مصر في القائمة السوداء لمنظمة العمل الدولية.. إيه السبب؟ وإيه خطورة ده؟

– من شهر تقريبا، منظمة العمل الدولية أدرجت مصر في القايمة القصيرة للدول اللي بتنتهك حقوق العمال، والمعروفة إعلامياً بالقائمة السوداء، وده بسبب عدم الالتزام بالمعاهدات الدولية اللي موقعة عليها. ودي خامس مرة يتم إدراج مصر في القايمة دي.

– منظمة العمل الدولية تابعة للأمم المتحدة، وهي منظمة معنية بالتوفيق بين الحكومة والعمال وأصحاب العمل، وبتسعى لضمان العدالة الاجتماعية بين التلت أطراف، وتهيئ ظروف عمل ملائمة، وضمان استمرار المشاريع وفرص العمل.

– وإن بلد تبقى ضمن الـ24 بلد المصنفين في القايمة السوداء فده بيقلل فرص الاستثمار فيها. هنتابع في البوست ليه ده حصل؟ وإزاي بيضر بالاستثمار؟ ومصر اتعاملت إزاي مع الموقف؟ وإيه خطوات مهم ناخدها بعد ضمنا لقايمة زي دي؟
*****

إيه تاريخ مصر مع القايمة السوداء؟ وليه رجعنا ليها؟

– مصر فضلت في القايمة دي لفترة طويلة. من 2008 تم رفع اسم مصر من القايمة مرتين بس، الأولى في 2011 لما الوضع العام كان أفضل، وبدأت إجراءات لاحترام الحقوق النقابية، زي السماح بالنقابات المستقلة. ووقتها مصر خدت 2 مليون دولار بموجب اتفاقية مع منظمة العمل لدعم التفاوض الجماعي بين العمال وأصحاب العمل.

– لكن رجعت مصر للقائمة تاني سنة 2012، لما تم التراجع عن القرارات اللي تم اتخاذها بعد الثورة. والسبب الرئيسي وقتها كان مخالفة “اتفاقية 87″، اللي مصر موقعة عليها، بموجب الانضمام للمنظمة من أكتر من 50 سنة.

– والتانية في 2018، بعد إعداد قانون النقابات العمالية وعمل انتخابات عمالية بعد 12 سنة بدون انتخابات. لكن للأسف الصيغة النهائية للقانون طلع فيها مشاكل كتير، خليتنا نرجع للقايمة السواء السنادي.

– وعشان كده في شهر مارس اللي فات، منظمة العمل بعتت قايمة تمهيدية فيها 40 دولة، بتطالبهم فيها بتوضيحات لمواقفهم، وفي حالة عدم تنفيذ التوصيات دي بتكون الدولة معرضة للإدراج في القايمة القصيرة اللي فيها 24 دولة.

– المنظمة أعدت الملاحظات بناء على مذكرات شارك في كتابتها إتحادات عمالية كتير في مصر زي: اتحاد العمال الديمقراطي، ونقابات عمال النقل في القاهرة، والعاملين بمكتبة الإسكندرية، واللجنة النقابية للعاملين بالسويس، ولجنة عمال الصيد بدمياط، والإتحاد الدولي للنقابات، والإتحاد الدولي للنقل والمواصلات، وكمان بناء على ردود الحكومة على الملاحظات والشكاوي الخاصة بالإتحادات العمالية.
*****

إيه مشاكل قانون “النقابات العمالية”؟

– قانون النقابات العمالية صدر في 2017. القانون بيدي الحق في إنشاء لجان نقابية في المدن والمحافظات، بشرط انضمام أكثر من 150 فرد ليها. وإنشاء نقابة عامة (مكونة من 10 لجان نقابية)، بشرط انضمام 20 ألف عضو ليها. كمان بيتيح إنشاء إتحاد نقابي عمالي (من 10 نقابات عامة على الأقل)، لو ضم الإتحاد أكتر من 200 ألف عامل.

– ودي أرقام مبالغ فيها جدًا، وبتهدر حقوق كتير من العمال في المنشآت صاحبة العمالة المنخفضة (أقل من 100 عامل) من عمل لجان نقابية خاصة بيهم، تتفاوض على حقوقهم وأوضاع عملهم، العاملين في المنشآت دي بيوصلوا لـ70% من نسبة العمالة في مصر وفق أحمد البرعي وزير القوى العاملة السابق.

– القانون ألزم النقابات المستقلة اللي طلعت في ظل ثورة يناير بتوفيق أوضاعها وفق القانون الجديد، وتقديم مزيد من الأوراق خلال 90 يوم، واستثنى النقابات الرسمية. لكن شهادات كتير بتأكد إن لما حد بيكمل الأوراق ويجي يسلمها للمختصين (مديرية القوى العاملة أو الوزارة)، بيرفضوا يستلموا منهم الورق أو بيتم تعطيل إجراءاتهم.

