– من أيام وتحديداً يوم 11 أغسطس صدر قرار بمد خدمة مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام لمدة سنة إضافية قبل يوم من بلوغه سن المعاش، واعتبار دار الإفتاء جهة ذات طبيعة خاصة.
– بالشكل ده يستمر الدكتور شوقي علام في منصبه من 2013 لحد سنة إضافية، إيه دلالات القرار ده؟ وليه ممكن نهتم بيه؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
– الرئيس السيسي أصدر قرارين جمهوريين، الأول كان برقم 338 لسنة 2021، وبينص على اعتبار دار الإفتاء جهة ذات طبيعة خاصة، ولا تسري عليها أحكام المادتين (17) و (20) من قانون الخدمة المدنية.
– والقرار التاني برقم 339، كان بتمديد خدمة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية لمدة عام اعتبارًا من 12 أغسطس 2021، وده قبل انتهاء مدته القانونية بيوم واحد فقط.
– والقرارت دي تعني ايه؟ الأمر بالأساس متعلق بالمادة 17 من قانون الخدمة المدنية اللي بتتكلم عن طرق التعيين في الوظائف القيادية عن طريق المسابقة، وبتنص بشكل رئيسي على أن يكون التعيين في الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية عن طريق مسابقة يعلن عنها على موقع بوابة الحكومة المصرية أو النشر في جريدتين واسعتي الانتشار متضمنًا البيانات المتعلقة بالوظيفة.
– وكمان بتنص المادة إن التعيين بيكون من خلال لجنة للاختيار لمدة أقصاها ثلاث سنوات، يجوز تجديدها بحد أقصى ثلاث سنوات أخرى، بناء على تقارير تقويم الأداء، ودا دون الإخلال بباقي الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف، وهنا تم استثناء المفتي من المادة دي.
– أما المادة 20 من القانون متعلقة بشكل أساسي بانتهاء مدة شغل الوظائف دي وقرار تجديدها، لأنها بتنص على انتهاء مدة شغل الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بانقضاء المدة المحددة في قرار شغلها ما لم يصدر قرار بتجديدها.
– وسائل الإعلام المصرية اهتمت إنها تنقل شكر المفتي شوقي علام لرئيس الجمهورية على تجديد اختياره، وعرض إنجازات دار الإفتاء، واللي منها حاجات حقيقية في سرعة الرد والتفاعل مع الأسئلة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات.
– لكن في جانب تاني للقرار مهم نطلع عليه، وهو إنه الدكتور شوقي علام وصل لسن التقاعد، والمفروض إنه تنتهي مدته في منصبه بشكل نهائي بعد 6 سنين من التعيين، بحسب قانون الخدمة المدنية اللي ذكرنا مواده فوق، يعني كان المفروض مدته تنتهي من بدري، وللسبب ده صدر قرار باعتبار دار الإفتاء جهة ذات طبيعة خاصة.
*******
إيه هي الجهات ذات الطبيعة الخاصة؟ ومين هيا الجهات دي؟
– الجهات ذات الطبيعة الخاصة بحسب قانون الخدمة المدنية، هي جهات بيتم استثنائها من مواد القانون الخاصة باختيار القيادات والإدارات في الجهات دي على أساس المسابقات، وإنها تتم بالاختيار والتعيين المباشر، وكمان يتم استثنائهم من مدة التعيين اللي هي 6 سنين بحد أقصى، بالإضافة لاختلاف المعاملات المالية.
– الجهات المستثناة من القانون هي رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، والمخابرات العامة، والإنتاج الحربي وغيرهم من الجهات الأمنية، بالإضافة لدار الإفتاء مؤخرًا، وجهات تانية بيتم استثنائها إداريًا وماليًا.
– ودا بيكون طبقا للمادة 21، من قانون الخدمة المدنية، اللي أعطت لرئيس الجمهورية حق تحديد الجهات والوظائف ذات الطبيعة الخاصة، واللي لا تسري عليها أحكام المادتين السابقتين (19،20)، وأن يكون شغل وظائف الإدارة العليا والإدارة التنفيذية في هذه الجهات والوظائف عن طريق الترقية بالاختيار.
******
إيه دلالات القرار ده؟
– بشكل واضح تجاهل انتخاب مفتي جديد واستمرار اختيار الدكتور شوقي علام، هو حلقة جديدة في الصراع بين السلطة التنفيذية ومشيخة الأزهر، عن طريق تجاهل قانون الأزهر والالتفاف عليه باستثناء دار الإفتاء من قانون الخدمة المدنية.
– كان في محاولة سابقة في نهاية 2020 مع البرلمان السابق، لما اتعمل مشروع قانون جديد لتنظيم دار الإفتاء، المشروع كان بشكل واضح بيسحب دار الإفتاء من سلطة الأزهر، ويخليها مؤسسة تابعة لرئيس الوزراء، وبالتالي عمليًا الحكومة كانت هتخلي من دار الإفتاء سلطة موازية لسلطة شيخ الأزهر.
