– خلال الفترة اللي فاتت حصلت عدة تطورات في ملف سد النهضة، أهمها إعلان مصر رسميا عن تعاونها مع جنوب السودان لبناء سد واو، وإعلان إثيوبيا رسميا تخفيض كبير في حجم تخزين المياه بالملء التاني المرتقب خلال أيام، وتوجه مصر والسودان مرة أخرى إلى مجلس الأمن.
– امبارح أعلنت قوات “جبهة تحرير تيجراي” رسميا سيطرتها الكاملة على عاصمة الإقليم، وفي نفس الوقت أعلنت الحكومة الإثيوبية وقف اطلاق النار وانسحاب من طرف واحد، وده بيزيد من تأزم موقف الحكومة الاثيوبية محليا ودوليا، لكنه بنفس الوقت بيزيد من رفضها تقديم أي تنازل بشأن السد.
****
إيه وضع الملء الثاني حاليا؟
– الخطة الإثيوبية المعلنة كانت هيا رفع مستوى السد إلى 595 متر، وبالتالي تخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه، أكتر من ضعف معدل الملء الأول العام الماضي اللي كان حوالي 5 مليار.
– لكن اللي حصل إنه بناء السد تأخر، ووزير الري الإثيوبي قال إن الملء هيبقى عند مستوى 573 متر، يعني مش هيقدروا يخزنوا السنادي اكتر من 4-5 مليار فقط.
– مش واضح هل تأخير بناء السد كان بسبب عجز إثيوبيا عن البناء بعد الحرب الأهلية في إقليم التيجراي، والأزمات السياسية والاقتصادية الكبيرة اللي حصلت بالعام الأخير، ولا تأخير بناء السد كان قرار إثيوبي عمدي لمحاولة تخفيف الضغوط الدولية، لأنه دلوقتي بقى ممكن القوى الدولية تقول لمصر إن الكمية دي محدودة جدا ولن تؤثر على المياه الواردة لمصر خاصة ان بحيرة السد العالي سعتها 162 مليار متر، وبالتالي مفيش شيء طاريء وخطير دلوقتي تحديدا.
– ومن ده ممكن نفهم ليه بداية الأسبوع الحالي ظهر مقترح إثيوبي جديد، لما وزارة الخارجية السودانية أعلنت عن تلقي السودان (بدون مصر) مقترح اتفاق مرحلي لتعبئة سد النهضة مقدم من الكونغو، وتدعمه الأمم المتحدة وأمريكا، ينظم عملية الملء الثاني فقط، ويستمر لمدة 6 شهور.
– في البداية السودان أعلنت استعدادها لدراسة العرض ومناقشته، ووضعت 4 شروط للقبول به، هي: 1- توقيع اتفاق نهائي في غضون أربعة أشهر 2- أن يكون الاتفاق النهائي مبني على ما تم الاتفاق عليه في الاتفاق الجزئي 3- تبني الاتفاق من قبل الاتحاد الأفريقي والدول الأخرى المنخرطة في الموضوع 4- وجود ضمانات من المجتمع الدولي.
– لكن السودان عاد وأكد على رفض المقترح في إطار التنسيق مع مصر، ورفض اثيوبيا 3 من الشروط الأربعة.
– يوم الثلاثاء اللي فات، وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي طلبت من مجلس الأمن الدولي، عقد جلسة في أقرب وقت لبحث الخلاف حول سد النهضة الإثيوبي، وطلبت دعم الوساطة أو أي وسيلة سلمية أخرى مناسبة لحل النزاع، وطلبت من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى، المساعدة في المفاوضات.
– في نفس الوقت، وزير الخارجية المصرية سامح شكري قال إن مصر تجري اتصالات موسعة مع أعضاء مجلس الأمن الدولي لقبول انعقاد المجلس بشأن أزمة السد. الخطوات دي مدعومة من جامعة الدول العربية اللي عقدت اجتماع في الدوحة الأسبوع الماضي، واتفقت على إحالة الملف لمجلس الأمن، ودعم مصر والسودان.
