– من فترة بسيطة كان بيتناقش في مجلس النواب طلب من النائب العام برفع الحصانة عن النائب تامر عبد القادر (عضو المجلس عن محافظة الوادي الجديد)، ودا عشان استكمال التحقيقات في القضية رقم 2033 لسنة 2021 (أمن دولة عليا)، المتهم فيها بطلب رشوة مالية من أحد المواطنين، وفق تحقيقات وتسجيلات هيئة الرقابة الإدارية.
– مناقشات المجلس انتهت لقرار برفض طلب الحصانة عن النائب بزعم “شبهة الكيدية” إنه بلاغ كيدي يعني، وبالتالي رفض المجلس بالأغلبية الأمر.
– إيه اللي حصل بالظبط؟ وإيه تفاصيل الموضوع؟ ودا معناه ايه في مصر؟ ده اللي هنتكلم فيه في البوست الحالي.
*******
إيه تفاصيل الموضوع؟
– في يوم الاتنين 18 أكتوبر كانت الجلسة العامة لمجلس النواب بتناقش طلب من النائب العام برفع الحصانة عن النائب تامر عبد القادر وكيل لجنة الإعلام، بسبب اتهامه في قضية فساد.
– الطلب كان اتقدم من النيابة لرئيس المجلس، واللي بدوره حوله للجنة الشؤون التشريعية عشان تناقش طلب النائب العام وتعمل تقرير عنه، وهل الإجراءات صحيحة عشان يتم رفع الحصانة ولا لأ.
– وكيل اللجنة التشريعية إيهاب الطماوي، قال إنه اللجنة استمعت لأكتر من 11 تسجيل في القضية اللي طلبت النيابة رفع الحصانة عن النائب بسببها، والقضية بحسب كتير من المصادر هي قضية رشوة متداخل فيها النائب تامر.
– لكن وكيل اللجنة قال إنه رأيهم إنه “البلاغ كيدي” وفيه استهداف للنائب، ومفيش دليل غير إنه متقدم تسجيلين من ضمن الـ 11 تسجيل يخصوا النائب تامر لكن مفيش دليل محدد ضده، والتسجيل كان يخص شخص اسمه ” تامر بيه”.
– كتير من النواب دافعو عن النائب تامر وإنه أكيد في استهداف ليه كونه نائب برلماني، وقعدوا يدافعوا عنه، باستثناء أصوات قليلة جدًا، اللي قالت إنه مينفعش نقول البلاغ كيدي، لأنه من غير المعقول إنه الرقابة الإدارية والنيابة العامة يستهدفوا النائب، بالإضافة لأن الشخص اللي قدم البلاغ للنيابة بخصوص القضية اتكلم عن 11 اسم منهم النائب تامر، وبالتالي الموضوع مفيهوش أي استهداف شخصي.
– كمان النائب عاطف مغاوري طلب من النائب المتهم إنه يقدم طلب بنفسه لرفع الحصانة عنه، وإنه يدافع عن نفسه واسمه قدام النيابة ويثبت براءته، وإنه من غير اللائق إنه المجلس يحط نفسه مكان النيابة والقضاء ويقول فلان مدان وفلان لأ.
– لكن السواد الأعظم كان بيدافع عن النائب، زي مثلاً أشرف رشاد اللي قال إنه من غير اللائق التسجيل للنائب بدون إذن المجلس، وإنهم تأكدوا من البراءة بعد التحقيق في التسجيلات وإنه البلاغ كيدي.
– النائب “أحمد الشرقاوي” هو كمان انضم للمدافعين عن النائب تامر، وقال إنه اللجنة تأكدت من شبهة الكيدية، وإنه في خطأ في الإجراءات بسبب التسجيل للنائب، واقترح بعمل تعديل في اللايحة بحيث إنه يتم التسجيل من النيابة لأحد أعضاء المجلس للتحقق من أمر ما بعد إخطار رئيس المجلس بشكل سري، لكن محدش اهتم بمناقشة المقترح ده.
