الأسبوع اللي فات الرئيس السيسي قال في كلمته بالنص ما يلي:
“قناة السويس .. التوسعة دي كلها على بعضها الأموال اتدبرت من المصريين، والمصريين اللي اشتغلوا فيها، وكلها خلصت في سنة”
“برضه سمعت حد بيقول إيرادات القناة قلت، لأ طبعاً، ولما أقولكم لا طبعا يبقى ده كلام مسئول .. وإلا يبقى مفيش .. لأ طبعاً .. وزادت، وإحنا بنتكلم في سنة مش حاجة تانية”
– بعد أيام فقط من الكلام ده شفنا خبرين غريبين جداً:
الأول: هيئة قناة السويس أصدرت بيان يعلن تخفيض الرسوم بنسبة ٣٠% على سفن الحاويات القادمة من ميناء نيويورك والموانيء جنوبه، ونكتشف إن القرار ده ساري منذ ٧ مارس الماضي، ومحدش يعرف أي حاجة عنه، وهيستمر٣ شهور قابلة للتجديد! – مصدر١
والتاني: خبر عن سعي الهيئة للحصول على قرض بقيمة ٦٠٠ مليون يورو، “لتمويل التزامات مستحقة عليها” بدون أي إيضاحات أخرى. – مصدر ٢
****
نرجع لتصريحات الرئيس اللي بتؤكد بوضوح ٣ معلومات:
١- إيرادات القناة زادت.
٢ تمويل القناة “كلها على بعضها” مصدره المصريين.
٣- المصريين فقط اللي اشتغلوا فيها.
– إحنا كنا نشرنا بالفعل في ٩ أبريل الماضي رؤيتنا لوضوع مشروع تفريعة القناة، وتصريحات الرئيس الجديدة دي خلتنا نرجع لكلامنا السابق، ولقينا فيه الرد على النقاط الثلاثة، عشان كده نعيد نشره للمرة الثانية، ونتمنى حد يرد علينا رد منطقي خاصة إن مصادرنا هيا برضه الأرقام والبيانات الحكومية الرسمية:
– (ونؤكد على إن كلامنا هنا فقط عن مشروع التفريعة أو “قناة السويس الجديدة”، وليس عن مشروع “محور قناة السويس” المتعلق بمشاريع تنموية ولوجستية بالمنطقة، وهي الفكرة المطروحة منذ حكومة الجنزوري سنة ١٩٩٦، ثم حكومة نظيف٢٠٠٥، ولا أحد يختلف على إنها عظيمة من حيث المبدأ، المهم التفاصيل)
****
من أسابيع البنك المركزي نشر تقريره الرسمي عن الأداء الاقتصادي بالنصف الأول من العام المالي الحالي، ورسمياً أعلن إن إيرادات مصر من قناة السويس تراجعت بقيمة ٢١٠ مليون دولار بالمقارنة بنفس الفترة (يوليو – ديسمبر) السنة اللي فاتت. التفاصيل: مصدر ٣
– في الأول إيه هو المشروع بالظبط؟
المشروع عبارة عن قناة موازية لجزء من المجرى الحالي لقناة السويس، اللي طوله ١٩٢ كيلومترا، ويبلغ طول التفريعة الموازية الجديدة ٣٥ كيلو متر تم شقها بتقنية الحفر الجاف، بالإضافة إلى ٣٧ كيلو متر يتم بها تعميق مجرى القناة الحالية “التكريك”، ليكون إجمالي طول المشروع ٧٢ كيلو متر، والغرض هو السماح “بازدواج الملاحة” يعني السفن تعبر في الاتجاهين بنفس الوقت.
لا، بالفعل كانت قناة السويس تسمح بازدواج الملاحة في ٨٠.٥ كيلو من مسارها، لإنها اتعمل فيها ٦ تفريعات بعهود عبدالناصر والسادات، أكبرها تفريعة بورسعيد بطول ٤٠.١ كيلو متر، وبالمشروع الجديد زادت مسافة الازدواج إلى ١١٥.٨ كيلو
ده فيديو من حفل افتتاح تفريعة بورسعيد سنة ١٩٨٠: مصدر ٤
****
– إيه الوعود التي اتقدمت؟
اتقالت وعود كتير جدًا بإن المشروع هيدخل فلوس ضخمة للبلد، وصلت لتداول رقم ١٠٠ مليار دولار سنوياً، وكان أكثر الأرقام عقلانية هي تصريحات رئيس الهيئة اللي قال إن الارتفاع التدريجي لعائد القناة سيصل لـ١٣.٥ مليار دولار بحلول عام ٢٠٢٣. مصدر ٥
– في حين إن رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي قال تصريح غريب جداً بعد ٩ أيام فقط من افتتاح القناة رسميًا، قال إن أرباح قناة السويس الجديدة غطت تكاليف حفرها!
