– خلال الفترة اللي فاتت شوفنا كذا خبر عن انتحار شباب وشابات في سن المراهقة، آخرهم البنت اللي انتحرت في مول سيتي ستارز وقبلها شاب من كوبري طلخا وشاب من فارسكور.
– عادة حالات الانتحار للشباب بتاخد تغطية إعلامية متزايدة، لأنها بتجيب مشاهدات وللأسف في حالات كثيرة بتكون التغطية الإعلامية دي سيئة لأنها بتعرض فيديوهات الانتحار ومش بتلتزم بكود صحفي أخلاقي في تغطية حوادث الانتحار وبيكون غرضها إثارة الجدل والبلبلة عشان جمع المشاهدات.
– ومن الأشياء الإيجابية اللي سمعنا عنها قرار المجلس الأعلى للإعلام مناقشة بنود كود جديد لتغطية حوادث الانتحار ومحاولاته، فى إطار تقديس واحترام الحق في الحياة، ونتمنى نشوف شيء ملزم لكافة وسائل الإعلام في هذا الإطار.
– لكن النهاردة مش هنتكلم على التغطية الإعلامية، هنتكلم عن الظاهرة نفسها وتحديدا للإجابة على سؤال ايه أسباب إقدام شباب صغير على الانتحار؟ خاصة أنه في أكثر من حالة كانت رسائل الانتحار فيها لوم للأهل وللأسر. وبالتالي نحاول نجاوب على السؤال الأهم إزاي نوقف الظاهرة دي؟
*****
ايه وضع ظاهرة الانتحار في مصر؟
– للأسف مصر زي كثير من دول العالم معندهاش بيانات ذات جودة جيدة عن حالات الانتحار، 80 دولة بس في العالم اللي عندهم البيانات دي، وده غالبا لأنه في مصر زي كثير من الدول النامية الانتحار بيكون وصمة اجتماعية، وغالبا بيتم إخفاؤه على المستويات المحلية بدون ما تتسجل كحالة انتحار.
– منظمة الصحة العالمية بتقول في تقرير لها سنة 2019 حول ظاهرة الانتحار على مستوى العالم إنه في حالة انتحار كل 40 ثانية في العالم بمعدل 800 ألف حالة انتحار سنويا، يعني أكتر من اللي بتقتلهم أمراض الملاريا أو سرطان الثدي أو الحروب أو جرائم القتل.
– وعلى عكس الشائع يعني أنه الدول الغنية هي اللي فيها انتحار، البيانات بتقول عكس دا وإنه 79% من حالات الانتحار عالميا هي في دول منخفضة أو متوسطة الدخل زي مصر.
– للأسف معندناش بيانات دقيقة عن معدلات الانتحار في مصر، لكن تقرير لمنظمة الصحة العالمية في 2016 حط مصر على رأس الدول العربية بـ 3799 حالة انتحار في عام 2016، تبعتها عربياً السودان (3205 حالة انتحار) واليمن (2335 حالة).
– رسمياً وزارة الصحة المصرية، اللي هي الجهة اللي عندها كامل قاعدة بيانات شهادات الوفاة وأسباب الوفاة مش بتعلن أي إحصاءات رسمية عن أعداد المنتحرين، ومصر بطلت تقدم تقارير بيها رسميا لمنظمة الصحة العالمية من سنة 1987، وده اللي خلا دايما فيه تضارب في التصريحات المتعلقة بالموضوع.
– وللتأكيد على حالة التعتيم وعدم الدقة هنلاقي إنه السنة الواحدة بيطلع فيها أرقام مختلفة جدا من جهات رسمية، يعني مثلاً الصحف نقلت عن تقرير الأمن العام لوزارة الداخلية سنة 2011 كان بيقول إنه عدد المنتحرين كان 253 شخص، بينما الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لنفس السنة قال إن فيها حصلت 18 ألف محاولة انتحار منهم 3 آلاف اتوفوا بالفعل!
– وكذلك تقريبا كل سنة بنلاقي أرقام متضاربة من جهات مختلفة في الدولة عن حالات الانتحار.
*****
ليه الشباب بتنتحر في مصر؟
– في علاقة بين الانتحار والاضطرابات النفسية وخاصة في سن الشباب والمراهقة واللي هو سن خطير جدا بيكون فيه الناس أكثر هشاشة في مواجهة صعوبات الحياة.
– الاضطرابات النفسية اللي زي الاكتئاب مثلا اللي هو حرفيا قاتل صامت للمصريين لأنه مفيش وعي كاف لا عند الآباء ولا الأبناء بخطورة المرض ده ومفيش دعم نفسي تقريبا في مصر بيقدم للشباب في الفترات دي، لأنه تكلفة العلاج النفسي في مصر غالية جدا على 90% من المصريين اللي ميقدروش يتحملوه والدولة أو المستشفيات الحكومية لسه مفيش استيعاب لاحتياجات الدعم النفسي والعلاج النفسي، وكذلك ثقافة المجتمع اللي بتوصم اللي بيتابع مع طبيب نفسي.
– أيضا في أسباب أخرى مجتمعية قد تؤدي للانتحار، زي التفكك الأسري، والفراغ، والوحدة أو عدم اتخاذ هدف في الحياة، أو الخوف من الفضيحة والتعرض للقهر والتنمر.
– في الأسر المصرية في سلطة كبيرة للأب، وده بيخلي كثير من الآباء يتعاملوا بعنف وقهر كبير مع المراهقين أبناءهم بالتالي بينمو عند الشباب دول إحساس عميق بالقهر يدفعهم للانتحار.
