– بعد أكتر من سنة من وقف تراخيص البناء، بدأ الشهر ده التطبيق التجريبي لمنظومة تراخيص البناء الجديدة اللي أعلن عنها رئيس الوزراء، على مجموعة من المدن عددهم 27 كتجربة، وبعد شهرين هيتطبق في كل المدن منظومة شروط وتراخيص البناء الجديدة.
– المنظومة الجديدة حطت شروط وتفاصيل إجرائية محددة لعملية إصدار رخصة بناء جديدة، مع سريان الرخص القديمة. والحكومة متفائلة جداً بالمنظومة الجديدة وبتقول إنها هتقضي تماماً على عشوائية البناء وتحط نظام واضح يمنع الفوضى.
– في البوست ده هنتكلم عن المنظومة الجديدة، إيجابياتها وسلبياتها؟ وهل تطبيقها ممكن يثير مشاكل؟ وإيه الأهداف منها؟
*****
إيه هي منظومة التراخيص الجديدة؟ وليه بتتعمل؟
– تراخيص البناء في مصر واقفة بقالها سنة، من بداية الحملة اللي اتعملت لتفعيل قانون التصالح في مخالفات البناء، واللي الحكومة كانت بتجمع منها غرامات للتصالح مع المباني المخالفة، وفي نفس الوقت ماشية في إطار تنظيم عمليات البناء.
– الحقيقة مسألة الاشتراطات البنائية الجديدة أمر مهم للغاية بهدف تنظيم حركة البناء فى مصر، ومحاربة مخالفات البناء والعشوائيات وتخفيف الضغوط على البنية التحتية للمدن القديمة وفك الزحام، لكنها للأسف مليانة تفاصيل كتير محتاجة مناقشة متأنية قبل تعميمها.
– على مدار الفترة اللي فاتت دي كلها كان بيتم الإعداد لمنظومة جديدة لتراخيص البناء، المنظومة دي فيها أكتر من جزء. وهما:
– الجزء الأول: وهو الشق الإجرائي، وده بيشترط إنه يتم تقديم للمركز التكنولوجي الخاص بالحي اللي هيتبني عليه العقار، رسم كروكي للموقع بتاع الأرض، عشان يتم إصدار شهادة “صلاحية الموقع للبناء”، وبعدها بتيجي لجنة من الحي تقارن الرسم اللي تم تقديمه بالإحداثيات الحقيقية للموقع، وتسلم “بيان الصلاحية” للمواطن في 10 أيام.
– بعدها يبدأ المواطن في تقديم طلب الرخصة متضمن بطاقته الشخصية، وصورة عقد الأرض المشهر والموثق، وصورة بيان الصلاحية، ويتم تقديم أكتر من نموذج لواجهة العمارة أو العقار اللي هيبنيه المواطن، من ألوان وتصميمات، يختار المواطن الشكل اللي يحب إنه ينفذه، وبعدها يتعاقد مع مكتب استشارات هندسي (معتمد من نقابة المهندسين) يعمل التصميمات الهندسية للعقار، ويتولى باقي إجراءات الترخيص ويستوفي المستندات ويستلم المواطن الرخصة خلال 30 يوم، بعد مراجعة الورق والتصميمات من مكاتب استشارات هندسية تابعة للجامعات.
– بعد استلام الرخصة، لما يحب المواطن يبدأ البناء، لازم المهندس والمقاول يروحو للمركز التكنولوجي يخطروهم ببداية البناء ويوقعوا على ده، ويرافقهم مهندس تنظيم من الحي عشان يحدد معاهم “خط التنظيم” للشارع وللمبنى لضمان عدم تجاوز البناء للمساحة المخصصة، مع إلزام المهندس بتقديم تقرير ربع سنوي عن تطور أعمال البناء.
– وبعد إنتهاء عملية البناء، يلزم على المهندس المشرف تقديم شهادة صلاحية المبنى للإشغال، ويقدمها للمركز التكنولوجي بالحي، ويتأكد المركز التكنولوجي من سلامة كافة الأوراق ومطابقة المواصفات، عشان يدي للمواطن كافة الخطابات للمرافق (كهرباء ومياه واتصالات) وتنتهي الدورة دي بشكل نهائي.
