– من بداية أزمة فيروس كورونا الجديد، كل دول العالم انتبهت لأهمية القطاع الزراعي في الأزمة اللي زي دي، لأنه مينفعش قطاع بالأهمية دي يقف عن الإنتاج، حتى الدول اللي عملت غلق شبة كامل للاقتصاد زي فرنسا مثلا حصل استثناء للعمالة الزراعية من القرارات دي، وكندا اللي استثنت الفلاحين من قيود السفر.
– أهمية القطاع الزراعي والفلاحين الصغار في مصر كبيرة، لأنه على الرغم من كل الطفرات اللي حصلت في السنوات الأخيرة في مجال الإنتاج الزراعي الكبير في المزارع إلا أنه صغار الفلاحين ما زالوا هما اللي بينتجوا 63 % من احتياجات المصريين الغذائية.
– هنشوف مع بعض في البوست ده ايه اهمية دعم صغار الفلاحين وخاصة دلوقتي في موسم حصاد القمح؟ وازاي ممكن نتلاشى أخطاء حصلت في السنوات اللي فاتت لأنه معندناش رفاهية الخطأ دلوقتي؟
*****
– القمح يعتبر السلعة الأهم في سلة غذاء كل المصريين، ومع ذلك نسبة الإكتفاء الذاتي من القمح حوالي 34 % فقط بحسب أرقام 2019، ومصر تعد أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم كله، استوردنا في 2019 13 مليون طن ، منهم 7 مليون طن للقطاع العام (هيئة السلع التموينية)، و6 مليون طن للقطاع الخاص، بتكلفة حوالي 3 مليار دولار.
– في وقت الوباء الحالي ومع بداية إجراءات تعليق تصدير شحنات القمح من بعض الدول المنتجة للقمح واللي مصر بتستورد منها زي أوكرانيا وروسيا، بقى في توقعات لارتفاع سعر القمح عالميا، وطبعاً هيظهر في زيادة تكاليف استيراد القمح في الفترة الجاية.
– زيادة الأسعار بفعل نقص الإمدادات “الانتاج” في السوق العالمي بتنعكس بشكل كبير على مصر، مصر معرضة دايماً للتأثر باضطرابات الأسعار زي أزمة الغذاء في 2008 -2009، وحتى الاضطرابات اللي بتحصل بفعل الظروف المناخية في الدول المنتجة زي روسيا كنا بنتأثر بيها، بيظهر ده في زيادة معدلات التضخم في الإنفاق على الغذاء. وبالتالي الوقت الحالي هو الوقت اللازم للتدخل للحفاظ على مستويات الإنتاج المحلية.
*****
نعمل ايه ؟
– موسم حصاد القمح بدأ من نص إبريل الحالي، من المتوقع أنه الإنتاج المورد للدولة من الفلاحين يكون في حدود 9 مليون طن، وده حوالي 35% من احتياجات القمح في مصر، لكن دي مش كل إنتاجية القمح في مصر، تقريبا نص القمح المصري أو أكثر مبيتمش توريده للدولة، وده بتأكده دراسة للفاو ( منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ) في 2015 على متوسط إنتاج القمح المصري من 2010 – 2013.
– دلوقتي مفيش أرقام دقيقة عن حجم إنتاج السوق غير الرسمي للقمح (اللي مبيتمش توريده للدولة)، لكن من المتوقع انه لسه حجم كبير، جزء من المشكلة دي هو إنه الدولة معندهاش سعة تخزينية كبيرة من الصوامع، والجزء التاني من المشكلة، إنه كتير من الفلاحين بيستخدموا القمح في أسواق محلية أو للأعلاف اللي كانت في 2015 بتسحب 1.7 مليون طن سنويا من إنتاج القمح.
