بينما الاحتجاجات مستمرة في الشوارع في أمريكا، وهنتكلم عن الموضوع ده في بوست قادم، الأوساط القضائية والسياسية مازالت بتتابع أزمة سياسية تانية غير مسبوقة.
– قبل حوالي أسبوعين تنحى السيناتور الجمهوري ريتشارد بور عن منصبه كرئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي، وده بعد ما التحقيقات معاه بقضية فساد وصلت لمستوى إن مكتب التحقيقات الفيدرالي صادر هاتفه لمراجعة رسائله واتصالاته.
– بور متهم باستغلال معلومات وصلته بحكم منصبه، لتجنب خسائر في البورصة.
*****
– في شهر فبراير اللي فات، كان الأمريكان مش حاسيين بخطر فيروس كورونا، وبيمارسو حياتهم بشكل طبيعي، والرئيس ترامب كان بيصدر للناس صورة غير حقيقة وقال ده زي الانفلونزا، وعشان كده حاليا بيتلقى لوم شعبي كبير، لكنه بيرد ان السبب هوا منظمة الصحة العالمية والصين اللي ضللونا.
– وقتها السيناتور بور نفسه كتب مقال على موقع فوكس نيوز وقال إن الحكومة الأمريكية مستعدة أكتر من أي وقت مضي لمواجهة الفيروس، وإن الأمريكيين يتمتعون بحماية جيدة.
– لكن بعد أقل من أسبوع، باع كل أسهمه وأسهم زوجته في البورصة، بقيمة تصل إلى 1,7 مليون دولار، وصهره باع أسهم بقيمة تصل لـ 280 ألف دولار.
– وبعد أسبوعين من بيع الأسهم، بور بلغ مجموعة من الأثرياء منهم أصدقاء ليه ومتبرعين لحزبه بإن تهديد الفيروس شبه الإنفلونزا الإسبانية اللي انتشرت من حوالي 100 سنة، وقضت على الملايين، وان شركاتهم وأسهمهم هتتأثر.
– إذاعة “ناشيونال بابليك” حصلت على تسجيل لاجتماع بور مع المتبرعين وأذاعت أجزاء منه، وسببت الفضيحة الكبيرة للسيناتور، لكن هوا قال ان الإذاعة هيا اللي فسرت تصريحاته “بطريقة غير مسؤولة”.
– في نفس الوقت ده كان عدد المصابين في أمريكا 15 شخص فقط، وترامب بيصدر للجماهير إن انتشار كورونا ربما يكون بلغ ذروته وخلاص هيخلص.
– طبعا بعدها بشكل سريع جدا الفيروس انتشر بأمريكا وبقت الدولة الأعلى في العالم بحوالي مليون و 800 ألف إصابة، و 102 ألف وفاة. الاقتصاد اتأثر جدا بما فيه البورصة اللي أسعار الأسهم فيها انهارت، وملايين المستثمرين خسروا فلوسهم.
– بحكم منصبه، بور بيتلقي تقارير شبه يومية من الاستخبارات الأمريكية عن التهديدات اللي هتتعرض لها البلاد، وهي نفس التقارير اللي بتتعرض على البيت الأبيض، عشان كده هوا عرف المعلومات السرية عن الخسائر المتوقعة، وباع الأسهم قبل في وقت مبكر.
– جريدة “نيويورك تايمز” قالت ان دي مش أول مرة يتصرف بشكل زي ده لحماية فلوسه من الأزمات الاقتصادية، وانه في 2009 طلب من مراته سحب فلوسهم بعدما سمع وزير الخزانة يناقش صعوبات تخص نقل الأموال بين البنوك.
– حتى قناة فوكس نيوز المقربة من الحزب الجمهوري الحاكم هاجمته، ومذيع مهم فيها قال ان بور “لم يحذر المواطنين، ولم يذهب إلى التلفزيون ليطلق إنذارا، بل إنه لم يتنصل من مقال كتبه قبل ١٠ أيام فقط يدعي أن أمريكا على أتم افضل استعداد، بدلا من ذلك ماذا فعل؟ باع أسهم فنادقه حتى لا يخسر ماله وظل صامتا. لا جريمة أخلاقية أكبر من التخلي عن بلادك وقت الأزمة”
– السيناتور بور نفى وقال انا مستخدمتش المعلومات اللي جاتلي ولا حاجة، انا بعت الأسهم بالصدفة بعد ما قريت التوقعات المنشورة علنيا في المواقع الاقتصادية المتخصصة بالبورصة وكانت بتتوقع انخفاض الأسهم لو حصل انتشار وبائي.
