– من أيام أطلق الرئيس السيسي في مؤتمر “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، وأعلن إن عام 2022 هيكون عام المجتمع المدني في مصر.
– قطعا إننا نشوف “ملف حقوق الإنسان” على طاولة النقاش دا شيء جيد جدا ويستحق الإشادة بصفة عامة، لكن مع التشديد على إن الأمر محتاج خطوات أبعد من كده شوية عشان تطال الواقع المتردي لأزمات حقوق الإنسان في مصر.
– إيه تفاصيل الموضوع ده؟ وهل إطلاق الاستراتيجية دي معناه انفراج وتحسن في أوضاع حقوق الإنسان؟ وإيه رؤيتنا للملف دا بالتفصيل؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
**********
مين اللي أعد الاستراتيجية دي؟
– المؤتمر اللي تم إذاعته، كان مخصص لعرض استراتيجية حقوق الإنسان، واللي قامت بإعدادها اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، واللي تم تشكيلها في 2018 بقرار من رئيس مجلس الوزراء.
– اللجنة دي أعضائها هم ممثلين عن وزارات الدفاع والتضامن الاجتماعي والداخلية والعدل وشؤون مجلس النواب والمخابرات العامة والرقابة الإدارية والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومي لشؤون الإعاقة والهيئة العامة للاستعلامات والنيابة العامة.
– طبعًا في مفارقة رهيبة إنه “المجلس القومي لحقوق الإنسان” واللي المفروض هو جهة أو مؤسسة حكومية معنية بملف حقوق الإنسان، مكانش ضمن تشكيل اللجنة دي، وده بالرغم من إنه تم تعيينه من قبل الحكومة والأجهزة الأمنية زي باقي أعضاء اللجنة، لكنها مفارقة تستحق الاهتمام وبتقولنا عن دور المجلس وتأثيره واللي مدته منتهية قانونًا من سنوات بدون تجديد لأعضائه أو اختيار أعضاء آخرين.
– اللجنة دي بحسب قرار إنشائها مختصة بإعداد الاستراتيجية اللي تم عرضها، وإعداد الملف المصري في المراجعة الدورية الشاملة من الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والرد على التهم المثارة ضد مصر في ملف حقوق الإنسان، وإعداد تقرير سنوي عن حالة حقوق الإنسان، والتواصل مع الهيئات الدولية وغيرها من الاختصاصات.
– وبشكل ما أو باخر فتعامل اللجنة دي مع ملفات حقوق الإنسان مش بعيد عن نمط تفكير الدولة، يعني محاولات تجاهل الحقوق المدنية والسياسية تماماً، يعني الانتخابات وحرية الاختيار والأحزاب والنقابات والتظاهر، وحرية الرأي والتعبير، وتجريم التعذيب وغيره، وخلينا في الحقوق اللي الدولة متصالحة مع بعض بنودها بنسب مختلفة زي حقوق المرأة وحقوق الطفل والمجتمع المدني بشرط إنه ميكونش ليه علاقة بالديمقراطية أو حقوق الإنسان، أو فكرة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كمنطلق رئيسي بعيدا عن الحقوق السياسية.
– وبالرغم من إنه اللجنة عملت جلسات استماع ومناقشات كتير مع معنيين بملف حقوق الإنسان وناشطين حقوقيين منهم معارضين زي نجاد البرعي وأنور السادات، لكن ظهور الاستراتيجية إتأخر حوالي 3 سنوات بأكملهم بدون أسباب واضحة غير إنه الموضوع مش في أجندة الأولويات.
******
طيب الاستراتيجية فيها إيه؟
– الاستراتيجية عبارة عن ملف 80 صفحة تقريبًا، مقسمة إلى أربعة محاور: ١- الحقوق المدنية والسياسية ٢- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ٣- حقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن ٤- التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.
– وبشكل عام لو تناولنا مثلًا الحقوق المدنية والسياسية، هنلاقي كلام بيحاول يتعامل مع مشاكل وانتهاكات الدولة بطريقة ناعمة لحد ما، زي مثلاً ( تعزيز الضمانات بضوابط ومبررات ومدد الحبس الاحتياطي) بدون كلام صريح عن مشكلة المدة وإساءة استخدام الإجراء ده وعملية التدوير، وهنلاقي الاستراتيجية بتشجع على تجديد الحبس الاحتياطي إلكترونيًا كنوع من التطور التكنولوجي.
