الشهر اللي فات نشر برنامج الأمن والدفاع التابع لمنظمة الشفافية الدولية تقرير بعنوان “جمهورية الضباط”، بيتكلم عن نمو الأنشطة الاقتصادية المدنية للمؤسسة العسكرية، والتقرير بيقدم سرد تاريخي بيرتب فيه الأحداث من بدايتها لحد اللحظة الحالية، وده اللي هنقدم ملخص ليه هنا.
– مهم جداً قبل أي شيء نؤكد عشان الحساسيات المفهومة على أننا مواطنين مصريين موقفنا هوا في صف بلدنا وصف جيش بلدنا اللي بيخدم فيه كل شباب مصر من كل الانتماءات، كل عيلة فيها ابن أو أخ بيخدم بما فيها احنا فريق الصفحة، وعائلات كتير فيها أبطال بيحاربوا الإرهابيين في سيناء، والقضية دي بالذات كنا دايماً حريصين يكون لنا فيها موقف داعم ثابت وواضح .. وأكيد عايزين جيشنا أٌقوى جيش محدش عايز يضره أقل ضرر.
ده لا يتعارض مع حق المواطنين في معرفة مواردهم بيتم إدارتها إزاي؟ ولصالح مين؟ وحقهم في سؤال أي مسؤول وأي جهة حكومية عن أدائها وتقييمه لأننا مواطنين كاملين الأهلية بندفع ضرايب مقابل خدمات، والجيش مؤسسة حكومية تقدم خدمة عامة (الأمن والدفاع) زي أي جهة حكومية بتقدم خدمة، ومش المفروض يكون في أي مانع قانوني أو دستوري يحرمنا من الحق ده، وخصوصاً إن الكلام هنا عن الأنشطة المدنية مش العسكرية أساساً .. النقاشات دي لما تيجي من أرضية دعم مؤسسة الجيش بتكون لصالح الجيش نفسه ولصالح البلد مش ضدهم أبداً.
*****
بداية القصة:
– سنة 1979 أصدر الرئيس السادات قرار جمهوري بإنشاء “جهاز مشروعات الخدمة الوطنية”، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الاحتياجات الرئيسية (غذاء، معدات، ملابس) للقوات المسلحة عشان متتأثرش بطاقة الدولة الإنتاجية بالسوق في حال الحرب، وطرح الإنتاج الفائض للمواطنين في الأسواق عشان يتم تقديم منتجات أرخص للمواطنين وتسد عجز موجود في الإنتاج. لكن مع الوقت تطور نشاط الجهاز وبقا بيمتلك 21 شركة في مجالات (الزراعة والغذاء، الهندسة والإنشاءات، الصناعة، التعدين، الخدمات والصيانة، البتروكيماويات)، الشركات ده مبقتش بتسد احتياجات الجيش فقط لكن بقى في أرباح بتتحقق من الشركات والمشاريع ده، وبيتم التكتم عليها وإخفاء أي معلومات عن حجم الدخل ده أو مصيره.
*****
” هذه ليست أموال الدولة وإنما عرق وزارة الدفاع من عائد مشروعاتها.. ولن نسمح للغير أيا كان بالاقتراب من مشروعات القوات المسلحة”
اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية – مارس 2012 (كان بيتكلم بعد لما اتفتح الموضوع بعد خبر ان الجيش قدم قرض للحكومة قيمته مليار دولار وقتها)
*****
– سنة 1981 صدر قرار بإعطاء الجيش الحق في التنظيم والتخطيط للأراضي الصحراوية اللي هي أكثر من 94% من مساحة مصر، وفي سنة 1997 أصدر الرئيس مبارك قراراً رئاسياً يعطي الجيش الحق المطلق في إدارة جميع الأراضي غير الزراعية غير المستغلة، لاعتبارات الأمن القومي – اللي بيحددها الجيش لوحده – والتقديرات حول مساحة الأراضي ده بتوصل ل 87% من إجمالي مساحة مصر.
وبالقرار ده أصبح الحصول على أي قطعة أرض لغرض استثماري أو صناعي مرهون بموافقة الجيش، وأصبح في الوقت نفسه من حق الجيش الاستفادة المباشرة من الأراضي بدون دفع أي تكاليف أو مقابل للخزانة العامة، بينما ربح الأرض مش هيروح الموازنة العامة، وهنا جزء كبير من الخلل في إدارة مورد مهم زي الأرض والمساحة الجغرافية الكبيرة الفاضية.