– السيناتور بور في يوم تسليمه هاتفه المحمول أعلن في بيان تنحيه عن رئاسة اللجنة وقال “العمل الذي تقوم به لجنة الاستخبارات وأعضاؤها مهم للغاية ولا يمكن المجازفة بإعاقته بأي شكل”، وفيه حملة بتطالبه بالاستقالة الفورية لكنه مازال متمسك بانتظار نتيجة الإجراءات القانونية.
– وبطبيعة الحال الموضوع تحول تجاذب بين الديمقراطيين والجمهوريين سواء على انتخاب ترامب، أو على الانتخابات المحلية. متحدث حملة كال كانينجهام، المنافس الديمقراطي في ولايته قال: “إن ولاية كارولينا الشمالية تستحق صوتًا مستقلًا في واشنطن، وليس شخصًا يضع مصالح شخصية أو سياسية قبل صالحنا”
– صحيفة نيويورك تايمز كانت قالت ان على الأقل ٣ أعضاء آخرين بمجلس الشيوخ باعوا أسهمهم بوقت متقارب، وبعدها فعلا التحقيقات شملت السيناتورين الجمهوريين كيلي لوفنر، وجيم إينهوف، وكمان السيناتور الديمقراطي ديان فاينشتاين، لكن قبل أيام تم اغلاق التحقيقات معاهم لعدم وجود أدلة كافية، بينما تحقيق بور مازال مستمر وبيتقدم.
– رغم شهرة بور ونفوذه، ورغم الحساسية الشديدة للجنة الاستخبارات اللي كان له أدوار مهمة فيها، زي رفضه الموافقة على مرشحين حاول ترامب يعينهم في مناصب مهمة بأجهزة المخابرات بدافع الخوف من تسييسها مع انه حليف لترامب ومن حزبه، لكن ده ممنعش محاسبته القانونية على احتمال استخدام معلومة، اللي هيا حاجة كان ممكن تعدي ومحدش يحس بيها.
*****
فيه مسؤولين بالحجم ده بيتحاسبوا في ظل انشغال العالم بفيروس كورونا؟
– طبعا، ده كمان حصل نشاط كبير من المواطنين والصحافة في تتبع أي مسؤول يدي نفسه ميزة عن باقي الناس.
– من أشهر النماذج من أسبوع لما الشرطة ظبطت رئيس النمسا فان دي بيلين وهوا متواجد مع مراته في مطعم بعد وقت الحظر المحدد الساعة ١١ يعد تخفيف الإجراءات قبلها بأسبوع، وكانو قاعدين خارج المطعم في حديقته.
– رئيس النمسا كتب على تويتر يعتذر لشعبه “إني أعتذر بصدق. كان خطأ” وقال انه محسش بالوقت بدون قصد، وإن دي كانت اول مرة يخرج من وقت فرض الاغلاق، وانه هيتحمل دفع أي غرامة ممكن تتفرض على صاحب المطعم.
– موقف شبيه حصل مع نيل فيرغسون، مستشار الحكومة البريطانية لشؤون مكافحة فيروس كورونا، وكان وجه إعلامي معروف في المؤتمرات الرسمية، لكن اضطر للاستقالة لما جريدة تليجراف البريطانية نشرت إن شهود شافوا صديقة له زارته في بيته، رغم ان الإجراءات عندكم كانت تمنع تماما أي زيارات من أي حد لأي حد.
– موقف تاني حصل لما صحف الجارديان وميررور نشرت ان شهود شافوا دومينيك كامينغز، المستشار الخاص لرئيس الوزراء بوريس جونسون، في زيارة إلى أسرته في مدينة دورهام خارج لندن.
– ورغم ان الشرطة بعد ما حققت طلعت بيان انه “ارتكب خرقا بسيطا” ومش هتاخد إجراءات قانونية ضده، وانه كان محافظ على قواعد التباعد الاجتماعي رغم سفره، لكن حصلت أزمة سياسية بسبب الضغوط عليه للاستقالة، وشارك فيها أعضاء بالبرلمان وشخصيات عامة، واستقال وزير الدولة لشؤون إسكتلندا دوغلاس روس احتجاجا.
– حالات الطوارئ زي الحروب والإرهاب والأوبئة مش مبرر لوقف آليات الرقابة والعدالة وحرية الصحافة، بل هي سبب لدعمها لصالح شعور الشعوب بالمسؤولية المشتركة.