– يوم الثلاثاء عقد المستشار بهاء أبو شقة، رئيس حزب الوفد، مؤتمر صحفي مفاجيء داخل مقر الحزب، أعلن فيه قرارات فصل نهائي ضد 10 من قيادات الحزب، وعلى رأسهم النائب في البرلمان محمد عبد العليم داوود، وياسر الهضيبي المتحدث السابق باسمه وآخرين، وآخرين.
– رئيس الوفد أبو شقة في مؤتمره الصحفي اتكلم عن “مؤامرة” لإسقاط حزب الوفد، وتمويل خارجي وتخابر، وكتير من الاتهامات اللي أشبه بالاتهامات اللي نيابات أمن الدولة بتوجهها للمعارضين!
إيه اللي حصل بالظبط؟ وإيه المتوقع في اللي جاي؟ ودا بيعطي أي صورة عن الحياة الحزبية في مصر؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
*****
– في الشهور الأخيرة وتحديداً في شهر سبتمبر 2020، وأثناء الاستعداد لخوض انتخابات البرلمان الجديد، كان حزب الوفد برئاسة المستشار أبو شقة المقرب جداً من الأجهزة الأمنية والرئاسة، اللي ابنه محمد بيشتغل مستشار قانوني فيها، واللي مكانش له تاريخ سياسي يذكر قبل كده، بيستعد للاشتراك في القائمة الموحدة عشان يضمن عدد كبير من المقاعد في مجلس النواب.
– ونتيجة لطبيعة قانون الانتخابات، وإنه الطريق المضمون للبرلمان هو الانضمام للقائمة اللي بتشرف عليها الأجهزة الأمنية، حصل خناقات داخل جميع الأحزاب لضمان الترشيح في القائمة، وكان سمة كبيرة في الصراع ده هو المزاد المالي، أو بمعنى أصح الكرسي للي بيدفع أكتر.
– مصادر كتيرة داخل حزب الوفد أثناء الانتخابات كانت بتتكلم على إنه المزاد هناك للدخول في القائمة كان علني وبرئاسة أبو شقة، واللي عاوز يترشح يدفع أكتر وهو يضمن فرصة أقرب للدخول في القائمة، ونتيجة ده حصل اعتصام من بعض أعضاء الوفد داخل مقر الحزب اعتراضاً على الكلام دا.
– وزاد المسألة وفجرها أكتر، هو إصرار أبو شقة على وضع بنته داخل القائمة، وكمان تقديم الأجهزة الأمنية عدد مقاعد يصل لـ 8 لصالح حزب الوفد ولكنهم أعضاء في حزب مستقبل وطن ملهومش أي هلاقة بالوفد، عشان الناس دي تدخل البرلمان ويبقى اسمهم محسوب على حزب الوفد كإن فيه تنوع حزبي بالبرلمان، لكن دول هيكونو مؤيدين ١٠٠٪ لحزب مستقبل وطن اللي جايين منه، يعني ممارسة واضحة جداً في الفجاجة والتلاعب والتضليل على الناخبين والمواطنين.
– رفض كتير من قيادات الوفد المنهج ده، مع عدم اعتراضهم على فكرة القائمة، لكن من مبدأ لو هنختار أعضاء يبقى دي من ترشيحات الحزب وهيئته العليا مش الأجهزة الأمنية اللي تختار، ومش الفلوس اللي تتحكم أو رأي منفرد لرئيس الحزب.
– حصل قرار من الهيئة العليا في حزب الوفد بالانسحاب من القائمة، وإعلان إقالة أبو شقة وإجراء انتخابات مبكرة لرئاسة الوفد خلال شهر، وإبلاغ الهيئة الوطنية للانتخابات بالقرارات دي بأغلبية الهيئة العليا، لكن القرارات دي تم التراجع عنها بشكل ضمني وبطريقة غير معلنة، فدخل مرشحي الوفد ضمن القائمة مع إخفاء صفتهم الحزبية في القوائم اللي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات، وهو شيء بيؤكد حالة الاتساق العام بين جميع الأطراف دي أصلا، اللي كلهم بشكل عام مؤيدين للسلطة الحالية، لكن واضح ان حتى التأييد مع الاحتفاظ بمساحة استقلال أو اختلاف في بعض التفاصيل مبقاش مقبول.
– وبرضه على المستوى العملي تم التراجع عن قرار إقالة أبو شقة، وقدم طعن على القرار وبالتالي استكمل صلاحياته كرئيس حزب، وفي نص الأحداث دي كده، اتقبض على 3 من القيادات الشابة بحزب الوفد بوشاية وطلب من بهاء أبو شقة، وتم الإفراج عنهم لاحقاً بعد وساطات كتيرة، لكن الأمر الواقع كان حصل خلاص بدخول أعضاء مستقبل وطن على قائمة الوفد، وكسب الوفد لـ 6 مقاعد فقط في النواب منهم ابنة أبو شقة، واتعين أبو شقة داخل مجلس الشيوخ.
