مهاتير محمد .. من الحكم إلى المعارضة إلى الحكم مرة أخرى

خلال الأيام اللي فاتت العالم كله بيتكلم عن حدث سياسي عجيب جداً في ماليزيا .. مهاتير محمد، رئيس الوزراء الشهير اللي حكم سابقاً 22 سنة، فاز بالانتخابات ورجع للحكم بعد 15 سنة من اعتزاله السياسة! ومش بس كده، ده عنده 92 سنة يعني أكبر رئيس وزراء في العالم!
وكمان فوراً تم منع رئيس الوزراء السابق من السفر بسبب اتهامات فساد.
– فيه ناس شايفين ده سلبي جداً إزاي يختاروا واحد عجوز وحكم كتير، وفي المقابل البعض شايفين ده ايجابي لإنه ده اختيار الناس، وكمان لأنه جاي مؤقت أصلاً وأعلن انه هيسلم السلطة خلال عامين على الأكثر، وكمان بسبب إنجاز إن دي أول مرة منذ استقلال ماليزيا من أكتر من 60 سنة المعارضة تفوز ضد الحزب الحاكم.
– فى البوست ده هنحكي القصة باختصار بموضوعية ونعرض المعلومات والآراء، ونسيب جمهور الصفحة يقول رأيه ويتناقش.
*****

إيه موضوع قضية فساد رئيس الوزراء السابق دي؟
– في أبريل 2016 وزير الخارجية السعودي قال أحد أعجب التصريحات في تاريخ السياسة العالمية .. قال احنا ادينا رئيس الوزراء نجيب رزاق منحة شخصية “دون توقع شيء في المقابل”!
كام المنحة؟ 681 مليون دولار!!

– بداية الحكاية من 2009، رزاق أعلن تأسيس الصندوق السيادي الماليزي (1إم.دي.بي)، وده يخضع للإدارة المباشرة ليه شخصياً لتمويل مشروعات اقتصادية واجتماعية للشعب.
– في 2015 تحقيقات قضائية حول تحويلات مريبة من حسابات الصندوق وصلت لدائرة رئيس الوزراء، ثم لما تم فحص ثروته وجدوا تضخم رهيب فيها مقدرش يفسره، ثم أصدر قرار بإقالة النائب العام وعين مكانه واحد جديد، وده طلع فجأة في يناير 2016 قال ده بريء والقضية اتقفلت، لأنه أثبت ان مصدر الفلوس كلها هِبة من السعودية!
– طبعاً الشعب الماليزي مش عبيط يصدق إن المبلغ الرهيب ده حد هياخد كده هدية لله والوطن، طلعت تسريبات صحفية إنه أخدها سنة 2013 لمساعدته على الفوز ضد خصمه الإسلاميين يعني مصلحة سياسية، أو أخبار تانية عن مصالح اقتصادية مع السعودية والامارات زي إن الوسيط هوا الأمير تركي بن الملك عبدالله عنده بيزنس كبير في ماليزيا.
– الشعب غضب جداً ونزلت مظاهرات كبيرة تطالب باستقالته، لكن مكانش للمظاهرات تمثيل سياسي يقدر يعمل زي أرمينيا الي حكينا قصتها.
– لما المظاهرات فشلت بلا نتيجة دي كانت البداية الحقيقة للمسار التاني وهوا صناعة البديل السياسي، وهنا جه دور مهاتير وحزبه الجديد.
*****

