– قبل أسبوع صدق البرلمان على قرار رئيس الجمهورية بتمديد حالة الطوارئ المفروضة في مصر من 2017، رغم إن الدستور صريح جداً في النص إن أقصى مدة ممكن تتفرض فيها الطوارئ بشكل متواصل هي 6 أشهر!
– حسب نص القرار الجمهوري التمديد “تم اتخاذه نظرا للظروف الأمنية والصحية الخطيرة التى تمر بها البلاد” وعلى الأساس ده البرلمان جدد الطوارئ في الجلسة بسرعة وبدون مناقشات كتير.
إزاي بيتم التلاعب بالدستور؟ وأنا كمواطن عادي ممكن يضرني قانون الطوارئ في إيه؟
*****
الدستور بيقول إيه؟
– المادة 154 من الدستور بتقول ان الطوارئ ممكن يفرضها رئيس الجمهورية لفترة واحدة مدتها 3 أشهر فقط، وبعدها يجددها بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان مرة واحدة فقط لا غير.
يعني الطوارئ اللي اتفرضت في 10 أبريل 2017 بعد التفجير الإرهابي لكنيستي طنطا واسكندرية، كان المفروض انها خلصت تلقائياً في 10 أكتوبر 2017.
– لكن اللي بتعمله السلطة من وقتها حاجة غريبة جدا، وهي إنه كل ما تخلص 6 شهور يخلو فيه فاصل يوم واحد أو يومين وبعدين يصدر إعلان جديد من الرئيس، ويتجدد بعد ٣ شهور من البرلمان، وبعدين نعلن واحد جديد وتتكرر للأبد!
شغل “ترزية قوانين” ميجيش على بال حد في العالم غير عندنا، زي حاجات تاني كتير في البلد، الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا.
يخلو فيه فاصل يومين فقط على بداية إعلان جديد لفترة جديدة، وبكده ممكن تتجدد مرة، وبعدها ممكن نعلن إعلان جديد وتتجدد كمان مرة وهكذا للأبد لو حابين!
– الفقيه الدستوري نور فرحات قال لرويترز لما ده حصل أول مرة في ٢٠١٧ إن ده “تحايل على النص الدستوري”، وقال “هذا يشبه الإفراج لبضعة أيام عن معتقل وإعادة اعتقاله تحايلا على القانون الذي وضع حدا أقصى لفترة الاعتقال”.
*****
إيه السلطات اللي بتمنحها الطوارئ؟
القانون الصادر سنة ١٩٥٨ وتم تعديله سنة ٢٠١٧، بيدي رئيس الجمهورية سلطة إصدار أوامر بسلطات واسعة جدا سواء كانت الأوامر دي “كتابية أو شفوية”، ومسألة الشفوية دي حاجة غريبة جدا كمان.
الصلاحيات دي تشمل:
وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة، والمرور في أماكن أو أوقات معينة.
تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال.
تحديد مواعيد فتح المحلات العامة وإغلاقها، أو إغلاق هذه المحلات كلها أو بعضها.
مراقبة الرسائل أيا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات، وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها.
إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.
مصادرة أي منقول أو عقار، والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وكذلك تأجيل أداء الديون والالتزامات المستحقة التي تستحق على ما يستولى عليه أو على ما تفرض عليه الحراسة.
إنشاء محكمة أمن الدولة العليا طواريء.
*****
إيه صلاحيات نيابة ومحكمة أمن الدولة العليا طواريء؟
– نيابة أمن الدولة العليا ليها حق الضبطية القضائية وتجديد الحبس الاحتياطي ومفيش نص بيلزمها بعد أي مدة معينة إن المتهم يتعرض على نيابته أو قاضيه الطبيعي.
وحاليا عدد كبير جدا من السياسيين والصحفيين والمحامين وغيرهم مسجونين لفترات طويلة بموجب الحبس الاحتياطي من نيابة أمن الدولة.
