الموقف المصري | Egyptian Situation

من أيام وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق قال تصريح مهم جدا خلال مؤتمر الجمعية المصرية للأوراق المالية، قال إنه كان يتمني طرح أسهم شركة الشرقية للدخان في البورصة في وقت أفضل لما يتكون قيمة التداول في البورصة عالية، وإنه “الحكومة ستخسر فى السعر الذى ستطرح به الشرقية للدخان، ولكنها ملتزمة بتوقيت الطرح “!!

– كمان قال أنه “هدف الحكومة من برنامج الطروحات ليس ماليًا، وان كل اللي هيتم تحقيقه 23 مليار جنيه من المرحلة الأولى، وده قيمة لا تُذكر مقارنة بموازنة الدولة، ولكن الهدف زيادة مشاركة القطاع الخاص في إدارة الشركات العامة”.

– التصريحين الجدليين دول يخلونا نتكلم عن برنامج الحكومة لطرح شركات القطاع العام في البورصة ككل، وخاصة حالة الشركة الشرقية للدخان، وهل أسباب الخطوة منطقية ومفيدة؟ وهل فيه بديل؟ وهل حتي لو افترضنا انه مفيش بديل هل دي الطريقة الأمثل لتنفيذ البرنامج؟

********

إيه اللي هيحصل بالظبط؟

– الحكومة هتطرح نسب مختلفة من أسهم 23 شركة حكومية رابحة في البورصة، النسب تتراواح بين 15-30 % في المتوسط، بحيث إن الحكومة تظل أكبر حامل للأسهم ما يتيح استمرار الادارة الحكومية، بينما ممكن يشارك القطاع الخاص بمقاعد في مجالس الإدارات حسب النسب، ومن الشركات 14 شركة تطرح اسهما في البورصة لأول مرة.
– المفترض أنه البرنامج يتنفذ علي مدي زمني من 24 ل 30 شهر، ويحقق دخل للموازنة العامة يقدر بحوالي 80 مليار جنيه.
– الدفعة الأولى هتشمل أسهم من 5 شركات هي الإسكندرية لتداول الحاويات، والشرقية للدخان وأبوقير للأسمدة، والإسكندرية للزيوت المعدنية، ومصر الجديدة للإسكان والتعمير.
– الحقيقة أنه بشكل عام ايجابي إننا مش بنشوف النمط القديم من الخصخصة اللي بيبيع الشركة على بعضها لمستثمر اجنبي بعد شوية نشوفه قفل المصانع وباع الأرض وشرد العمال، أو استمر وبيحول الأرباح للخارج دون توسعات انتاجية حقيقية … وبرضه بشكل عام فكرة طرح الشركات في البورصة بحد ذاتها المفروض انها في العالم حاجة ايجابية تتيح سيولة مالية للشركات تتوسع بيها، وكمان تتيح شفافية لانها تلزم الشركات بافصاحات وتقارير سنوية، وبتؤدي لشراكة ناس حطت فلوسها في الادارة فحريصة الشركة تنجح أكتر وتكسب أكتر، غير انه وسيلة استثمارية انتاجية للمواطنين أحسن للاقتصاد من انه يحوش فلوسه في عقار أو أرض.
– لكن المشكلة أنه الهدف الررئيسي في حالتنا مختلف عن توسيع قاعدة الملكية واللي تعني ضخ استثمارات كبيرة في الشركات وتطويرها، شراء مكن جديد مثلا أو زيادة جودة المنتجات او زيادة الانتاجية بشكل عام.
– كمثال محدد شركة زي الشرقية للدخان معندهاش نقص سيولة مثلا عشان تبيع جزء منها، ولا مثلا عليها مديونية عايز تسددها، ولا في خطة أعلنتها الحكومة أنها هتطور حاجة في خطوط الإنتاج!
– لكن هدف الطرح الأخير هو توفير موارد مالية لسد عجز الموازنة (440 مليار تقريبا) في ظل ارتفاع كلفة الاقتراض الداخلي أو الخارجي، يعني احنا بالبلدي بنبيع (أصول) بتكسب على المدى الطويل، والناتج مش رايح لاستثمارات في نفس الأصول، لكن رايح لتوفير موارد مالية على المدى القصير.
– وبحسب بحسب خطة وزير قطاع الاعمال بخفض ملكية الدولة ل 40% من الشركات التابعة للقطاع العام اللي هما 123 شركة تبع 8 شركات قابضة، بالاضافة لشركات النقل والزراعة اللي بتخلي الاجمالي 300 شركة.
– وتأكيداً لإن دي هيا رؤية الدولة مثلا النائب محمد بدوي دسوقي – وهو في الاصل رجل اعمال – قال انه شركات قطاع الأعمال عبء على موازنة الدولة لأنها بتاخد مرتبات 228 مليار جنيه وانه مرتبات العمال زادت بنسبة 45% في اخر 10 سنين.