– سنة 2011 عدل المجلس الأعلى للقوات المسلحة قانون القضاء العسكري، واللي ضمن بدوره عدم تقديم أي من العسكريين للمحاكمة أمام القضاء المدني في جرائم او اتهامات الكسب غير المشروع، ((حتى لو كانوا خارج الخدمة أو في درجة التعاقد)).
– سنة 2013 أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرار بتعديل قانون المناقصات والمزايدات مفاده إعطاء الحق للمؤسسات بإسناد مشاريع بالأمر المباشر.
– سنة 2015 تم إصدار قانون بيعفي أي مرافق عسكرية من الضرائب بما فيها 52 نادي و29 فندق ومنتجع سياحي و 8 دور سينما ومسرح.
– في السنوات الأخيرة نوعية الأنشطة الاقتصادية للجيش توسعت جداً وخرجت عن النطاق المنطقي للصناعات اللي بيحتاجها الجيش،ووصل للدخول في مشاريع تجارية بالدرجة الأولى زي صناعة التكييفات، والمزارع السمكية، واللحوم ومنتجات الدواجن، صناعة الكعك والمعجنات، استيراد حليب الأطفال، المدارس الخاصة !
*****
” حد قالي انه اقتصاد الجيش 50% قلتله ياريت .. القوات المسلحة حكومة ولو بتحقق الانتاج ده فده يفيدنا كلنا”
الرئيس عبدالفتاح السيسي في فبراير 2018.
*****
انتو زعلانين ليه مش كده أحسن ما ياخد من الموازنة؟
– الأصل ان الموازنة شاملة الكل، هل منطقي وزارة الصحة تعمل مشاريع مستشفيات خاصة عشان تصرف على نفسها؟ والتعليم يتوسع في مدارس خاصة ويشيل نفسه؟ وخلاص كل جهة تعمل كده ومفيش دولة بقى ونبطل ندفع ضرايب؟
– ومع كده لو قلنا انه شيء إيجابي ان الجيش يوفر احتياجاته الخاصة بشكل مستقل عشان يتيح مساحة أكبر بالموازنة للإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الأساسية، طيب هل ده بيحصل ؟؟
الواقع انه نصيب الجيش من الموازنة (قطاع الدفاع والأمن القومي، يُدرج رقماً واحداً) مبيقلش بل بيزيد، وهوا حوالي 5% من الموازنة:
الموازنة العامة سنة 2012-2013 كانت ميزانية الجيش 27 مليار جنيه
سنة 2013 – 2014 كانت ميزانية الجيش 30.9 مليار جنيه
سنة 2014-2015 وصلت الميزانية 41.0 مليار جنيه
سنة 2016-2016 وصلت ل 43 مليار جنيه
سنة 2016 – 2017 وصلت 46.8 مليار جنيه
سنة 2017-2018 وصلت 51 مليار جنيه. كل الأرقام من وزارة المالية المنشورة على موقعها.
ده برضه مش معناه اننا عايزين نخفض الميزانية، الفكرة فهم المنطق من الزيادة السنوية مع زيادة الأنشطة الاقتصادية اللي مش معروف الأرقام اللي بتحققها والأرباح بتروح فين بالظبط، ومفيش حد خارج الجيش بيملك المعلومة دي ولا حتى الحكومة أو البرلمان اللي المفروض انه رقيب على أموال الشعب.
*****
(ينشأ مجلس الدفاع الوطنى، برئاسة رئيس الجمهورية …………. ويختص بالنظر فى الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد، وسلامتها، ومناقشة موازنة القوات المسلحة، وتدرج رقمًا واحدًا فى الموازنة العامة للدولة، ويؤخذ رأيه فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة)
مادة 203 من الدستور المصري.