– الأخطر إن المحكمة دي حسب المادة 12 “لا يجوز الطعن على الأحكام الصادرة عليها بأي وجه من الوجوه”، يعني لا استئناف ولا نقض ولا غيره، والاستثناء الوحيد إن رئيس الجمهورية يقرر إعادة محاكمة.
– الجديد كمان، والمختلف عن أيام مبارك، إن قرار رئيس الوزراء قال ان اختصاصها مش بس يشمل قضايا التجمهر وتخريب المنشآت ومكافحة الإرهاب والأسلحة والذخائر زي ما مُتوقع، لكن كمان القرار يشمل قضايا “التموين” و “التسعيرة الجبرية” و”تجريم الاعتداء على حرية العمل”.
*****
أنا كمواطن ده يفرق معايا في إيه؟
– هنحكيلكو قصة بسيطة ماخدتش القدر اللي تستاهله من الشهرة، فيه مواطن صاحب مخبز تم اتهامه إنه معرضش الكمية المقررة من “الخبز الافرنجي” خلال مواعيد عمله، مثبتش عليه لا سرقة دقيق مدعم ولا أي حاجة أكتر من كدة، لكن لسبب مش مفهوم تحولت القضية دي لمحكمة أمن الدولة الجزئية، والمحكمة حكمت بالسجن سنة مع الشغل وغرامة.
المواطن ده حاول يطعن على الحكم باعتباره جنحة مش جناية، فصدر حكم من محكمة النقض في يونيو ٢٠٢٠ بيقول إن المواطن ده ملوش حق الطعن لأن أحكام المحكمة دي بعد تصديق الرئيس تصبح نهائية، لأنها “جهة قضاء استثنائي بشأن حالة الطوارئ” وبالتالي ” قد حظرت الطعن بأى وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة من هذه المحكمة”
– وزي ما شرحنا الصلاحيات الواسعة جدا دي تفرق مع أي مواطن ممكن الأمن يراقب تليفونه بدون إذن قضائي، أو ممكن ضابط يوقفه لو شكله معجبوش ويحوله حبس احتياطي قدام النيابة دي بتهم فضفاضة.
– ده غير النص الصريح بالقانون على حق إخلاء أماكن، يعني المواطنين اللي ممكن يصدر ليهم قرارات بإخلاء منازلهم أو مناطقهم، وطبعا كلنا نرحب جدا بالمشاريع التنموية لكن مسألة نزع الملكية الخاصة في العالم بتشترط التفاوض مع السكان ودفع تعويضات ترضيهم مش يلاقو نفسهم مهددين بالحبس بقانون الطوارئ.
*****
هل الطواريء ممكن تفيد لتحسين الأوضاع الأمنية فعلاً؟
– بشكل عام لو الطوارئ اتمدت بلا نهاية زي عصر مبارك اللي قعد طواريء ٢٣ سنة هتفقد معناها وأي أهمية ليها، لأنها هتتحول للوضع العادي، اللي الإرهابيين هيتعاملوا على أساسه.
– زي ما قلنا في تغطية سابقة عن الموضوع إن الحقيقة قدامنا نموذج عملي في سيناء، اللي الطوارئ ومن إجراءاتها حظر التجوال مفروضة في مناطق بها منذ فبراير ٢٠١٤، يعني بقالها حوالي ٧ سنوات حصل فيها هجمات كتير، والأوضاع في بعض الأوقات كانت صعبة، وببعض الأوقات اتحسنت جدا خصوصا بعد العملية العسكرية الشاملة، لكن حالة الطوارئ نفسها مكانش ليها دور واضح، بالعكس كانت مضرة على الناس في حين الإرهابيين والدواعش بيتعاملوا على أساسها.
– نواب شمال سيناء اعترضوا أكتر من مرة سابقا في جلسات التمديد، مثلا سابقا النائب حسام الرفاعي قال إن “تطبيق قانون الحظر بصفة عامة يضر الأهالي، ولا يؤثر على الإرهابيين والذين يمتلكون دروباً خاصة بعيدة عن أجهزة الأمن”، اوالنائب جازي سعد قال إن استمرار الطوارئ في سيناء يضر بأفراد الأمن قبل المواطن السيناوي، “لأن الإرهابيين يستغلون حالة الطوارىء وما يترتب عليه من حظر التجوال فى زرع وقلع المتفجرات.”
