– يوم 6 يونيو، وافقت اللجنة التشريعية والدستورية في مجلس النواب على تعديل قانوني يسمح بفصل الموظفين في الحكومة “المنتمين لجماعة إرهابية”، أو ما يعرف بالفصل بغير الطريق التأديبي، واللي اتشهر اعلاميا باسم “قانون فصل موظفي الإخوان”.
– التعديل القانوني ده نفسه كان وافق عليه البرلمان اللي فات في نوفمبر 2020، لكن لم يصدر وانتهت الدورة البرلمانية بدون ما يصدر.
– الفترة اللي فاتت رجع الموضوع للواجهة تاني بعد اتهامات وزير النقل كامل الوزير للإخوان بالتسبب في حوادث القطارات وهي الاتهامات اللي مفيش دليل واحد عليها من تحقيقات النيابة العامة.
– ايه التعديل القانوني الأخير؟ ليه بيتعمل وايه خطورته؟ وهل محتاجين قوانين من النوع ده؟
ايه اللي هيغيره التعديل القانوني ده؟
– التعديل اللي أقرته اللجنة التشريعية هو تعديل على قانون رقم 10 لسنة 1972 بشأن الفصل بغير الطريق التأديبي .
– التعديل ده كان قدمه النائب علي بدر في الدورة البرلمانية اللي فاتت لكن بعد موافقة البرلمان عليه لم يمر، النائب قدم مشروع القانون تاني وأضاف عليه مادة جديدة تجيز “فصل الموظّف المثبت مساسه بالأمن القومي للبلاد”، أو “إدراجه على قائمة الإرهابيين”.
– القانون أعطي لرئيس الجمهورية أو الوزير المختص اتخاذ قرار الفصل دون أن يضر ذلك بالمعاش أو المكافأة المخصصة للموظف.
– كمان وسّع التعديل من دائرة تطبيق القانون لتشمل العاملين بشركات قطاع الأعمال ومؤسسات القطاع العام، مش بس وحدات الجهاز الإداري للدولة.
– القانون كمان أعطى لمحكمة القضاء الإداري سلطة الفصل في الطعون على قرارات الفصل وأجاز لها الحكم بالتعويض، لكن مش إلغاء قرار الفصل نفسه.
– التعديل القانوني ده طبعا كان فيه معاه مشروع قانون تاني محدش عارف هيوصل لفين لحد دلوقتي لأنه لسه مدخلش اللجنة وهو مشروع قانون قدمه أمين سر لجنة القوي العاملة في البرلمان النائب عبد الفتاح محمد واللي قال أنه عمل مشروع القانون بعد سماعه خطاب وزير النقل أمام البرلمان.
– وزير النقل وادعاءاته هو كلمة السر في تحريك الموضوع ده، الوزير أكتر من مرة اتكلم عن دور الإخوان في حوادث القطارات المتكررة في مصر بدون أي سند قانوني يظهر في تحقيقات النيابة أو تحقيقات الوزارة، وبيبقى الهدف التغطية على عشرات الضحايا من المواطنين اللي بيموتوا بسبب انعدام كفاءة المسؤولين عن السكة الحديد وبسبب ضعف الاستثمارات في السكك الحديدية التقليدية في مصر لحساب مشاريع تانية جديدة، وغيرها من المشاكل الرئيسية.
– لكن كان الخيار الأسهل قدام الحكومة إلقاء اللوم على طرف خفي خارجي زي ما الوزير قال قدام البرلمان رداً على كلام مصطفي بكري عن وجود عناصر إرهابية في وزارة النقل أنه “اه فيه عناصر إرهابية وعارفينها، كل ما نبعتهم وزارة تانية ترفض، مشيراً إلى أن الحل في وجود تشريع يفصل هذه العناصر”.
– وقال أنه في سائق قطار كان بينتقد مسلسل الاختيار على الفيسبوك! وده كان شيء في منتهى العجب لأنه مش معقول هنركن كل معايير تقييم الموظف العام على جنب ونشوف موقفهم ايه من مسلسل الاختيار.
– لأنه ببساطة إحنا عندنا مسارات قانونية موجودة بالفعل بديلة للقانون ده وتطبيقها مفيهوش مشكلة يعني، الدولة أساسا من 2015 بتتوسع في وضع الناس على قوائم الإرهاب بقرارات من النائب العام، شوفنا ناس من كل الألوان زي أبوتريكة وصفوان ثابت ونشطاء سياسيين مدنيين زي زياد العليمي وحسام مؤنس كانوا من طليعة المعارضين للإخوان ومع ذلك بقوا على قوائم الإرهاب.
– بالفعل فيه مسار قضائي موجود للي بيدان نهائيا في أي قضية قضايا إرهاب بيتفصل من الشغل، وأصلا بالعموم أي حد بيدان نهائيا في أي قضية جنائية ده وضعه، بيتم فصله من العمل.
