– يوم الاتنين انعقدت جلسة مجلس الأمن حول سد النهضة، بناء على شكوى رسمية سابقة تقدمت بها مصر، بعد محاولات عرقلة من جنوب أفريقيا.
– النهادرة حنشوف ايه آخر تطورات المفاوضات؟ إيه اللي حصل في جلسة مجلس الأمن؟ وايه ردود الأفعال بعدها؟ وأ شيء مبشر أم العكس؟
*****
إيه اللي حصل قبل الجلسة؟
– بعد تقدم مصر بالشكوى الرسمية للمجلس، حاولت تجمع أصوات للموافقة بعد إدراج فرنسا بوصفها رئيس الدورة الحالية للطلب، وكانت المفاجئة أن جنوب أفريقيا حاولت تمنع عقد الجلسة، وصوتت بالرفض.
– مندوب جامعة الدول العربية الدائم في مجلس الأمن، السفير ماجد عبدالفتاح حكى اللي حصل، وقال ان جنوب أفريقيا كانت تهدف لوجود فرصة للاتحاد الافريقي ان هوا اللي يحل المشكلة، والسفير ماجد انتقد تأخر الاتحاد الأفريقي الكبير، وده حقيقي طبعا ما المفاوضات بقالها حوالي ١٠ سنين ليه فجأة بسرعة قررتو تتدخلو دلوقتي بس لما مجلس الأمن قرر يتحرك.
– الولايات المتحدة قدمت طلب لدعم الموقف المصري، وإحراج الدول الرافضة، وكمان موقف السودان ان هوا كمان أرسل خطاب بعد أيام من الخطاب المصري قوى الموقف في مجلس الأمن، خاصة ان الخطاب السوداني كان شبيه بالمصري في تأكيده على رفضه الملء المنفرد، وعلى عدم اطمئنانه لموقف سد الروصيرص السوداني في ظل رفض اثيوبيا عقد اتفاق ملزم.
– الاتحاد الافريقي دعا بسرعة لقمة مصغرة، وحضرها كل من الرئيس السيسي، وآبي أحمد، ورئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك.
– بعد القمة أعلن من كل من رئيس الوزراء السوداني، وبيان الرئاسة المصرية، إنه تم الاتفاق عدم قيام إثيوبيا ببدء ملء السد قبل التوصل لاتفاق.
– لكن المراوغة الأثيوبية استمرت، وطلع بيان بعدها بساعات من مكتب رئاسة الوزراء الأثيوبي بيقول أنه أثيوبيا مستمرة في الملء في نفس توقيته، وانها تسعى للوصول لاتفاق خلال أسبوعين قبلها، بينما بيان الاتحاد الافريقي بعدها كان غامض واكتفى بانه يقول “منع اتخاذ أي إجراءات أحادية” بدون ما ينص بوضوح على التزام إثيوبيا بعدم الملء قبل الاتفاق.
*****
– كلمة سامح شكري وزير الخارجية كانت محددة وقوية وتستحق الإشادة بمحتواها وبمن أعد لها، وركزت على الرد على أكتر من ادعاء أثيوبي.
١- الكلمة ذكرت انه مش صحيح ان كل الاتفاقات اتعملت في عهد الاحتلال، وإن مصر حقوقها التاريخية تستند على اتفاقات تمت في 1902 وساعتها لم تكن أثيوبيا مستعمرة، وفي 1993 بين ميليس زيناوي ومبارك، وحتى الاتفاق الإطاري اللي تم في 2015 ، واللي من بنوده التوصل لاتفاق قبل ملء السد (وطبعا إثيوبيا عندها تفسير مختلف!)
٢- كمان الكلمة ركزت على أهمية النيل للمصريين، وقال الوزير ” نحن في مصر نعيش في أكثر مناطق حوض النيل جفافاً، وبلادنا الأكثر شُحاً في المياه على وجه الأرض، فهذا الواقع القاسي يحصرنا فيما لا يزيد عن 7% من أراضينا، وعلى شريط أخضر ضيق ودلتا خصيبة يُقيم فيها الملايين، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه حوالي 560 متراً مكعباً سنوياً، الأمر الذي يضع مصر على قائمة الدول التي تعاني من الشُح المائي وفقاً للمعايير الدولية “.