– والقانون طبعًا حصل عليه اعتراض كبير من الأزهر، بسبب التعارض مع الدستور، ومحاولة خلق كيان موازي للأزهر خارج سلطته، وطلب شيخ الأزهر الحضور للبرلمان لشرح اعتراضه على القانون ده وتأكيده على عواره وخطورته، وطبعًا دي كانت هتبقى أول مرة تحصل إنه شيخ الأزهر يحضر لمجلس النواب عشان يعترض على قانون بيتناقش، فتم إيثار السلامة وتأجيل مناقشة القانون وسحبه من البرلمان تجنبًا للتصعيد ده.
– القانون دا كان بينزع صلاحيات الأزهر المستقلة واللي كان الأزهر اكتسبها بعد الثورة تحديدا، واللي كان أهمها (هيئة كبار العلماء) الهيئة دى كانت موجودة 1921 تقريبا وكانت المسئولة عن اختيار شيخ الازهر والمفتي بالانتخاب السري المباشر يعني استقلالية مباشرة للأزهر بعيد عن أي رئيس، وكان تشكيلها بيكون من ممثلي المذاهب الفقهية الأربعة.
– لكن القرارات الأخيرة للرئيس بتعيد مرة تانية الصراع دا على مساحات النفوذ واستقلالية المؤسسات الدينية، وبتمكن الرئاسة من تمرير فكرة إبعاد دار الإفتاء عن سيطرة الأزهر، ويمنع تعزيز وضع شيخ الأزهر، خاصة بعد إبعاد أكتر من مستشار ليه عن مشيخة الأزهر على رأسهم مستشاره القانوني محمد عبد السلام.
– وأي حد متابع المشهد الديني في مصر في السنوات اللي فاتت يدرك أنه في خلاف واضح بين مؤسسة الرئاسة وبين الأزهر، الخلاف ده بدأ من اعتزال الإمام الطيب بعد رابعة ورفضه للدم، بعدها تكرر أكثر من مرة بعد مطالبة الرئيس بحل قضية الطلاق الشفهي واللي رفضها الأزهر، وبعدها في الخلاف حوالين تكفير داعش اللي كان في مطالبات كتيرة من الاعلام المحسوب على النظام بها ولكن الأزهر رفض عشان لا يتم الاعتماد على مبدأ تكفير المسلمين لبعضهم البعض، وبعدها اتضح الخلاف أكثر في قضية تجديد الخطاب الديني واللي الدولة دفعت بممثلين ليها وشيوخ زي أسامة الأزهري وغيره ورئيس جامعة القاهرة لحد النقاش الشهير بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة.
*****
نشوف إيه من دا كله؟
– وارد الفترة الجاية نشوف مرة تانية مشروع تعديل قانون الأزهر أو قانون الإفتاء، ووارد نشوف مستويات تانية للصراع بين الأزهر والسلطة التنفيذية، والمحاولات المستمرة لإحكام السيطرة على المؤسسات الدينية والتحكم في خطابها بشكل كامل.
– بنكرر كلامنا اللي قولناه قبل كده إن فيه رغبة غريبة مستمرة للنظام الحالي في إنهاء استقلالية أي مؤسسة عن مؤسسة الرئاسة، ده تم قبل كدة من خلال تعديلات قانونية ودستورية أنهت استقلال القضاء، وأصبح فعليا مناصب النائب العام ورؤساء النقض والدستورية ومجلس الدولة كلهم الرئيس بيختارهم.
– محاولات تأميم دار الإفتاء الأخيرة دي، ما هي إلا تحايل لإبعاد منصب المفتي عن الانتخاب بعد اعتبار المؤسسة جهة ذات طبيعة خاصة، فمش عارفين ايه مشكلة النظام مع فكرة الانتخاب.
– بنؤكد دعمنا الكامل لفكرة استقلال المؤسسات الدينية واللي منها الأزهر ودار الإفتاء، وإن دا لا يمنع أنه النقاش في حاجات زي تجديد الخطاب الديني تكون شأن عام بين كل المؤسسات المختصة مش الأزهر لوحده، كل المؤسسات الدينية الأخرى وكمان خارجها أساتذة الجامعة والأكاديميين والباحثين بالاجتماع والقانون والاقتصاد وغيرها من المجالات المتعلقة، وحتى عامة الناس يشاركوا، لأن ده شيء بيأثر على كل إنسان ومنطقي بقاله رأي فيه، لكن دي كلها تفاعلات مجتمع ومتتمش بأمر سياسي مباشر لأن لو ده حصل يتحول التجديد الديني بأمر السلطة ده إلى شيء فاقد المصداقية ومعدوم التأثير.
– بنتمنى نشوف بلدنا فيها فصل تام بين السلطات، ومؤسسات قوية مستقلة بكل المجالات، قضائية وأكاديمية وأهلية وإعلامية وغيرها.