مين هو مهاتير محمد ؟
– قصة السياسة في ماليزيا مختلفة عن كتير فى دول العالم الثالث بعد الاستقلال، واللي كان الوصول للسلطة فيها عبر إنقلابات عسكرية .. ماليزيا كانت العكس، مسيرة التحول الديمقراطي من الملكية المطلقة للوضع الحالي (ملكية دستورية)، حصلت بالتدريج بإصلاح من الداخل بدون ثورات ولا عنف، وكان جزء أساسي من القصة دي هو مهاتير محمد .
– بدأ مهاتير مسيرتة السياسية كعضو فى البرلمان عام 1964، كان معارض للملكية والسلطات الكبيرة اللى كانت بتتمع بيها.
– سنة 1969 أقيل من البرلمان بسبب انتقاداته لرئيس الوزراء تنكو عبدالرحمن وعلي رأسها إعطاء الأولوية للمواطنين من أصل صيني على المواطنين الملاويين (المواطنين الأصليين المسلمين).
– فى 1973 عاد مرة تانية للسياسة بعد إنضمامه لحزب المنظمة الماليزية الوطنية المتحدة ( أومنو)، وتم تعيينه كسيناتور فى مجلس الشيوخ، بعدها كوزير تعليم، ثم كوزير للصناعة والتجارة، حتي نائب لرئيس الوزراء 1978 .
– عام 1981 تم تعيينه كرئيس وزراء، وهو رابع رئيس وزراء منذ الاستقلال، وكان أول رئيس وزراء من أسرة فقيرة وخارج النخبة الحاكمة والعائلة الملكية .
– بالتدريج قدر مهاتير يمرر اصلاحات الدستورية لتقليل سلطة الملكية، منها مثلا إلغاء حق اعتراض الملك على القوانين اللى بيسنها البرلمان، وكمان إلغاء تحصين العائلة الملكية من المسائلة القانونية.
– وفي عهده شهدت ماليزيا قفزة إقتصادية كبيرة، قدر يحول البلد من دولة زراعية إلي دولة صناعية. وكان له أهداف واضحة أولويتها تطوير التعليم، ورفع معدلات دخول الأفراد.
– من عام 1981 إلي 1990 حققت ماليزيا معدلات نمو عالية، فى المتوسط 6 % سنويا، انخفض نسبة المواطنين تحت خط الفقر من 52 % إلي 5% فى نهاية عهده، وانخفضت نسبة البطالة ل 3%، وارتفع معدل دخل الافراد لأكثر من 7 أضعاف.
– تحولت ماليزيا بالفعل لأحد أكثر دول العالم نموا فى قطاعات الصناعة، بقت تنتج 80 % من السيارات، والصناعة والخدمات تشكل أكثر من 90 % من الناتج المحلي.
– في الفترة من 1990 لحد 2003 ركز مهاتير على تطوير التعليم بالاستعانة بالنموذج الياباني، والنتيجة أنه ماليزيا الآن متقدمة بكل مؤشرات التعليم الدولية.
*****

خروجه من السلطة
– زي أي سلطة حصل في الحزب الحاكم صراع خفي لمراكز القوى بين مهاتير محمد (الرئيس) ونائبه (أنور إبراهيم)، وظهر الصراع داخل الحزب بناء على الموقف من الاستمرار في بعض الاصلاحات الاقتصادية والسياسية.
– كتير من الماليزيين شايفين ان مهاتير خاف من شعبية نائبه وده سبب اقالته له سنة 1998، ثم محاكمته وسجنة سنة 1999 بتهم فساد ومثلية جنسية.
– في 2003 استقال مهاتير محمد طوعياً، وتم تسليم السلطة سلمياً لخليفته في الحزب الحاكم عبدالله بدوي.
– في 2008 استقال مهاتير من الحزب بعد اتهامه بالفساد لبعض قياداته.
– أما أنور إبراهيم فتم قبول النقض وتبرئته وخرج من السجن سنة 2004 بعد رحيل مهاتير .. لكنه مع عودته للمعارضة وتشكيله حزب فاز بنسبة مقاعد كبيرة اتعرض لملاحقات قضائية متعددة لحد ما اتسجن سنة 2015 بنفس تهمة ممارسة المثلية، وهو وصف سجنه انها مؤامرة من رئيس الوزراء رزاق.
*****

