 كان 1044 طبيب، وسنة 2017 بقا 2049 طبيب، وفي 2018 وصلو 2397 طبيب، يعني أكتر من 5200 طبيب مستقيل وده رقم كبير جداً، وواضح إن المعدل بيزيد كل سنة.

– في اجتماع لجنة الصحة بالبرلمان اللي اتعمل بعد كارثة تسمم مرضى وحدة غسيل الكلى في مستشفى ديرب نجم الشرقية، وزير الصحة اتحججت بنقص الكوادر الطبية، وقالت 60% من الأطباء المصريين موجودين في السعودية، عشان بياخدو رواتب عالية.

– فيه كمان أطباء مهاجرين بشكل كامل لأمريكا وكندا واستراليا، ودول عددهم يقدر بـ 15 لـ 20 ألف، وحسب كلام الدكتور رشوان شعبان – الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء – بيقول إن أقل سعر بيحصل عليه الطبيب في الساعة هناك 40 دولار، وبيوصل لـ 80 دولار في أيام الأعياد، في حين إن الطبيب في مصر بياخد في حدود 70 دولار في الشهر كله.

– كمان بقى فيه هروب كبير من استلام التكليف “التعيين” من الدكاترة حديثي التخرج، وبقى فيه موجة كبيرة إن حديثي التخرج يقعدوا فوراُ يذاكروا المعادلات الأجنبية عشان يحاولو يهاجروا من البداية.

– حتى الأطباء اللي بيجيلهم نيابة (أوائل الكلية اللي المفروض يتعينوا فيها) بطلو يستلموا النيابات خاصة بتخصصات خطيرة، مثلا في الدفعة الأخيرة في طب عين شمس، ماحدش اتقدم لنيابة المسالك البولية في مستشفى الدمرداش، وماتقدمش لتسلم نيابة التخدير غير 9 أطباء من ضمن 50 مكان متوفر!!

وتقدر تفهم مأساوية الأرقام ده لما تعرف إنه لغاية سنين قليلة كانت النيابة ده حلم لأي طالب طب وبيحصل تزاحم في التقديم عليها.
*****

إيه تأثير ده على قطاع الصحة؟

– بشكل عام، نسبة أطباء المستشفيات الحكومية قليل جدا. منظمة الصحة العالمية محددة الحد الأدنى من مقدمي الرعاية الطبية (سواء أطباء أو ممرضين أو غيرهم) بنسبة 3.4 لكل ألف مواطن، والموجود في مصر 2.2 لكل ألف مواطن، حسب احصائيات المنظمة في 2014 .

– كمان نقص عدد الأطباء مش معناه ان كل المستشفيات فيها نفس نسبة العجز، لكن كمان فيه سوء توزيع للعدد الموجود، 45% من الأطباء شغالين في القاهرة الكبرى، وده يعكس صعوبة الوضع الصحي في المحافظات وانعكاسه أكتر على القرى والأرياف اللي مفيهاش رعاية طبية بالمرة، كمان فيه سوء توزيع في التخصصات الطبية، وابتعاد عن التخصص في مجالات الجراحات الدقيقة والرعاية المركزة والتخدير

– على سبيل المثال: فيه 450 وحدة ريفية في الصعيد مافيهاش ولا طبيب، ده بيحرم 1800 قرية من الخدمات الصحية. أو مثال كمان في 2015 اتنشر ان الأقصر مافيهاش غير طبيب تخدير واحد في مستشفى مركزي.
*****

ايه اللي بيخليهم يطفشوا؟

– سبب رئيسي طبعا هوا المقابل المادي الهزيل، وبالتالي لما يبقى متوفر فرص بديلة سواء في القطاع الخاص أو الخارج عشان الدكتور يقدر ياخد مقابل محترم يناسب طبيعة عمله، بالتأكيد هيختار المقابل المادي، ومش منطقي نقعد نقولهم دي مهنة سامية، لأن ده مش بيحل مشكلة الشاب اللي عايز يتجوز أو رب الأسرة اللي محتاج يصرف على أولاده.

– كنموذج على فكرة تدني الأجور عندنا قضية مهمة جداً بتناضل فيها نقابة الأطباء من سنين وهي “بدل العدوى”، واللي الرقم الرسمي بتاع البدل اللي بيتصرف للطاقم الطبي من 18 – 30 جنيه شهرياً رغم خطورة العدوى اللي ممكن تصيبه، بينما القاضي بدل العدوى له 3000 جنيه!