*********

ليه نخسر لما ممكن نكسب؟ نموذج الشرقية للدخان

– الشرقية للدخان هي الشركة المحتكرة لسوق التدخين في مصر وهي واحدة من أكبر شركات القطاع العام اللي بتحقق مكاسب مستمرة، خلال العام المالي الأخير دفعت ضرايب بس 56 مليار جنيه!، والحقيقة الشركة بالفعل حوالي 39% من أسهمها مطروحة في البورصة، و55% مملوكة للدولة والباقي لصندوق العاملين، الجديد هوا انه الدولة هتطرح من حصتها 4.5% من الأسهم للبيع.
ورغم التحفظ السابق على عدم وجود مصلحة للشركة في ده، لكن الموضوع فيه مشاكل مختلفة:

– المشكلة جت بعدين في عملية تقييم سعر السهم قبل الطرح، وده انتقاد وزير قطاع الاعمال، ان الطريقة اللي اتنفذت هيا الاعتماد على الأسعار المتاحة في الشهر السابق، ودي مشكلة كبيرة أنك تحدد سعر سهم شركة كبيرة زي الشرقية للدخان بدون منافسين في السوق بالطريقة دي، خاصة أنه الشهر الأخير البورصة تعرضت لخسائر كبيرة، وحركة التداول كانت قليلة، وجزء من الأسباب أزمة عالمية في “الأسواق الناشئة” مأثرة علينا، بالتالي متوسط أسعار الأسهم هيبقي قليل خصوصا مع تراجع قيمة سهم الشركة بنسبة 43% في ال 5 شهور الأخيرة .. خبراء كتير كانوا شايفين إنه ممكن استخدام طرق تقييم تانية تراعي متوسط السعر في فترة زمنية اطول.

– المشكلة التانية هي في إختيار التوقيت، ولا نظن ان سبب التمسك بيه هوا ان الحكومة فعلا في حاجة ل 2 مليار جنيه اللي متوقع يوفرهم بيع أسهم الشرقية، لكن الأرجح ان السبب هو التزام مع صندوق النقد الدولي اللي ممثله التقى وزير قطاع الأعمال الشهر اللي فات وأكد ليه ان الحكومة ملتزمة بالطرح في موعده.
لدرجة إن عماد الدين مصطفى، رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، المالكة لأسهم الأغلبية في الشرقية للدخان، قال إن “الأهم حالياً هو نجاح الطرح وليس قيمة العائد منه”!
– ده غريب لأن من المفترض أنه إدارة عملية طرح شركة رابحة كبيرة زي دي، لو مكانش غرضه الأول هو الاستثمار في أصولها، فعلى الأقل غرضه تحقيق أكبر قدر للربح للحكومة.
وجزء من ده اختيار الموعد الأنسب لتسويقها للمستثمرين المحليين والاجانب.

