– في 10 أغسطس اللي فات أعلنت الحكومة الإثيوبية إنهاء وقف إطلاق النار الأحادي اللي الحكومة كانت أعلنته من حوالي 6 أسابيع بعد معارك قوات الجيش الإثيوبي في إقليم تيجراي.
– وفي السياق دا دعا آبي أحمد، جميع الإثيوبيين القادرين للانضمام إلى الجيش لمواجهة “جبهة تحرير تيجراي”.
– التطور ده مكنش الوحيد على جبهة الحرب المستمرة في الإقليم، ولكن أيضا الحرب اللي بقالها 9 شهور امتدت لمناطق أخرى في البلاد والتطور الأخير هو انضمام “جبهة تحرير شعب أورومو” للقتال ضد الحكومة الإثيوبية.
– ايه اللي بيحصل في إثيوبيا؟ وهل ده مؤثر على وضع سد النهضة والمفاوضات اللي توقفت دلوقتي؟ وايه اللي ممكن نشوفه في المستقبل؟
– عشان نفهم التطور الأخير في الحرب الإثيوبية محتاجين شوية خلفيات عن الوضع العام في إثيوبيا، من 9 شهور نشب قتال عنيف بين القوات الحكومية وبين جيش تحرير تيجراي، تيجراي هو إقليم بتسكنه عرقية كانت بتحكم إثيوبيا فترة طويلة بعد نهاية الحكم العسكري في 1991.
– ميليس زيناوي رئيس الوزراء الأسبق كان من التيجراي، ورغم أنه التيجراي مش أكبر عرقية في إثيوبيا، إلا أنها فضلت تحكم إثيوبيا لحد وفاة زيناوي في 2012، وده لأنهم كانوا رأس حربة في القتال ضد الحكم الشيوعي. التيجراي في فترة زيناوي كانوا بيسيطروا بشكل كبير على الجيش والحكومة.
– بالتالي بعد وفاة زيناوي الوضع العرقي تفجر، ظهرت احتجاجات استمرت من 2012 لحد 2015 من عرقية الأورمو الأكبر عددا في البلاد واللي منها أبي أحمد، وتم إقصاء جزء كبير من مكونات الحكم التقليدية في إثيوبيا اللي من التيجراي، بالتالي تحولت التيجراي من عرقية شبه مسيطرة لمقاتلين ضد الحكومة.
– الأورومو أيضا تحولوا مع الوقت لفصيلين فصيل حزبي بيتبع أبي أحمد، وفصيل مسلح بقيادة منظمة اسمها جيش تحرير شعب الأورومو عندها طموحات انفصالية بالأساس مبنية على أنه العرقية الأكبر في البلاد اللي هي الأورومو اللي بتشكل حوالي 35% من تعداد إثيوبيا غير ممثلة بشكل جيد في الحكم.
– التطور الأخير بقا هو نشوب الحرب دي واللي في البداية الجيش الأثيوبي أحرز تقدم جيد بمساعدة اريرتيريا في إقليم التيجراي وارتكب جرائم حرب نقلتها تقارير صحفية وتقارير المنظمات الدولية، ولكن في خلال الشهور الأخيرة سيطرت ميليشيات جيش التيجراي علي الإقليم واتهزمت الحكومة قبل ما تعلن وقف اطلاق النار.
– في مناطق أخرى كان جيش تحرير الأورومو بقيادة جال مارو بيقاتل ضد الحكومة في تحالف عسكري مكنش رسمي، إلا أنه الراجل ده في حديث لـ أسوشيتد برس يوم الأربعاء أتكلم عنه الحل العسكري هو الحل الوحيد لمواجهة أبي أحمد، وأنهم اتفقوا في الأسابيع القليلة على المزيد من التنسيق العسكري مع قوات تيجراي.
– الحكومة طبعا شايفة دول منظمات إرهابية، بالتالي بعد التحالف الواضح ده الحكومة أعلنت أنها تنهي وقف إطلاق النار اللي كانت رضخت له -بعد المعارك على الأرض واللي البعض اعتبرها هزيمة- وبعد ضغوط دولية، ودعت الحكومة الشعب الإثيوبي للقتال.
– مكتب رئيس الوزراء أبي أحمد قال في بيان رسمي “إنه يتعين جميع الإثيوبيين القادرين المشاركة في القتال ضد قوات إقليم تيجراي.”