– ومع بداية مجلس النواب الجديد، اتفاجئ الجميع بأداء محمد عبد العليم داوود وهو سياسي مخضرم وبرلماني خبير من سنة 2000 ، وبيكسب دايما على الفردي بسبب شعبيته الكبيرة في دايرته، وسياسي مخضرم، وله مواقف معارضة محترمة كتير زي رفضه لاتفاقية تيران وصنافير ورفضه التعديلات الدستورية، وفي البرلمان الجديد هاجم سياسات الإعلام، ودخل في مشادة مع حزب مستقبل وطن واتهم نوابه بإفساد الحياة السياسية، وتم طرده وإحالته للجنة القيم زي ما نشرنا في بوست قبل كده. (تقدروا تشوفوه من
هنا)
– وكتضامن من الهيئة العليا للوفد مع داوود، تم اختياره بالإجماع رئيس للهيئة البرلمانية للحزب، وهو عملياً ما يعني إنه المسؤول عن مواقف حزب الوفد وتمثيله في البرلمان، وبالتالي الوفد هنا هيكون متحرر شوية من السيطرة الأمنية الفجة، وفي احتمالات إنه ياخد مواقف لحد ما جيدة.
– لكن أبو شقة، والتيار اللي بيمثله، معجبوش الأمر دا فأصدر قرارات فصل ١٠ قيادات حزبية منهم داوود وبعض المناصرين له، وعين أنصاره والمقربين له في مناصب الحزب، وقال إن الحزب سيخطر مجلسى الشيوخ والنواب بخصوص المفصولين من الحزب، لاتخاذ ما يراه تجاههم وفقا للدستور والقانون.
وعين سليمان وهدان رئيس للهيئة البرلمانية لحزب الوفد بدلاً من داوود، وعين هاني أباظة نائب له بدلاً من حسين منصور، وكمان فصل محمد مجدي فرحات الشهير بأرنب، وتقدم ببلاغ للنيابة ضده للتحقيق معه في وقائع “التخابر مع قنوات أجنبية”!!
– يذكر إنه سليمان وهدان هو وكيل مجلس النواب السابق، واللي تم رفض رفع الحصانة ومحاكمته في اتهامه هو وأشقاؤه، ببيع قطعة أرض تتبع أملاك الدولة مساحتها 60 فداناً، بعد ادعائهم ملكيتها بمستندات مزورة، بالإضافة لإدانته في جنحة “نصب”، أما هاني أباظة فهو نائب دائم في مجلس النواب وظابط شرطة سابق، وعائلة أباظة هي عائلة كبيرة في محافظة الشرقية، وعلاقاتهم قوية بجهاز المخابرات نتيجة نسب مع رئيس المخابرات السابق عمر سليمان.
– وفي أثناء المؤتمر اتهمهم أبو شقة بتنفيذ مؤامرات لتخريب الحزب، وإنه الوفد حزب يصنف كمعارضة وطنية شريفة، واتكلم على إنه ياسر الهضيبي ده حفيد مرشد الإخوان وإخواني متخفي، على الرغم من إنه ياسر الهضيبي ده أبوشقة بنفسه كان عينه متحدث، ومن كام شهر انضم لعضوية مجلس الشيوخ عن طريق القائمة الموحدة اللي بتشرف عليها الأجهزة الأمنية!
– كمان أبو شقة قال إنه حصل توظيف لأموال مجهولة المصدر، وإنه قدم بلاغات ضد أحد المفصولين للنيابة العامة، وإنه مشروع حزب الوفد يقوم على دعم أجهزة الدولة.
– وفي أول تعقيب له على قرار رئيس الحزب، كتب عبد العليم داوود، قائلاً: “بهاء أبو شقة يرضخ للضغوط، وقرار الفصل يغتصب قرار الهيئة العليا بانتخابي رئيساً للهيئة البرلمانية للحزب بالتزكية؛ ويفصل قيادات وفدية أصيلة مثل محمد عبده، وطارق سباق، ومحمد حلمي سويلم، وحسين منصور، وياسر الهضيبي”.
*****
– حزب الوفد هو أحد أعرق الأحزاب السياسية في مصر، وتاريخه يمتد لأكتر من 100 سنة، والحزب كان انتهى مع ثورة يوليو اللي جمدت النشاط الحزبي، وكان أخير رئيس للحزب هو مصطفى النحاس.