– في نقابات للأسف محصلش فيها انتخابات لحد دلوقتي. وأبشكل عام، لانتخابات اللي تمت كانت مهزلة كبيرة بالسطوة الأمنية المفروضة على النقابات. لدرجة إن الأمن شطب على آلاف المرشحين بسبب انتماءاتهم السياسية، وإن تم إعلان القوائم النهائية للمرشحين قبل التصويت بساعات.

– ده غير الضغوط الأمنية طول الوقت على كل التنظيمات العمالية في القطاع العام والخاص، لمنع التظاهر أو الاضراب أو الشكوى من أوضاع العمل، بالإضافة لمنع النقابات المستقلة من النشاط، وفرض الانضمام للنقابات الرسمية اللي متسيطر عليها بشكل كامل من الجهات الأمنية.
*****

النظام في مصر اتعامل إزاي مع الأمر؟
– ردت الحكومة على المنظمة قبل شهر من صدور القايمة بإن: محدش قدم طلب لتوفيق الأوضاع، وإن بعض النقابات تم حلها، وبعضها فيه مشاكل بين أعضائها.

– وقبل 4 أيام من انتهاء المهلة المحددة من منظمة العمل (هي 90 يوم)، الحكومة وافقت على تعديل بعض أحكام القانون، اللي مخدش موافقة البرلمان لسه. التعديل اقتصر على تقليل الحد الأدنى لعدد الأعضاء الواجب انضمامهم لتشكيل لجنة نقابية إلى 50 بدل 150 عامل، وأعضاء النقابة العامة إلى 15 ألف بدل 20 ألف، وأعضاء اتحاد النقابات 150 ألف عامل بدل 200 ألف، ويتكون من 7 نقابات عامة بدل 10.

– وبدل ما يتم أخذ إجراء فعال ويدل على مصداقية الخطواط دي، زي قبول الطلبات اللي اتقدمت فعلا لإنشاء لجان نقابية، وهم 29 لجنة نقابية تقريبًا بحسب كمال عباس عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان. الحكومة استعدت فقط بتكوين وفد مؤيد، من 60 عضو، عشان يسافروا يحضروا اجتماع منظمة العمل ويحاولوا يوقفوا قرارها.

– وكالعادة شوفنا السلطة بتتعامل مع تقرير دولي بينتقد ممارساتها وعدم التزامها بالمعايير الدولية، بردود تفتقد أي منطق لائق. فرغم المشاكل اللي حكينا عنها، وزير القوى العاملة محمد سعفان قال: كان يجب تكريم الحكومة المصرية بدلا من إدراجها على القائمة، عشان هي بذلت جهود كبيرة للتوافق مع الحريات النقابية. والحقيقة محدش عارف إيه شكل وطبيعة الحريات اللي بيتكلم عنها دي.

– ده سلوك متكرر في التعامل مع المواقف اللي زي للأسف، ولما مصر تم ادراجها على القايمة سنة 2017، محمد سعفان فضل يقول بردو إن معايير المنظمة غير شفافة، وإن الحكومة تشعر بوجود استهداف لمصر، وإن التقارير دي كيدية وليها أهداف سياسية، وإن لجنة المعايير مش مختصة بتقييم الوضع. مع إن نفس الوزير كان بيقول السنة اللي فاتت لما اترفع اسم مصر من القايمة، إن ده مجاش من فراغ وإن مصر بذلت مجهود عشان توصل لهذه المرحلة، واختفي أي كلام عن المؤامرات.

– وهنا لازم ناخد بالنا إن القانون اللي صدر وقتها وخلى مصر تترفع من القايمة السوداء لمدة سنة، صدر وقتها بشكل رسمي قبل أيام من المهلة المحددة من منظمة العمل. وإن للأسف النظام بيتعامل مع الأمر بمنطق ” تستيف الورق”، ومش مهم الظروف تتحسن بجد.
****

ليه كمواطنين مفروض نهتم بأمر زي ده؟

١- لإن الموضوع مش بس مجرد دعم حق مواطنين زينا، ومش إن الأمن بيسيطر على النقابات العمالية وفيه فساد كبير في الملف ده، لكن لأن كل ده مرتبط بعجلة الإنتاج والإصلاح الاقتصادي الحقيقي اللي ممكن يأثر علينا بشكل إيجابي بعد كده. تحسين ظروف العمل هينتج عنه إنتاجية أفضل.

