– أول أمس أصدرت 31 دولة بيان مشترك يطالب مصر مصر بتحسين الأوضاع الحقوقية، وبإطلاق سراح السجناء السياسيين، والتوقف عن محاكمتهم بقوانين مكافحة الإرهاب، وغيرها من المطالب.
– البيان ده هو الأول من نوعه من 7 سنين كتحرك جماعي في “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، لكنه مش الانتقاد الأول في الفترة الأخيرة من مستويات كبيرة ضد وضع حقوق الإنسان في مصر.
– إيه سبب البيان ده؟ ومعناه إيه؟ وإيه ردود الفعل المتوقعة؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست ده.
******
– البيان ده صدر الجمعة، وقرأت البيان سفيرة فنلندا بمجلس حقوق الإنسان نيابة عن الدول اللي أصدرته.
– أبرز الدول الموقعة على البيان رسميا هي فرنسا وإيطاليا وألمانيا وأستراليا ونيوزيلاندا وكندا، وطبعا أمريكا اللي هي مراقب في الدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان، واللي عندها توجه جديد في حقوق الإنسان مع رئيسها الحالي جو بايدن. واللي المتحدث الرسمي باسم خارجيتها نيد برايس، قال قبلها إن هناك قيودا غير مبررة على المجتمع المدني وحرية التعبير في مصر.
– مفيش أي دولة عربية أو إسلامية وقعت على البيان باستثناء البوسنة اللي هيا تعتبر دولة أوروبية، بينما غابت حتى الدول اللي بينها وبين النظام المصري مشاكل زي تركيا وقطر موقعوش على البيان.
– مضمون البيان بيتكلم عن انتهاكات خطيرة ومستمرة في مصر ضد حقوق الإنسان والمدافعين عنها، واتكلم بالتفصيل عن استغلال قوانين مكافحة الإرهاب في حبس النشطاء السياسيين والصحفيين والمحامين والحقوقيين، كمان البيان اتكلم عن تفاصيل دقيقة زي سياسة الحبس الاحتياطي و”تدوير” القضايا.
– البيان كمان اتكلم عن استمرار المنع من السفر للنشطاء الحقوقيين، والتحفظ على الأموال واللي برضه بيتم عن طريق قوانين الإرهاب، وبدون أي أمل في تحقيق قانوني جاد يوقف الإجراءات دي واللي هي مستمرة من 7 سنين، وتم ذكر اللي حصل مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، واللي صحيح تم الإفراج عن أعضائها بعد اهتمام دولي كبير، لكن مع تحفظ على أموال المؤسسة.
– البيان تقريباً تناول نفس نقط بيان البرلمان الأوروبي اللي صدر في شهر ديسمبر، لكنه متكلمش عن أسماء بعينها البرلمان الأوروبي.
*****
إيه ردود الفعل المصرية الرسمية؟
– وزارة الخارجية المصرية ردت، والبيان كان كالمعتاد بيقول إن البيان اعتمد على معلومات غير دقيقة وكاذبة، وإنه مُسيس..الخ.
– بيان الخارجية المرة دي كان فيه كمان تمادي في الإنكار، بإنه قال إنه وزارة الخارجية هترد على كل دولة موقعة على البيان وتتكلم عن أبرز انتهاكات حقوق الإنسان داخلها، وإنه مش من حق حد يقيم حالة حقوق الإنسان في مصر من غير ما يذكر الجهود اللي بتقوم بيها مصر في مجال حقوق الإنسان، ومفيش دولة عندها كمال في حقوق الإنسان …. إلخ الأداء المعتاد.
– متوقع هتصدر ردود عن نفس الجهات اللي ردت على بيان البرلمان الأوروبي من 3 شهور، وهيكون من ضمنها مجلس النواب ومجلس الشيوخ وحزب مستقبل وطن وباقي الجهات اللي هتصدر لها الأوامر، واللي هتقول إنه ده تدخل في الشأن الداخلي، أو ترديد لإشاعات الجماعة الإرهابية، وأين حقوق الإنسان في الغرب.
– لكن محدش هيتطرق أبداً في الرد لأي تفسير عقلاني؟
ليه الدول دي اللي كلها تجمعها علاقات جيدة جدا بمصر، واستقبلت الرئيس السيسي في عواصمها، وبنتعاون معاهم اقتصاديا وسياسيا بمختلف الملفات، بيطالبوا بتلك الأشياء؟
والسؤال الأهم هل الوقائع اللي بيقولوها صح ولا غلط؟
– هل من الطبيعي إنك تحاكم المواطنين بطريقة غير عادلة، وتسئ استخدام القانون بالحبس الاحتياطي بدون محاكمة للمواطنين لمدد بتوصل سنين متجاوزة للقانون، وكمان ممكن يتم إعادة إتهام نفس الناس بنفس الاتهامات عشان يتم تجديد حبسهم أكتر ، زي ما حصل مع مجموعة خلية الأمل وخالد داوود وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد القصاص وهيثم محمدين ومصطفى الأعصر وعلا القرضاوي وسولافة مجدي وحسام الصياد ومحمد صلاح وإسراء عبدالفتاح وكتير جداً من الأمثلة على نشطاء سياسيين أو حقوقيين أو صحفيين محبوسين من سنين بدون محاكمات أو أدلة، مجرد محضر تحريات من الأمن الوطني والشخص ده هيتحبس لمدة مفتوحة بيتم تجديدها على الورق أو إلكترونياً بعد التعديل الأخير.
– وده اللي الحكومة مبتردش عليه أبداً ولا بتقول ليه بتحاكم الناس بالطريقة دي وليه الناس دي بتتحبس بدون إدانة ليهم بأي شيء، مجرد ناس بتقول رأيها أو بتطالب بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، أو معملوش أي شيء أساسا، فبيتحبسوا لمدة محدش يعرفها.