– نقابة الأطباء من سنين حاولت تعمل أكثر من إضراب ورفعت دعوى قضائية وكسبتها سنة 2016 عشان يتم رفع بدل العدوى ل 1000 جنيه، ومع ذلك الحكومة ووزارة الصحة رفضت تنفذ الحكم القضائي، وقدمت النقابة وبعض النواب مكاتبات لرئاسة الجمهورية وكل الجهات بلا استجابة، وبالعكس الحكومة كملت مسار الطعن وحصلت على حكم لصالحها.

– جانب رئيسي هوا التأمين الكافي إنه ميحصلش اعتداءات على الأطباء داخل المستشفيات من الأهالي خاصة الغاضبين من عدم توافر امكانات مبيكونش قدامهم إلا الدكتور، وده تسبب في العزوف الأكبر عن العمل في أقسام الطوارئ والجراحة.

– كمان بيئة العمل نفسها داخل المستشفيات العامة طاردة جداً، سواء من كثافة المستشفيات الكبيرة، أو كفاءة المستشفيات نفسها على مستوى توفر السراير أو الأدوية أو الأدوات الطبية، أو المسكن اللائق للأطباء، أو إلى جانب إنه عدد ساعات العمل الطويلة جدا وأطباء تاخد نبطشية 12 أو 24 ساعة وأكتر.

يكفي عشان نفهم بيئة عمل الأطباء دول نبص على البوست اللي كتبناه عن قصة طبيبة المطرية

*****

إيه دور السلطة في الأزمة؟

– من المؤكد إن الأزمة متراكمة من عشرات السنين تدريجياً مش جديدة ولا الحكم الحالي هوا سببها، لكن السؤال هوا المسار بيروح على فين حاليا الافضل ام الأسوأ.

– دستور مصر 2014 بينص على ان الانفاق على الصحة لازم يعادل كحد أدنى 3 % من الناتج المحلي، مع زيادة سنوية لحد ما يوصل للمعدلات العالمية.

– لكن من لحظة إقرار النص الدستوري فكل سنة مع إعداد الموازنة العامة بتحصل عملية التحايل الكبيرة على ميزانية الصحة بإنه يتم إضافة بنود المياه والصرف الصحي داخل ميزانية الصحة، كمان بيتم إضافة مستشفيات الجيش والشرطة داخل الميزانية رغم إنها مبتقدمش خدمة لكل المواطنين، لكن ده كله بيحصل عشان الرقم الإجمالي يوصل للنسبة الدستورية ع الورق. والتلاعب واضح جداً ما بين الرقم النظري ده 105 مليار جنيه كموازنة للصحة، وبين الفعلي 61 مليار جنيه.

– كمان طريقة علاج الحكومة لمشكلة غياب الدكاترة ملهاش أي علاقة بالإدارة الجيدة أو السياسية للملف ده، فبدل ما وزيرة الصحة تعمل حوار حقيقي مع نقابة الأطباء عن مشاكل الدكاترة وإشراكهم في عملية الحل بيتم التفكير في الحل الروتيني الأسهل والأقل نجاحاً زي إنهاء الأجازات والتشديد على الحضور والانصراف وده مش هيحل الأزمة أو يوقف الاستقالات، لكن الأولى بوزيرة الصحة والوزير اللي قبلها ولجنة الصحة في البرلمان إضافة بند في ميزانية الصحة مخصص لبدل العدوى واللي بناء على حسابات نقابة الأطباء مش هيكلف أكتر من 1.6 مليار جنيه ولكن ممكن يحافظ شوية على معدل دخل مقبول للدكاترة خصوصاً حديثي التخرج.
*****

هل متاح حلول لإنقاذ الوضع من الانهيار الكامل؟

أولاً:
الخطوة الضرورية اللي مفيش بديل عنها هي زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة، وإنه مجرد الوصول لرقم 3% من إجمالي الناتج القومي هيوفر إمكانية معقولة لتطوير الأجور والمرتبات وتوفير الأجهزة والمستلزمات الطبية داخل المستشفيات.

ثانياً:
الداخلية ببساطة تشوف شغلها! .. يعني حماية الأطباء في المستشفيات من الاعتداءات دي حاجة في صميم شغل الداخلية، وهتفرق جدا مع الأطباء، وومفروض انها مش هتكلف الدولة مليم زيادة.

ثالثاً:
الطلب الكبير على الأطباء المصريين بالخليج وبالغرب بيؤكد إنهم لا يعانوا من أزمة كفاءة، وبالعكس النقابة والأطباء طالبوا كتير بمطالب تخص توفير فرص التعليم والتدريب بالذات لشباب الأطباء وده ممكن يكون عامل جذب مهم ليهم للبقاء بالمنظومة الحكومية .. وهنا نشيد بخطوة ايجابية حصلت في يوليو الماضي أخير بقرار تحمل وزارة الصحة مصاريف الدراسات العليا للأطباء.