– وبعد عودة الأحزاب في 1976 رجع الحزب بقيادة فؤاد سراج الدين، في محاولة لاستعادة تيار ليبرالي محافظ في المجتمع، واستطاع في وقت قليل في عهد السادات إنه يبني انتشار كبير للحزب ويدخل في صدامات عديدة، وعملياً الحزب تراجعت قوته في الثمانينات وبدأ ينحسر نشاطه وانتشاره، وطبعاً كان جزء من سياسة الأجهزة الأمنية في عهد مبارك هو تفجير الأحزاب من داخلها بالصراعات عن طريق عملاء جهاز أمن الدولة، وتغيير التنظيمات الحزبية من أحزاب قوية ومعارضة جادة لأحزاب مهادنة وضعيفة ومبتدخلش مواجهات نهائي مع السلطة أو الحزب الحاكم.
– المفصولين من الحزب أكدوا انه مفيش أي حاجة في اللايحة تدي رئيس الحزب صلاحية القرارات دي.
– جايز يتم تكرار سيناريوهات سابقة بالتفجير، زي تجميد الحزب أو السيطرة عليه بقوة الأمن، والتهديد بحبس المعارضين، زي ما حصل بين أنصار نعمان جمعة والسيد البدوي سابقاً، وتدخل الأمن لاختيار القيادة المفضلة لديه.
*****
– أياً كانت نهاية الصراعات دي إيه، فده بشكل عام يقولنا وضع الحياة الحزبية في مصر في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية وإصرارها على تخريب الأحزاب عن طريق وكلاء ومتعاونين معاها عشان يتم السيطرة على الحياة السياسية من جذورها، وحتى هامش الأحزاب الموجودة بكل مشاكلها الحقيقية مش متروكة في حالها لعملية ديمقراطية داخلية أو حتى خلافات في وجهات النظر، بل لازم تتماهى مع الشكل العام بتاع الصوت الواحد.
– أبو شقة استخدم نفس أسلوب الدولة مع المعارضة تقريبا، اتهامات بالعمالة والانتماء للإخوان، وتخوين وتمويل ومؤامرات، ولم يتحمل إنه يكون فيه خلاف داخلي على توجهات الحزب، اللي هي خلافات مشروعة تماما.
– الحزب بيصنف نفسه معارض، ووقت ما حاول بعض قياداته يمارسوا نوع من المعارضة من قلب مجلس النواب مش من الشارع مثلا، تم تخوينهم لصالح مصطلح غريب بيقوله أبو شقة اللي هو “معارضة وطنية مع أجهزة الدولة”!
– أبو شقة لديه سجل غريب من الاستعانة بالأمن ضد خصومه بداية من استدعائه الأمن لأعضاء كانوا معتصمين في الحزب، نهاية بتقديمه مؤخراً بلاغات للنيابة ضد المختلفين، وهو ما يعني إن حتى الإقصاء مش كفاية، دا فيه رغبة بالتنكيل لدرجة التهديد سجن المخالفين.
– أبو شقة رفض عقد هيئة عليا لحزب الوفد، وألغاها بشكل كامل طبقا لقراراته الأخيرة، وطبعا رافض الجمعية العمومية، وقال إن من يدعو لأي عقد مؤتمر أو غيره في هذه الفترة، فأنه يدعو إلى فتنة داخل الحزب. يعني الرجوع للآليات الطبيعية وقت الخلاف أصبح “فتنة”!
– مفيش مجتمع بيتقدم من غير حياة سياسية سليمة، وأحزاب قوية بتكسب ثقة المواطنين عن طريق الانتخابات وبرامجها وخطابها السياسي، ويكون للأحزاب دي حرية في التواصل مع المواطنين وانتقاد الحكومات وتقديم مرشحين لها بدون أي تدخلات من أي جهة، وبدون تخويفها وترهيب أعضائها أمنياً بالحبس أو التضييق.
– الأحزاب في مصر عندها مشاكلها الداخلية الكبيرة واللي جزء منها داخلي تماما، متعلق بغياب الديمقراطية الداخلية، ومراكز القوى المالية والتاريخية، ومش هنرمي كل شيء على فقط على فكرة التلاعب الأمني، لكن فيه مواقف بيبان فيها الرغبة في السيطرة وإدخال الجميع في مربع التنسيق مع الأمن ولعب دور مرسوم ومكتوب للمعارضة، وأي خروج عن النص بنشوف نتيجته زي اللي بيحصل.
– وطول ما عندنا تخريب مستمر للأحزاب وسيطرة على الحياة السياسية، فالتغيير بيكون شيء صعب الحدوث عملياً، وللسبب ده فالنوع ده من الخناقات والأحداث هو دائم التكرار والظهور، وللأسف حزب تاريخي وعريق زي الوفد يكون بالوضع ده.
– نتمنى نشوف أحزاب فيها ديمقراطية داخلية وآليات تداول للسلطة، عشان تقدر تدافع عن الديمقراطية في البلد أو تبني وتكون بديل حقيقي.
*****