٢- في إحصائية لمنظمة العمل سنة 2015 عن العمال الأكثر إنتاجا في العالم. ظهر فيها إن الدول الخمسة الأولى هي دول فيها حريات نقابية ونقابات قوية: لوكسمبورج – أيرلندا – النرويج – بلجيكا – أمريكا. وده يخلينا نفكر، فليه الدول المتقدمة اللي عندها نقابات وإضرابات أكبر مننا بكتير إنتاجها مش بيتأثر زي ما بيتم تسويق طلبات العمال بشكل سيء عندنا؟

٣- لإن الوضع عندنا في الملف ده سيء من زمان، النظام دايما عايز يستخدم النقابات سياسيا. وعايزين حقوق أي فئة بالمجتمع تبقى مجرد مطالب وتوسل مش ضغوط وتفاوض، على طريقة “المنحة ياريس”. لكن إن النقابة تفاوض الحكومة مثلا على رفع الحد الأدنى للأجور، أو تتخانق مع مستثمر أجنبي عايز يفصل عمال مصنع، أو تدافع عن عامل اتقبض عليه. كل ده مش وارد، وبيتم اعتباره خطر أمني.

٤- بسبب أوضاع الإتحادات والنقابات الرسمية، ظهرت “النقابات المستقلة”، يعني ببساطة العاملين يتجمعوا وينتخبوا واحد يمثلهم بره الإتحاد، وده كان غير قانوني لحد الثورة، كون القانون في مصر بعكس أغلب دول العالم بينص على وجود نقابة واحدة فقط لكل مهنة، وشوفنا إزاي بعد يونيو 2013 رجعت مرة تانية السيطرة على أي نشاط نقابي أو عمالي مستقل سواء بالقانون أو بالممارسات الأمنية.
******

إيه تأثير الوضع ده على اقتصاد البلد؟

– قرار منظمة العمل مش بيكون مجرد تصنيف حقوقي، أو مجرد قايمة لترتيب الدول، وإنما بيترتب عليه أضرار اقتصادية. فيه شركات عالمية بتسحب أعمالها من الدول المذكورة، أو بتقرر مقدما إنها مش هتستثمر في بلد تصنيف أوضاع العمل فيها بالشكل ده.

– سبق لشركة ديزني العالمية، إنها حظرت دخول منسوجات مصرية بقيمة 150 مليون دولار، لما شافوا إن مركز مصر متأخر في أحد مؤشرات الحوكمة (متابعة أداء الحكومة وتقييمها) اللي بيعملها البنك الدولي، وعدم انضمام مصر لبرنامج العمل الأفضل اللي عملته منظمة العمل الدولية.

– صحيح إن حقوق العمال المادية مكلفة، وبالتالي خفضها مشجع لأي مستثمر “جشع”، لكن المستثمر الفاهم بيهتم بنقط وأمور زي دي. لأن من أدوار النقابات تطوير أداء وكفاءة العمال وضمان الرعاية الصحية ليهم وتأميناتهم الاجتماعية، وده بيخلي العامل يكون مرتاح أكتر في بيئة العمل ويقدر يقدم طاقة أكبر وإنتاجية أفضل.
*****

هي النقابات العمالية حاجة جديدة علينا؟

– تاريخيا مصر من أقدم البلاد اللي فيها حركة نقابية، بدأت سنة 1900 مع جمعية “لفافين السجاير” بعد ما عمال لف السجاير على مستوى مصر عملوا إضراب شامل لرفع أجورهم. ومن التجربة دي خرجت جمعية إتحاد الخياطين بالقاهرة وجمعية عمال المطابع، وخاضوا مواجهات مع الإقطاعيين (كبار الأغنياء من حلفاء الملك والإنجليز)، وطبعا كان فيه مواجهة مباشرة مشهورة مع الإنجليز لما العمال أضربوا عن العمل بمنطقة قناة السويس.

– بعد يوليو 1952 “الضباط الأحرار” كان واضح إنهم ضد حرية النقابات العمالية. واقعة إعدام خميس والبقري، اتنين من عمال كفر الدوار شاركوا بمظاهرات وإضراب، غير عشرات الأحكام القاسية، تؤكد ده. نظام عبد الناصر للأسف فرض مبدأ “التنظيم النقابي الواحد” و”إتحاد العمال الواحد” اللي كان شرط دخوله عضوية هيئة التحرير أو الاتحاد الاشتراكي فيما بعد، عشان ميكونش فيه أي هامش لحركة مستقلة.