رابعاً:
إصدار قانون خاص وواضح للمسؤولية الطبية يفرق بين محاسبة الطبيب في حالة الإهمال الواجب عقابه، وبين الخطأ الطبي الوارد لأسباب خارجة عن إرادة الطبيب أو لو حصل للمريض مضاعفات طبية بسبب حالتهم الصحية، توفير مسؤولية طبية محددة ومنطقية هتدي حماية للأطباء في عملهم

خامساً:
تفعيل كامل وحقيقي لقانون التأمين الصحي الشامل اللي أشدنا بيه بشكل عام لكن التجربة مازالت تنتظر التأكد من التطبيق .. ومن المفترض انه يبدأ بأول محافظة يتطبق عليها في بورسعيد.

سادساً:
الإسراع في تطوير المستشفيات وأماكن تقديم الخدمة الصحية سواء في استراحات الأطباء أو نظافة المستشفيات وتعقيمها أو سلامة المباني نفسها من حوادث الماس الكهربائي اللي سبب كارثة زي حريق مستشفى الحسين في الشهور الأخيرة.

سابعاً:
ضرورة إعادة الاعتبار للتنظيمات النقابية في الدفاع عن مصالح أعضائها ورفع كفائتهم وتحسين بيئة عملهم، وبالتالي بنوصي بوضع استراتيجية وطنية لتطوير القطاع الصحي بمدد زمنية محددة، تتضمن الخطة “التشاركية” تحديد واضح للحاجة لمستشفيات أو وحدات صحية على مستوى الجمهورية والميزانية المطلوبة لتشغيل المباني نفسها بتوفير الأطباء والممرضين والمستلزمات الطبية.

ثامناً:
تطوير الهيكل الضريبي باتجاه “الضرايب الموجهة” بحيث توجه ضرائب بعينها لميزانية القطاع الصحي، وتوفير امتيازات وإعفاءات ضريبية في حالة التبرع للقطاع الصحي.
وهنا فيه بالفعل بذرة إيجابية للموضوع بان تمويل نظام التأمين الصحي اتقال انه جزء منه اتوفر من ضرايب السجاير، لكن مهم الالتزام بالشفافية الكاملة في إعلان حجم الأموال وطريقة إدارتها.
*****

– توفير الرعاية الصحية للمواطنين من صلب مسؤوليات أي دولة، مش مطلوب الناس تتعالج بناء على مستواها المادي، وحتى بأكتر الدول “الرأسمالية” في أوروبا عندهم أنظمة رعاية صحية مجانية أو مدعومة ، وفي أمريكا أوباما عمل نظام “أوباما كير” وترامب رغم وعوده بالغائها مقدرش لأن الكونجرس رفض.

– تطوير القطاع الصحي بالتأكيد هو أكثر أهمية من شراء طيارات رئاسية جديدة ب 300 مليون يورو أو غيرها من أوجه الانفاق اللي أقل ما يقال عنه انه “ليس أولوية”!
*****

Journalist O

Recent Posts

قلوبنا ودعواتنا للطفل ريان وأهلنا في المغرب

ريان هو طفل مغربي عمره خمس سنوات، سقط في بئر ضيقة في إحدى القرى بضواحي…

3 سنوات ago

وفاة قائد الكفاح ضد التدخين.. تعزية واجبة في الدكتور عصام المغازي

- توفي يوم الجمعة اللي فاتت الدكتور عصام المغازي، استشاري الأمراض الصدرية، ورئيس الجمعية المصرية…

3 سنوات ago

عرض كتاب تاريخ العصامية والجربعة.. تأملات نقدية في الاجتماع السياسي الحديث

"الوطن هو تجربة اجتماعية مستمرَّة، وليس نَقشًا فرعونيًّا على حجر منذ آلاف السنين، تجربة اجتماعية…

3 سنوات ago

منتخب مصر إلى نهائي كأس أمم إفريقيا.. البطولة على بعد خطوة

- مليون مبروك لمنتخبنا الوطني اللي نجح في إقصاء الكاميرون بركلات الترجيح بعد مباراة عصيبة.…

3 سنوات ago

قرار جمهوري بضم جزر نيلية لملكية القوات المسلحة.. إيه اللي بيحصل؟

- من أسبوع تقريبًا أصدر الرئيس السيسي قرار جمهوري رقم 13 لسنة 2022، القرار ده…

3 سنوات ago

كنت هناك.. موقعة الجمل لحظة الثورة الفارقة

- مستمرين معاكم في حلقات تذكر وحكاية مشاهد كانت فارقة في تاريخ ثورة يناير عشان…

3 سنوات ago