– الجيش الإثيوبي والمليشيات اللي معاه ارتكبت جرائم حرب، وكذلك الحكومة والقوات الداعمة ليها من الميليشيات الأخرى، بالتالي الوضع الإنساني في تيجراي شديد السوء في ظل منع مساعدات إنسانية من الوصول للمنطقة.
– في المجمل الحرب نتج عنها مقتل آلاف التقديرات مختلفة لكن الأرقام كلها بتدور حوالين 60-70 ألف قتيل في الشهور الأخيرة، بالإضافة لأنه الحرب زادت من تدفق اللاجئين لإريتريا والسودان وخاصة أنه مناطق الحرب بتهدد حوالي 6 مليون إثيوبي بشكل مباشر بالتشرد.
– لدرجة إن السلطات الإثيوبية اعترفت أن عشرات النساء تعرضن للاغتصاب في إقليم تيجراي بشمال البلاد خلال الفوضى التي أعقبت الصدام المسلح اللي وقع العام الماضي وأطاح بالحزب الحاكم في الإقليم، وكذلك دخل فيه الجيش الإريتري على خط لدعم حكومة آبي أحمد.
– وقالت وزيرة المرأة الإثيوبية فيلسان عبد الله على تويتر: “تلقينا التقرير من فريقنا على الأرض في منطقة تيجراي وقد أكد الفريق للأسف أن الاغتصاب حدث قطعا ودون شك”.
– وكمان تضمن تقرير لمنظمة العفو الدولية الأربعاء في مطلع أغسطس دا، روايات لعشرات النساء من سكان تيجراي وصفن فيها وقائع الاعتداءات الجنسية المروعة اللي ارتكبها بحقهن الجنود الإثيوبيين والقوات المتحالفة معهم.
– حاليا في ظل حرب أهلية مستمرة، وده شيء مش جديد على بلد بحجم إثيوبيا شديد التعقيد والتشابك في المسائل العرقية ففي 3 سيناريوهات ممكن نشوفها للحرب دي وعلاقتها بسد النهضة.
– السيناريو الأول: هو إنه الحكومة الإثيوبية تقدر تحسم بمساعدة الميليشيات اللي معاها من الأمهرة، وجيش إريتريا الحرب دي لصالحها، وان كان ده هيتم على فترة زمنية كبيرة مش مرجح يعني أنه الحرب دي تخلص في شهرين على الأقل خالص سنة أو سنتين وان مكنش أكثر بكثير، وبالتالي ترجع قضية السد تاني لأنها تكون الشاغل الأهم للحكومة وإن كانت يعني مختفتش في ظل الحرب لأنه السد شيء رمزي مهم للشعب الأثيوبي، واستخدامه السياسي لإعطاء شرعية داخلية لأبي أحمد مستمر.
– السيناريو الثاني: هو تطور الحرب الأهلية دي لتشمل أقاليم تانية، وبالتالي تفتت أكبر في الساحة الإثيوبية، وساعتها ممكن ده يقضي حرفيا على حكومة آبي أحمد وتكون الحكومة الجديدة قادرة أنها تتفاوض بشكل أكثر جدية مع مصر والسودان في قضية السد ويحصل اتفاق ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة، أو أنه حكومة ما بعد آبي أحمد متتفقش مع بعضها وتستمر الحرب العرقية فيما بينهم. أو يتفقوا ويدركوا أهمية قضية السد دي كشيء سياسي ورمزي يقدروا يكسبوا به شرعية للنظام الجديد بتاعهم وساعتها يستمروا في التعنت زي الحكومة الحالية.
– السيناريو الثالث: هو تجميد الوضع الحالي كده، حرب شغالة بتنهك القوات الحكومية والمتمردين لحين تحقيق أحد الأطراف انتصار طفيف على الآخر ويبقى في اتفاق سلام برعاية إفريقية أو دولية، وده في الغالب السيناريو الأقرب لأنه كلا الطرفين معندوش القدرة على الحسم العسكري، بالإضافة طبعا لتعقيد المشهد السياسي والعرقي في البلد واللي حتي لو فزت عسكريا ففي مشكلة كبيرة أنك تفوز سياسيا بمعنى تحافظ على الاستقرار السياسي بعد ما تكسب المعركة العسكرية. وفي السيناريو الثالث ده هيكون لقضية سد النهضة أهمية كبيرة جدا لأنها الشيء الوحيد اللي ممكن يدي شرعية تنموية وسياسية للحكومة.
