– من أيام نشرت وزارة المالية على صفحتها بالفيسبوك منشور بيطلب من السناتر ومدرسي الدروس الخصوصية بعمل ملف ضريبي لأنشطتهم في مصلحة الضرائب.
– الغريب إنه في نفس المنشور اللي كانت بتطلب فيه وزارة المالية من المدرسين وأصحاب السناتر فتح ملفات ضريبية ليهم، كانت بتأكد على إنه فتح الملفات ودفع الضرايب مش سند لتقنين النشاط.
– ليه النشاط ده مش متقنن؟ وهل الدروس الخصوصية نشاط ينفع يتاخد منه ضرايب؟ هنتكلم عن كل الأمور دي في البوست الحالي.
********
إيه قصة ضريبة الدروس الخصوصية؟
– يوم 3 نوفمبر، نشرت وزارة المالية بوست بطريقة ساخرة بيدعو فيه أرباب الدروس الخصوصية للتوجه لمأموريات الضرايب عشان يسجلوا نشاطهم ضريبيًا في فترة زمنية لا تزيد عن شهر.
– المثير في البوست غير الطريقة الساخرة للصورة وبداية البوست اللي كان فيها عبارات ” وحش الأحياء” و”عملاق الكيمياء” واللي بيطلقها المدرسين الخصوصيين عن نفسهم، إنه الوزارة أكدت إنه تسجيل النشاط ودفع الضريبة عليه، مش سند لقانونية نشاط الدروس الخصوصية!
– والكلام ده أكده رئيس مصلحة الضرايب رضا عبد القادر، اللي قال إنه فتح الملف الضريبي مش سند لتقنين الأوضاع، وإنه نشاط الدروس الخصوصية زي أي نشاط تجاري أو مهني ينتج عنه ربح وبالتالي المصلحة لازم تاخد منه ضريبة، وفقًا لقانون ضريبة الدخل وقانون الإجراءات الضريبية الموحد، وإنه الخطوة دي جزء من دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.
– رئيس مصلحة الضرايب قال إنه تقديم الإقرار الضريبي ميزته إنه هيمنع المركز أو المدرس من الخضوع للغرامة اللي هتطبق عليه في حال إنه قطاع مكافحة التهرب الضريبي هو اللي يتعامل معاهم، وإنه الضريبة بسيطة وهتكون 2500 جنيه للسنتر اللي بيحقق إيراد بـ 500 ألف جنيه سنويًا، والمصلحة هتحاسب كلٍ من المؤجر والمستأجر والمدرس.
– في نفس الوقت خالد قاسم، المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية، قال إن مراكز الدروس الخصوصية غير قانونية وهتستمر الوزارة بالتنسيق مع الإدارات المحلية والشرطة بالمحافظات لقفل السناتر دي، وإنه في الآلاف من مراكز الدروس الخصوصية اتقفلت السنة دي، لأنها مخالفة للقانون وضد الإجراءات الاحترازية.
– التضارب الغريب دا في التعامل مع الملف دا دفع النائبة غادة قنديل، عضو مجلس النواب، إنها تتقدم بطلب إحاطة لرئيس مجلس النواب، موجه لوزيري المالية والتربية والتعليم بشأن تعاملهما مع ملف الدروس الخصوصية.
– أبدت النائبة في طلبها، استياءها واستغرابها مما وصفته بالتخبط الواضح بين وزارتي التربية والتعليم ووزارة المالية، في التعامل مع ملف الدروس الخصوصية، وقالت: “في الوقت الذي تحارب التربية والتعليم الدروس الخصوصية نجد أن وزارة المالية تطالب المدرسين بفتح ملفات ضريبة عن الدروس الخصوصية”.
– طبعا الموقف الرسمي الحكومي من ظاهرة الدروس الخصوصية قاله الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، في تعليقه على واقعة ضبط سناتر دروس خصوصية، في بداية العام الدراسي، وقال تحديدا “التعليم المصري يوفر اليوم وسائل تشمل جميع المصادر العلمية لم تكن متواجدة في العهود السابقة، المصادر مناسبة للغني والفقير كي لا يضطر للجوء للدروس”.
– وقال كمان: “السناتر تكلف أولياء الأمور أموال، إضافة إلى أن كثيرا ممن يدرسون بها غير مؤهلين”، ووجه شوقي رسالة إلى أولياء الأمور في السابق مفادها إنه:”ذهاب أولادكم إلى الدروس الخصوصية أذى وليس واجب عليكم كما تتوقعوا، بتعملوا كده ليه، افتحوا قناة مدرستنا والبث المباشر وباقي المصادر المختلفة”.