ده نص كلامه في الفيديو ده: مصدر ٦
“أنا باقولكم وأنا باتكلم دلوقتي .. إذا كان على ال ٢٠ مليار بتوع قناة السويس .. دلوقتي بفضل الله سبحانه وتعالى دخل القناة الزيادة من مرور السفن اللي زاد تقريبا من ٤٥ – ٤٧ سفينة في المتوسط وصل إلى ٦٠ – ٦٣ سفينة في المتوسط .. يعني إذا كان على العشرين مليار اللي احنا دفعناهم إحنا جبناهم .. أنا باقولكم صحيح كده .. مش المشاريع بتتحسب كده”
بعض الناس قالوا دي زلة لسان، وهوا مكانش يقصد اللي اتفهم منه .. زلات اللسان وسوء الفهم أمور واردة لأي إنسان طبعا، لكن عشان ده تحديداً فيه مكتب إعلامي بالرئاسة وظيفته يصدر بيانات لو فيه حاجة غامضة، مش يسيبو الناس تختلف في تفسير المعنى الظاهر والمعني الخفي في تصريحات الرئيس!
****
– ما هي التكلفة المادية للمشروع؟
غموض كبير حول التكلفة الحقيقة للمشروع، مفيش وثائق معلنة، وعندنا تصريحات كتير متضاربة بين المسؤولين .. شفنا الرئيس السيسي بيقول إن التكلفة ٢٠ مليار جنيه، لكن حسب الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، التكلفة وصلت لـ ٣ مليارات و٢٠٠ مليون دولار -مصدر ٧-، يعني ٢٥ مليار جنيه (بسعر الدولار وقتها اللي كان ٧.٨٣ جنيه)، وعندنا كمان تصريح وزير الاستثمار إن تكلفة حفر القناة ٣٠ مليار جنيه! مصدر ٨
غريب جداً إنه يبقى الفروق في الأرقام الرسمية بالمليارات كإنها شوية فكة!
****
ما هي التكلفة اللي اتدفعت بالدولار؟ هل اشتركت شركات أجنبية؟
محدش يعرف رقم دقيق وكامل للتكلفة الدولارية، لكن المعلن هو اشتراك شركات أجنبية بالتكريك حصلت لوحدها على ١.٥ مليار دولار، وهي مكونة من تحالف بقيادة شركة الجرافات الوطنية الإماراتية (NMDC) ويضم شركتي “فان أورد” و ” بوسكالس” الهولنديتين وشركتي “جان دو نيل” و”دريدجينج انترناشيونال” البلجيكيتين ، حصلوا كل شركة على ٣٧٥مليون دولار. – مصدر ٩
– فلوس المشروع جت من خلال إصدار شهادات استثمار للمصريين ، ودي جمعت ٦٤ مليار جنيه (٨.٥ ملياردولار)، عبر بيع شهادات استثمار قناة السويس بفائدة ١٢%، يعني الدولة ستسدد الفلوس بتكلفة ٧١.٦ مليار جنيه.
هل فلوس المصريين دي وحدها كانت كافية؟
– لأ، لأننا كما قلنا كان فيه جزء بالدولار، وكمان هيئة قناة السويس رسمياً اقترضت خلال سنة الحفر ١.٤مليار دولار من ٨ بنوك حكومية وعربية (الأهلي ومصر والتجاري الدولي والعربي الأفريقي والقاهرة والإمارات دبي الوطني والمشرق والعربي)، لدفع التزامات الشركات الأجنبية العاملة في مشروع القناة الجديدة.- مصدر ١٠
****
– هل نتيجة المشروع تمثل جذب فعال لرحلات سفن النقل؟
– المشروع أدى لتقليل زمن انتظار السفن عبور القناة، انخفض انتظار “القافلة الشمالية” من٨ -١١ ساعة إلى ٣ ساعات، وانخفض انتظار “القافلة الجنوبية” من ١٨ إلى ١١ ساعة.
– لكن ده لا يمثل إلا عامل هامشي جداً في رحلات الناقلات، لأن إجمالي وقت الرحلة قد يستغرق شهر أو شهرين. مثلاً ده كلام يورس مول العضو المنتدب لخط سنغافوري يملك ٥٠% من حركة التجارة بين آسيا وأفريقيا، لما سألوه في ٢٠١٤ عن فكرة المشروع: مصدر ١١
– “الخطوط الملاحية العالمية لا تهتم بزيادة سرعة سفنها أو الوقت الذى ستوفره القناة الجديدة، بقدر ما تهتم بالخدمات اللوجستية، وخدمات القيمة المضافة المقدمة إلى السفينة وطاقمها، التى يمكن أن تكون موجودة بطول شريط القناة .. لا توجد مشكلة على الإطلاق لدى الخطوط الملاحية العالمية فى انتظار عبور سفنها فى قافلتى الشمال والجنوب بقناة السويس.”