– قد يكون السيناريو الثاني واللي فيه إطاحة بآبي أحمد أقرب السيناريوهات لحل أزمة السد مع مصر والسودان، لكن في السياسة مفيش شيء مضمون ممكن حكومة ما بعد أبي أحمد تكون أكثر تعنتا عادي جدا لأنه قضية السد مهمة بالنسبة للإثيوبيين.
– في السيناريو الثاني في ناس بتطرح أنه في حالة تفتت إثيوبيا يعني بإمكان مصر أو السودان الدخول لإقليم بني شنقول اللي فيه السد والسيطرة عليه وإدارة السد نفسه ولكن التصور ده بعيد جدا لأنه لا مصر ولا السودان واضح أنهم عايزين كده لأنه دي هتبقى قصة تانية كبيرة بالنسبة للجيش المصري واللي عمره ما كان بيتدرب على إزاي يكون عنده قواعد عسكرية في دول أخرى، وإزاي يحتل بلاد بالبلدي يعني وكذلك الجيش السوداني اللي منهك من سنوات من الحرب الأهلية في دارفور والعقوبات الاقتصادية والعسكرية.
– وفي النهاية دي تقديرات قد تكون صحيحة أو خاطئة ومش تمنيات بحدوث شر للشعب الإثيوبي، ولا نتمنى الدماء والأزمات للإثيوبيين، وكل ما نرجوه في المسألة دي إن يكون هناك حل يحفظ دماء الناس وفي نفس الوقت أي حكومة تكون موجودة تعرف إن العداء مع محيطها الإقليمي بسبب قضية السد، اللي لازم يكون لها حل يحقق التنمية لإثيوبيا بما لا يضر بمصالح الشعبين المصري والسوداني، ودا مش هيحصل غير باتفاق قانوني ملزم.
– الخلاصة اللي ممكن نشوفها من الوضع الداخلي المعقد في إثيوبيا وعلاقته بأزمة السد هو أنه مش شرط التفتت الأثيوبي يكون في صالحك ولصالح حقوقك المائية في نهر النيل.
– بالتالي الدبلوماسية المصرية أو الدولة المصرية بشكل عام محتاجة تشتغل على كل الاحتمالات، من ناحية نشتغل مع شركائنا الدوليين على إدانة جرائم الحكومة الأثيوبية وإظهار الوضع الحقيقي للحرب في إثيوبيا، ومن ناحية تانية نكون مستعدين بسيناريو دور أكثر فعالية في حل الأزمة.
– يعني محتاجين أننا نشتغل على كل الاحتمالات، ممكن نتحرك في الاتحاد الإفريقي ومع الشركاء الدوليين لفرض سلام في إثيوبيا بين الأطراف المتحاربة في مقابل وعد من الحكومة الإثيوبية ومن الشركاء الدوليين دول بعدم الإضرار بحقوق مصر والسودان المائية.
– كل حركة وخطوة مننا لازم تبقي مدروسة وحساسة للوضع الداخلي، ظهورنا أننا بندعم المتمردين في تيجراي أو من جيش تحرير الأورومو خطير وبيدعم خطاب الحكومة الإثيوبية أنه جهات خارجية بتمول المتمردين دول وبالتالي التفاف أكبر على العداء لمصر.
– نتمنى بالطبع الحرب الأهلية الإثيوبية دي تتوقف وتكون مصر وإثيوبيا وبقيت دول حوض النيل قادرين على بناء شراكات اقتصادية وتنموية تضمن الحق المصري والسوداني في مياة النيل في ظل حق إثيوبيا في التنمية.
– منطقة القرن الإفريقي دي مهمة لينا، وأي انفجار هناك مش في صالح حد، ومن الكياسة تماما إظهار الاهتمام وإرادة حل الصراعات لدى السياسة الخارجية المصرية، عشان نكون فاعلين في القارة بجد، وميجيش حد ياخد مكانتنا الطبيعية وامتداد مصالح أمننا القومي يتعرض بالخطر.
– الحرب عمرها ما كانت شيء جيد ونتائجها غير مضمونة وغير محسومة بالتالي دائما الحوار والسلام والشراكات الاقتصادية هي اللي بتجيب تنمية وخير للجميع، لأن الكل بيدرك دا في الآخر، بس بعد دفع أثمان باهظة.