– هنلاقي مثلًا كلام عن ضرورة إصدار تشريع يكفل حق التقاضي والتعويض العادل للي بيحصل اعتداء على حريته الشخصية، وعدم سقوط جرائم الانتهاكات الجسدية بالتقادم، هنلاقي كلام إيجابي شويتين مثلًا عن صدور قانون بيتيح استئناف الأحكام الصادرة من جميع أنواع المحاكم (قد يشمل ده المحاكم العسكرية وأمن الدولة) وده يكون إيجابي إلى حد ما، وكلام عن قانون لحرية تداول المعلومات وده مجرد التفكير فيه يعتبر طفرة الحقيقة في بلد زي مصر.
– وكلام تاني لطيف جدًا لكنه بعيد عن واقعنا زي التأهيل النفسي لضحايا العنف، ونشر روح التسامح، وتمكين غير القادرين ماليًا من استقدام محامي، ومحاولة مراجعة الجرائم اللي بتوصل لعقوبة الإعدام، وزيادة أعداد الورش التأهيلية وفصول محو الأمية لنزلاء السجون، وهنلاقي مثلاً حاجة غريبة شوية عن التجمع السلمي (التظاهر والاعتصام) إنه المشكلة بتاعته هو عدم وجود ثقافة عامة للمواطنين للمظاهرات والتجمعات السلمية بشكل قانوني وديمقراطي.
– وهنلاقي كلام لطيف وجميل عن ضرورة دعم ثقافة حقوق الإنسان، ودعم كوادر النقابات والأحزاب وتأهيلهم، وتعزيز روح التسامح بين الأديان، واستمرار لجنة تقنين أوضاع الكنائس.
– أما عن باقي الحقوق فيها توصيات جيدة لكنها تظل مجرد “توصيات” عن ضرورة زيادة أعداد الأطباء، وتعزيز الخدمات الطبية في الريف، وتطبيق نظام التأمين الصحي، وعمل منصة إلكترونية لدعم الصحة النفسية، بس بدون الكلام عن الإلزام بتطبيق النسبة الدستورية للإنفاق على الصحة.
– هنلاقي برضه توصيات عن خفض نسب الأمية، وتحسين جودة التعليم العالي، وتطوير منظومة البحث العلمي وتشجيع التفكير الإبداعي، لكن من غير كلام عن زيادة الصرف على التعليم، أو حرية البحث العلمي والأكاديمي في الجامعات.
– باقي الكلام هو توصيات إيجابية عن تقنين أوضاع العاملين في المنازل، وزيادة كميات مياه الشرب النظيفة وتطوير المناطق العشوائية ودعم قصور الثقافة وزيادة برامج التضامن الاجتماعي، وتشجيع التحول ودمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، وتعزيز مشاركة المرأة سياسيًا وتشجيع المرأة في المحافظات لعمل بطاقات الرقم القومي، وزيادة محاكم الأسرة والشرطة النسائية وإصدار قانون يشدد عقوبات العنف ضد المرأة، والاهتمام بمؤسسات رعاية الأطفال ومتحدي الإعاقة.
– في النهاية الكلام يبدو لطيف جدًا لكنه الحقيقة بيتغافل إنه المشكلة الرئيسية لحقوق الإنسان في مصر، هو إنه الدولة وأجهزتها الأمنية هي المنتهك الأول للحقوق دي، ظباط الداخلية وأمنائها هم اللي بيقبضوا على الناس وبيلفقولهم جرايم وهما اللي بيعذبوهم في الأقسام والسجون بدون محاسبة لحد ما يموتوا، والأمن الوطني والنيابة العامة هما اللي بيحبسوا الناس ظلم بالسنة والاتنين وأكتر لمجرد إنه رأيهم السياسي مش عاجب النظام، وبدون أي إمكانية لنهاية الظلم ده أو الاعتراض عليه.
– حتى تصريح الرئيس السيسي في بداية كلامه عن إنه شايف إنه ثورة يناير كانت شهادة وفاة للدولة، هو نفسه الحقيقة قال كلام صحيح، إنه الدولة لما موفرتش الحقوق المناسبة للناس “سقطت”، لكن الغريب إنه وهو رئيس فالدولة مكملة بنفس النمط اللي كانت عليه قبل ثورة يناير في انتهاك الحقوق المدنية والسياسية وغياب العدالة بل أسوأ، بس بدون ما يعتقد الرئيس وأجهزته إنه ده شيء خطر.
