– امبارح وأول إمبارح كانت ذكرى انتفاضة الخبز اللي حصلت في 1977 واللي سميت من قبل الرئيس السادات وقتها “بانتفاضة الحرامية”.
– المظاهرات اللي بعضها تحول لأعمال عنف في 18 و19 يناير 1977 هي واحدة من حلقات التاريخ المفقودة في مصر واللي للأسف لحد دلوقتي في مصر مفيش كلام كثير عنها غير بوصفها أنها يا إما انتفاضة من أجل العيش، يا إما انتفاضة حرامية وأعمال شعب.
– شوفنا إننا ممكن نفتكر اللي حصل في يناير 1977 عشان نعرف نقرأ التاريخ بشكل موضوعي يخلينا قادرين نشوف الحاضر بتاعنا والمستقبل بشكل حقيقي بعيدا عن التحيزات.
*****
ايه اللي حصل في يناير 1977؟
– المفارقة العجيبة هو تسمية انتفاضة الخبز بانتفاضة الحرامية، دي تقريبا كانت الإعلان الأول من قبل النظام السياسي المصري أنه ممكن يكون معادي للفقراء في خطاباته السياسية، عادي ويتهمهم بأنهم حرامية، لأنه طبعا في الوقت ده كان في أعمال شغب تحولت ليها المظاهرات في بعض المناطق، وكان في أعمال سرقة لمحلات.
– لكن الانتفاضة بدأت في 18 يناير في عدد من المدن المصرية، بدون تنسيق بينهم بسبب الإجراءات التقشفية اللي بدأت فيها الحكومة بعد الاتفاق مع صندوق النقد وقتها واللي كان غرضها تقليل عجز الموازنة اللي كان متضخم في مصر بسبب تكاليف الحرب والتأثيرات الاقتصادية لسنوات ما بين النكسة والحرب على الاقتصاد المصري، واللي كان أهمها توقف إيرادات البترول وقناة السويس.
– القرارات الاقتصادية اللي رفضتها الانتفاضة كانت تقليل الدعم الغذائي عن عدد من السلع الأساسية زي الخبز، والقرارات أعلنها الدكتور عبد المنعم القيسوني نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية قدام مجلس الشعب، وكانت بتشمل رفع أسعار الخبز والسكر والشاي والأرز والزبت والبنزين والغاز وسلع كثيرة ثانية.
– زيادة الأسعار بسبب القرارات دي كانت هتبقى زيادة أسعار الخبز بنسبة 50% والغاز بنسبة 45% والسكر والأرز بنسبة 25% والسجائر بنسبة 8%.
– المظاهرات تقريبا كانت في كل المحافظات الكبيرة في القاهرة والإسكندرية وأسوان والمحلة، وبدأت الانتفاضة يوم 18 يناير بتجمعات عمالية رافضة للقرارات دي في عدد التجمعات الصناعية الكبيرة وقتها زي شركة مصر حلوان للغزل والنسيج والمصانع الحربية ومصانع الغزل والنسيج في شبرا وشركة الترسانة البحرية في المكس في الإسكندرية.
– بعدين المظاهرات بدأت في 18 يناير وشارك فيها فئات كثيرة، زي الطلبة والعمال والفلاحين بجلابيبهم وكانت مفاجئة للنظام في الوقت ده أنه يشوف في المظاهرات في القاهرة فلاحين وصعايدة في ميدان التحرير.
– الناس كانت بتهتف هتافات شهيرة وقتها ولسه في كثير منها عايش في الذاكرة الجمعية للمصريين سواء من خلال السينما أو في الوعي الشعبي بشكل عام زي هتاف ” سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه” وهتاف “هو بيلبس آخر موضة واحنا بنسكن عشرة ف أوضة”.
– في 19 يناير تحولت بعض المظاهرات لأعمال شغب وسرقة للمجمعات الاستهلاكية التابعة للحكومة، وقرر الرئيس السادات إلغاء القرارات الاقتصادية وإعلان حالة الطوارئ ونزول الجيش للشارع.
– حصيلة المظاهرات دي كانت سقوط عدد غير محصور بدقة من الضحايا، في مصادر بتتكلم عن 79 شخص ماتوا في المظاهرات دي.
