-خلال الشهر الجاري صدر قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بيتضمن إلزام الحكومات بحماية مواطنيها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفقاً لمواثيق الأمم المتحدة.
– القرار اتوافق عليه بأغلبية الأعضاء بواقع 115 دولة، بينما امتنع عن التصويت 28، واعترضت 15 دولة منها دولتين عربيتين هما مصر وسوريا، ودول زي روسيا والصين وكوريا الشمالية وإثيوبيا.
– ليه مصر اعترضت على القرار ده؟ وإيه مضمون القرار وأهميته؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
******
إيه موضوع القرار؟ وإيه أهميته؟
– القرار ده تطوير لقرار سابق في قمة الأمم المتحدة سنة 2005، تحت اسم “المسؤلية عن الحماية” ، اللي اتكلم عن مسؤوليات تلاتة لحماية الشعوب من جرائم الحرب والإبادة الوحشية، منها مسؤولية الدول نفسها، ومسؤولية الأمم المتحدة لو الدول دي تراخت في حماية شعوبها، ومسارات لإلزام الدول بالقرار ده.
– يوم 18 مايو، انعقدت جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمناقشة القرار الجديد اللي بيستكمل المسار ده بإصدار تعهدات من الدول والحكومات بحماية السكان من التعرض لأي جرائم وحشية أو جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي، وإدراج الجرائم دي ضمن ولاية مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وضمن إطار الاستعراض الدوري الشامل، وإدراجها كجزء من التقارير الوطنية.
– سبب القرار ده هوا محاولة تفعيل القرارات السابقة، وتفعيل نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لوقف الجرائم دي اللي مازالت للأسف مستمرة خاصة في الدول اللي بتشهد حروب أهلية ونزاعات مسلحة.
– القرار التاريخي ده حصل على أغلبية ساحقة من الدول – وهو الأول في الجمعية العامة من سنة 2009 – وهيتم إدراج مسؤولية الحماية في جدول الأعمال السنوي للجمعية العامة، والأمين العام للأمم المتحدة هيقدم تقرير سنوي عن الموضوع ده.
– المفترض إنه القرار دي يواجه تعرض السكان المدنيين لهجمات عشوائية على المدارس والمرافق الطبية، وانتشار الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب، واستخدام القوة غير المتناسبة والمميتة ضد المتظاهرين السلميين، والاضطهاد المؤسسي للأقليات.
– القرار ده يقدر يطور من آليات الملاحقة القضائية والدولية للعديد من الزعماء ورؤساء الدول، صحيح في مشاكل كبيرة بتعرقل العملية دي، وبتساهم في الإفلات من أي محاسبة لسنين طويلة، لأسباب كتيرة، لكن على الأقل ممكن تساهم في تضييق الخناق على بعض الدول في المراجعة الدورية الشاملة اللي بيعملها المجلس الدولي لحقوق الإنسان.
– أكتر دول طبعاً القرار ده ممكن يكون بيستهدفها، هو النظام السوري، وكوريا الشمالية.
– وممكن نفس القرار يتم استثماره ضد دول زي إسرائيل اللي بالفعل بتواجه انتقادات مستمرة بسبب الجرائم والانتهاكات اللي بتقوم بيها ضد الفلسطينيين.
كمان بعض الدول اللي فيها حروب أهلية ضد قبائل وعرقيات بعينها زي “إثيوبيا”.
– وبشكل عام في مأساة واضحة في معدلات الهجرة والتشريد بسبب الحروب والنزاعات وصل لـ 80 مليون إنسان مشرد على مستوى العالم.
*****
طيب ليه مصر صوتت بـ “لا”؟
– الحقيقة إن محدش فاهم السبب، التصويت المصري كان غريب جداً، ولا وزارة الخارجية ولا مندوب مصر في الأمم المتحدة ولا أي جهة مصرية رسمية أصدرت بيان يوضح سبب قرار التصويت المصري بالرفض للمشروع ده، في ظل إن فيه أسباب موضوعية للتصويت بالموافقة.
– يعني كل الدول العربية وبما فيها الدول الأقرب لمصر زي السعودية والإمارات صوتت بنعم، مفيش إلا سوريا اللي رفضت والسبب مفهوم لأن نظام بشار الأسد هوا من أوائل اللي هتيعرضوا للمسائلة القانونية الدولية بموجب الحرب الأهلية اللي فيها جانب “تغيير ديموغرافي” ببعض المناطق ونزوح سكان على أساس طائفي بين السنة والعلويين.