– ده بيحصل بعد حوالى أسبوعين من إبلاغ مصر مجلس الأمن بالاعتراض على عملية الملء الثاني، وإيداع ملف متكامل حول القضية، ورؤية مصر ليها، عشان يكون مرجع للمجتمع الدولي حول الموضوع، ليكشف تعنت الموقف الإثيوبي، وإنها أفشلت محاولات التوصل لاتفاق عادل ومتوازن وملزم من الناحية القانونية على مدار الشهور الماضية.
– دي مش أول مرة يتم طرح ملف السد أمام المجلس. السنة اللي فاتت في نفس التوقيت مصر لجأت للمجلس، ودعته للتدخل، وفعلا ناقش الأزمة في إحدى جلسات، ولكنه لم يحل الملف للتحكيم ومكنش فيه قرار بالتدخل في الأزمة بشكل فعال. وقتها المجلس أحال الملف للاتحاد الإفريقي اللي قام برعاية المفاوضات على مدار السنة اللي فاتت.
– من ناحية تانية، اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة توجه في زيارة رسمية لواشنطن، وبحث مع المسؤولين الأميركيين ملف سد النهضة، ودعى الإدارة الأمريكية للضغط لتشكيل مبادرة دولية لحل أزمة السد، واقترح العودة للاتفاق اللي كان الأطراف الثلاثة على وشك التوقيع عليه السنة اللي فاتت، قبل ما تتحفظ إثيوبيا وتقاطع المفاوضات. الزيارة دي سبقها زيارة أخرى لسامح شكري وزير الخارجية المصري، ونافش فيها نفس الموضوع مع المسؤولين الأمريكيين.
– بالتوازي مع التحركات دي، المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الأفريقي بيزور دول الخليج، للبحث عن حل للأزمة، والمتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية صامويل وربيرغ قال إن الإدارة الأميركية “لن تترك 100 مليون مصري دون مياه”، وأن بلاده “ستبذل كل ما في وسعها لحث الأطراف على التوصل إلى تسوية تفاوضية” دون الذهاب إلى أي حل آخر.
*****
الجانب الأثيوبي بيتعامل ازاي مع ده
– الحكومة الإثيوبية بتهاجم الخطوات دي، وبتقول إن إحالة الملف لمجلس الأمن هيصعب حل المشكلة، وطالبت بالمجلس بدعوة مصر والسودان للتفاوض بحسن نية بشأن سد النهضة، ومتمسكة بقصر رعاية المفاوضات على الاتحاد الافريقي، رغم عدم قدرة هذه المفاوضات على الوصول لحل خلال السنة اللي فاتت، ورغم رفض أثيوبيا أصلا استئناف المفاوضات في الكونغو خلال الأسابيع الآخيرة.
– بعد الطلب الأخيرة بانعقاد مجلس الأمن، انتشرت تصريحات استفزازية من مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي، قال إن بلاده مستعدة للدفاع عن السد، وإن مصر لو هاجمته لا يمكنها تدميره. قال أيضا “بعد الملء الثاني، سيأتي الجميع إلى طاولة المفاوضات، صدقني لأنه السد ضخم؛ 13 مليار متر مكعب. لذا على الجميع؛ السودان ومصر أن يحافظوا على السد ويمنعوا تدميره من قبل بلدان أخرى، وإذا تم تدمير السد، فلن تجد لا السودان ولا مصر، حيث سيجرفهما الطوفان إلى البحر المتوسط”.
– مصر ردت على الكلام ده، وقال وزير الخارجية سامح شكري “نحن نسعى دائما لاستخدام الوسائل السلمية ونلجأ إلى الأجهزة والآليات الدولية ولكن هذا لا ينفي أنه لدينا القدرة ولدينا الإصرار على عدم الإضرار بمصلحة الشعب المصري وفي حالة وقوع الضرر بالتأكيد لن تتهاون الدولة المصرية في الدفاع عن مصالح شعبها”.
