“الوطن هو تجربة اجتماعية مستمرَّة، وليس نَقشًا فرعونيًّا على حجر منذ آلاف السنين، تجربة اجتماعية حيَّة، أساس العلاقة فيها بين المواطنين ببعضهم البعض أو مع الدولة ليس الاضطرار أو الارتهان المتبادَل، بل سيادة القانون القابل للتنفيذ فعلًا، استنادًا إلى عقلانيته ومشروعيته، في وقتٍ أصبح وضع مبادئ جديدة لجمهورية جديدة أمرًا مُلِحًّا وليس تَرَفًا؛ لأن الجمهورية الجديدة هي المحطة الأكثر إمكانًا وعقلانية في مسيرة مصر نحو الأمام، وعِوَضًا عنها سترتدُّ البلاد إلى صِيَغٍ سلطانية تقليدية، ستُدمِّر تمامًا أُسُسَ الدولة الحديثة بكل مقوِّماتها المادية والرمزيَّة، وبدونها لن نجد سبيلًا لأزمة الشرعية الطويلة والممتدة لعقود طويلة، والتي -بمنتهى الأسف- تزداد تعقيدًا يومًا بعد آخر، بشكل لا يجعلنا نملك تَرَفَ كَتْمِ الشهادة أو التَّنطُّع على التاريخ، أو حتى التضرُّع إلى السماء”.
– ده اقتباس من الفصل السابع من كتاب تاريخ العصامية والجربعة، واللي هو عبارة عن تأملات نقدية في الاجتماع السياسي المصري الحديث، لمؤلفه محمد نعيم، واللي قررنا النهارده نعمله استعراض وقراءة سريعة في بوست النهارده.
– بعيدا عن اللغة الجيدة والسهلة للقراءة للكتاب، فالكتاب بيطرح مجموعة من الأفكار أو التأملات الخاصة بالمؤلف واللي هو ناشط سياسي وكاتب مصري له كثير من المقالات المنشورة بالعربية والإنجليزية.
– نشاط المثقفين السياسين والمرتبطين بالثورة مهم النظر إليه، لأنه قد يكون بيحمل نوع من المراجعة الذاتية والجماعية للي حصل في الثورة، طبعا الكتاب دا منقدرش نقول إنه مراجعة بقدر ما هو محاولة لتفكيك عدد من الأساطير اللي منتشرة في الاجتماع السياسي المصري الحديث وفي المجتمع المصري بشكل عام.
– الكتاب صادر السنة اللي فاتت عن دار المحروسة للنشر، ومن عنوان الكتاب ممكن نشوف أنه الكتاب بيحاول يتجاوز الأسئلة التقليدية عن السياسة في مصر في الوقت الحالي وفي ظل السقف المنخفض للسياسة عموما لأنه يحاول يحلل اللحظة دي مصادرها إيه؟ جت إزاي ؟ ممكن ننجو كلنا من وضع الأزمة المستمرة أو بمعني أصح الأزمة المؤجلة للجمهورية إزاي؟
ايه أهم أفكار الكتاب؟
– الكتاب عبارة عن 7 فصول مكتوبة بلغة سهلة، وهي من مميزات كتابة محمد نعيم الجمل القصيرة والسهلة واللي مفيهاش إطناب كتير، ويمكن نقسم الكتاب لـ3 أجزاء أو 3 أبواب.
– في الباب الأول واللي عنوانه “خصال صاحبت رحلة التحديث ” بيحكي نعيم قصة التحديث في مصر من وقت محمد علي، وإزاي المصريين عبر السنين طوروا منظومة من القيم للتفاعل مع بعضهم كان منها العصامية، إزاي المصريين مع محمد علي ترقوا بسبب الميري وبسبب الجهاز الإداري للدولة وتطوير الزراعة من فلاحين بيجري وراهم الوالي العثماني عشان ياخد الضرائب لطبقة وسطى وطبقة من الأفندية، وإزاي بعض المصريين نفسهم لاحقا حالوا يتنكروا لأنه أصلهم فلاحين رغم عصامية اللحظة اللي أنتجتهم بالشكل الحالي.