– طبعا ممارسات زي توجيه إنتاج القمح للأعلاف، نتيجة انخفاض سعر توريد طن القمح للدولة، تقريبا الأردب سعرة حوالي 700 جنيه يعني الطن حوالي 4600 جنيه، ودا سعر منخفض بالنسبة للفلاحين، لأنه تكلفة الفرصة البديلة للطن ده في الاستهلاك الشخصي أو العلف أفضل،ـ لأنه أسعار المواشي أفضل وأكثر اقتصادية للفلاحين وتعتبر مخزن للقيمة واستثمار جيد، وبالتالي الأفضل عدم التوريد للحكومة.
– بالتالي في الوقت الحالي اللي هو وقت أزمة الدولة مطالبة بزيادة سعر توريد القمح، مش بس عشان تسحب القمح من السوق، لكن كمان عشان تشجع الفلاحين على زراعة المزيد من القمح في الفترة الجاية، خاصة إنه القمح هنا هيكون جودته أفضل من القمح المستورد اللي منخفض في الجودة والبروتين وبيتأثر بالرطوبة العالية.
– وزير التموين علي مصيلحي بيقول إنه السنادي عندنا زيادة في سعر التوريد 15 جنيه للأردب، ووصل ( 670 جنيها للإردب بدرجة 22.5 قيراط، و685 جنيها للإردب بدرجة 23 قيراطا، و700 جنيه للإردب بدرجة 23.5 قيراط) ودي خطوة ايجابية جدا بالتأكيد، لكن المشكلة إنه تكلفة الإنتاج نفسها عالية، بسبب زيادة السماد وإيجارات الأراضي، وأجور العمالة وغيرها من مستلزمات الإنتاج، وبالتالي فهي المعضلة مش هتتحل غير بتدخل حكومي للدعم، احنا كمان كده مبنتكلمش في توفير هوامش ربح جيدة للفلاحين اللي بيوفرولنا الاحتياجات الأساسية، بينما اللي بيزرعو عشان تصدير الموالح بيكسبو كويس جداً حتى مع الأزمة الحالية.
– وبالتالي في ضرورة لدعم صغار الفلاحين، سواء بزيادة سعر التوريد مثلاً ل 800 جنيه للأردب وعمل حوافز مالية لده، خصوصاً إنه الدولة مزودة حجم دعم الصادرات للمصدرين ب7 مليار جنيه في الموازنة وممكن يزيدوا، فليه ميحصلش دعم زيادة للفلاحين في وقت زي ده، حتى لو بتوفير الأسمدة لانتاج القمح بأسعار مخفضة أو مدعومة.
– كمان مهم يتم توزيع مستلزمات الوقاية عليهم مجاناً وده المفروض يحصل عامة للمواطنين كلهم، بالتالي والتأكيد على تقليل الهدر في حصاد محصول القمح، والتوعية بأهمية توريده دلوقتي عشان متحصلش أزمة كبيرة في الغذاء.
– لازم الدولة تسهل شحن القمح للمطاحن والشون والصوامع، وتأمن توفير القمح في المخابز، وتراقب السوق في الوقت الحالي لمنع المضاربة وألعاب السوق السوداء.
*****
نعمل ايه على المدى الطويل؟
– بشكل عام العلاقة بين الدولة ومجمل الفلاحين في مصر مفيهاش ثقة كافية، بمعنى إنه قرارات وإجراءات الحكومة غالبا الفلاحين مش بيلتزموا بيها، لاعتبار الفلاحين إن الإجراءات دي بتضرهم، أو أنه الإجراءات دي اتاخدت بدون النقاش معاهم، زي ما حصل مع قرار تخفيض زراعة الأرز مثلا، أو الخداع اللي بتعمله الحكومة بالذات في أسعار توريد المنتجات الزراعية، فيتفاجئ الفلاح وقت الحصاد إنه الثمن اللي قالت عليه الحكومة مش هو اللي بتطلب الشراء بيه، وهنا فالفلاح في الأغلب بيورده لمناديب الشركات اللي بتقدر تديهم أسعار أفضل نسبياً، باختصار سياسات الدولة في آخر 40 سنة على الأقل هي سياسات بتقلل الإنتاج الزراعي وتساعد الفلاحين على ده، خصوصاً أصحاب الحيازات الصغيرة.