واية قصة المعارضة والانتخابات ؟
– قوى المعارضة الماليزية قدرت تتجاوز خلافاتها لتشكيل “تحالف الأمل” سنة 2016، وقدرت تستمر رغم هجوم اعلامي وملاحقات قضائية.
– التحالف من 4 أحزاب: حزب مهاتير محمد الجديد “وحدة أبناء الأرض”، وحزب “عدالة الشعب” اللي أسسه أنور إبراهيم، ومعاهم حزب الأمانة الوطنية المنشق عن الحزب الإسلامي، بالإضافة لحزب العمل الديمقراطي اللي أغلبه من الماليزيين الصينيين.
– مهاتير محمد اعتذر لأنور ابراهيم علناً، وقال أنه كان على حق فى الخلاف القديم اللى كان بينهم لما كان مهاتير بالحكومة، وتجاوزوا هذا الخلاف الصعب جداً وبقوا شركاء في تحالف!
– اتفاق التحالف تضمن ان مهاتير وعد انه سيسلم السلطة فوراً إلى أنور إبراهيم بمجرد اكمال اجراءاته القانونية وده يستغرق سنتين، وكمان عين زوجة إبراهيم “وان عزيزة وان” رئيسة حزب عدالة الشعب في منصب نائبة رئيس الوزراء.
– وبالفعل بعد يوم واحد من فوزه نفذ وعده، وطلب من الملك العفو عنه وأعلن ان الملك وافق، ومن المتوقع الافراج عنه يوم الثلاثاء.
– التحالف فاز ب 125 مقعد من اجمالي 222 مقعد في البرلمان.
*****

ليه فاز تحالف الأمل؟
– طبعاً وجود حد زي مهاتير محمد بقيادة تحالف “الأمل” كان مفيد لجذب الاصوات، لكن مش ده السبب لوحده .. قدر تحالف ” الأمل ” يقدم نفسه كبديل للحزب الحاكم، وركز على قضايا الفساد والمشاكل الاقتصادية بسبب غلاء الأسعار وضريبة المشتريات الجديدة اللى فرضتها حكومة رزاق، والتحالف وعد الشعب بالغاء الضريبة وباسترداد الأموال المنهوبة.
– وبالمناسبة الائتلاف اعتمد على مهاتير محمد كوجه سياسي بارز، لكن أكثرية اللى بيشتغلوا معاه من جيل الشباب وأشهرهم نور العزة أنور، بنت أنور إبراهيم، وهي نائبة برلمانية عندها 38 سنة.
– تم منع نجيب رزاق رئيس الوزراء السابق من السفر، ومن المتوقع محاكمته بتهم الفساد والتحقيق مع مسئولين أخرين.
*****

طب إحنا ممكن هنا فى مصر نستفيد إية من قصة زي دي؟
الحقيقة إن الظروف مختلفة تماماً بين البلدين، لكن نقدر نشوف خطوط عامة:
– أن الانتخابات الحرة والنزيهة هي الضمانة الحقيقية فعلا لمكافحة الفساد لو كانت الدولة جادة في ذلك، ولقدرة الناس على التأثير في القرارات الاقتصادية وغيرها. لازم الكل يربط بين السياسة وبين واقعه وده مش بس لصالح الناس لكن لصالح النظام نفسه.
– الحكم الملكي الماليزي مازال مستمر لحد النهاردة، لأنه تفاوض واختار التنازل عن صلاحيات ومميزات. موافقة السلطة على الحل الوسط بشكل سلمي هوا اللي ضمن استقرار ماليزيا اللي مشافتش لا ثورات ولا انقلابات ولا حروب أهلية. لو كان الملك تمسك بكامل سلطاته في الحكم وألغى الانتخابات ودمر تداول السلطة، أو بالمقابل لو كان مهاتير قرر يلغي الملكية بالكامل فوراً، كان وارد البلد تدخل في مسار تمنه أغلى بكتير.
– لازم تكون المعارضة عندها أهداف وبدائل قريبة للناس، وتسعى لتجاوز خلافاتها لتوحيد قوتها، وده مع الاعتراف طبعاً إن ظروف مصر أصعب بكتير، مهو ماليزيا مفيهاش أجهزة أمنية بتتدخل بالانتخابات مثلاً.
– سواء كان رأينا إيجابي أو سلبي في عودة مهاتير بحد ذاتها، لكن من المهم ملاحظة كيفية ادارة مسألة التوفيق بين جيل الشيوخ وجيل الشباب، وازاي تشكيل التحالف فيه تنوع بالتمثيل من كل الأعمار والأعراق والتوجهات.
*****

– الصورة لمهاتير محمد مع نائبته زوجة أنور إبراهيم

Journalist O