– في اليوم العالمي للمرأة وجه الرئيس السيسي وزير العدل المستشار عمر مروان بالتنسيق مع رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس مجلس الدولة للاستعانة بالمرأة في مجلس الدولة والنيابة العامة.
– بعدها بأيام أصدر مجلس الدولة ضوابط لتعيين السيدات في مناصب في المجلس.
– بشكل عام بنبارك على الخطوة الإيجابية دي باعتبارها انتصار لنضالات طويلة لأجيال متعاقبة من النساء المصريات، وتتويج لأكثر من 70 سنة من نضالات المرأة المصرية للدخول لمجلس الدولة تحديدا.
– لكن الخطوة حواليها أسئلة كتير سياسية وقانونية.النهارده هنشوف إيه تفاصيل القرار ومعناه، ونسأل ليه تم تنفيذها بعد توجيهات الرئيس فقط رغم إنها حق دستوري؟ وتصورنا للطريقة دي في تمكين النساء من المناصب القضائية.
*****
– بعد توجيهات الرئيس مجلس الدولة أعلن عن نقل عدد من النساء اللي شغالين في سلك النيابة الإدارية وقضايا الدولة، بدرجة وكيل نيابة إدارية أو وكيل من الفئة الممتازة بالأولى، أو وظيفة محام أو نائب بالثانية.
– وحدد المجلس خمسة شروط لقبول الراغبات منهن للعمل في الدرجات الوظيفية المعادلة لدرجاتهن في مجلس الدولة، وهي أنه ميقلش تقديرها في الليسانس عن ممتاز أو جيد جدًا، وحصولها على دبلومتين في الدراسات العليا واحدة في القانون العام وواحدة في القانون الإداري، وخلو ملفها من الجزاءات، وطبعا اجتياز المقابلة الشخصية.
– لازم نشير هنا أنه شرط الحصول على دبلومتين في الدراسات العليا غريب جدا لأنه مش شرط موجود للتعيين كنائب في مجلس الدولة بالنسبة للرجال وده في تمييز واضح ضد النساء.
– قرار مجلس الدولة أيضا قصر تعيين السيدات عن طريق النقل فقط، وتغاضى عن تعيين الخريجين في أولى وظائف السلم القضائي في المجلس، وهي وظيفة مندوب مساعد.
– مصادر قضائية قالت إن دهه للتجريب الأول في موضوع النقل وبعدين يفتحوا الباب للخريجات، لكن الحقيقة الوضع ده مخالفة صريحة للهدف من القرار الأساسي وهو دمج السيدات في السلك القضائي.
– لأنه فعليا دلوقتي اللي اتعمل هو نقل بعض العاملات في السلك القضائي لمجلس الدولة وليس إدخال تعيينات جديدة.
– أيضا حاجة مهمة ذكرتها النائبة السابقة في البرلمان نادية هنري وهو أنه قصر القرار على عضوات الهيئات القضائية الأخرى بدون فتح الباب لمحاميات الإستناف أو الخريجين من كليات الحقوق اللي بره السلك القضائي، وقالت اللي حصل ده “يعتبر تمييزا ضد المرأة من نوع جديد، وعدم إعمال مبدأ الحياد وتكافؤ الفرص.”
*****
إيه وضع المرأة بالقضاء حاليا؟ ليه القرار طلع بالشكل ده؟
– في البداية لازم نكرر أنه شيء إيجابي بعد نضال 7 عقود تقريبا تدخل قاضيات في مجلس الدولة والنيابة العامة، وهما آخر جهتين قضائيتين كانوا رافضين تماماً دخول المراة، وده وضع عجيب لإن مصر فيها قاضيات بمختلف المحاكم بما فيها الجنايات من سنوات، وسنة 2019 مثلا كان أول حكم إعدام يصدر من محكمة بعضوية امرأة هيا المستشارة فاطمة قنديل كانت عضو اليسار بقضية جنائية تخص سايس قتل أحد أقاربه.