*****
واشمعنى مركزين معانا ما فيه جيوش تاني بتعمل كده؟
– الاعلام المصري استخدم نموذج الجيش الأمريكي على سبيل المثال عشان يبرر فكرة وجود اقتصاد للجيش ودخوله في أنشطة زي المولات التجارية أو تصنيع المعجنات أو المدارس الخاصة، لكن في معلومتين مهمين جداً تم تجاهلهم وهي أنه أي نشاط اقتصادي بيعمله الجيش الأمريكي بيخضع تماماً لرقابة الكونجرس وبالتالي حجم ومصير الأموال ده معروف لجهات بيتم انتخابها ومسؤولة عن مصاريف وأموال دافعي الضرايب، والأمر الثاني هو انه الجيش الأمريكي مبيعملش صناعات تجارية ربحية، إنما بيعمل مثلاً أنواع معينة من الأكل والبيتزا مش بغرض البيع التجاري إنما بغرض عمل أكل طويل الصلاحية ينفع استخدامه للجنود اللي بيتواجدوا في صحراء أو أماكن حرب لفترات طويلة، أو مثلاً إنشاء مدارس خاصة لكن مش بإشراف مباشر ومش معفية من الضرايب، وغرضها الرئيسي هو تعليم أبناء المجندين والظباط في أماكن قريبة من ثكناتهم ومعسكراتهم.
*****
ايه هي آثار الوضع ده علي الاقتصاد ؟
– ينص قانون الإعفاءات الجمركية لعام 1986 على إعفاء واردات وزارة الدفاع ووزارة الدولة للإنتاج الحربي من أي ضريبة. في دراسة تم إعدادها عن طريق الخبير الاقتصادي د أحمد السيد النجار سنة 2015 ومنشورة على موقع BBC توقع أنه نسبة اقتصاد الجيش من اجمالي الناتج المحلي هو 18% يعني حوالي 60 مليار دولار من أصل 330 مليار دولار في الوقت ده، وده ممكن يدينا مؤشر إنه بسبب الاعفاء الضريبي والجمركي للجيش فتم حرمان موازنة الدولة من إيرادات ضريبية بقيمة 65 مليار جنيه تقريباً، وقيمة الرقم ده بتبان قوي لما نعرف أنه مخصصات وزارة التعليم حالياً 80 مليار جنيه ومخصصات وزارة الصحة من الموازنة العامة للدولة حوالي 100 مليار جنيه.
– أي مستثمر عشان يعمل مصنع أو شركة بيبقى مشكلته الرئيسية في قطعة الأرض وبيتخصصلها المبلغ الأكبر، لكن الوضع الحاصل مع الجيش هو إنه مسيطر بحكم القانون على حوالي 90% من الأراضي المصرية، يعني عشان يتم عمل مصنع أو مشروع فالأرض بتكون جاهزة مباشرةً بدون تكلفة أو رسوم، فلما يكون عند مؤسسة أصول بالحجم ده وتنتج 2% بس من الناتج المحلي حسبما قال الرئيس السيسي فده معناه غياب لكفاءة إدارة الحجم ده من الأصول والأراضي، في الوقت اللي بتتم فيه التعاقدات بين القطاع الحكومي والجيش بالأمر المباشر، وده معناه حرمان القطاع الخاص المصري والأجنبي من فرص استثمارية كتيرة لأنه في منافس في السوق بياخد امتيازات ودعم أكثر يخلي المنافسة غير متكافئة.
– حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء القوة العاملة عندنا ٢٥ مليون مواطن سنة ٢٠١٥ ، لما بياخدوا فلوس إما إنهم بيشتروا ويستهلكوا ومعناه انه دورة الاقتصاد تتحرك (لما تشتري منتج المصنع عشان ينتج أكتر هيعين ناس أكتر)، او انه اللي بيشتغلوا لحسابهم الخاص يعملوا انفاق استثماري (مثلا فتح شركة أو مشروع صغير بيدفع ضرايب) وده برضه تحريك لدورة الاقتصاد وضخ فلوس في السوق وخلق وظايف وانتاج وغيره.
