– الأسبوع الماضي، الحكومة السودانية أعلنت نيتها تسليم الرئيس المعزول عمر حسن البشير و 2 من معاونيه للمحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق معاهم في اتهامات ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور، والتسبب في مقتل أكثر من 300 ألف شخص.
– ودا بعد ما تم الإعلان أن قرار تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية سيُعرض على اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء (التشريعي المؤقت) للموافقة عليه.
– البشير مطلوب من المحكمة منذ 2009، لكن لم تبدأ المحاكمة لأنه لم يقبض عليه، عشان الحكومة طبعا ماكنتش هتسلم رئيسها، وفي أغلب الوقت مكنش بيغادر السودان أو كان يغادر بتحركات محسوبة، فلم يتمكن الانتربول من القبض عليه. هنتكلم في البوست ده عن التهم اللي بيواجهها البشير وأعوانه، وأهمية المحاكمة دي للسودانيين.
*****
ليه البشير هيتحاكم قدام المحكمة دي؟
– في بداية الألفينات، كان فيه حالة من السخط عند مواطني دارفور من غير العرب، واللي كانوا معتبرين إن فيه تمييز لصالح العرب على حسابهم، السخط ده اتحول لتمرد قادته “حركة تحرير السودان”، و”حركة العدل والمساواة”، اللي انتفضوا اعتراضا على الوضع ده، فكان رد الحكومة والرئيس السوداني عبارة عن حملة عسكرية على الإقليم، استهدفت المتمردين وقتلت كتير منهم، لكن المدنيين لم يسلموا من القتل والانتهاكات.
– صراعات طاحنة استمرت لعدة سنوات، أعنفها كان من 2003 حتى 2008، ولم تنتهي حتى بتوقيع اتفاق سلام بين الطرفين عامي 2006 و 2011. وفضلت أعمال العنف تتجدد من وقت لآخر حتى بعد خلع البشير سنة 2019، وراح ضحيتها حوالي 300 ألف شخص، بالإضافة لمئات آلاف النازحين، وانتشار الأمراض والمجاعات في الإقليم، وتعتبر الأزمة دي واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم في السنوات الأخيرة.
– بسبب الحملة دي، المحكمة الدولية وجهت للبشير ومعاونيه 3 تهم: الإبادة الجماعية، ارتكاب جرائم حرب، وارتكاب جرائم ضد الانسانية، تتمثل في القتل والإبادة والتعذيب والاغتصاب، وتوجيه الهجمات عمدا ضد السكان المدنيين، بعضهم لم يشارك في الأعمال العدائية والنهب.
– أيضا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وقتها لويس مورينو أوكامبو، أصدر مذكرتين توقيف بحق البشير سنة 2009 و 2010، بناء على إحالة من مجلس الأمن الدولي لأن السودان ماكنش عضو في المحكمة وقتها.
– وقتها المدعي العام للمحكمة اتهم البشير إنه أبقى على 2.5 مليون نازح من دارفور من جماعات عرقية معينة في معسكرات شبه معسكرات الاعتقال النازية، وفي ظروف أقرب للإبادة الجماعية.
– لكن حكومة السودان ماكنتش معترفة بالمحكمة وبتقول إنها لم توقع على ميثاق تأسيسها، وبالتالي هي غير معنية بقراراتها، وده اللي خلى المحكمة تطلب تدخل مجلس الأمن، لكن ماحصلش تقدم في ملف المحاكمة، بسبب عدم وجود دعم كافي من مجلس الأمن اللي قراره بيكون معتمد بالأساس على مواقف وسياسات الدول الأعضاء، رغم إن المجلس فرض أكتر من مرة بعد كدا عقوبات على السودان وعلى مسؤولين سودانيين بسبب الانتهاكات.
****
إزاي إجراءات المحاكمة هتتم؟
– خطوة تسليم البشير للمحكمة سبقها وعود بتسليم البشير وباقي المتهمين للمحكمة، وعدة خطوات قامت بها السلطة الانتقالية في السودان، زي استقبال المدعي العام للجنائية الدولية السابق والحالي في الخرطوم، وتأكيد وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي على تعاون بلادها مع المحكمة.
– قبل أسبوعين، الحكومة السودانية صدقت على قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، في خطوة مهمة نحو البدء الفعلي للمحاكمة اللي لسه متحددش موعدها.
– المحكمة هتفتح مكتب دائم لها في الخرطوم، وفيه احتمال إن الجلسات تتم داخل السودان، بالتوازي مع محاكمة البشير بتهمة الانقلاب العسكري اللي استولى بيه على السلطة سنة 1989، بعد ما تم إدانته السنة اللي فاتت بتهم فساد، واتحكم عليه بإيداعه في إحدى مؤسسات الإصلاح الاجتماعي لمدة عامين، نظرا لكبر سنه.
– في حال إدانة البشير من المحكمة الدولية، هيواجه أحكام ممكن توصل للسجن مدى الحياة، لأن المحكمة الجنائية مش بتطبق أحكام الإعدام.