*****
– الجزء التاني وهو الشروط الأساسية للبناء:
– أولها إنه مساحة الأرض إذا تخطت 175 متر، فمش من حق المواطن يبني على أكتر من 70% من مساحة الأرض. يعني لو أرضه مساحتها 200 متر، فميقدرش يبني على أكتر من 140 متر فقط.
– التاني إنه تراخيص المباني السكنية مينفعش تتغير، بمعنى إنه المبنى السكني ميتحولش لشقق إدارية أو تجارية، وإنه مفيش تراخيص هتطلع لأي أنشطة غير سكنية في المبنى، وبالتالي مش هيكون من حقك تأجر شقة أو تبيعها جوة عمارة سكنية لصالح شركة أو بنك عشان انت كصاحب عمارة تستفيد مادياً.
– التالت، إنه مفيش عمارة تتبني من غير جراج، وبنسبة محددة من العمارة وبميل محدد، وده الحقيقة شرط كويس جداً ومهم وضروري في بلد فيها أزمة جراجات وأزمة مرور زي مصر.
– الرابع وهو الشرط الأكثر أهمية، وهو إنه حجم المبنى ارتباطه بحجم الشارع اتغير، يعني لو الشارع عرضه 8 متر، فالحد الأقصى لارتفاع المبنى ميزيدش عن 10 متر، يعني دور أرضي ودورين معاه.
– ولو الشارع عرضه من 8 – 12 متر فالحد الأقصى لارتفاع المبنى مينفعش يزيد عن 13 متر، يعني بحد أقصى دور أرضي + 3 أدوار معاه.
– ولو الشارع عرضه أكتر من 12 متر، فالحد الأقصى لارتفاع المبنى آخره أرضي + 4 أدوار.
– والشرط ده تحديداً بيمنع تجارة بناء الأبراج السكنية الكبيرة في المستقبل لأنه آخرك 5 أدوار، وده زي مهو من ناحية يقضي على ظاهرة الأبراج وبناء ال 10 و ال 12 دور اللي بتضغط على الخدمات والمرافق وتعمل زحمة وتكدس، خاصة مع تجاوز الشروط الهندسية السليمة، لكن من ناحية تانية هيقلل الشقق المعروضة والمتاحة من كل مساحة أرض.
*****
– أما الشق التالت وهو الماديات، فالمبالغ المطلوبة وفقاً للمنظومة الجديدة هي كبيرة ومبالغ فيها، لأنه بيحمل المواطن تمن استشارات الحي واستشارات الجامعة ده غير أتعاب المهندس الاستشاري اللي هيتعاقد معاه.
– وعلى سبيل المثال لو افترضنا إن المواطن هيبني 200 متر، بنظام أرضي + 4 أدوار، يعني إجمالي المساحة المبنية 700 متر (الدور هيبقى 140 متر) فالمبالغ المطلوبة منه كالتالي:
1- رسوم التراخيص في المركز التكنولوجي + 1000 جنيه لشهادة المطابقة وخطابات المرافق ودول تكلفتهم الإجمالية حوالي 3000 جنيه.
2- رسوم أتعاب التصميم للمتر الواحد 35 جنيه. الإجمالي: 700* 35 = 24,500 جنيه.
3- رسوم أتعاب الإشراف للمتر الواحد 32 جنيه. الإجمالي: 700 * 32 = 22,400 جنيه.
4- تكلفة مراجعة التراخيص للجامعات للمتر الواحد 8.75 جنيه. الإجمالي: 700 * 8.75 = 6125 جنيه.
5- رسوم يدفعها المواطن للنقابات ويحضر إيصالات بها ( 3 % لنقابة المهندسين، 2.8 % تأمينات اجتماعية، 1% نقابة التطبيقيين ) = الإجمالي هيوصل لـ 4 آلاف جنيه.