– حسب قانون الخدمة المدنية البند 9 من المادة 69 من القانون 81 لسنة 2016، واللي بينص على أن “تنتهي خدمة الموظف في حالة الحكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو تفقده الثقة والاعتبار”
– ده كمان حصلت سابقة قضائية أقرت سابقا فصل موظف يشتبه حتى في انتمائه لجماعة الإخوان، في 2018 محكمة القضاء الإداري حكمت بفصل موظف في الخارجية للسبب دا، ولأنه طبعا في استحالة عملية في إثبات انتماء س أو ص من الناس للإخوان بعيدا عن القيادات المعروفة، ولأنه الجماعة مش بتنضم ليها عن طريق استمارة تقديم، فالمحكمة قالت في حيثيات حكم آخر مماثل أنه “مجرد الشبهة تكفي لإدانة الموظف العام بفقدان حسن السمعة دون الحاجة لدلائل قاطعة”.
– ودي كارثة من نوع آخر، إن المحاكم المصرية طبقت القانون ده على موظفين كثير وحتى العديد من المؤسسات المختلفة داخليا حصل فيها حركة واسعة لنقل أو فصل موظفين بذريعة الانتماء للإخوان، وبعيدا حتى عن المشكلات على أرض الواقع، حكم القضاء الإداري اللي بيتكلم عن الشبهة فقط دا مشكلة، رغم إنه مفيش عقوبة في أي قانون في الدنيا بناء على الشبهة ولازم تتحقق القرائن الجنائية اللازمة.
– يعني في النهاية الانتماء الفكري لأفكار معينة أو التعاطف معاها بس بدون القيام بأي فعل عنف أو تعطيل عمل أو إتلاف ممتلكات عامة أو التحريض على العنف أو الفتنة الطائفية، أو القيام بأي شيء يخالف القانون يعرضك للفصل من الوظيفة ودي مشكلة كبيرة جدا لأنه عقاب الشخص على النية أو التفكير ده مش موجود في أي فلسفة عقابية في أي قانون في العالم دلوقتي.
– ودا شأنه شأن أي حد آخر يرتكب جرم لازم يتحاسب ويتعاقب عليه في إطار القانون اللي موجود بالفعل، مش بشبهة الانتماء اللي أثارها هتكون سيئة في علاقات العمل بين الموظفين.
– برضه في مشكلة إجرائية متعلقة بالقانون وهي أنه القانون الجديد هيفصل أي حد يدرج على قوائم الإرهاب، لكن دي قوائم إرهاب مؤقتة وبتتجدد بقرار من النائب العام وممكن إنها تروح للقضاء الإداري ويحكم برفع الشخص من على القائمة بالتالي دلوقتي لو في موظف اترفد وبعدين المحكمة حكمت برفعه من على قوائم الإرهاب هل هيرجع شغله تاني؟ لا لأنه القانون بيقول أنه ممكن يتصرف له تعويض.
– بالتالي إحنا أمام قانون آليات تطبيقه فيها مشاكل، حرفيا أي مدير مش عاجبه موظف ممكن يبلغ عنه أمن الدولة ويتم رفده من عمله لأنه بينتمي للإخوان وندخل في قصص وقضايا قدام المحاكم، وكمان في بدائل قانونية وقضائية موجودة والحكومة بتستخدمها حاليا دلوقتي.
– يعني حتى لو تغاضينا عن كل المشاكل الأخلاقية في القانون ده، ومشكلات التطبيق اللي هتخلي في استحالة فعلية لإثبات انتماء شخص للإخوان بالتالي الأحكام القضائية هتكون في الغالب مبنية على أشياء تقديرية مش شواهد فعلية، هنلاقي انه القانون حرفيا ملوش أي غرض سوى مطاردة أشباح، والأزمة مش في كده بس إنه هيستخدم في تصفية حسابات مع أي حد يقول رأي مش عاجب مديره أو مش عاجب الحكومة، أو يتم استخدامه “شماعة” زي كدة ما حصل في مسألة حوادث القطارات.
– نتمنى أنه مشروع القانون ده يتوقف وميوصلش للموافقة بالجلسة العامة، ويتم تجميد كل القوانين اللي من النوع دا اللي فعليا مش هتعمل حاجة للبلد سوى أنها تزود الاحتقان والمشاكل بين مكونات الشعب المصري.
– الخصومة السياسية مش لازم تتحول لأدوات قانونية تظلم الناس بناء على الخلاف السياسي وإن كنا بنتكلم عن الإرهاب فعندنا ما يكفي من القوانين لمحاربته مش محتاجين قوانين تقلل الحريات وتعيد إنتاج طرق تعامل العالم كله تخطاها من الخمسينات من أيام المكارثية في أمريكا.