– القرار ده ممكن الدول العربية تستخدمه في التصعيد ضد إسرائيل، واتكلمنا في بوست سابق عن الضغط اللي بتمارسه منظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات الحقوقية ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي باعتباره “تطهير عرقي” وفصل عنصري أو “أبارتهايد”، وشكاوى فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية من جرائم الحرب الإسرائيلية، وغيره من التحركات الدولية اللي كان آخرها نية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنشاء لجنة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
– نفس مشروع القرار موجه لحالات زي اللي بيحصل في “إثيوبيا”، في إطار الحرب الأهلية اللي بتحصل وحالة التطهير العرقي اللي بتقوم بيها حكومة أديس أبابا ضد التيغراي في الشمال، وفيها اعتداءات واضحة ضد المدنيين العزل، وشفنا مؤخرا عقوبات أمريكية على المسؤولين الأثيوبيين للسبب ده.
– مصر مفيهاش حرب أهلية، في انتهاكات طبعاً واضحة ومستمرة ضد حقوق الإنسان، وبندعو دايما للتوقف عنها زي حبس المعارضين وقمع الصحفيين وغيرها، لكنها مش جرائم جرائم إبادة أو تطهير عرقي زي المستويات اللي اتكلمنا عليها، أو مستوى الدول اللي مستهدفة من القرار زي ما شرحنا.
– عشان كدة مفيش سبب منطقي لرفض القرار، خاصة في الوقت اللي بتحاول فيه مصر إنها تعيد فتح صفحة جيدة مع أمريكا عشان تساعد معانا في ملف سد النهضة.
– وكمان مع معرفة موقف دول تانية زي السعودية اللي ملفها الحقوقي سيء جداً، ومع ذلك صوتت بنعم لأن القرار لا ينطبق عليها، وايضا لمحاولة عدم الصدام الدولي في الملف ده.
– ربما الخوف من المحاسبة اللاحقة وسيناريو عمر البشير يكون مبرر في أذهان البعض، لكن ده برضه تخوف غير منطقي ولا واقعي، لأن مصر لم توقع على اتفاقية الجنائية الدولية من أيام مبارك، غير انه ولو كان في وقفة جادة إلى حد قرارات ضبط دولية على المستوى الأممي هتحصل، كان أولى بيها بشار الأسد مثلاً.
*****
– زي ما قلنا مصر ضمن الدول الـ 15 اللي اعترضت، أما الدول الـ 28 اللي امتنعت فهي دول عربية وأفريقية، زي الجزائر وجيبوتي وتشاد والكاميرون ومالي وليبيا وبوروندي وأنجولا، بالإضافة لدول بينها توتر مستمر زي الهند وباكستان، واللي بالطبع ليهم سجل حقوقي سيء في جرائم الحرب.
– وبرضه عشان نكون منصفين ومنطقيين، القرار لا يعني تغير هيحصل بين يوم وليلة في حالة حقوق الإنسان في العالم، للأسف المصالح السياسية للدول العظمى، والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بتقف عائق رئيسي قدام ده، وياما تم عرقلة قرارات دولية ضد إسرائيل والنظام السوري وغيرهم من أصحاب الجرائم بسبب اعتراضات أمريكا أو روسيا والصين، لأنه المصالح الاقتصادية والعسكرية أهم من أي اعتبارات إنسانية بكل أسف، وبيدفع تمن ده الضعفاء.
– نتمنى إنه يتم استثمار قرار زي ده في الاتجاه الصحيح ومحاولة وقف الجرائم المستمرة ضد المدنيين العزل في العالم بأكمله، ونتمنى إنه بلدنا تواجه مشاكلها بشجاعة أكثر من كده، وتتوقف عن سياستها المؤسفة في رفض التفاعل الجيد مع مطالب حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات ضد المواطنين والإفراج عن المعتقلين غير المذنبين ولا حاملي السلاح، والسماح للمواطنين إنهم يعبروا عن رأيهم بدون خوف من الاضطهاد، ده حقنا كمواطنين زي أي بلد بيحترم مواطنيه في العالم.
*****