– خلال الأيام اللي فاتت أعلنت وزارة التموين أنه هيتم من أول نوفمبر رفع أسعار زيت التموين عشان يبقي سعر اللتر حوالي 25 جنيهاً بدل من 21 جنيهاً، وسعر قزازة الزيت الـ800 ملي هترتفع من 17 لـ 20 جنيه.
– دي تعتبر الزيادة التانية لأسعار زيت التموين السنة دي، لأن سبق ورفعت الحكومة سعر العبوة اللتر من 17 جنيهًا إلى 21 جنيهًا، في يونيو اللي فات.
– وطبعا رئيس شعبة الزيوت بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات بيقول إن الشعبة بتدرس زيادة أسعار الزيت بعد قرار وزارة التموين برفع سعر زجاجة الزيت.
– طبعا دي زيادات كبيرة جدا أنها تحصل مرة واحدة، والحكومة بتقول أنها بسبب ارتفاع الأسعار عالميا وارتفاع تكلفة الشحن وبحسب وزير التموين يعني لازم المواطنين يتحملوا عبء التضخم ده مع الدولة.
– هنحاول نفهم مع بعض ايه سبب الارتفاعات الأخيرة دي؟ وهل لازم فعلا نتحملها مع الحكومة؟ وايه كان البديل؟
***
ايه سبب الارتفاعات الأخيرة؟
– لما نبص على مقدار الزيادة اللي حصلت على سعر الزيت هنلاقي أنها في حالة اللتر زادت 4 جنيه كاملة يعني حوالي 19% وفي حالة الـ800 ملي زادت 3 جنيه يعني حوالي 17% نسبة الزيادة.
– في المتوسط ممكن نقول أنه الزيت زاد بمتوسط 18%، وده يعني أنه بحسب الوزارة اللي بتقول أنه لازم يحصل مشاركة في تحمل الأعباء بين المواطن والدولة.
– لكن على مستوى الزيت اللي بره التموين هنلاقي أنه في المتوسط زاد 10 % بس ( بحسب نشرة الصناعات الغذائية من إيكونومي بلس)، والمفروض يعني أنه ده يبقى أكثر تأثرا بالأسعار العالمية.
– ارتفعت أسعار زيوت الذرة مثلا بقيمة 2500 جنيهًا فى الطن وصولًا إلى 26.5 ألف جنيه، بعد ما كان في حدود 24 ألف جنيه، وارتفعت أسعار زيوت “الأولين” بقيمة 1300 جنيهًا فى الطن وصولًا إلى 22 ألف جنيه.
– بالتالي النسبة الكبيرة في رفع زيت الطعام قد تكون غير مبررة بدليل أنه آليات السوق المحلي واللي برضه بتعتمد على أسعار العالمية مزدتش بنفس النسبة.
– الوزير علي مصيلحي قال برضه أنه رفع سعر زيت التموين بسبب ارتفاع تكاليف النقل والشحن الدولي بعد رفع أسعار الطاقة عالميا، وقال “الكاونتر اللي كان بيجي من الصين بـ1400 دولار، النهارده أصبح ب 14 ألف دولار”.
– وبعيدا طبعا على أنه الـ50% زيادة في أسعار الشحن مستحيل تنتج زيادة في السعر 10 أضعاف، وبعيدا كمان عن كون المذيع المحاور له على التليفون اللي هو عمرو أديب لم يستوضح من الوزير عن الكلام ده، واللي هو كلام مستحيل يعني اقتصاديا، لكن خلينا نفكر شوية في أسعار الشحن هل زيادة 50% فيها المفروض ترفع السعر 18%؟
– في المجمل يعني لو افترضنا أنه تكلفة الشحن دي بتمثل في المتوسط 20% من تكلفة استيراد طن الزيت، فلو التكلفة زادت 50% يعني أصبحت بتمثل 40% من السعر اللي هو يعني في حدود 26 ألف جنيه دلوقتي، فالبتالي سعر التجزئة مينفعش يزيد 18% لأنه حرفيا كده انت حملت تكلفة زيادة الشحن بالكامل للمواطن مش شاركتها مع الدولة.