وإيه النتيجة اللي اتحققت من المشروع؟
– إيرادات القناة بدل ما تزيد أصبحت في انخفاض مستمر للأسف.
– سنة ٢٠١٥ الإيرادات السنوية انخفضت بنحو ٢٩٠ مليون دولار، من حوالي إجمالي ٥.٤٦٥ مليار دولار سنة ٢٠١٤، إلى ٥.١٧٥ مليار دولار سنة ٢٠١٥ – مصدر ١٢
وواضح ان التناقص ده مستمر، زي ما شفنا في أول كلامنا تقرير البنك المركزي عن نصف العام المالي الحالي.
****
– ليه الإيرادات انخفضت ؟
– لأن بمنتهى البساطة، إيرادات القناة مرتبطة بمرور سفن التجارة منها، ومرور السفن مرتبط بحركة التجارة العالمية، وفي الوقت الحالي لأسباب معقدة كتير العالم يمر بحالة “ركود اقتصادي” بدأت منذ الأزمة المالية العالمية في ٢٠٠٨، وده أثر على حركة التجارة، وبالتالي مفيش بضاعة أكتر بتتنقل، ولا فيه سفن أكتر هتعدي.
– وزاد من التأثير السلبي علينا انخفاض قيمة “وحدات السحب الخاصة” اللي بيتحسب بيها دولياً رسوم القناة أمام الدولار، بالإضافة لانخفاض أسعار البترول، لأن تكلفة الوقود تمثل في المتوسط ٧٠% من تكلفة رحلة سفن البضائع، وهو ما يجعل السفن تختار الطريق الأقصر في وقت ارتفاع أسعار النفط، لكن في حالة انخفاض الأسعار بعض السفن القادمة من بعض المناطق قد تجد إن رسوم المرور في القناة أكتر من تكلفة الوقود الإضافية لو راحت بطريق أطول (رأس الرجاء الصالح).
– في شهر فبراير الماضي، ظهر تقرير من مؤسسة «سي انتل» المتخصصة في تحليلات الملاحة، قال إنه منذ شهر أكتوبر من العام الماضي، أبحرت ١١٥ ناقلة بضائع عبر طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من القناة، ووفقًا للمؤسسة، فإن استخدام هذا الطريق طريق جنوب إفريقيا سيوفر ٢٣٥ ألف دولار لكل رحلة بحرية. (رسوم القناة على الناقلة العملاقة قد تصل حوالي نصف مليون دولار).
– وحسب تقرير سي إنتل مُتوقع ان الوضع ده سيتزايد، وإنه “إذا أرادت القناتان تغيير اقتصاد اختيارات المسارات، يجب على قناة بنما تقليل الرسوم بنسبة ٣٠% تقريبًا، وقناة السويس بنسبة ٥٠% تقريبًا”.- مصدر ١٣ .. هل ممكن نربط ده بالخبر اللي بدأنا بيه بتخفيض الرسوم 30% لخطوط ملاحية معينة؟
طبعا الكلام ده بيرد على بعض الأفكار اللي ناس قالتها إنه يلا بينا نزود رسوم مرور القناة.. الزيادة الكبيرة تعني ان السفن ببساطة مش هتعدي من عندك.
اللواء مهاب مميش رئيس هيئة القناة نفسه اعترف بالكلام اللي بنقوله، بعد ما البعض قعدوا يشككوا في تلك الأخبار في الأول.
هنا اللواء مميش بيتكلم عن انخفاض الإيرادات بسبب حركة التجارة العالمية -مصدر ١٥-، وهنا قال إن انخفاض أسعار البترول دفع بعض السفن لأخذ مسارات بديلة عن السويس . مصدر١٦
****
– هل اللي حصل ده مفاجأة ولا كان معروف قبل المشروع؟
خبراء كتير داخل وخارج مصر حذروا من انخفاض جدوى المشروع اقتصادياً بسبب الأسباب المذكورة، وهنعرض عدد قليل جداً.