– يعني المبلغ الإجمالي لترخيص بناء 5 أدوار (200 متر) هتعدي 60 ألف جنيه.
– والمبلغ ده بيختلف مع تغير المساحات لحد 1000 متر، وهتلاقوا التفصيل بتاعت الأرقام في المصادر.
*****
هل في حد معفي من الإجراءات دي؟
– أيوة، المنظومة الجديدة استثنت مشاريع الإسكان الاجتماعي اللي بتقوم بيها الدولة، وأراضي القوات المسلحة، والأراضي التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، زي مدن الشيخ زايد ومدينتي والسادات والرحاب والشروق وغيرها.
– بالإضافة لوضع خاص في القرى بخفض المبالغ المادية، بالإضافة للسماح بالبناء بارتفاع ضعف الشارع، عشان يتم استيعاب سكان القرى بدون الإضرار بالأراضي الزراعية.
*****
– طبعاً شيء مهم وإيجابي جداً إنه الحكومة تعمل اشتراطات للمباني السكنية وتنظم عمليات البناء، لأنه الشكل المعماري في معظم المدن بقى شيء شديد التشوه، سواء من تفاوت ارتفاعات المباني السكنية، ولو شفنا في عهود سابقة، هنلاقي إنه كان في طراز معماري مميز للقاهرة والمباني القديمة، زي الشبابيك الكبيرة والسقف العالي، وارتفاع العمارات كان بيبقى محدد ومش ضخم، وده شيء بتفتقده دلوقتي مصر من سنين طويلة بسبب فساد وعشوائية موضوع المباني.
– لكن طبعاً المنظومة الجديدة مش هتنهي التشوه ده بأثر رجعي، لأنه الاشتراطات دي مش هتطبق إلا على الرخص والمباني الجديدة، بينما اللي اتبنى واتدفع عليه تصالح خلاص انتهى أمره وهيفضل موجود.
– لكن على الرغم من الضوابط الهندسية والمعمارية اللي اتحطت، واللي ممكن في تخطيط المدن الجديدة تعمل شكل كويس جداً، لكنها في الحقيقة برضه هتخلق مجموعة من المشاكل بعضها فني وبعضها اقتصادي واجتماعي:
– أهمها واللي بقى واضح إنه الدولة عاوزة تزود الطلب على المدن الجديدة اللي بتعملها بكل الطرق، والإجراءات الكتير اللي اتعملت في ملف البناء في السنة ونص اللي فاتو، تخلي أي حد معاه فلوس وعاوز يسكن، يفضل إنه يروح المدن الجديدة، في مقابل إنه يرتاح من أي مشاكل الدولة تخلقهاله وتحاسبه عليها، زي التسجيل العقاري أو رخص المباني أو شروط البناء أو أي حاجة تانية.
– وده رغم إنه منطقي ان الدولة تدفع في الاتجاه ده، لكنه مش هيحقق تغيرات كبيرة قوي، نظراً لأن الناس اللي عندهم قدرة شرائية على السكن في المدن الجديدة دي مش كتير أوي لأسباب كتير منها اقتصادية طبعا، وجغرافية لأن فيه أقاليم كذلك هتكون متضررة لأن مش متاح إن كل الناس تنقل للمدن الجديدة.
– كمان ده وارد يقلل من حركة مجال المقاولات بمختلف المحافظات بالعمون المتضرر أصلاً من الكورونا وإجراءات وقف الرخص، لأنه المكاسب هتكون أقل، لأنه مفيش نفس الفرصة لبناء أبراج كبيرة وضخمة، وبالتالي الأرباح هتقل، وهيلجأ ساعتها المقاولين وتجار العقارات لرفع الأسعار عشان يعوضوا خسايرهم، وعلى ناحية تانية هتتأثر كتير من قوة العمل في مجال الإنشاءات، واللي أغلبهم عمالة غير منتظمة، وتوقف الشغل بالنسبالهم المدة دي كلها، هو شيء صعب تحمله اقتصادياً واجتماعياً، وهيدفع كتير منهم للبطالة.