– مطالب الانتفاضة دي كانت محدودة وهي إلغاء القرارات الاقتصادية الخاصة برفع الدعم، وبالفعل تم إلغاء القرارات دي من قبل الرئيس.
– لكنها في رأينا بتكتسب أهمية كبيرة لأنها أول مظاهرات تطرح سؤال شرعية العقد الاجتماعي بين دولة يوليو وبين المواطنين، العقد الاجتماعي اللي كان قايم على نفي السياسة والديمقراطية في مقابل تحمل الدولة لأعباء الدعم للفقراء، واللي لما الدولة حاولت تتملص من مسئوليتها فيه في 1977 بعد الاتفاق مع صندوق النقد المواطن العادي شعر بالغدر.
*****
نشوف ايه من ده دلوقتي؟
– اتكلمنا كثير عن الخبز في الفترات الأخيرة مع كلام الرئيس والحكومة عن رفع سعر الخبز، وقولنا إزاي الخبز سلعة شديدة الحساسية وخاصة بالنسبة للفقراء واللي بيعتمدوا عليه كغذاء أساسي.
– لكن الدرس المهم في رأينا من انتفاضة الخبز هو العقد الاجتماعي، بمعنى الاتفاق الضمني بين الدولة والحكومة والمواطنين بوصفهم رعايا للدولة دي.
– العقد الاجتماعي بياخد أشكال كثيرة ومختلفة على حسب طبيعة الدولة والنمط الاقتصادي اللي في البلد وعلى حسب التنظيمات السياسية الموجودة ومدى انفتاح المجال العام ووجود الحريات وغيرها من العوامل.
– لكن السمة الأساسية للعقد الاجتماعي هو أنه دائما ومهما كان النظام ديكتاتوري وسلطوي إلا أنه في دائما هوامش للحركة والتفاوض مع الدولة، سواء بالطرق الطبيعية في السياسة عبر التمثيل في البرلمان والمجالس المحلية والهيئات المنتخبة واللي غايب في مصر أو عبر الطرق غير التقليدية زي الاحتجاج الاجتماعي والنزول للشارع زي ما حصل في يناير وفي 30 يونيو وفي غيرها على امتداد تاريخ البلد.
– العقد الاجتماعي في مصر معقد، لكن أبسط مكوناته هي توفير حماية اجتماعية للفقراء من الجوع بواسطة منظومة الدعم الغذائي، ببساطة الدعم الغذائي ده مش موجود عشان الناس متبقاش فقراء لأنه محدش بيبقى غني من 50 جنيه في الشهر لكل فرد، لكنه موجود عشان ثلث المصريين اللي تحت خط الفقر ميبقوش جوعى بالمعنى الحرفي.
– بالتالي اللعب في العقد الاجتماعي ده خطير جدا مش بس لأنه بيهد اتفاق الدولة الضمني وتعهداتها تجاه الفقراء، لكن لأنه في وقت مفيش للناس فيه مكسب تاني، يعني بالبلدي مفيش تمثيل سياسي وقدرة للناس على التفاوض مع الحكومة في أي حاجة بسبب طبيعة النظام دلوقتي.
– بره مثلا فيه معادلة شهيرة للعقد الاجتماعي وهو أنه الضرائب تساوي تمثيل سياسي، يعني طالما إنت مواطن بتدفع ضرائب من حقك التمثيل السياسي عبر آليات الديمقراطية والانتخابات وغيرها.
– لكن في مصر في زيادات مستمرة في الضرائب بدون تمثيل سياسي، أولويات الإنفاق بتحددها الحكومة بس فيصبح الكوبري والطريق أهم من الناس، والوضع ده مرشح دائما للإنفجار لأنه خلاص الناس مبقاش قدامها طرق تقليدية من جوه السياسة والمجال السياسي للتفاوض.
– نتمنى أنه نتعلم من درس يناير 1977 ودرس يناير 2011 ودرس يونيو 2013 ودروس كثيرة من تاريخنا نتعلم منها، عشان نطلع قدام ونبقى دولة قوية بالفعل من خلال الديمقراطية وآليات لتداول السلطة ونظام اقتصادي أعباء وأرباح النمو الاقتصادي فيه تتوزع بشكل جيد بين فئات المجتمع.
*****