– استمر الحال مع السادات، مع تضييق أكبر حصل بسبب كامب ديفيد. ووصولًا لتضييق أكبر وأكبر في عهد مبارك، بالقانون 100 اللي بيجرم المؤتمرات والأنشطة النقابية، واتفرضت الحراسة سنوات طويلة على نقابات زي المحامين والمهندسين.
*****

إيه لازم يتعمل سريعا؟

– بشكل عام الدولة في مصر بتعادي “حق التنظيم”، وعشان كده فيه حصار وتضييق على كل أشكال التنظيم، سواء كانت نقابات، أو جمعيات تعاونية وخيرية (زي الجمعيات الزراعية)، أو أحزاب سياسية، وحتى الإتحادات الطلابية. كلهم بيتم إلغاء الانتخابات فيهم أو التدخل الأمني لصالح قوائم ومرشحين الأمن راضي عنهم ومسيطر عليهم، أو تجميد أي نشاط لو الانتخابات نتيجتها كانت فوز ناس غير مرضي عنهم.

– هنلاقي ده في إتحاد الطلاب اللي اتجمد نشاطه لما تم انتخاب إتحاد بيمثل الطلاب وعاوز حريات ووضع أفضل ليهم، وتم إلغاء الانتخابات لحد ما جيه إتحاد طلاب مرضي عنه من الأمن. نفس الأمر هنلاقيه في نقابات متسيطر عليها أمنيا بشكل كامل زي المحاميين والصيادلة. أو تم إضعاف صوت المهنية والقضاء عليها لصالح مرشحين الأمن زي نقابة الصحفيين، أو تجميد كامل لأي تحسن في الأوضاع زي مثلًا نقابة الأطباء.

– وعشان كده مهم السلطة في مصر إن تغيير وتحسين أوضاع النقابات العمالية ده لمصلحة الجميع، العمال والاقتصاد والبلد، وحتى ليها. النقابات العمالية ضمان لإن في أوقات الغضب والانفجار اللي ممكن تترتب على سوء الأوضاع، هيبقى فيه اللي يتفاوض ويتكلم ويوصل لتسويات.

– لازم النظام في مصر يفرق ويقتنع بأهمية الاستثمارات الحقيقة اللي بتهتم بمرتبات عادلة وتحسين أوضاع العاملين. ويشيل أيده تدريجيا عن الاستثمارات المدعومة حكوميا اللي سياستها بتتضمن: مرتباتها قليلة للعمال، وتهرب من التأمين الصحي، وفصل تعسفي.

– حق التنظيم هو بداية أي تغيير إيجابي في المجتمع، من أول إتحادات ملاك العمارة، مرورًا بالجمعيات الزراعية في القرى، والمجالس المحلية، وإتحادات الطلاب والنقابات والأحزاب. لإن مهما كان الوضع سيء وضبابي فلازم نتكلم مع بعض وننظم مطالبنا واحتياجاتنا وحقوقنا وطرق الحصول عليها. ومهما ظهر الطريق ده صعب لكنه على المدى الطويل بيحمينا كمجتمع وبيساعدنا نوصل لديمقراطية حقيقة.
******

بوستات سابقة

الإضراب في الأردن .. إيه اللي ممكن تعمله نقابات قوية؟
https://www.facebook.com/almawkef…/posts/1387608144672412

انتخابات اتحاد عمال مصر .. مسرحية انتخابية جديدة
https://www.facebook.com/…/a.759082124…/1379888308777729

Journalist O

Recent Posts

قلوبنا ودعواتنا للطفل ريان وأهلنا في المغرب

ريان هو طفل مغربي عمره خمس سنوات، سقط في بئر ضيقة في إحدى القرى بضواحي…

3 سنوات ago

وفاة قائد الكفاح ضد التدخين.. تعزية واجبة في الدكتور عصام المغازي

- توفي يوم الجمعة اللي فاتت الدكتور عصام المغازي، استشاري الأمراض الصدرية، ورئيس الجمعية المصرية…

3 سنوات ago

عرض كتاب تاريخ العصامية والجربعة.. تأملات نقدية في الاجتماع السياسي الحديث

"الوطن هو تجربة اجتماعية مستمرَّة، وليس نَقشًا فرعونيًّا على حجر منذ آلاف السنين، تجربة اجتماعية…

3 سنوات ago

منتخب مصر إلى نهائي كأس أمم إفريقيا.. البطولة على بعد خطوة

- مليون مبروك لمنتخبنا الوطني اللي نجح في إقصاء الكاميرون بركلات الترجيح بعد مباراة عصيبة.…

3 سنوات ago

قرار جمهوري بضم جزر نيلية لملكية القوات المسلحة.. إيه اللي بيحصل؟

- من أسبوع تقريبًا أصدر الرئيس السيسي قرار جمهوري رقم 13 لسنة 2022، القرار ده…

3 سنوات ago

كنت هناك.. موقعة الجمل لحظة الثورة الفارقة

- مستمرين معاكم في حلقات تذكر وحكاية مشاهد كانت فارقة في تاريخ ثورة يناير عشان…

3 سنوات ago