******
هل فكرة الضريبة هنا منطقية؟
– طبعًا شيء غريب جدًا إنه الدولة عاوزة تاخد فلوس ضرايب من نشاط اقتصادي هي مش بتعترف بيه وبتعتبره جريمة، المفروض الضرايب دي اتعملت عشان المجتمع يدفع فلوس للدولة وتاخد بيها خدمات وتسأل وتحاسب الحكومة عليها وبيكون صرف فلوس الضرايب والموازنة العامة آلية تقييم للحكومة.
– لكن غريبة الفكرة اللي بترددها مصلحة الضرايب ووزارة المالية بإنها عاوزة ضرايب وخلاص بغض النظر النشاط ده قانوني ولا لأ ! ما هو لو هناخد منه فلوس يبقى يتقنن ويخضع لمواصفات ببساطة والدولة تستفيد منه وتساهم في تنظيمه بدل الحالة الهلامية دي، لأن بالمنطق ده فالدولة لازم تاخد ضرايب من أنشطة تانية مشروعة بقى أو غير مشروعة، لأنها أنشطة بتجيب أرباح وتزود الدخل بغض النظر عن قانونية الأنشطة دي من عدمها.
– وبالتالي إنت لو عاوز تدمجها في الاقتصاد الرسمي، يبقى فيه خطوات كتيرة قبل الضرايب الحقيقة، فسؤال مشروعية وجودها ملوش علاقة بإنها بتدفع ضرايب ولا لأ.
– يبان قد إيه الدولة متخبطة مع موضوع الدروس الخصوصية ومنظومة التعليم بشكل عام من تصريحات وزير التعليم طارق شوقي، اللي كان سعيد بالكورونا عشان قدر يقفل بيها مراكز الدروس الخصوصية، لكن في نفس الوقت محدش شايف إنه الظاهرة جزء منها إن الدولة مبتصرفش على التعليم ولا المدارس ولا المدرسين بشكل كافي إنه يغير المنظومة دي.
– الوزير طارق شوقي برضه قال في تصريحات تلفزيونية سنة 2017 إنه بمجرد تطوير المناهج بالطريقة اللي هو مقتنع بيها وبتغير أسلوب التعليم عن طريق التابلت، فدي هتكون أسباب للقضاء على الدروس الخصوصية، ودا طبعا إحنا منتظرينه لسه يحصل.
– وبالتالي لازم الدولة تاخد قرار، هل هي هتعترف بالأمر الواقع فعلًا وتتغاضى عن موضوع الدروس الخصوصية لأنها لسه موصلتش للمستهدف بتاع تعليم بلا دروس خصوصية، وبالتالي الأفضل تاخد منه ضرايب وتنظمه بشكل واضح وتخضعه لرقابة طالما الوزير نفسه بيقول إن فيه ناس بتدرس غير مؤهلين، أو هنبقى محتاجين ندي أولوية أكبر في إنفاقنا على التعليم، بحيث نسرع بتغيير المعادلة، وتصرف فعلًا على التعليم بشكل يخلق مدارس جيدة وكثافات قليلة ومرتبات جيدة للمدرسين، ووقتها فعلًا يبقى فيه نقاش واقعي عن عدم قانونية الدروس الخصوصية.
– طبعًا في مشكلة تانية متعلقة بالعدالة الضريبية، يعني إحنا مش ضد إنه أي حد يتاخد منه ضريبة دخل سواءًا المدرسين اللي بيحققوا أرقام كبيرة فعلًا من الدروس الخصوصية، أو اليوتيوبرز وغيرهم، لأنه في النهاية توسيع قاعدة الضرايب شيء جيد، لكن مش معقول الحكومة تقدر على الفئات دي ومتقدرش تاخد ضرايب محترمة من رجال الأعمال المضاربين في العقارات أو البورصة.
******
طيب إيه حجم فلوس الدروس الخصوصية؟ وليه الناس بتدفع ده كله؟
– المجتمع المصري بيدفع فلوس كتيرة جدًا في التعليم بأنواعه المختلفة نتيجة إنه الدولة مبتصرفش عليه، هنلاقي جهاز التعبئة العامة والإحصاء في بحث الدخل والإنفاق لسنة 2019-2020، إنه متوسط الإنفاق السنوي للأسرة المصرية على التعليم بلغ سنويًّا نحو 8850 جنيها، بنسبة 12.5% لإجمالي الجمهورية وفي الحضر بنسبة 15.7%، أي نحو 12829 جنيها، مقابل 9.2% في الريف، أي نحو 5720 جنيها.