– مصر فيها حوالي 16 ألف قاضي حاليا منهم 66 قاضية بس يعني النسبة أقل من نص في المية، ورغم إنه إستراتيجية تمكين المرأة 2030 اللي عملها المجلس القومي للمرأة ووافقت عليها الحكومة بتستهدف أنه يكون في 25 % من القضاة نساء يعني تقريبا 4000-5000 قاضية إلا أنه فعليا المجلس القومي لا يقوم بدور يذكر في الموضوع ده.
– نظرا لرفض النيابة دخول النساء، فاللي بيحصل كان إن القاضيات بدل ما ياخدو طريق الترقي الطبيعي من أول السلم كمعاون نيابة بيحصل تعيينات بقرارات جمهورية، أول قاضية كانت في 2003 لما عين مبارك تهاني الجبالي في المحكمة الدستورية العليا، وإن كان لام لا نغفل كونه ده نوع من الدعاية للنظام أنه بيحافظ على حقوق النساء تحت ضغوط أمريكية للإصلاح بعهد بوش الابن، واللي أدت بعدها لعقد أول انتخابات رئاسية تعددية سنة 2005.
– بعدها تم تعيين مجموعة أخرى في عام 2008، ثم مجموعة ثالثة في عام 2015، تضم 26 امرأة كقاضيات لمحاكم الدرجة الأولى.
– الوضع في النيابة الإدارية مختلف، وفيها كثافة بوجود النساء، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قال إن 43% من أعضاء النيابة الإدارية من الإناث، حتى بدايات عام 2016.
*****
هل الموضوع مجرد منحة من الحكومات؟
– رغم اختلافنا مع الأسلوب وهنشرح الأسباب، لكن مش صحيح إنها منحة، مكانتش الفكرة هتكون موجودة لولا نضال بكل الوسائل من عقود طويلة، وممكن نضع بداية حديثة في الخمسينات، ومن سنة 1951 تحديدا، عندنا نضال بأحقية المرأة في القضاء وتحديدا مجلس الدولة، وأشهر القضايا هي قضية عائشة راتب اللي رفض مجلس الدولة تعيينها كقاضية، وبعدها بقت أول سفيرة في مصر وشغلت وزيرة التأمينات وحصلت على دكتوراه في القانون الدولي.
– وقتها رئيس مجلس الدولة الفقيه القانوني الدكتور عبد الرزاق السنهوري أصدر حكما تاريخيا، أكد أنه “لا يوجد مانع شرعي أو دستوري أو قانوني” يحول دون تولي المرأة القضاء، وانقلب المجلس على حكمه كل الوقت ده!
– أخر القضايا دي هي قضية أمنية جادا لله مؤسسة حملة “المنصة حقها” واللي كانت من الأوائل على دفعتها، واللي طعنت في قضيتها بعدم دستورية لوائح مجلس الدولة بسبب رفضها تعيين النساء، ولكن مجلس الدولة حكم لصالح نفسه في قضية كان المجلس فيها الخصم والحكم في نفس الوقت.
– ورفض مجلس الدولة كان دائما بيتم تبريره بأنه المجلس سيد قراره، وأنه مينفعش المرأة تبقى قاضية بحكم الشريعة الإسلامية وده شيء محل خلاف، رغم إن المؤسسات الدينية الرسمية زي الأزهر ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية، أصدروا فتوى بتقول إنه لا يوجد مانع شرعي من تعيين المرأة قاضية.
– بعدها لأن الكلام ده بقى غير منطقي، لأن المرأة قاضية في الجنايات والجنح غيرها بالفعل، بقو يطلعوا أعذار واهية زي إن مباني المجلس مش مجهزة بدورات مياة للقاضيات، أو زي إن عمل النيابة بيحتاج سفر وتحقيقات ميدانية صعبة على المرأة.
– رفض مجلس الدولة تحديدا كان قوي جدا، لدرجة إنه في آخر عهد مبارك لما حصلت محاولة تانية لتعيين المرأة، الجمعية العمومية للمجلس عقدت اجتماع طاريء في فبراير 2010، أعلن فيه مستشارو المجلس رفضهم تعيين المرأة قاضية، وصوت 334 قاضياً من أصل 380 قاضياً ضد التعيين، وكان 42 قاضياً فقط مع التعيين وامتنع 4 قضاة عن التصويت.