– ده طبعا بالإضافة لشيء مهم وهو أننا مش بنستورد كميات زيت كبيرة جاهزة من بره بالتالي في تصنيع محلي بيحصل والمفروض يعني أنه تأثير التصنيع ده يعادل أو يقلل من ارتباطنا (ولو جزئيا بنسبة ما) بزيادات الأسعار العالمية ومنها سعر الشحن.
– وطبعا مننساش إن دي الزيادة التانية خلال 5 أشهر بواقع حوالي 8 جنيه على مرتين (واللي هو رقم ضخم جداً).
– مصر بتستورد سنويا حوالي 95% من احتياجاتها من الزيوت النباتية سنويًا، أغلبها فى صورته الخام ثم يتم تسييله محليًا، وتستورد مصر نحو 5.7 مليون طن زيوت وبذور زيتية سنويًا، 2 مليون طن منها زيوت، و3.7 مليون طن بذور، بتكلفة إجمالية تتجاوز 25 مليار جنيه وفقًا لتقديرات معهد بحوث المحاصيل الزيتية. يعني إحنا حوالي نص اللي بنستوردة بذور مش زيوت جاهزة يعني.
– بيعمل في إنتاج زيوت الطعام بمصر، 4 شركات تابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية المملوكة للحكومة، وهي الإسكندرية للزيوت والصابون، وطنطا للزيوت والصابون والمياه الطبيعية، وأبو الهول للزيوت والمنظفات (الملح والصودا سابقاً)، والنيل للزيوت والمنظفات.
– وبتنتج الشركات دي زيت الطعام، بما يشمل عمليات التكرير بشكل أساسي، إضافة إلى بعض عمليات عصر البذور الزيتية.
– ووفقا لبيان صادر عن مجلس الوزراء، الشهر الماضي، تمتلك الشركات الأربع المنتجة للزيوت طاقة تكرير لزيت الطعام تبلغ نحو 1300 طن/يوم بطاقة شهرية يبلغ نحو 40 ألف طن/شهر زيت مكرر، وتغطي 80% من احتياجات المنظومة التموينية.
****
هل فعلا لازم نتحمل مع الدولة؟
– إحنا مدركين تماما لفكرة إنه الطلب زاد على الزيوت النباتية بقوة فى الفترة الأخيرة من قبل أسواق شرق آسيا تحديدا، ودا من وقت انتشار المتحور “دلتا” فى بلدان كثيرة، مع زيادة تكاليف الشحن وانخفاض المعروض بشكل ما.
– لكن الفكرة اللي طرحها الوزير هي فكرة خطيرة جدا، وهي أنه المواطن لازم يتحمل مع الدولة ارتفاع أسعار السلع الغذائية عالميا، ودي فكرة شديدة الحساسية لأنه المواطن المستحق للدعم بيدفع ضرائب غير مباشرة على المرتب والقيمة المضافة وغيرها من الرسوم والضرائب عشان منظومة الدعم دي توفر له حماية نسبية من ارتفاعات الأسعار أساسا.
– بالتالي من المفترض أنه منظومة الدعم تحمي الناس من تضخم الأسعار مش الدولة تتشارك معاهم بعد ما لمت حصيلة ضريبية أثار التضخم ده وإلا يبقي إيه لازمة الدعم يعني؟
– بالإضافة طبعا لأنه سعر زجاجة الزيت المتوسطة يعني في السوق الحر حاليا حوالي 30 جنيه للتر، فحرفيا يعني الدولة بتدفع 5 جنيه فرق سعر، ده لو افترضنا أنه زيت التموين بنفس جودة زيت السوق الحرة، والأهم لو افترضنا أنه شركات الزيت في السوق الحرة مش بتكسب خالص بقى واللي هو بالمناسبة افتراض مستحيل.