– هنا مثلاً ممدوح الولي نقيب الصحفيين الأسبق بيقول إن قدرة القناة ٧٨ سفينة يومياً بينما يمر بها بالسنوات الخمس الماضية متوسط ٤٦ – ٤٨ سفينة وبالتالي لم يكن هناك احتياج ملح لهذا المشروع، وكانت هناك مشاريع أخرى قومية تحتاج أهمية أولى. -مصدر ١٦- ، وكلام شبيه هنلاقيه هنا في مقال د.حازم حسني أستاذ العلوم السياسية -مصدر١٧ ، أو هنا من الخبير الاقتصادي عمر الشنيطي. مصدر ١٨
– وبالخارج مثلاً وكالة “موديز” أحد أهم جهات التصنيف الائتماني في العالم، قالت إن مساعي الحكومة المصرية بزيادة إيرادات قناة السويس من ٥.٤ مليارات دولار إلى ١٣.٢ مليار دولار في ٢٠٢٣ (يعني زيادة حوالي ٢٤٠%) “تقوم على افتراضات بتعافٍ حاد في نمو التجارة العالمية، وهو أمر غير مرجح الحدوث” ، وقالت إن ده يتطلب نمو التجارة العالمية كل سنة في الفترة بين ٢٠١٦ إلى ٢٠٢٣ بنسبة ١٠%، بينما الوضع الحالي ٣% فقط.
****
هل المشروع أثر على أزمة الدولار الموجودة في مصر؟
– طبعاً .. زي ما شفنا على الأقل اتصرف ١.٥ مليار دولار لشركات التكريك، وحتى لو مفيش مصاريف تاني لا نعرفها، فالرقم ده في حد ذاته ضخم جداً إذا كان احتياطي النقد الأجنبي لمصر كله حوالي ١٥ – ١٦ مليار.
– محافظ البنك المركزي المستقيل، هشام رامز، قال في تصريحات تلفزيونية إن من أسباب أزمة الدولار إنه “تم استخدامه في غير محلة .. إحنا جبنا حفارات من كل حتة في العالم وكلفتنا مبلغ كبير عشان نقدر نعمل هذا العمل الممتاز اللي اتعمل انه تم حفر القناة في سنة”. مصدر ١٩
– وغير الدولار، الوضع الاقتصادي كله تأثر .. تكلفة حفر القناة دي – سواء كانت ٢٠ أو ٣٠ مليار الله أعلم! – كان ممكن تبني كام مصنع؟ كام مدرسة وكام مستشفى؟ تزرع كام فدان؟ توفر كام فرصة عمل للشباب؟
****
طيب عرفنا إنه حصل غلط، مين السبب؟
قبل ما نسأل “مين”، الأهم نسأل “ليه”؟
– ليه محدش سمع كل الخبراء من الداخل والخارج اللي قالوا آرائهم الاقتصادية عن الموضوع؟
– ليه كان أي حد يفكر يقول رأي مختلف يتشتم ويتخون، ويتقال عليه إخوان وإرهاب وخاين، لدرجة ان أغلب منتقدي المشروع خافوا وبقى بيتكلموا في جلسات خاصة فقط؟
– وليه الإعلام كان بيختار فقط الضيوف اللي هيطبلوا للمشروع؟
– طيب حتى قولولنا ليه تم اختصار فترة المشروع من ٥ سنين إلى سنة واحدة مما رفع التكاليف؟
– إيه الفخر والفشخرة في إنه يتقال إننا استخدمنا ٧٠% من كراكات العالم في المشروع لإنهاءه في عام واحد رغم انه غير عاجل؟ مهو كراكات العالم دي مجاتش ببلاش، دي فلوسنا بالدولار في عز الأزمة.
– الأسلوب ده في إدارة الدولة بشكل عام غلط تماماً، مش دور النظام الحاكم – أي نظام – انه يصدر قرارات كبيرة كده بشكل منفرد تماماً بدون ما يسأل لا ممثلي الشعب، ولا عدد كبير من الخبراء اللي مش تبعهم بس ويقولوا اللي يرضيهم، وأكيد مش دور السلطة ومؤيديها التشكيك والتخوين في أي معارض أو ناقد. للأسف ده اتكرر كذا مرة، وجهاز الكفتة خير مثال.
– أما بخصوص مين المسئول؟
– فبوضوح شديد المسئول زي أي دولة هو صاحب القرار السياسي الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأصحاب القرار الفني رئيس هيئة قناة السويس، ووزراء المجموعة الاقتصادية .. دول مفروض يتسئلوا ويتحاسبوا كويس جداً على الوعود اللي اتقالت وثبت انها أوهام، ونفهم منهم علناً ليه ده حصل؟ ما مصدرهم في الأرقام اللي قالوها؟ ..الخ.
– ده دور مجلس الشعب في جلسة استجواب علنية .. ولو نواب البرلمان، ممثلي الشعب معملوش واجبهم، بكرة الشعب بنفسه يعمله، وادينا موجودين..