– في بداية شهر مارس اللي فات طرحت الحكومة المصرية مبادرة شهادة “أمان” بهدف توفير حماية تأمينية للعمالة غير المنتظمة والموسمية والمرأة المعيلة (اللي بتصرف على الأسرة)، وده بعد خطاب من الرئيس السيسي عن أهمية توفير تأمين اجتماعي للعمالة المؤقتة.
– بالتأكيد الفكرة بحد ذاتها إيجابية جداً، والتأمينات الاجتماعية جزء مهم آليات تحقيق العدالة الاجتماعية، بالذات في البلاد اللي فيها معدلات فقر عالية زي مصر للأسف، خصوصاً إن العمالة دي تتراوح بين 15 – 17 مليون مصري، وبالتالي محتاجين نسأل عن ايه ايجابيات أو سلبيات المبادرة دي، ده اللي هنحاول نفهمه مع بعض.
*****
ايه هي شهادة “أمان المصريين”؟؟
– دي عبارة عن شهادة إدخار وتأمين على الحياه بنفس الوقت، مدتها 3 سنوات وبتتجدد مرتين ( بإجمالي 9 سنين)، وقيمة الشهادة للفرد بين 500 – 2500 جنيه بتتدفع مرة واحدة.
– المواطن المتأمن عليه بيختار بين 3 اختيارات، هي انه لو اتوفى أسرته تاخد مبلغ (تعويض) فوراً، ولا تاخد معاش لمدة 5 سنوات أو 10 سنوات بناء على الفئات.
– الحد الأدنى للمبلغ اللي هتاخده الأسرة هوا 10 آلاف جنيه في حالة الوفاه الطبيعية للمؤمن بشهادة ال 500 جنيه، بينما يوصل الحد الأقصى إلى 250 ألف جنيه في حالة الوفاة بحادثة لشهادة ال 2500 جنيه، والحد الأدنى للمعاش 120 جنيه لمدة 10 سنوات والأقصى 5000 جنيه لمدة 5 سنوات. (التفاصيل في الجدول المرفق).
-الشهادة ده طرحتها 4 بنوك حكومية مع شركة تأمين حكومية وهم بنوك «الأهلي»، و«مصر»، و«القاهرة»، و«الزراعي المصري» و شركة «مصر لتأمينات الحياة»، ومتاحة قدام أي مواطن مصري ببطاقة الرقم القومي من سنة 18 ل 59 سنة، ويسقط التأمين ببلوغ سنة 60 سنة.
– في نهاية فترة الشهادة بيسترد المواطن أو ورثته أصل المبلغ بعد إضافة 16% فائدة سنوية وخصم الأقساط التأمينية اللي راحت لشركة التأمين (4-20 جنيه شهريا حسب الفئة)، أو من الممكن انه يسترد أصل المبلغ كله بدون فوايد بعد 6 شهور إذا كان المواطن هو اللي دفع الشهادة مش جهة عمل.
– فيه استثناءات بيحصل فيها عدم صرف مبلغ التأمين زي الحكم القضائي بالإعدام، أو انتحار الشخص المؤمن عليه، أو القتل من أحد المستفيدين “الورثة”.
*****
ايه هدف الحكومة من الشهادة دي؟ هل اتحقق؟
– الهدف الأساسي المعلن هو دعم العمالة غير المنتظمة (يعني اللي ملهومش شغل ثابت، مثلا كل سواقين المكروباص، والباعة الجائلين، وعمال البناء..الخ)، خاصة اللي ليهم جهة بتوظفهم مؤقتاً زي عمال البناء اللي هيتطلب من شركات المقاولات اللي يتشغلهم تأمن عليهم.
– لحد دلوقتي في 11 أسبوع تم بيع 812 ألف شهادة أمان، وده معدل معقول جداً، ودلالة على كمية المواطنين اللي كان عندهم المعاناة دي وماصدقوا يلقوا حاجة توفر أي تغطية تأمينية ليهم.
– الهدف التاني هو دعم فكرة “الشمول المالي” اللي معناها ببساطة (دعم دخول أكبر قدر ممكن من المواطنين لمنظومة التعامل البنكي، وان معاملات الشراء والبيع تتم عن طريق البنوك) وده بيسهل معرفة الدخول الحقيقية للمواطنين بشرائحهم المختلفة، وكمان يضخ فلوس أكتر للبنوك تقدر تقرض بيهم الحكومة أو المستثمرين عشان ينفذوا مشاريع تجارية او استثمارية وبالتالي حركة الفلوس في السوق تنشط أكتر.
– المبادرة جمعت حتى الآن 818 مليون جنيه، وده رقم مرشح للزيادة طبعا.
– كمان نشر الثقافة التأمينية عند المواطنين ومحاولة دفعهم للتأمين على حياتهم وممتلكاتهم وأنشطتهم الاقتصادية مهما كانت درجتها، ولأن عندنا تجاهل مجتمعي للتأمين على الأشخاص يوجد أكثر من 41% من القوى العاملة المسجلة في النشاطات الاقتصادية غير مؤمن عليها، وده جزء من حقوق العمل اللي اكتسبتها الشعوب في العالم نتيجة نضالات كبيرة وظهرت بمواثيق العمل الدولية.