– في المقابل عدد المجندين في الجيش المصري حوالي مليون مجند حسب تصريحات الرئيس السيسي في 2015، منهم جزء كبير بيعمل في الانشطة الاقتصادية من شركات ومصانع ومزارع وفنادق بلا أجور حقيقية باعتبار انهم في فترة تأدية الخدمة الوطنية .. إذا افترضنا انه القانون بيلزم الجيش بدفع الحد الادنى للاجور للمجندين اللي بيخدموا في الأنشطة الاقتصادية فده معناه انه الفلوس هتدخل جوة دايرة الاقتصاد وبالتالي تنشط الحركة التجارية والاستثمارية، يعني لو ربع عدد المجندين افتراضياً بياخد 1200 جنيه شهرياً، فده معناه ضخ 36 مليار جنيه سنوياً في السوق، وتحسين أحوال للمجندين دول في فترة خدمتهم، وزيادة الناتج الاجمالي المحلي مما يعني تحسين مؤشرات الاقتصاد المصري، لكن لأنه ده امتياز للجيش انه العمالة تكون مجانية فتم حرمان الاقتصاد المصري برضه من الفرصة دي، ده غير انه جانب تاني من الإخلال بالمنافسة مع القطاع الخاص اللي هيعمل نفس النشاط ويدفع اجور كاملة.
– لما الجيش يستورد لحوم أرخص لأنها بدون جمارك، أمال وزارة التموين بادارة ضخمة متخصصة في ده دورها ايه؟ لما الجيش أخد توريد قساطر القلب للمستشفيات الجامعية أو يستورد لبن الأطفال ..الخ الخ أمال كل الوزارات المعنية دورها ايه؟ حتى بعيد عن الجوانب الاقتصادية، هل منطقيا وادارياً مفروض الظباط والجنود يركزوا في التدريبات والقتال ولا يعملو شغل باقي الوزارات؟
– وأخيراً غياب الرقابة على مشاريع واستثمارات اقتصادية وأموال بالحجم ده .. المتحدث باسم الجيش قال سابقاً ان انشطته خاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، لكن واقعياً الدستور بينص على نشر تقارير الاجهزة الرقابية، مفيش حاجة بتتنشر، والبرلمان لا يعلم، والموازنات لا تُنشر.
– وتاني احنا هنا مش بنتكلم عن قولي الدبابة دي قدراتها أو سعرها ايه، مع ان دي معلومات منشورة من الدول الي بنشتري منها، لكن أنا بقولك قولي النادي ده بيكسب كام، قولي مصنع المكرونة ده بتديره بكفاءة ازاي وهات ميزانيته تتناقش في الحكومة.
غياب الرقابة الكافية على أنشطة مدنية واسعة زي دي ممكن جداً تساهم في عمليات فساد واستغلال السلطة، وده بيضعف بنية المؤسسة وبيهدر فلوس وموارد ، ومفيش مؤسسة أو تجمع بشري ممكن يكون خالي من الأخطاء 100%، واحنا فاكرين مثلا مرافعة المستشار جنينة في محاكمته لما قال ان تقريره اتكلم عن فساد شخصيات “سيادية”، والتقرير كان فيه وقائع منح أراضي في الحزام الاخضر بستة أكتوبر، وفاكرين كمان واقعة غريبة لما ظهرت اتهامات الفساد والتربح على لسان إعلاميين عن رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق الفريق سامي عنان، لما أعلن ترشحه للرئاسة، وبعدين الكلام اختفى.
– اللي يحسم ده آليات شفافية ومحاسبة شاملة على كل العاملين بالدولة وكل مؤسساتها، نقدر نحتكم ليها كلنا عشان نطمن على مصير أموال ضرائبنا اللي كلنا بندفعها ومواردنا اللي كلنا نملكها.
******
ريان هو طفل مغربي عمره خمس سنوات، سقط في بئر ضيقة في إحدى القرى بضواحي…
- توفي يوم الجمعة اللي فاتت الدكتور عصام المغازي، استشاري الأمراض الصدرية، ورئيس الجمعية المصرية…
"الوطن هو تجربة اجتماعية مستمرَّة، وليس نَقشًا فرعونيًّا على حجر منذ آلاف السنين، تجربة اجتماعية…
- مليون مبروك لمنتخبنا الوطني اللي نجح في إقصاء الكاميرون بركلات الترجيح بعد مباراة عصيبة.…
- من أسبوع تقريبًا أصدر الرئيس السيسي قرار جمهوري رقم 13 لسنة 2022، القرار ده…
- مستمرين معاكم في حلقات تذكر وحكاية مشاهد كانت فارقة في تاريخ ثورة يناير عشان…