– اثيوبيا مستمرة في استخدام اسلوبها المراوغ وسياسة كسب الوقت، وفي الوقت اللي بتتهرب فيه من تقديم شيء ملموس يساعد على انجاح المفاوضات، وفي نفس الوقت بتتهم مصر والسودان إنهم رافضين للتفاوض.
– من ناحية تانية بتدعي إنها مستمرة في التفاوض حول السد تحت مظلة الاتحاد الافريقي رغم ان المفاوضات متوقفة، وآبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي قال ان فيه مفاوضات جارية مع مصر برعاية الاتحاد الأفريقي نهاية الأسبوع اللي فات، لكن اتضح ان الجلسات كانت مخصصة لمناقشة كيفية مواجهة وباء كورونا، وان ماكنش فيه مفاوضات حول السد أساسا.
ومن الواضح إن الكونغو، بوصفها رئيس الاتحاد الافريقي حاليا، بدأت تاخد مسافة بعيدا عن الانحياز لأي طرف، وده شيء مختلف عن رئاسة جنوب أفريقيا اللي كان فيها انحياز واضح للموقف الاثيوبي وتواطؤ على اضاعة الوقت.
– التحركات المصرية حتى الآن تحركات متوازنة، بتراعي التواصل مع الأطراف المؤثرة، ومش بتتورط في مواقف متطرفة، حتى وإن كانت بتلوح بالقوة في بعض الأوقات كورقة ضغط.
– اختيار موفق من مصر رفض التوقيع على الاتفاق المرحلي الخاص بالملء التاني، رغم الدعم الدولي والموافقة السودانية المبدئية، لأننا بالفعل جربنا في اتفاق المباديء ازاي اثيوبيا بتستفيد من أي لقطة فيها موافقة على أي خطوة، لذلك كل التصريحات الرسمية المصرية تشدد على اتفاق شامل وملزم قانونا.
– حشد التأييد من الدول العربية، أو توضيح الوضع على المستوى الدولي والتواصل مع الدول الإفريقية هي خطوات مهمة، لكن ضروري يكون عندنا خطة بديلة للتعامل في حالة لو مجلس الأمن ماخدش قرار ملزم واكتفى بالتوصيات، خاصة اننا شرحنا سابقا ازاي قوى كبرى زي الصين هتعرقل ان المجلس ياخد قرار قد يؤثر على نزاعها هيا نفسها حول الأنهار مع جيرانها.
– الوزير سامح شكري قال يوم السبت: “إن لم تلتزم إثيوبيا بما سيصدر عن مجلس الأمن، فستكون مصر قد استنفدت كل الوسائل السياسية”.
– بنكرر ان طرح الحل العسكري لازم يكون موضوع في حسبانه مخاطره الإقليمية والدولية الضخمة، غير أثره على علاقتنا بأشقائنا في الدول الأفريقية لأجيال قادمة، لذلك هنفضل نأكد على انه يجب استنفاد كل وسيلة وكل تنازل ممكن في السعي للحل السياسي، مع الإيمان الصادق بحق الإثيوبيين وكل شعوب النيل في التنمية، قبل ما يكون السلاح هوا خيارنا الوحيد للدفاع المشروع عن حياتنا.
كتبنا أكثر من مرة عن موضوع السد من بداية المشكلة لحد دلوقتي ممكن تشوفوا اللي كتبناه خلال مراحل مختلفة من الأزمة وتقييم للي بيحصل، وعن مشكلة المياة اللي هيا سابقة على السد، وحلول مقترحة قصيرة وطويلة المدى من هنا:
shorturl.at/crzB4 بتاريخ 9 مارس 2020 أو من هنا:
shorturl.at/kuHUW بتاريخ 11 أكتوبر 2019، وحتى مع فشل جولة المفاوضات الأخيرة كتبنا تحليل عن المفاوضات وعلاقة مصر بالسودان في الملف ده ممكن تشوفوه من هنا :
shorturl.at/eiEH7، وكتبنا عن إدارة بايدن وملف سد النهضة
shorturl.at/cAHQV