– المحكمة هتشمل أيضا وزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين ووالي جنوب كردفان السابق أحمد هارون، ودول كانوا شركاء البشير في المسؤولية عن اللي حصل، بالإضافة لعلي كوشيب، زعيم نشط لمليشيا “الجنجويد” اللي استعانت بها الحكومة في القتال بدارفور، واللي سلم نفسه بالفعل السنة اللي فاتت في جنوب إفريقيا، وهيكون أول متهم يخضع للمحاكمة، بعد ما المحكمة الجنائية الدولية اعتمدت بحقه 31 تهمة، بينها القتل والاغتصاب والتعذيب، وبات رهن الاحتجاز في مقر المحكمة بمدينة لاهاي في هولندا، وطالبت المحكمة بتسليم المتهمين الآخرين.
– فيه خطوة أخيرة لا بد منها قبل تسليم المتهمين للمحكمة، وهي موافقة مجلس السيادة السوداني، أعلى سلطة حاليا في السودان، والمكوّن من مدنيين وعسكريين، لكنه في شكوك إن الخطوة تتم، خصوصا إن رئيس المجلس ونائبه كانوا من أعوان البشير وقت حكمه، ولذلك بيدور حديث عن تسيلم المساعدين بدون البشير، وهيكون التحجج بإنه بيواجه تهم ومحاكمة في الداخل، لكن لسه محدش يعرف ايه اللي هيحصل بالظبط.
– طبعا التشكك دا موجود لدى المحكمة نفسها، لأن رئيس الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان قال يوم الخميس اللي فات إنه لسه القرار لن يصدر بشأن تسليم البشير للمحكمة قبل الأسبوع المقبل على أقرب تقدير.
– وقال كمان خان في مؤتمر صحفي في نهاية أول زيارة له للخرطوم “أُبلغت بأن من المقرر عقد اجتماع… الأسبوع المقبل وسنرى عم سيتمخض”، وأضاف إن “قرار التعاون وكيفية التعاون هو قطعا قرار السودان وليس قراري”، وأفاد إنه لسه متمش بحث مع المسؤولين السودانيين أي موعد محتمل لتسليم البشير.
*****
إيه أهمية المحاكمة دي؟
– بعد إزاحة البشير من السلطة، السلطة الانتقالية عقدت اتفاق سلام مع الحركات المسلحة في دارفور في أغسطس 2020، لكن العنف بيتجدد من وقت لآخر زي ما ذكرنا (واحد منها حصل في أبريل اللي فات وراح ضحيته 125 شخص على الأقل)، ونصت الاتفاقيات على تقديم المتهمين بجرائم الحرب في دارفور للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي هو خطوة يتوقف عليها إنجاح عملية السلام، وقبل كل شيء، تحقيق العدالة، والقصاص لكل الأبرياء اللي دفعوا أرواحهم مقابل لا شيء.
– المنطقة العربية كانت شاهدة على مجازر كتير على يد زعماء ديكتاتوريين، بعضهم قتل على يد من ثاروا عليه زي الليبي معمر القذافي، ودفنت معه كثير من الحقائق والأسرار، ومنهم اللي مات دون حساب زي الرئيس السوري حافظ الأسد اللي ارتكب مجزرة حماة، وراح ضحيتها ما بين 30 و 40 ألف سوري.
– لو تمت محاكمة البشير وأعوانه على جرائمهم في دارفور، هيكون أول رئيس عربي يمثل أمام المحكمة، اللي مش هيقدروا يقدموا لها رشوة أو يأثروا على قضاتها أو يغيروا أحكامها، ونتمني إنهم يكونوا عبرة لأي مسؤول يفكر يقتل شعبه دون أي عواقب.
– البعض بيشوف إن انضمام السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية، هيكون عامل ردع داخلي عشان مفيش أي طرف في الدولة السودانية يفكر في استخدام العنف مجددا ضد المدنيين، وكمان الانضمام ومناقشة تسليم المتهمين هيكون بمثابة التزام من السودان الجديد بتحقيق العدالة ودا مش من باب الالتزامات الدولية وبس، وإنما كمان استجابة للمطالبات الشعبية بإقامة العدالة وتنفيذ شعارات الثورة.
– طبعا دي خطوة واحدة نتمنى إن يليها خطوات جدية أخرى في مسار مراجعة المحكمة الأدلة والبراهين وإجراء تقييم حول كفاية هذه الأدلة، ودا هيتطلب تعاون ومساعدة السودانيين سواء في دارفور أو الخرطوم، حول كل الجرائم اللي ارتكبت.
– في النهاية الأخبار دي إيجابية وخطوة على طريق العدالة تفرح كل إنسان، لأن تحقيق العدالة ومحاسبة اللي ارتكبوا الجرائم في دارفور زي ما قولنا هيكون رسالة قوية للمنطقة كلها، إن الجرائم اللي زي دي مهما طال الزمن لا تسقط بالتقادم.
– نتمنى للشعب السوداني الشقيق كل الخير، وإنه يفضل يعافر لاستكمال أهداف ثورته.