*****
طيب جايز الظروف الصحية والوبائية تبرر حالة الطوارئ؟
– الحقيقة المؤسفة إنه الطوارئ مبيتمش الاستفادة منها في ضبط الحالة الصحية والوبائية، مبنشوفش مثلاً استغلال لقانون الطوارئ في حظر تجول ولو جزئي حتى في المحافظات اللي ارتفعت فيها حالات الإصابة وفيها عجز حقيقي في المستشفيات.
– مشفناش مثلاً قفل للقهاوي والمطاعم، مشفناش إلقاء القبض على المتسببين في أزمة الأكسجين أو اللي بيتاجروا بيه في السوق السوداء، في عز ما كانت الفيديوهات مالية الانترنت والناس بالطوابير في كل المحافظات عشان تشتري أنابيب أكسجين، رغم إنه حالة الطوارئ بتتيح وقتها وضع اليد على موارد ومصانع الأكسجين وتنظيم الإنتاج لأننا في وقت أزمة.
– مشفناش مثلاً استغلال للمنتجعات والقرى والفنادق السياحية كمستشفيات عزل في المحافظات اللي فيها ارتفاع للإصابات، والتشديد على مخالفات ترك الكمامة.
– فباختصار حالة الطوارئ متمش استثمارها بشكل جاد وحقيقي لمواجهة الكورونا، ومن الواضح إنه مفيش اتجاه مهما تزايدت الإصابات لفرض حظر جزئي أو تطبيق بعض إجراءات الطوارئ عشان تقليل انتشار الوباء، وبالتالي الموضوع فعلاً ملوش تأثير.
*****
– في النهاية أغرب حاجة إن السلطة عندنا بتعمل كل اللي عايزاه أمنياً بدون طواريء ولا غيره، مئات المواقع الصحفية تم حجبها ومحدش قال حتى ان ده قرار تبع الطوارئ، اتحجبت وخلاص، مرات عديدة صحف تمت مصادرتها قبل وبعد الطواريء، وعادي كل إجراءات القبض أو المحاكمات سواء مدنية او عسكرية شغالة .. الحاجة للطوارئ هي رغبة في زيادة التضييق بدون حاجة حقيقية من السلطة نفسها ليها.
– لو إحنا في بلد ديمقراطي كان كمان ممكن نتسائل عن استمرار حالة الطوارئ بما تمنحه من صلاحيات استثنائية اثناء اجراء الانتخابات وتأثير ده على الحياد المفترض للأجهزة الحكومية.
– اللي بيحصل هو درس سياسي للكل انه الآهم بكتير من نصوص الدستور والقوانين هوا تطبيقها، وإنه لو مفيش “ارادة سياسية” من الحاكم، وقدرة على “الضغط السياسي” من المحكوم، يبقى بسهولة النصوص الممتازة زي نص الدستور المكتوب مخصوص لمنع تمديد الطوارئ ممكن يتم التلاعب بثغرات فيها زي ما حصل، أو نوصل لدرجة تجاهلها تماماً زي ما بيحصل برضه.
– هنفضل نكرر إن “هيبة مؤسسات الدولة” في أي دولة بتيجي من احترام وتنفيذ القانون والدستور، واللي عملوه الأغلبية الساحقة من نواب البرلمان الجديد بإنهم يبصموا زي البرلمان على تمديد الطوارئ بيأكد تاني إنهم زي سابقيهم تحت تحكم الأجهزة الأمنية اللي اختارت ودعمتهم أغلبهم في الواقع، وبالتالي ولائهم ليها مش للناس، وده بالتأكيد مش لصالح الشعب ولا لصالح السلطة نفسها على المدى الطويل.
*****