– محاولات التنكر والادعاء والقفز على الأشياء والفهلوة وشغل التلات ورقات، بحسب وجهة نظر نعيم خلى مفهوم “الجربعة” يظهر، ودا كانت اختيار لفظي ذكي منه لوصف الحالة.
– الكاتب رأيه إن فيه كذا محطة في التاريخ المصري ساهمت في ظهور وترسخ “الجربعة” دي وخاصة من جانب السلطة في مصر وتحديدا لحظات زي الانفتاح وقت السادات، وأيضا كانت “الجربعة” بتظهر دائما بعد هزيمة الثورات.
-في باقي الباب الأول وتحديدا في الفصل الثالث بيحاول نعيم يحلل عدد من الظواهر اللي في رأيه مميزة جدا للمجتمع المصري زي فكرة تمجيد الرجل الأسمر والمرأة البيضاء وليس العكس، فكرة الحسد وارتباطه بثقافة التعايش والهروب من الفقر عند المصريين، النيش اللي في كل بيوتنا واللي هو استعارة من الطبقة العليا الأرستقراطية في أوروبا اللي كانت بتحط فيه التحف لكن إحنا بنستخدمه لجهاز العروسة.
– في الباب التاني واللي بيشمل الفصل الرابع والخامس وعنوانه “بعضا من ملامح تاريخ السيولة الاجتماعية في مصر” بيحاول نعيم يبص لمحطات تاريخية في التاريخ المصري الحديث، منها محطات الملكية وبيفند أوهام مصر الجميلة قبل الملكية بقدرة رائعة على التحليل، وفي نفس الوقت بيحاول يضع ثورة يوليو في سياقها وتأسيسها للجمهورية اللي بيشوفها نصف جمهورية أو جمهورية مبتسرة لأنه مكنش وما يزال مفيش حضور حقيقي للشعب فيها.
– دافع نعيم للكتابة هو لحظة الهزيمة اللي عاشتها ثورات الربيع العربي، واللي هو شايف أنها مش بس هزيمة للنخب السياسية التقدمية اللي عايزة ديمقراطية وغيرها من المطالب إنما هزيمة للمجتمع كله، هزيمة أتاحت استمرار ما يسميه بالاعتداء على القيم اللي قامت عليها “الجمهورية المصرية” في فترة ما بعد 1952.
– كمان الكتاب بيحاول يشوف تأثير سنوات السادات على العقل الجمعي المصري، وسنوات مبارك الثلاثين والتحولات الاقتصادية والاجتماعية اللي حصلت في الثلاثين سنة الطويلة واللي أخرت البلد سنوات لورا.
– وصولا لأنه بيشوف لحظة صعود الإنترنت والمدونين وإزاي الناس دي قدرت تخلق مجال عام جديد غير اللي مقفول في وقت مبارك وإزاي الثورة يقصد يناير كانت لحظة تفجير التناقضات اللي في علاقة المجتمع بالدولة في مصر.
– في الفصل الخامس بيحلل نعيم عدد من الظواهر اللي بيشوفها مهمة في التاريخ المصري زي الأمركة المبكرة بتعبيره في السبعينات والثمانينات، وزي الهجرة للخليج وتأثيرها على المجتمع المصري، وأخيرا صعود الصحوة الإسلامية في نهاية السبعينات.
– في الباب الثالث والأخير من الكتاب واللي عنوانه “أزمة إعادة التأسيس الاجتماعي والسياسي” واللي من خلاله في فصلين بيحلل نعيم اللحظة الحالية التالية على ثورة يناير واللي بيشوفها كانت نهاية لعالم قديم لازم بعده يعاد التفكير في كل شيء في مصر.
– في الفصل الأخير بيحاول نعيم يحط ما يمكن أن نسميه وصفة لتأسيس جمهورية حقيقية في مصر، مش نصف جمهورية أو جمهورية معطلة من 1952 لأنه عبد الناصر كان خايف على الشعب يقع فريسة للقوى الرجعية.