– والأسوأ والأغرب هو إنه الرئيس في كلامه اتكلم عن إن فرض ثقافة حد بعينه على المجتمع هو نوع من الاستبداد، لكنه مش شايف ان تزوير الانتخابات وحبس المرشحين المعارضين ليه يبقا استبداد، وغريب برضه استمرار رأيه الإيجابي عن إن من حق الإنسان يختار دينه وربه ويعبد ما يشاء والدولة تحمي ده، لكن مش من حق الناس تنتخب رئيس وحكومة أو متنتخبهمش، ودي تناقضات مش مفهومة.
– المشكلة في الأول والآخر مهياش إنه في استراتيجية ولا لأ، لأنه رغم أهمية وجود ده، لكنه يظل زي الدستور كده حبر على ورق لحد ما يتم احترامه وتطبيقه بشكل حقيقي وتجريم اللي يخالفه ومحاسبته بشكل جدي.
– ورغم إيجابية إنه الدولة تعترف إنه في حقوق إنسان وإنه في تقصير فيها حتى لو تجاوزت عن نص الحقوق دي، ورغم إيجابية إنه ده مخرج لحد ما إنه ناس أكتر تخرج من السجون وتنتهي اعتقالاتهم، لكنه في النهاية مهواش حل جذري ونهائي لأزمة حقوق الإنسان في مصر.
روشتة علاج في ملف حقوق الإنسان؟
– بجانب كلام الدولة اللي في مجمله لم يتطرق لخطوات عملية مباشرة لتحسين الأوضاع الحالية في ملف حقوق الإنسان، محتاجين نستعرض روشتة علاج أطلقتها عدة أحزاب زي التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب المصري الديمقراطي ورموز حقوقية مصرية تعليقاً على إطلاق إستراتيجية حقوق الإنسان، واللي نتمنى تلقى أي تجاوب من أجهزة الدولة بعيداً عن الشو والعنوان الكبيرة:
1- مراجعة التشريعات الخاصة بالحبس الاحتياطي وتحديد سقفه، لأن الأصل فى المتهم البراءة وإطالة مدة الحبس الاحتياطي يحوله إلى اعتقال مقنع.
2- وقف “تدوير” السجناء السياسيين كمتهمين فى عدة قضايا لإبقائهم في السجون.
3- مراجعة الأوضاع الخاصة بالتدابير الاحترازية ووضع المعارضين السلميين على قوائم الإرهاب.
4- إخلاء سبيل المتهمين على ذمة هذه القضايا وإسقاط تهم مشاركة جماعة إرهابية أهدافها وحفظ هذه القضايا.
5- إتاحة حق التعبير للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في أجهزة الإعلام المملوكة للدولة ورفع الحظر عن المواقع المحجوبة وتأكيد دور أجهزة الإعلام في حرية تداول الآراء والمعلومات بحيادية ومهنية ونزاهة.
6- تعزيز فرص التنافسية فى النظام السياسى بالتخلي عن نظام القوائم المطلقة، وتوفير المناخ المناسب لتمثيل القوى المجتمعية المختلفة فى كل أشكال التمثيل النيابي والنقابي وعدم تدخل الدولة لصالح أي طرف.
7- تحقيق تكامل الحقوق وترابط الحقوق والواجبات بالانحياز لمبدأ الإتاحة فى الخدمات وحقوق المشاركة وترابط قضايا العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية فى حزمة توجهات استراتيجية تجسد المطالب التي عبر عنها الشعب فى ثورة يناير 2011 وانتصرت لها ديباجة الدستور.
8- رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 2017 بالمخالفة للدستور، وبالذات بعد تراجع خطر الاٍرهاب على نحو ملحوظ.
9- إنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني.
– طبعا دي بعض الخطوات العملية اللي يمكن قياسها بعيداً عن الديباجات والخطب، وبدونها لا نعتقد إنه هنكون اتحركنا للأمام في الملف دا.
– كمان طول ما بنسمع عن حرمان المعتقلين من أبسط حقوقهم القانونية، والإهمال الطبي في السجون، والأشياء دي كلها اللي لو متغيرتش، فهتفضل الاستراتيجية دي زي غيرها من القوانين الموجودة بس مفيش سبيل لتطبيقها لأن مفيش إرادة سياسية.
– نتمنى إنه الناس العاقلة في البلد تعترف وتتعامل مع الواقع الحقيقي في الملف ده لإنهاء وجوده كأزمة، مش استمرار التعامل معاه باعتباره حاجة حلوة نتكلم عليها عشان نقلل ضغط على النظام بدون أي تغيير حقيقي.