٣- وقال ” إذا تم ملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي، فإن ذلك قد يؤدي إلى تعرض الملايين في مصر والسودان للخطر “وإنه ده هيزيد من التوتر ويمكن أن يثير الأزمات والصراعات التي تهدد الاستقرار في منطقة مضطربة بالفعل.
٤- جانب تاني مهم في كلمة سامح شكري هو تفنيد الادعاءا الإثيوبية أنه مصر عايزة تستولي على المياة وتحرم اثيوبيا من المياة والتنمية، وذكر أنه اثيوبيا عندها وفرة مياة، وان “متوسط الأمطار في إثيوبيا، يصل إلى 936 مليار متر مكعب سنوياً من المياه. ” وأننا مش ضد حق أثيوبيا في التنمية، بالعكس مصر دايماً بتتعاون مع الجميع في دعم المشروعات التنموية، لكن يجب الحفاظ على الحقوق المائية لدول المصب لأنه ده بيهدد أمن وغذاء 150 مليون نسمة في مصر والسودان.
٥- كمان أضاف وزير الخارجية لنقطة جوهرية: رغم أن الدول الثلاث تعاقدت مع استشاري دولي للقيام بدراسات حول آثار السد، إلا أن عملية إجراء هذه الدراسات قد عُرقِلت، فلم يتم الانتهاء منها. كما أنه لا توجد لدينا ضمانات حقيقية حول أمان هذا السد وسلامته الإنشائية، ما يعني أن مجتمعات دولتي المصب مهددة بأن تعيش تحت وطأة تهديد لا يُعرف مداه ولا أبعاده.
٦- سامح شكري أشار أيضا أنه اللجوء لمجلس الأمن الدولي هو بسبب التعنت الأثيوبي في جميع المفاوضات اللي امتدت على مدار 10 سنين، بما فيها مفاوضات الاتحاد الافريقي الأخيرة، ومفاوضات واشنطن.
٧- أشار ان مسالة تهديد حياة ١٥٠ مليون مواطن مصري وسوداني ممكن تأثر على مسائل الهجرة غير الشرعية والإرهاب، في وضع للعالم أمام أبرز الملفات المهمة للمجلس.
٧- الكلمة بطبيعة الحال خلت من أي تلويح صريح باستخدام القوة، لكنها شملت تلميحات قوية، زي كلامه قرب آخر الكلمة: “رغم أن موقفنا يظل هو أن الحل الناجع لمسألة سد النهضة يتمثل في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن، إلا أن مصر سوف تحفظ وتؤمن المصالح العليا للشعب المصري – فالدفاع عن البقاء ليس محض اختيار، إنما هو مسألة حتمية تفرضها طبيعة البشر”.
*****
– المندوب الأثيوبي أكد أكتر من مرة انه أصلا رافض لعرض القضية على مجلس الأمن وقال “لا نعتقد أن قضية سد النهضة لها مكان شرعي في مجلس الأمن اليوم. رفع قضية سد النهضة إلى مجلس الأمن تم على نحو غير منصف” وإنه المفروض القضية تكون شأن أفريقي خاص، وواضح طبعا ان دي محاولة للمماطلة والتهرب من التزام أمام الدول الكبرى اللي بيدها تمنح أو تحرم أثيوبيا من المساعدات، بخلاف الدول الافريقية اللي أوراق ضغطها أقل بكتير.
– طبعا استمر الجانب الأثيوبي في اللعب علي قصة أنه ده حقهم في التنمية والسد هينتشل ملايين الأثيوبيين من الضياع وقال “هناك مناطق كبيرة في إثيوبيا لا تصلها الكهرباء..بينما جميع المصريين لديهم كهرباء في كل المناطق. “، ودي طبعا مغالطة لأن مصر وافقت رسميا على مبدأ بناء السد من وقت اتفاق المباديء.
– استمر في التلاعب بالحقائق كمان لما ركز على أنه مصر كانت المستفيد الأكبر من مياه النيل، وده ساهم في تنميتها، وأنها خدت خطوات كثيرة أحادية زي مشروع توشكي اللي على حد وصفه بيستهلك الكثير من المياه!!. وده رغم إن السد العالي ومشاريع توشكى هي مشاريع “دولة مصب”، يعني مبيتأثرش بيها غير المصريين لوحدهم!
– طبعا مداخلة المندوب الأثيوبي كانت مليئة بالمغالطات، لأنه محاولة انكار الحقوق التاريخية في حصص المياه هي محاولة مرفوضة في القانون والمواثيق الدولية، بالتالي الجانب الأثيوبي مستمر في المماطلة لحد بدء ملئ السد وفرض الأمر الواقع.