– يعني الموقف ده شبه إجماع في المجلس، وأحد الرافضين لتعيين النساء في مجلس الدولة كان يحيي الدكروري القاضي الشهير صاحب حكم تيران وصنافير واللي تخطاه الرئيس في أحقيته بأنه يمسك مجلس الدولة بعد تعديلات قانون الهيئات القضائية.
– وبالتالي حقنا نستغرب إيه اللي اتغير دلوقتي وسر سرعة الاستجابة أول ما الرئيس السيسي أصدر التوجيهات دي؟
*****
نشوف إيه في كل ده؟
– رغم إيجابية القرار، وإنه في العالم كله تقريبا المرأة قاضية بمختلف المحاكم من أمريكا للهند لكل دول العالم تقريبا، خاضت النساء نضال لحقهن في التمثيل بالسلطة القضائية، وأثبتن كفائتهن، وبالتالي التأخر لحد دلوقتي مشكلة في حد ذاته.
– لكن القرار لازم يتحط في الصورة الكبيرة لاستقلال القضاء، وللأوضاع السياسية في البلد.
– لما القرار ييجي بعد توجيه الرئيس، وفجأة زالت ممانعة من عشرات السنوات، ده يخلينا نطرح أسئلة مشروعة عن استقلال القضاء في مصر.
–
– التدخل من السلطة التنفيذية في عمل القضاء هو مؤشر سلبي حتى لو لهدف إيجابي، لكنه بيقول كتير عن وضع القضاء في مصر، واللي بقى بعد التعديلات الدستورية وتعديلات قوانين الهيئات القضائية خاضع لاول مرة في التاريخ لتعيين الرئيس لرؤساء الهيئات مش للأقدمية، يعني ضمنيا الهيئات دي تابع لتوجيهات السلطة التنفيذية.
– لكن حتى بعد التعديلات الدستورية، مازال على المستوى الإجرائي البسيط والمباشر مينفعش الرئيس قانونا يوجه السلطة القضائية اللي المفروض مستقلة ويقولها عيني نساء في مجلس الدولة والنيابة.
– لكن كمان الوضع اللي قبله بمنع تعيين النساء كان غير قانوني وغير دستوري برضه،المادة 11 من الدستور بتنص صراحة على إنه “تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية… كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها.. “.
– جانب تاني مهم هيا عدالة التعيينات القضائية كلها بالمجمل، واللي فيها الأولوية لأبناء القضاة وظهر القضاة علنا يدافعو عن كدة بتصريحات كتير، زي تصريحات وزير العدل الأسبق المستشار محفوظ صابر لما قال ابن الزبال مينفعش يبقى قاضي.
– وبالتالي تخوف منطقي إن اللي هيحصل إن النساء اللي هيتعينوا هيكون الأولوية برضه لبنات القضاة مش بعدالة لكل المواطنات، زي ما تعيين الذكورمش بعدالة لكل المواطنين، وللأسف ده محتاج إصلاح أشمل في سياسات الدولة كلها.
– كمان مننساش مركزية فكرة نظر كتير من القضاة لأنفسهم كجزء من النظام السياسي، وبالتالي بقينا شايفين تورط النيابة في الحبس الاحتياطي الطويل جدا للمعارضين السياسيين وغيرها من الاجراءات، اللي هتفضل ظالمة سواء اللي عمل تجديد الحبس ده وكيل نيابة ذكر أو وكيلة نيابة أنثى.
*****
– في النهاية بنكرر التهنئة للمرأة المصرية بتحقق خطوة صغيرة من حقوق مستحقة من زمان، ونعتبر إن نضالات الستات على مدار عشرات السنوات هي السبب الرئيسي في القرار ده، كما نكرر إن الاجراءات دي متنسيناش الوضع العام في مصر، واننا محتاجين إصلاح بكل المؤسسات، ومحتاجين فصل بين السلطات واستقلال حقيقي للقضاء كله عن أي سلطة تنفيذية.
*****