– ولسبب ما محصلش إنه الإعلام كان عارف حاجة عن الموضوع ده أو اتطرح في الصحف والمواقع قبلها، كان في تكتم شديد عالموضوع وعلى اسم النائب اللي مطلوب رفع الحصانة عنه، وفي معلومة بتتردد في الوسط السياسي إنه مش أول نائب يتطلب رفع الحصانة عنه، وده حصل برضه في مجلس الشيوخ وتم اتخاذ نفس الإجراءات.
– ونذكر هنا إنه مجلس النواب السابق في 2016 برضو رفض طلب مقدم من النائب العام وقتها، نبيل صادق، باﻹذن برفع الحصانة عن النائب أشرف العربي، الرئيس الأسبق لمصلحة الضرائب، لاتخاذ الإجراءات الجنائية بحقه فى القضية رقم 629 لسنة 2012 حصر أموال عامة عليا. وجاء الرفض بعد الاستماع إلى تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية.
******
نشوف ايه من دا كله؟
– فكرة الحصانة القضائية الممنوحة لأعضاء المجالس النيابية هي فكرة أو إجراء لحماية النواب في إبداء رأيهم، وإنهم يمارسوا مهامهم الرقابية على الحكومات والوزراء بطمأنينة، لأنه مش منطق إنه يبقى من حقي أهاجم وأسأل واستجوب المسؤول، وفي احتمال إنه يعاقبني عشان بقوم بدوري بأي وسيلة كيدية.
– لكن مينفعش بأي حال فكرة الحصانة هنا تتحول لحماية كاملة من المساءلة للنواب اللي معندهمش خلافات مع الحكومة، وبالتالي دا مش ضوء أخضر يقدر أي حد يمارس عمله بحرية كاملة بما فيها الأعمال غير المشروعة، لأنهم معاه حصانة، وبالتالي عشان يتحاسبوا الموضوع بيكون صعب ومحتاج إجراءات كتير.
– وفي نفس الدول غير الديمقراطية، الحصانة بتتحول لورقة وهمية لو كانت بخصوص نائب معارض بيقوم بدوره الحقيقي في الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وإمكانية إسقاط الحصانة بتبقى سريعة جدا حسب توجه النائب دا ايه.
– مش دور مجلس النواب أبداً إنه يقوم بدور القضاء في القصة الأخيرة دي، ولازم السلطة القضائية تشوف شغلها وتحقيقاتها، ودا لا يمس هيبة المجلس ولا عمله في شيء، وإنما إنقاذ للقانون على الجميع، لأن دي مش قضية رأي ولا قضية سياسية، وإنما متعلقة بواقعة فساد محددة.
– فلو تغاضينا عن فكرة المساءلة والحساب للنواب، ممكن نلاقي ناس فاسدة فعلًا بتعمل جرائم وتكون طرف في وقائع فساد أو تستفيد من الحصانة في حماية أعمالها غير المشروعة.
– وعندنا مثلًا النائب علاء حسنين اللي كان في البرلمان الدورة اللي فاتت، وكان بيشاع عنه إنه ضالع في التنقيب وتجارة الآثار، وفي فديو شهير لرئيس البرلمان اللي فات علي عبد العال لما كان عاوز يهدده في مرة بيعارض فيها قاله “خليك في الآثار”، وبعد نهاية الدورة البرلمانية، اتقبض عليه في إطار تشكيل عصابي متخصص في تجارة الآثار في قضية شهيرة محبوس فيها رجل الأعمال حسن راتب.
– وعشان سوء استخدام فكرة الحصانة بنشوف على مدار سنين من زمان ناس كانت واخدة قروض كبيرة والحصانة البرلمانية بتديهم حماية في الاقتراض، أو ناس بتتاجر في أنشطة غير مشروعة زي الآثار، أو ناس تالتة تجارتها الرئيسية هي في المباني المخالفة وفي وضع اليد على الأراضي، وأصناف كتير من رجال الأعمال الفاسدين اللي بيتصارعوا على دخول البرلمان للغرض ده ليس إلا.