*****
ايه موقف باقي الأطراف؟
– السودان استمر في موقفه الإيجابي اللي أصبح أقرب لمصر، لكنه لم يستخدم عبارات بنفس درجة القوة اللي استخدمتها كلمة مصر، وحافظ على خطاب أكثر تفاؤلا بتدخل الاتحاد الافريقي اللي قال انه مؤيد لاستمرار المفاوضات تحت اطاره، لكنه بنفس الوقت وضح انه غير رافض لاستمرار تدخل مجلس الأمن، وتمسك بمطلب منع إثيوبيا من بدء الملء المنفرد.
– بقية الدول من الأعضاء غير الدائمين كانت مواقفهم تدعو لاستمرار المفاوضات والحفاظ على السلم ووقف التصعيد بين الجانبين المصري والأثيوبي تحديدا.
– فرنسا وإنجلترا كان موقفهم أقرب للموقف المصري من حيث أنه لازم الرجوع لاتفاق إعلان المبادئ في 2015 واللي وقعه الرئيس السيسي مع عمر البشير ورئيس الوزراء الأثيوبي السابق ديسالين، بالإضافة لباقي اتفاقيات القانون الدولي.
– كلمة المندوبة الأمريكية، فكانت بتتكلم عن ضرورة الاعتبار بمصالح الدول الثلاثة، وإنه في فرص لعمل اتفاق بشأن السد إذا تعاونت جميع الأطراف، من خلال الاستفادة من التقدم الذي حصل في المفاوضات وتقديم تنازلات بشأن سد النهضة. وبشكل عام فالموقف الأمريكي داعم لمصر.
– الموقف الروسي والصيني ورغم العلاقات الجيدة بين مصر والدولتين لم يكن مؤيدا للموقف المصري، ولكن دعا لاستمرار مسار التفاوض فقط على أمل الوصول لاتفاق، ولم يعلن أنه في ضرورة مثلا للالتزام بإعلان المبادئ. وإن كان ده مش غريب قوي من الصين اللي ليها استثمارات كبيرة في أثيوبيا، والسنة اللي فاتت بس وقعت اتفاقية بقيمة ١.٨ مليار دولار السنة اللي فاتت.
– مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو إنه الخلافات المتبقية بين الأطراف فنية وقانونية، وتشمل الطبيعة الملزِمة للاتفاق، وآليةَ حل النزاعات، وإدارةَ تدفق المياه أثناء فترات الجفاف. وإنه يمكن التغلب على الاختلافات والتوصل إلى اتفاق إذا برهنت كل الأطراف عن الإرادة السياسية اللازمة لتقديم تنازلات وفقا لروح التعاون التي تم التأكيد عليها في إعلان المبادئ لعام 2015″.
*****
ايه اللي حيحصل في اللي جاي؟
– مصر المفروض إنها قدمت مشروع قرار للنقاش بين أعضاء مجلس الأمن، مشروع القرار ده بحسب وزير الخارجية، يتماشى مع نتائج اجتماعات الاتحاد الافريقي، بمعنى أنه هيؤكد علىتأجيل ملئ خزان السد لحين التوصل لاتفاق حول قواعد ملء وتشغيل الخزان بشكل ملزم، والحصص المائية لمصر والسودان.
– موقفنا في اللحظة الحالية أفضل من السابق، وخاصة أنه أمريكا – إنجلترا- فرنسا، واضح تقاربهم واقتناعهم بالموقف المصري، وهيدعموه. وده مش من فراغ لكن لأن عندنا أمريكا لما دخلت المفاوضات بواشنطن شافت التهرب الأثيوبي من التوقيع بعد توقيع مصر بالأحرف الأولى على الاتفاق اللي أعدته وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي، وبالتالي في قناعة أمريكية على عدالة القضية المصرية وحسن نوايانا، وكمان النجاح الدبلوماسي في تسويق القضية والموقف المصري بشكل أفضل خلال الأشهر الأخيرة.
– فيما يخص روسيا والصين ورغم أنهم لم يظهروا دعم كبير للموقف المصري إلا أنه من المستبعد أنه يستخدموا فيتو لعرقلة قرار يلزم أثيوبيا بعدم البدء في ملئ السد قبل التوصل لاتفاق.