– المنطقي أنه الدولة أو هيئة السلع التموينية دلوقتي بسعر السوق الحالي ولو هتشتري من السوق مباشرة زيت جيد، هتجيبه على الأقل 3-4 جنيه أقل من سعر السوق لأنه الحكومة هتبقي من أكبر مشتري الزيت في مصر، بالتالي حرفيا ممكن نقول أنه الحكومة مع زيادات السعر الأخيرة ممكن متكونش بتدعم الزيت بل بتبيعه بسعر التكلفة للمواطن فقط.
– حاجة تانية مهمة وسؤال مهم في أي حاجة متعلقة بالدعم هو ده يعني تكلفته قد ايه عشان الدولة تبدأ تقلل الدعم كده، وخلينا ناخدها بمثال من أرض الواقع . الدولة بتدعم الفرد بـ50 جنيه شهريا يعني زجاجة زيت و2 كيلو سكر وكيلو عدس.
– بالتالي مثلا البطاقة 4 أفراد قيمة الدعم بتاعها 200 جنيه (8 كيلو سكر- 4 زجاجة زيت- 2 علبة سمن) أو( كيلو 8 سكر- 2 كيلو أرز- 4 زجاجة زيت- 8 قطعة صابون- 16 كيس ملح)
– يعني رفع الـ4 جنيه شهريا للفرد في قزازة الزيت يوفر للدولة حوالي 280 مليون جنيه شهريا بافتراض أنها بتصرف 70 مليون قزازة زيت شهريا وأنه في كل المقيدين في بطايق التموين بيصرفوا الزيت بتاعهم.
– ده يعني أنه في السنة دي توفر 3 مليار جنيه، هل الـ3 مليار جنيه ده رقم كبير؟ ممكن تشوفه كذلك لكن الـ3 مليار دول لاشيء في ميزانية البلد تقريبا أقل من 0.002% من المصروفات السنوية، دول أقل من أقل من 1% من تكلفة القطار السريع اللي هيتكلف 360 مليار جنيه، ويدوبك ممكن يكونوا تكلفة إنشاء طريق طويل شوية من الطرق اللي بنشوفها كل يوم بتتعمل دي.
– لكن على الجانب الآخر رفع الـ3 مليار دول عن الأسر بمعدل 4 جنيه شهريا هيأثر بشكل كبير على ميزانية أسر كثير من محدودي الدخل والفئات الأفقر في مصر، لأنه لو أسرة فيها 4 أفراد وكانت بتاخد 4 زجاجات زيت شهريا فده هيخليها تزود استهلاكها من الزيت من السوق الحرة لأنه المصريين بيستهلكوا زيت أكثر من زيت التموين، تقريبا أسرة زي دي ممكن تشتري كمان 2-3 ازايز زيت أكثر من السوق بحوالي 100 جنيه زيادة تقريبا.
وفي بلد ثلث سكانها تحت خط الفقر اللي هو 840 جنيه تقريبا فالرقم ده حوالي 10-12% من استهلاك الأسرة ومؤثر جدا.
– لازم نشير لحاجة مهمة جدا، وهو أنه استهلاك المصريين المرتفع من الزيوت النباتية والمهدرجة ده خطر على صحة المصريين لأنه الزيوت دي ليها علاقة مباشرة بأمراض مزمنة زي السمنة وأمراض الضغط والقلب وغيرها وبتتطلب مع الوقت إنفاق أكثر على الصحة من الأسر دي.
– لكن برضه لازم نفهم أنه الطعام المشبع بالزيوت ده هو سلوك من الفقراء للتكيف مع الفقر، لأنه الناس مش معاها ببساطة فلوس تاكل حاجات غير دي زي الطعمية والبتنجان والبطاطس وكل الأطعمة الرخيصة شديدة الأهمية لسد جوع ملايين المصريين الفقراء.