– دا بيقول أنه في أزمة متراكمة في هيكل الإنتاج الزراعي في مصر، الفلاحين عليهم قروض الدولة مش راضية تسقطها، حتى في عز أزمة كورونا مش عايزة تأجل سداد القروض دي، أسعار مدخلات الإنتاج ( أسمدة – جاز – بذور) الفلاحين بقوا بيشتروها من السوق بأسعاره بعد تحريرها ورفع الدولة أشكال كتيرة من دعم الفلاحين في السنين اللي فاتت، ده بيخلي الإنتاج الزراعي في مصر رغم كبر حجم السوق فيه إلا أنه معظمه غير رسمي لأنه الاقتصاد الرسمي اللي الدولة فيه بتلعب دور مش مربح للفلاحين.
– يعني مثلا الفلاحين بيزرعوا برسيم على حساب زيادة مساحة القمح، لأنه البرسيم أكثر ربحا بالنسبة لهم واستخدماته كتير على عكس القمح، بالتالي بتتحول زراعة القمح لعملية اقتصادية ربحها قليل لأنه الدولة فعليا مش بتدعمه وبتفضل استيراد القمح الروسي الرخيص على دعمه، لكن في وقت الأزمات بيظهر بقا الحاجة للمنتج المحلي ده وبنعرف ساعتها إزاي سياسات الدولة ساهمت في تقليل الأمن الغذائي ل 100 مليون مصري.
– دعم القطاع الزراعي في مصر، خاصة الصغير، مش المزارع الكبيرة اللي بتزرع فواكه وتستفيد بإعفاءات ضريبية ودعم صادرات سنويا.
– دعم الفلاحين الصغار ده محتاج تغير جذري في سياسة الدولة الزراعية، على المستوى الجزئي دعم مدخلات إنتاج القمح للتشجيع على زراعته، وشراء القمح بسعر مناسب عشان يبقي في حافز لزراعته.
– على المستوى الكلي في دور مهم لمراكز البحوث الزراعية في الشغل على رفع إنتاجية الفدان وتطوير أصناف تزود الإنتاجية تقريبا إنتاجية الفدان في مصر في العشر سنين اللي فاتت متذبذبة بشكل كبير، مرة تعلى ومرة تقل لعوامل كثيرة جدا منها الظروف المناخية اللي بتأثر على الإنتاجية بشكل كبير.
– دعم صغار الفلاحين مهم جدا في الوقت الحالي وفي السنين الجاية، مصر فيها 5.7 مليون فلاح وأسرهم بالإضافة لحوالي مليون شخص أخر عامل في الزراعة، دول القوام الأساسي لغذاء المصريين، ودول ربع قوة العمل في مصر، ودول اللي دروهم لا يمكن الاستغناء عنه وإلا هيبقى عندنا أزمة في الغذاء، بالتالي هما الأولى بالدعم بدل دعم زراعة الفراولة والبرتقال عشان التصدير للخارج.
– نتمني تكون أزمة كورونا الحالية وتأثيراتها المختلفة علي القطاع الزراعي في العالم جرس إنذار بضرورة إجراء الإصلاحات المطلوبة في الزراعة المصرية بأسرع وقت ممكن، وكفاية إهدار للطاقة الكبيرة دي والمساحات الزراعية طول السنين والعقود اللي فاتت.
– نتمنى السلامة لكل المصريين، ونتمنى من الحكومة توجيه جزء من حزمة الإنقاذ المقدرة ب 100 مليار جنيه للقطاع الزراعي في مصر عشان نقدر نعدي الأزمة ونتجنب أزمات قادمة.
*****