– في رأي محمد نعيم إعادة تأسيس الديمقراطية على أسس الديمقراطية لأنه الجمهورية في تعريفها ديمقراطية وإلا لو مكنش الشعب هيحكم فين الشرعية يعني؟
– بنشوف في خلال السنوات الأخيرة إهدار لقيم كثيرة سياسية واجتماعية كانت موجودة، إهدار للسياسة إهدار وتشكيك دائم في الشعب والمجتمع.
– الاعتداء ده تجيله الأعظم نظرة الدولة الأمنية الحالية للمجتمع على أنه كل شيء فيه تهديد للدولة، نظرتها لكل الفئات وكل الناس وكل الاتجاهات السياسية وأي محاولة للخروج عن التوافق على أنه في تهديد للدولة، لدرجة سجن محامي من حزب مستقبل وطن عشان أتكلم على تزوير الانتخابات.
– لو حاولنا نفكر شوية بشكل جاد يعني في مآلات ثورات الربيع العربي هنلاقي أنه الثورات دي حصلت كلها في جمهوريات، نشأت في الخمسينات والستينات وكلها حكمها نخب عسكرية وكلها كانت بتقول في قلب خطابها السياسي أنه الجيش اللي جه يحكم بناء على إرادة الشعب، وكان جاي عشان يأسس جمهورية يكون للشعب في المقام الأول الحكم فيها، وفي كل الدول دي أو الجمهوريات دي كانت الديكتاتورية سمة حاضرة والثورات اللي حصلت ضد الأنظمة الدكتاتورية دي لأنها مع استمرارها فاقدة للشرعية التنموية أو السياسية.
– الكتاب مهم جدا لأي حد بيحاول يفكر في اللي بيحصل في مصر بشكل مركب شوية بعيدا عن الشعارات والتفسيرات السهلة والهجوم والاستقطاب السياسي اللي بيعمي الناس عن حقائق موضوعية موجودة.
– ده اقتباس مهم من الفصل الأخير في الكتاب “إتمام الجمهورية ليست عمليَّةً نظريَّةً أو صياغات متماسِكةً لمبادئ تأسيسية؛ فما أحلى الصياغات وما أجمل ديباجات الدساتير، الجمهورية هي التجسيد المادي لممارسة سلطة الشعب وسيادته في أدقِّ يوميات حياته وببساطة وأريحية؛ فالشعوب ليست مظاهراتٍ كبيرةً وبشرًا تكتظُّ في الميادين، ولا هم بطاقات اقتراع تُعَدُّ وتحصى في مواسم الانتخابات؛ فتلك مجرَّد تعبيرات عن الإرادة الشعبية في لحظات بعينها، ولفترات بعينها، يمكن لها أن تتغيَّر بين فترة وأخرى، فلا المظاهرة الكبرى لحظة تأسيس، ولا التصويت الانتخابي تفويضًا على بياض، الشعوب توجد في حركتها الدائمة، ونشاطاتها الحية، في تنوُّعاتها واختلافاتها. الشعب تجربة اجتماعية وسياسية مستمرَّة، وليست مجرَّدَ قِصَّةٍ مسطورة وحكاية مكتملة، ليس أزليًّا ولا أبديًّا، بل صراعات وتسويات وتوافقات مستمرَّة بين أبناء جماعة بشرية اختارت طوعًا العيش معًا وفقًا لقواعد وقوانين تجعل من عيشها المشترك سببًا للسعادة والرضا والتقدُّم. القواعد والقوانين تلك ليست أزليَّةً ولا أبدية هي الأخرى، بل موضوعًا دائمًا للإبداع والتطوير والمراجعة والتجاوز والخلق”.
– بنشوف الاجتهادات اللي من النوع دا في الكتابة مهمة عشان تساعدنا نفهم وصلنا لحد اللحظة الحالية دي إزاي، وبنشوف كمان من الضرورة الاشتباك والتفاعل معاها عشان نقدر كلنا نطلع لقدام.
– يا ريت اللي قرأ الكتاب يقولنا رأيه في التعليقات، واللي لسه ما قرأش يحاول يقرأه لأنه فعلا كتاب مهم ولغته وأسلوبه سهل، ومناسب لأنه يكون في قائمة أي حد لمعرض الكتاب السنة دي.