– أيضا الظروف الاقتصادية دافع مهم من دوافع الانتحار وخاصة عند رب الأسرة، واللي كمان ممكن تأثر على المراهقين والأطفال لأنه مع الظروف الاقتصادية السيئة بتزداد وتيرة العنف المنزلي وخاصة الموجه ضد الأبناء.
– أسباب كثيرة ثانية ممكن تدفع الشباب للانتحار وهي الظروف الضاغطة داخل الأسرة وفي المجتمع بشكل عام، سواء بقى كانت ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية.
*****
ايه اللي ممكن يتعمل ؟
– واضح من حالات الانتحار الأخيرة أنه العنف والقهر في المنزل بيخلي المراهقين أكثر هشاشة، وممكن يقبلوا أكثر على الانتحار بالتالي رفع وعي الأسر بطرق التعامل السليمة مع المراهقين مهم جدا، ولازم نأكد على تجنب العنف في التعامل مع المراهقين دول.
– حاجة تانية مهمة في الانتحار بشكل عام هو أنه لازم الجهات الرسمية والشعبية تتعامل مع الموضوع بجدية لمحاولة إنقاذ حياة الناس بدل من الاكتفاء بالتصريحات اللي بتأكد إنه كله تمام ومفيش أي مشاكل في المجتمع أو اختصار الأمر في أنه المنتحر كافر ولا مش كافر!
– لازم يكون عندنا إحصاءات رسمية للانتحار، وإتاحتها للجهات المختصة بعلم النفس والاجتماع وغيرها لتحليل أسبابها.
– وعليه الحكومة يجب أن تضع في برامجها الصحية والتعليمية استراتيجيات للوقاية من الانتحار.
– منظمة الصحة العالمية انتبهت لأهمية المدرسة للحد من الانتحار مستقبلًا لدورها في التنشئة، وعليه قامت بإصدار دليل الصحة النفسية بالمدارس بالتعاون مع وزارتي الصحة والتربية والتعليم، بحيث يستهدف الأطفال من سن 8 إلى 13 عامًا.
– واللي نعرفه إنه تم تطبيق دا في الأردن وباكستان وإيران والإمارات، وكذلك كان تم تطبيقه على نطاق تجريبي في مصر على 27 مدرسة بمدينة العبور.
– فيه جانب آخر عن تقييد وسائل الانتحار بالحد من توافرها وتقييد إتاحتها زي المبيدات الحشرية والأسلحة وغيرها، ونشوف دا لما زادت حوادث الانتحار في الهند والصين باستخدام “التوكسافين” والمبيدات، اتعدلت مواصفات المنتج بحيث لا يؤدي إلى الوفاة، وكمان تم تعديل شكل العبوة وطريقة فتحها عشان تبقى معقدة.
– وعندنا تجربة إسكتلندا اللي أطلقت استراتيجية وطنية للوقاية من الانتحار عام 2002 تحت عنوان “اختر الحياة”، وكانت بهدف خفض معدلات الانتحار، واللي كانت بلغت 27 حالة لكل 100 ألف شخص للرجال و9 لكل 100 ألف بين النساء عام 2001، وركزت الاستراتيجية على توفير خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية وخدمات التوظيف ووضع برامج تدريبية متعددة الاختصاصات لبناء القدرات المهنية لدعم الوقاية من الانتحار.
– وفي سويسرا وافق البرلمان سنة 2011 على مقترح بمطالبة المكتب الاتحادي للصحة العامة بوضع خطة عمل للوقاية من الانتحار عن طريق تنفيذ مشروعات لتقييد الوصول إلى وسائل الانتحار، ومراقبة وسائل الإعلام وتسجيل حوادث الانتحار وأسبابها ووسائلها ومتابعة الأشخاص اللي حاولوا الانتحار، وتوفير خطوط ساخنة لطلب المساندة والمساعدة وقت الأزمة.
– وهنا مننساش إن فيه جانب حكومي كبير آخر يخص معالجة الدوافع العامة، زي عدم العدالة والأوضاع الاقتصادية، وكل أسباب الإحباط العام.
– عامل آخر عندنا هو نظرة الدولة والمجتمع للمرض النفسي، لأن ده مش حاجة دلع أو رفاهية، ده مرض زي أي مرض، وممكن يصيب أي حد بما فيه ناس معندهاش أي مشاكل اقتصادية أو عائلية، ولو لم يتم علاجه بجدية ممكن الشخص ينتحر فعلا.
– والكلام ده لينا كلنا مينفعش نسيب أصدقائنا أو حد من أسرتنا عنده اشتباه اكتئاب مرضي ومنخليهوش يتواصل مع طبيب نفسي يقدر يميز ده زعل زي أي حد ولا مرض يحتاج علاج متخصص.
– وجانب تاني هوا الوعي بخطورة ظواهر اجتماعية زي “التنمر” وعدم التهاون معاها.
الحياة في مصر بقت ضاغطة علينا جميعا ولأسباب تكاد تكون مشتركة بينا، والحل بيكون أننا نواجه الظاهرة مش أننا ندفن راسنا في الرمل ونقول أنه مفيش مشاكل.
– نتمنى الرحمة والمغفرة لكل اللي ماتوا في الفترة الأخيرة، والصبر والسلوان لأسرهم اللي انفجعت عليهم.