– ولو الحصانة دي بقى لها آلية واضحة لرفعها أثناء قضايا الفساد، فالنوعية دي من الأشخاص مش هيكون عندهم رغبة في الترشح للبرلمان أو الانخراط في العمل السياسي من بابه، لأنهم بيصرفوا فلوس كتيرة جدًا سواءًا رشاوى انتخابية أو دعاية أو غيرها من الأمور عشان يكسبوا الحصانة دي ويقدروا يستفيدوا بيها في شغلهم الخاص المشروع وغير المشروع، أو يستفيدوا بالنفوذ اللي ممكن يكسبوه في عمليات سمسرة ورشاوي وغيرها.
– وفي نفس الوقت متقدرش تقول إنه رفع الحصانة ده حل نهائي، لأنه في المقابل هيكون سيف مسلط بشكل كامل على أي نائب هيقوم بدوره الحقيقي في النقد والمحاسبة والمساءلة، لأنه أي بلاغ كيدي بجد هيتقدم فيه من أي مواطن هيتحبس فورًا، وطبعًا حتى بوجود الحصانة فالأجهزة والدولة لما بتقرر ترفع الحصانة فالإجراءات دي بتتم في خلال ساعات معدودة بدون اعتبار ساعتها للكيدية أو استهداف النائب بسبب رأيه، زي ما حصل في المجلس اللي فات مع النائب أنور السادات.
– وهنا لازم نقول تاني إن فكرة الحصانة مش موجودة دستوريا وقانونيا لحماية النواب من الملاحقة القضائية في تهم الفساد، ولكن بالأساس لحمايتهم من المساءلة فيما يتعلق بآرائهم أو اللي بيقوموا بيه من أعمال في إطار أداء مهامهم الرقابية والتشريعية.
– ومش معقول أبدا البرلمان هيحل محل الرقابة الإدارية والنيابة والقضاء في تقرير إدانة متهم أو شخص من عدمه، لذلك التدخل في هذه الأمور بالصورة اللي تمت كان شيء غير مفهوم.
– وكان فعلا الأدعى إذا النائب متأكد من سلامة موقفه إن النيابة تشوف شغلها في التحقيق، ولا يتم رفض الفكرة من بابها، لأن دا فيه إهدار للعدالة عن طريق التحصن بفكرة “حصانة البرلمان” في قضية فساد مش في قضية رأي مثلا.
– نفس المجلس اللي بيدافع عن “متهم بالفساد” هو اللي أحال النائب محمد عبد العليم داوود للجنة القيم لأنه بس قال رأيه تحت القبة واتهم حزب الأغلبية مطلع العام الحالي بتوزيع كراتين خلال الانتخابات لحث المواطنين على التصويت لمرشحيه.
*******
– في النهاية الحل للأزمات اللي زي دي هو إننا نعيش في نظام ديمقراطي حقيقي، بيكون فيه فصل بين السلطات، وقوانين وممارسات بترسخ العدالة وإن الجميع سواسية قدام القانون في مكافحة الفساد وغيره.
– مش مطلوب حقيقة من السلطة التشريعية في البلد إنها تنصب نفسها قاضي ووكيل نيابة في شيء لا يتعلق بصلب عملها، وإنما في اتهام عضو بحاجة جنائية بحتة، بل بالعكس مفروض نشوف النواب دول أو نموذج.
– استمرار استخدام “الحصانة” بهذا الشكل بيخلي فيه شكوك إن لها استخدامات أخرى غير اللي منصوص عليها في الدستور والقانون.
– نتمنى نشوف في بلدنا يوم نظام ديمقراطي حقيقي بيفصل بين السلطات وبيعلي من شأن القانون، وميخضعش لأي توازنات سياسية في مكافحة الفساد.
****