*****
– ربما البعض يتصور إنه في عقوبات هتتوقع على مصر بعد البيان ده، وعلى الرغم من الإدانات المستمرة للنظام المصري في ملف حقوق الإنسان، لكن صفقات السلاح من الغرب مستمرة ومكملة مع أمريكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرهم، والنظام في مصر بعد كل قرار أو بيان بالشكل ده بيسارع في صفقات اقتصادية جديدة مختلفة بيدفع المصريين تمنها فلوس بالنقد الأجنبي وديون وفوائد دين، أو يركز على تقديم خدمات تهم الغرب ساياسيا زي مكافحة الهجرة غير النظامية، فلحد إمتى هنفضل نشتري السكوت على مشكلة حقوق الإنسان؟
– مفيش طبعاً دولة بتتعامل مع حقوق الإنسان لوجه الله، والمؤكد إنه السياسة طبعاً فيها مصالح تدفع قادة الدول الكبيرة والمؤثرة للضغط على حكومة أحيانا أو تجاهلها أحياناً، وبنفس المنطق فالدول اللي هي مش بتحرك المجتمع الدولي، عليها إنها تلعب بالقواعد اللي تفيدها فعلاً، عشان كده مثلاً السعودية مؤخراً بتقدم كتير من التنازلات لإدارة بايدن، بالإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، وبتعديلات قوانين مستبدة أو مقيدة للحريات، ودي أمور كلفتها صغيرة على أي دولة عاقلة وأقل من كلفة دفع أثمان اقتصادية أو سياسية أو تحمل العقوبات أو الضغوطات الغربية.
– لذلك بما إن الملف مشكل عبء على الدولة، خارجياً وداخلياً، حاول تجرب سياسة جديدة تكون أرشد في التعامل مع الملف دا داخلياً وخارجياً، يعني بمجرد إعمال القانون في المحبوسين احتياطياً، ومنع التعذيب في مقرات الاحتجاز، وتطبيق لوايح السجون على النزلاء، هتتحل مشاكل كتير من اللي بيتم انتقادها، وأكيد دا أفضل ما تقول أنا هعمل تقرير لكل دولة، والأسهل إنك تاخد خطوات والكل هيلاحظها، واللي بيهاجمك دلوقتي، مش هيلاقي كل الذرائع دي للهجوم.
– مصر في الوقت الحالي في أشد الحاجة للتدخل الأمريكي والأوروبي في ملف سد النهضة، سواء بالضغط المباشر على إثيوبيا بوقف الملئ القادم للسد في شهر يوليو واللي آثاره هتكون مدمرة على مصر والسودان، أو حتى بغض الطرف عن مصر والسودان لو اضطرينا للوصول لمرحلة تحرك عسكري ضد أثيوبيا، نفس الاحتياج المصري ده موجود في ملفات تانية زي غاز المتوسط والخناقة الكبيرة عليه المستمرة من سنين، ونفس الكلام مصر محتاجة فيه الغرب فيما يخص القروض والاستثمارات الأجنبية، أو اللقاحات، لأن مصر متقدرش على تكلفة إنها تعيش معزولة عن العالم.
– وبالتالي المنطق الأسهل والأبسط لأي نظام سياسي عاقل، إنه يتنازل بالإفراج عن ناس محبوسة ظلم ومرتكبتش جرايم، لكن غير المفهوم واللا منطقي واللا عاقل هو الإصرار على إهدار حقوق المواطنين لصالح سياسة أمنية وفقط.
– إحنا هنا بنتكلم بالمنطق البرغماتي والنفعي، بدون ما نتكلم عن ضرورة الديمقراطية أو حقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة في أي مجتمع طالما النظام والحكومة بيعتبرو ده كلام غير واقعي ومش مناسب ليهم، فعلى الأقل فكروا بطريقة برغماتية ونفعية مع الوضع الدولي بدون تشنج وعصبية.
– كل البيانات اللي هتطلع والإعلاميين اللي هيفرشوا الملاية للغرب، وكل حالات الإنكار دي، لن تغني عن الرد الأمثل على المآخذ دي اللي هو ببساطة التوقف عن السياسات الأمنية التعسفية دي.
– لسه في إنتظار طرف عاقل ياخد خطوة منطقية في الملف ده، وعلى الرغم من إنه النظام نفسه جرب أكتر من مرة لما بيفرج بنفسه عن معتقلين في السنين الأخيرة سواء في قوائم عفو أو غيرها، بتكون ردود الأفعال إيجابية ومتمنية للمزيد، واللي بيخرجوا دول لا يمثلوا أي خطورة على أي شي.
– نتمنى ولو لمرة واحدة إنه النظام يفكر بعقلانية ويحل الأزمة دي، ويعيد الاعتبار للقانون واستقلال القضاء والمحاكم والعدالة، بدل من البيانات العنترية اللي النظام نفسه عارف إنها فرقعة في الهواء.
– مراعاة حقوق الإنسان هو شيء في صالح المصريين أولا وأخيرا، وهينعكس على حياتنا أحنا قبل أي حد تاني، ومش المفروض نستنى أطراف خارجية تضغط علينا وتستخدم الملف لأغراض سياسية.
– وزي ما بنقول دايما الديمقراطية وحقوق الإنسان تكلفتهم المادية بسيطة ولا تذكر، لكن ثمن الديكتاتورية والتسلط كتير وكبير جداًَ وبندفع ثمنه مرات ومرات من اقتصادنا وحياتنا وأعمارنا وحرياتنا.
*****