********

ايه البديل؟
– الأصل خفض عجز الموازنة بيحتاج مراجعة شاملة لأوجه الانفاق في جوانب اتكلمنا عنها أكتر من مرة قبل كده.
– والأصل إنه زي ما قلنا الطروحات متكونش بغرض جمع فلوس عاجلة وخلاص، لكن ليها علاقة بحالة كل شركة وازاي ده هيؤدي لتوسعها، اللي هيؤدي بشكل غير مباشر لدخل افضل للحكومة سواء بزيادة ارباح الشركات نفسها او بزيادة الضرايب اللي بتدفعها.
ممكن الحكومة تفكر في زيادة ربحية شركة زي الشرقية للدخان عن طريق زيادة الانتاج والتصدير، أو عن طريق ضخ منتجات جديدة في سوق كبير زي السوق المصري، أو عن طريق تقليل تكاليف الإنتاج، ولو ساعتها احتجت طرح أسهم بالغرض ده هيبقى منطقي.

– حتى لو تجاوزنا النقطة السابقة، ولو افترضنا ان فعلا مفيش بديل لخفض عجز الموازنة والاستدانة الا اننا نبيع حصص من الشركات، بالتالي لازم إدارة عملية طرح الشركات بالبورصة تتسم بالكفاءة والشفافية، الكفاءة بمعنى أنها تبحث عن أفضل وقت للطرح وأعلي سعر، والشفافية بمعنى أنه ده مال عام فلازم نعرف تفاصيل كل عملية طرح ومين اللي استحوذ على النسب الأكبر من الأسهم عشان منكررش غلطات سابقة .
– مثلا في 2007 كان في طرح شهير لأسهم البنك الوطني المصري، في القضية اللي اتعرفت بعدين بقضية التلاعب بالبورصة اللي اتهم فيها علاء وجمال مبارك وأخرين، في الطرح دا اتضح تدخل شركات زي هيريمس والنعيم كابيتال عن طريق التلاعب في أسعار الأسهم قبل عملية الطرح والبيع لاحقا للبنك الوطني الكويتي، في صفقة بحسب ملفات القضية كانت مجموع المبالغ اللي جت عن طريق الفساد فيها 4.5 مليار جنيه تقريبا، وإن كانت القضية مازالت منظورة في المحاكم.
– بالمناسبة الحكومة اختارت شركة هيرميس – نفس الشركة المتهمة في قضية التلاعب في البورصة – لإدارة عملية طرح أسهم الشرقية للدخان وربما كان الأولى الانتظار لحد حسم قضية الشركة على الأقل للبعد عن الشبهات.
– وفي النهاية بشكل عام محتاجين نبعد عن القواعد المطلقة سواء لناس بتعادي القطاع الخاص على طول الخط ولازم كل الشركات حكومية، أو العكس ناس بتتصور انه مفيش حاجة اسمها قطاع عام كفؤ ولازم نبيع كله.
العالم مليان نماذج لشركات قطاع عام عملاقة قادت نمو الدولة زي الصين، وأيضاً شركات قطاع خاص هائلة بتفيد اقتصاد الدولة زي أمريكا، وفي الصين برضه فيه قطاع خاص كبير، وفي أمريكا برضه وقت الأزمة المالية الدولة تدخلت واشترت أسهم بمليارات لانقاذ الاقتصاد، وفي كلاهما وغيرهم أوجه للنقد.
مفيش قاعدة ثابتة في الموضوع ده، لكن الفكرة في التوازن ووجود أسباب علمية ومدروسة ومعلنة لكل خطوة وقرار، وتوافر آليات الرقابة والمحاسبة الادارية والسياسية، وهو ما يوفر الثقة وامكانية المراجعة والإصلاح، وفي النهاية سؤال كفاءة ونزاهة الادارة عندنا بيطرح نفسه في نموذج بيجيب مكاسب زي طرح الشرقية للدخان، ونموذج تاني تم تصفيته بسبب سوء الادارة زي القومية للأسمنت اللي اتكلمنا عنها قبل كده واتاخد قرار ببيع الشركة وتصفيتها نهائياً، مين بيحاسب أو بيراجع؟

*******