– بقية الدول الأعضاء محتاجة شغل أكثر ومباحثات ثنائية من الجانب المصري لإقناعهم بالتصويت في حالة عرض المذكرة اللي قدمتها مصر للتصويت.
– لكن السؤال المهم هل إصدار مجلس الأمن لقرار هو ملزم لأثيوبيا؟ يعني هل ده فعلا ممكن يعطل عملية ملئ خزان السد؟ الحقيقة ده محدش يقدر يضمن التزام أثيوبيا بقرار زي ده في حالة صدوره خارج “البند السابع” زي ما شرحنا سابقا، ومن المستبعد ان ده يحصل لأسباب دولية كتير، لكن في المقابل اللي حصل ورقة ضغط كبيرة لإن أثيوبيا أكيد متفضلش تخاطر بانه يتفرض عليها عقوبات اقتصادية وانسحاب للاستثمارات.
– لكن يظل الموقف الإثيوبي غير مؤكد خاصة في ظل الأزمات الداخلية اللي بتواجه آبي أحمد من معارضيه، اللي بعضهم بيتهمه إنه فرط في حقهم في المياة بالفعل، وبيزايدو وعايزين تعنت أكتر!
– لكن المؤكد أنه مجرد صدور القرار بيدي شرعية لمصر فيما يأتي من خطوات لاحقة سواء اللجوء لمحكمة العدل الدولية، أو حتى استخدام الحل العسكري في أسوأ وآخر الخيارات اللي نتمنى ميبقاش أبدا في أي لحظة هوا الخيار الوحيد، بسبب المخاطر الكبيرة اللي هتترتب عليه على المدى القصير والطويل، وأكيد الأفضل حلول سياسية وعلى المدى الطويل التعاون مع الدول الافريقية بروح الاحترام الحقيقي، وأيضا حلول فنية لتوفير استهلاك المياة في مصر.
– وممكن للقراء يراجعوا البوستات السابقة بتاعتنا اللي اتكلمنا فيها بالتفصيل في النقاط دي.
*****
– إحنا دلوقتي قدام وضع شديد الدقة والخطورة، لو أثيوبيا بدأت في الملئ الأولي لأول 5 مليار متر مكعب في الأسبوعين الحاليين، مش هيكون فيه أي تأثير حقيقي على مصر لأنها كمية قليلة جدا، لكن الفكرة انه خلاص هيكون تم إرساء سابقة لفرض الأمر الواقع وممكن تتكرر في استكمال الملء بعد سنة بدون اتفاق لو إثيوبيا وجدت انها ممكن تعدي بالساهل، وكمان في المستقبل في سدود تانية تبنيها إثيوبيا أو غيرها من دول المنبع.
– وللسبب ده فالخطاب المصري بقى واضح جداً في الملف ده، وفي تحركات كتيرة بالتأييد الدولي لموقف مصر وتعرضها للخطر من السد الأثيوبي، قد ننجح في عمل اتفاق عن طريق ضغوطات مجلس الأمن، وقد لا ننجح وتستمر أثيوبيا في المماطلة والتلاعب، وده جزء منه خطأ الاستمرار العقيم في المفاوضات الغير جادة مع أثيوبيا لحوالي 10 سنين، لو كنا في نقطة النهاردة ولو من سنتين بس كان الوضع هيبقى مختلف خالص، وده خطأ مصري جسيم رغم محاولة الإنقاذ الحالية.
– محتاجين يكون عندنا لحظة تفكير وتقييم للسياسات الماضية والمسار الحالي والمفروض ده يكون عمل تشاركي أكبر من شخص الرئيس ومن السلطة وحدها، ده المفروض بتقوم بيه مؤسسات دولة زي الخارجية والمخابرات وغيرها، ومعاها كمان المجتمع عن طريق البرلمان اللي مفروض ينتخب بنزاهة، والأحزاب، والمراكز البحثية والأكاديميين والخبراء المتخصصين.
– بنكرر كلامنا السابق إن مسألة مياه النيل أكبر حتى من كونها أمن قومي لكل مصري، دي حياة أو موت لمصر حرفيا، مفيهاش مؤيدين ومعارضين، ونتمنى نشوف تعامل على قدر التهديد الكبير ده لأمننا المائي والغذائي، من كل الأطراف الرسمية والشعبية في مصر، وبالتأكيد إحنا مع كل الاختيارات اللي تضمن حقنا كمواطنين مصريين في مياه النيل.