*****
هل المبادرة دي ايجابية؟ هل هي كافية لتحقيق العدالة الاجتماعية للعمالة غير المنتظمة؟
– قضية العمالة غير المنتظمة ونموذج عمال التراحيل موجود في مصر من 100 سنة على الأقل ومفيش أي شكل للحماية أو التأمين اتعملهم لحد النهاردة، وبالتالي ده في حد ذاته شيء إيجابي جداً وخطوة محترمة للأفضل، لكن فيه عدة نقط مينفعش نتجاهلها:
1- شيء ايجابي انه الحكومة تحث شركات المقاولات والقطاع الخاص على التأمين على العمال، لكن دور الدولة كمان في الجانب ده انها تعمل قانون ينظم علاقة العمل بين اصحاب العمل والعمال، والدولة تكون ضامنة للطرفين، والقانون يتعلق بساعات العمل والتأمين والاجازات وبيئة العمل والانتاج بشكل كامل. مفيش أي نص قانوني يلزم الشركات الخاصة بحقوق للعمالة غير المنتظمة أو المؤقتة.
2- انه مفهوم التأمين مش بس التأمين على الحياة لصالح الأسرة .. يعني كده العامل ده لو اتعرض لحادثة خلته عاجز عن العمل زي ما بيحصل كتير يبقى إيه وضعه؟ التأمين الصحي ضد العجز والإصابة، ووجود معاش للشخص نفسه يتم احتسابه بناء على قيمة وسنوات العمل بشكل يضمن الحد الأدنى من المعيشة بعد مرحلة “الشيخوخة” دي أمور مهمة جداً، وشهادة أمان مبتضمنش الحقوق ده.
3- لازم يتم دراسة إضافة برنامج آخر للدعم “بدل البطالة” ويكون مخصص للعمالة المؤقتة، وفلسفة فكرة بدل البطالة هي إعطاء فاقد العمل أو الوظيفة مقابل مادي أقل من الحد الأدنى للأجور، بشكل يحاول يضمن أو يقرب من تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن، ومهما كانت قيمة البدل ده وكلفته على بند الدعم في الموازنة العامة لكنه مطلوب عشان يحافظ على القوى العاملة دي من تحولهم لأنشطة تانية غير العمل خاصة لو قدرنا نطبق نماذج غربية فيها الدولة بتشترط على الحاصل على بدل البطالة انه يثبت بحثه عن عمل وبتساعده كمان بفرص تدريب وعمل.
ودي فكرة برامج “الدعم النقدي المشروط” كلها زي تكافل وكرامة مثلاً اللي بتشترط ان أطفال الأسرة يروحو المدارس ويروحو الوحدات الصحية.
*****
ايه التخوفات اللي ممكن تبقى عندنا من المبادرة دي؟ هل وارد الحكومة متدفعش؟
– محصلش ان دولة تتخلف عن دفع التزامات داخلية بالعملة المحلية، لإن في الآخر الدول بتقدر تاخدها من البنك المركزي أو حتى تطبعها، ده غير ان التعامل مع البنوك الحكومية وشركة التأمين مش مع الموازنة أو الحكومة نفسها، وحجم تعاملاتهم يسمح جداً بالتعامل الآمن في الشهادات دي.
– لكن التخوف انه الدولة تعتبر انها كدة أدت دورها، وتكتفي بتشجيع الشركات على التامين للعمال ودي مسؤولية القطاع الخاص، بينما يستمر رفع يد الدولة زي إنه مفيش أي مساهمة من الموازنة في شهادات أمان، وزي استمرار سياسات رفع الدعم وتقديم الخدمات باعتبارها سلعة.
– الخطر التاني هو اثار التضخم المستمرة اللي ممكن تؤدي لفقدان مبلغ التأمين قيمته مع الوقت، ونموذج شهادات قناة السويس حاضر قدامنا لما فقد الجنيه أكثر من نصف قيمته بسبب قرار التعويم، وبالتالي قيمة أرباح الشهادات (فايدة 12%) قلت جداً عن القيمة المفترضة، وده خلى الحكومة ترفعها إلى 15.5% للأعوام الثلاثة المتبقية وده معوضش الفارق برضه.
*****
ليه أنا كمواطن عندي شغل ثابت أهتم بحاجة زي كده؟
– غير كل الجوانب العاطفية والأخلاقية وان كلنا بشر ومصريين ومفروض نفكر في بعض، لكن من ناحية المصلحة الشخصية البحتة تقليل الفقر والبطالة والجهل بيؤدي بشكل مباشر لتقليل الجرائم بكل أشكالها، وكمان يؤدي لتحسين الوضع الاقتصادي برفع الانتاجية وده لصالحنا كلنا.
عشان بلدنا تبقى أمان لكل واحد فينا، لازم قبلها تكون “أمان” لكل الناس.
ريان هو طفل مغربي عمره خمس سنوات، سقط في بئر ضيقة في إحدى القرى بضواحي…
- توفي يوم الجمعة اللي فاتت الدكتور عصام المغازي، استشاري الأمراض الصدرية، ورئيس الجمعية المصرية…
"الوطن هو تجربة اجتماعية مستمرَّة، وليس نَقشًا فرعونيًّا على حجر منذ آلاف السنين، تجربة اجتماعية…
- مليون مبروك لمنتخبنا الوطني اللي نجح في إقصاء الكاميرون بركلات الترجيح بعد مباراة عصيبة.…
- من أسبوع تقريبًا أصدر الرئيس السيسي قرار جمهوري رقم 13 لسنة 2022، القرار ده…
- مستمرين معاكم في حلقات تذكر وحكاية مشاهد كانت فارقة في تاريخ ثورة يناير عشان…