– بالتالي السؤال هو أكبر شوية من رفع السعر، وبيتعلق بإزاي ممكن نغير منظومة الدعم في مصر بحيث أنها تدعم استهلاك أطعمة أكثر صحية زي الخضار والفاكهة، لكن ده محتاج استثمار كبير ماليا في منظومة الدعم لأنه سعر دعم الخضار والفاكهة والأطعمة الصحية أعلى طبعا من سعر دعم الزيت والسكر واللي هي سلع رخيصة أصلا.
– وبالتالي لو الدولة فعليا عايزة تعمل إعادة هيكلة للدعم فده يتطلب حاجات كثير منها إنفاق أكثر على الدعم الغذائي مش تقليل الحصص ورفع أسعار وتقليل وزن الرغيف وكل الإجراءات اللي بتتعمل حاليا بالمنطق البلدي بتاع “الحنتفة” في منظومة كبيرة ومهمة زي الدعم الغذائي في مصر.
– الدعم الغذائي في مصر هو شيء شديد الحساسية ومهم جدا لإبقاء الناس شبعانين حتى لو بسلع رديئة وجودتها رديئة وتأثيرها على الصحة مش كويس.
– في الفترة اللي فاتت وأثناء الحديث عن تقليل دعم الخبز واللي بالمناسبة لسه شيء مطروح ومحل دراسة من وزارة التموين بحسب الوزير كتبنا هنا عن أهمية دعم الخبز وقولنا أنه الدعم بشكل عام مهم جدا عشان تحقيق الأمن الغذائي على المستوى الفردي، وخاصة بالنسبة لثلث المصريين اللي تحت خط الفقر.
– في دراسة مهمة للبنك الدولي عن الفقر في مصر في 2010، قال فيها أنه مع أزمة ارتفاع أسعار القمح والمحاصيل الغذائية العالمية اعتبر البنك الدولي أن دعم الغذاء (متضمنا العيش) نجح في حماية 12% من الأسر المصرية من النزول تحت خط الفقر.
– ناخد بالنا أنه ده كان قبل التعويم واللي عمل تضخم انفجاري كبير نزل 10 مليون مصري على أقل التقديرات تحت خط الفقر، وقبل كورونا وتأثيراتها الاقتصادية واللي بالمناسبة في عز أزمتها الحكومة نقصت 30 جرام من وزن رغيف الخبز.
– في ناس ممكن تقولك ما هو المنظومة فيها هدر كبير، يعني مثلا فيها فساد في المخابز مع أنه ده مبقاش زي الأول أو أنه الناس في الريف بترمي العيش للبط، وأنه 5 أرغفة ده كثير على الناس، وفعلا الناس في الريف بتستخدم جزء من العيش البايت للبط وده شيء كويس وإعادة تدوير مهمة للناس دي لأنهم في النهاية يعني بياكلوا البط ده، ومش هي دي أساسا المشكلة الرئيسية.
– نفس الدراسة اللي ذكرناها فوق من البنك الدولي قالت إنه برغم نسب التسرب في دعم الغذاء لغير مستحقيه أو هدره لاستخدامات أخرى إلا إن فعاليته عالية جدا في تغذية الملايين وفي حماية الأسر من الوقوع تحت خط الفقر. ودا قبل كل التحسينات في منظومة إنتاج وتوزيع الخبز المدعوم اللي قللت التسرب.
– بنشوف إن منظومة الدعم الحالية مهمة للحفاظ على الأمن الغذائي للمصريين، اللعب فيها مش من مصلحة حد، والتوفير اللي ممكن يحصل من رفع الأسعار أو التقليل مش كبير جدا للدرجة دي، لأنها منظومة ضخمة شديدة الحساسية وليها تأثيرات مباشرة على الجوع والفقر في مصر.