– في نفس البحث برضه هنلاقي إنه المصروفات الدراسية هي 38.6% من إجمالي حجم إنفاق الأسرة على التعليم، أما الدروس الخصوصية بتاخد حوالي 28.3%، والكتب والأدوات المدرسية 11.3%، ومصاريف الانتقالات 9.6%، أما الملابس والحقائب 7.2%.
– جهاز التعبئة العامة والإحصاء برضه بيقول إنه حجم اللي بيتصرف في الدروس الخصوصية حوالي 47 مليار جنيه، بينما في تقديرات تانية لوزير التعليم طارق شوقي عن حجم فلوس الدروس الخصوصية بتقول إنهم حوالي 111 مليار جنيه سنويًا.
– الإنفاق الكبير ده من المصريين على الدروس الخصوصية مش حاجة مبسوطين منها، لأنها عبء حقيقي على الأسر بأشكالها المختلفة، وبتحاول عن طريقها الأسر المصرية مضطرة إنها تدفع ميزانية شهرية للدروس دي سواءًا خصوصية أو مجموعات، عشان الولاد يتعلموا ويقدروا بعد كده ياخدوا وظايف جيدة، التعليم في مصر رغم كل مشاكله وإنه مبقاش مقدر قوي في الوظايف والمكانة الاجتماعية، لكنه يظل أهم طريق للترقي المادي والاجتماعي.
– المواطنين هيكونوا أسعد ناس لو الدولة قررت فعلًا تتعامل بجدية في موضوع التعليم، وتبعد عن طريقة التفكير بمنطق البحث عن أي مصدر للفلوس وخلاص، أو اعتبار إنه تطوير التعليم هييجي بالتابلت والامتحانات الإلكترونية لوحدهم من غير مدارس ولا مدرسين ومنظومة.
– الدولة هتستفيد لما يكون في تعليم بجد في المدارس والجامعات لأنها هتخرج أشخاص أكفاء في مجالاتها وبالتالي سوق العمل هيتحسن، وكمان عدد العمالة اللي هيطلع برة هيكون أكبر وأفضل ويجيب عوائد وتحويلات وفائدة أكبر للاقتصاد.
– الأسر المصرية بتلجأ لحل الدروس الخصوصية بسبب كثافة الفصول العالية وقلة المدرسين، بالتالي دا بيأثر على استيعاب الطلاب والاهتمام بهم، فبيحاولوا يعوضوا دا بإن الولد ياخد درس خاص في المادة في ظروف أحسن شوية وإن كان بفلوس أكتر، بغض النظر عن أي شيء لازم يكون دا متفهم، لأن دي مش رفاهية بالنسبة للمصريين بالعكس دا بيشفوه استثمار طويل الأجل، وللأسف المفروض الاستثمار دا يجي الأول عن طريق الدولة والحكومة اللي بتدير المنظومة التعليمية.
– كمان ظاهرة الدروس الخصوصية ليها أسباب كتير، منها تركيز الطلبة على الدرجات، خاصة مع مرحلة الثانوية العامة، ومنها ضعف المناهج، لكن طبعا على رأس الأسباب دي، يجي المدرسين بمرتباتهم الضعيفة.
– التعليم الأساسي حدد له الدستور 4 % من الناتج المحلي، والتعليم العالي بنسبة 2%، والبحث العلمي اللي حددله 1% كحد أدنى، ولكن للأسف الحكومة غير ملتزمة بالنسب دي وبتتحايل عليها.
– التوازن في الاستثمار، والاهتمام الرئيسي بالصحة والتعليم هو اللي بيعتمد عليه مستقبل أي بلد، وعشان كده مهم المصريين يعرفوا هنفضل لحد إمتى اهتمامنا أكبر بالطرق والمدن الجديدة على حساب الصحة والتعليم.
– نتمنى إنه الدولة تعيد تفكير في طريقة التعامل مع الضرائب والتعليم، لأن مشاكل التعليم فى مصر معقدة وكتير ومتداخلة جدا، ومتطلبات إصلاحها مش سهلة أكيد، وعشان كده لازم يحصل نقاش مجتمعي حواليها، لأنه ده ملف يهم المصريين كلهم وعشان نغير في التعليم أو نحط نظام جديد لازم الناس تشارك في قرارات التغيير عشان تثق في المنظومة الجديدة. طبعا الناس دي منهم الخبراء والمتخصصين اللي هيكتبوا أفكارهم ودراساتهم وينشروها من خلال الإعلام.