– العقارات والأراضي طول عمرها بالنسبة للمصريين هي مخزن للثروة، على اعتبار إنها وسيلة آمنة للاستثمار، الأرض سعرها مبينزلش، والعقارات طول الوقت في طلب عليها، ومن غير ضرايب ولا شروط بناء، لكن اللي بتعمله الدولة من وقت دخولها كمنافس مباشر بقى بيضرب الفكرة دي، ومش بالضرورة هيحفز الاستثمار في مجالات تانية، لكنه هيضر آلاف المقاولين الصغيرين داخل المحافظات مش (الحيتان الكبار) ومعاهم مئات الآلاف من العمالة اللي معندهمش وسيلة عمل تانية، بالإضافة لكتير من المواطنين لما يتحرموا من جزء من أرضهم ويتمنعوا من زيادة المباني، فهما كده بيتضرروا برضه، وبتقل قيمة ثروتهم العقارية اللي زي ما قلنا بتبقى مخزن قيمة بتتوارثه الأجيال من الآباء للأبناء.
– كذلك الجامعات لازم تكون مؤهلة للتعامل مع قضية بالحساسية دي، لأن في النهاية الجامعات ممكن أداة تقييم فني ممتازة، لكن تفتقد الخبرة العملية فى الإطار دا، ومحتاجة تعد كوادر قادرة على تلبية حجم الطلبات بالسوق لإصدار التراخيص.
*****
– بشكل عام أي محاولة ضبط لارتفاعات العمارات والمباني، ووضع اشتراطات هندسية وجمالية لأشكال المباني، وتقنين الإجراءات ومنع التلاعب والبناء المخالف كلها أمور مهمة وإيجابية جداً.
– لكن اللي محتاج يتراجع وبشدة هو ثمن التراخيص والإجراءات، والبناء على مساحة 70% من الأرض، لأنه فعلاً هيضر المواطن اللي عاوز يبني بيت لأسرته، مش المقاولين الكبار اللي بيستثمروا في بناء الأبراج السكنية واللي هيعوضوا تمن الرخصة بزيادة سعر الشقة على المواطنين.
– ودا عرض لمسألة إن القانون لم يطرح للحوار المجتمعي بكفاية، لأن فيه فقراء هيكونوا متضررين من الأسعار دي، ولأن فيه ناس بتبني بنظام الجمعيات وبتبقى مساهمات متعددة بغية تملك مسكن، دلوقتي بقى مطلوب منهم زيادة مبلغ مش قليل أبداً، فلازم يكون فيه حل للنقطة دي قبل التعميم، ويكون فيه فارق بين البناء للسكن الشخصي والعائلي والبناء للاستثمار.
– القانون كمان تجاهل الأراضي بالشوارع العشوائية واللي أحيانا بتصل المساحات فيها إلى 30 و40 متر، فبعض الناس بتسأل المساحات الضئيلة دي هتجيب واجهة 8.5 متر منين كشرط أساسي في منح الرخصة.
– وللأسف الدولة لما بتدخل كمنافس في قطاع اقتصادي مش كمنظم، بتبدأ تاخد إجراءات تخدمها لوحدها، وأدينا شايفين الاستنثاءات في صالح المدن الجديدة والمشاريع الحكومية، عشان يبيعوا أكتر من ناحية، ومن ناحية تانية ميوقفوش استثمارات الشركات الكبيرة اللي ممكن تشوه تجمعات عمرانية كانت كويسة، زي اللي بيحصل دلوقتي في الشيخ زايد وبناء أبراج تابعة لشركات مقاولات كبيرة، مهو دول سكان وناس برضه عاوزة تعيش من غير أبراج 10 و 12 دور تدمر شكل الأحياء وتبوظ في الخدمات.
– قرار الاشتراطات الجديدة محتاج يتراجع قبل تعميمه وفرصة تجربة الشهرين دي لازم الدولة تسمع فيها لكل الآراء، لأن تجاهل الخطوة دي هتكون نتايجه شديدة السلبية في ملف الإسكان.
*****