– من يومين بالظبط قررت السلطات في مصر أخيراً إنها تعلق على كارثة وفاة الشاب شادي حبش داخل سجن طرة، وده بعد ما الصحافة الأجنبية وبيانات كتيرة طلعت خارج مصر بتدين الواقعة والصمت التام من كل الجهات الرسمية.
– في البوست ده هنتكلم عن ملخص بيان النيابة العامة، ونناقش الرواية الرسمية، ونتايجها.
*****
بيان النيابة العامة بيقول إيه؟
– بيان النيابة بيجمع شهادات الأطباء والسجناء وخلاصتها ان شادي اتعرض على طبيب السجن في فجر الجمعة 1 مايو، وقاله إنه شرب بالخطأ بعض الكحول المخصص للتطهير افتكره ميه ف، الطبيب اداه مضاد للتقلصات وخلاه يمشي.
– ولما رجع الزنزانة سقط على الأرض واستمر في القيء وظهرت عليه مضاعفات أكتر وصلت لعدم الرؤية بوضوح والدوار المستمر، وزملاؤه في الزنزانة فضلوا “يستغيثوا” فاتنقل للمرة التانية للعيادة الساعة 10 صباحا، وانتظر لمدة ساعتين لكن طبيب السجن مجاش، رجع للزنزانة بنفس المعاناة لحد ما ظهر الدكتور الساعة 2 ظهرا واتنقل شادي للمرة الثالثة والدكتور اداه “مضاد للتقيؤ” ومشاه.
– استمر نفس الوضع لحد المغرب لحد ما للمرة الرابعة اتنقل للعيادة وأخيرا اكتشف الطبيب ان حالته متدهورة وطلبله عربية اسعاف لنقله لأقرب “مستشفى خارجي”، لكن للأسف شادي اتوفى قبل ما ده يحصل.
– ضمن التفاصيل إن زملاؤه بالزنزانة لقو زجاجتين كحول فارغتين سعة 100 مل من نوع غير اللي بيتوزع في السجن، وان احد الشهود قال ان شادي باحدى المرات خلط المياه الغازية بالكحول، وإنه متعرضش لأي اعتداء لكنه كان بيعاني نفسياً.
*****
إيه اللي ممكن نشوفه في بيان النيابة؟
الرواية بتطرح أسئلة كتير:
١- ليه مفيش ذكر لمحاسبة أطباء السجن؟
– بافتراض صحة الرواية، فاحنا عندنا هنا واقعة إهمال طبي جسيم يؤدي للوفاة واضحة وضوح الشمس ومسؤولية جنائية واضحة.
– بخصوص أطباء السجن فهما متهمين أولاً بالتأخير في تقديم الخدمة الطبية لأن العرض عليهم كل مرة كان بيبقى متأخر ساعات على الأقل عن طلبها، وثانيا انه لما اتعرض عليهم أكتر من مرة تم التعامل الروتيني وقالوا “حالته مستقرة” رغم إنه راح لعيادة السجن ٤ مرات!
– أبسط خطوة معروفة في حالة اشتباه التسمم من أي مادة هيا غسيل المعدة، وده محصلش، وكمان ممنوع شخص عنده تسمم تديله مضاد للقيء لإنك كده بتمنع خروج السموم من جسمه، بينما اللي حصل العكس وادو شادي مضادي قيء ورجعوه زنزانته وكله تمام يا فندم!
٢- ليه مفيش ذكر لمحاسبة ضباط السجن؟
– بخصوص مسؤولي السجن ووزارة الداخلية فهما عليهم مسؤولية أولا، حسب البيان شادي عنده ازازتين كحول ١٠٠ مل داخل الزنزانة من نوع غير اللي إدارة السجن موزعاه على المساجين كإجراء احترازي، لكن دول دخلو ازاي؟!
الداخلية مانعة الزيارات من شهر مارس، هل دخلو خلال منع الزيارات؟ ده غير منطقي كل متعلقات السجين اللي بيبعتها أهله بتتفتش تفتيش كامل، حتى الفاكهة مبتدخلش غير متقطعة. هل اتهربتله من مسجون أو برشوة لأحد الحراس؟
– أصلا كمية ٢٠٠ مل من الكحول بفرض صدق الرواية برضه مفروض انها غير سامة مادام بنتكلم عن “الإيثانول” المستخدم للتنضيف أو بالمشروبات الكحولية، لكن وارد دي مادة أخرى، “ميثانول” مثلا. وتفضل دي مسؤولية إدارة السجن عن وجودها.
– وبالطبع مسؤولية تأخير الخدمة الطبية لدرجة انه يتوفى في السجن قبل وصول عربية الإسعاف اللي بيقولو في الآخر طلبوها عشانه بالليل
٣- ليه أصلا مفيش أي طرف إلا النيابة يشارك في تقصي الواقعة؟ النيابة هنا ليست طرف محايد لأسباب أقلها إنها من سجنت شادي لأكتر من سنتين حبس احتياطي. مفيش صحافة حرة تقدر تروح السجن وتبحث الواقعة، مفيش مجلس قومي لحقوق الإنسان يقدر يروح السجن ويعمل تحقيق منفصل، مفيش عندنا وسيلة نعرف بيها أي شيء محايد لأن كل الشهود إما موظفين في وزارة الداخلية، وإما مساجين تحت سيطرة وزارة الداخلية.
ومع كده احنا بنناقش الرواية الرسمية دي لأنه غير متاح غيرها.
٤- كل الجهات الرسمية التزمت الصمت التام 3 أيام بحالهم قبل بيان النيابة فقط. ليه مشفناش أي تعامل سياسي؟ مثلا بيان فوري عن الواقعة من وزارة الداخلية أو الخارجية أو مجلس الوزراء رغم كل الاهتمام المحلي والعالمي؟
٥- قبل كده ده شادي كان مسجون بعد فترة الحبس الاحتياطي سنتين ليه أصلا؟!
– بيان النيابة محملش أي كلمة واحدة فيها عبارة اعتذار أو أسف على وفاة شاب عنده 22 سنة وفي حكم القانون غير مدان بأي جريمة لأنه متحاكمش، وطبعا ده لأن التهم الموجهة ليه مش الأغنية لكن رسميا تهمه بث أخبار كاذبة والانضمام لجماعة محظورة وطبعا ده مفيش عليه دليل واحد.
تجاوز فترة الحبس الاحتياطي الظالمة أصلا دي جريمة قانونية وإنسانية النيابة تتحمل المسؤولية عنها.
*****
– قصة شادي نموذج لوضع كارثي متكرر، بداية من إنه شاب عمره 20 سنة يموت بسبب أغنية، من حق أي حد يكون له رأي سلبي فيها، وحتى لو افترضنا فيها جريمة قانونية ممكن يتحاكم عليها مع ان الشخصيات العامة في العالم كله ممكن تتعرض للسخرية والنقد، لكن أكيد مش اتهامه بالانضمام لجماعة إرهابية، وكمان اتسجن معاه زي ما قلنا ببوست سابق شباب بعضهم ملوش علاقة نهائي بالأغنية.
– بحسب تقرير عملته “مدى مصر” مسجون سابق كان مرافق لشادي حكى إنه قاله “مكنتش أعرف إنهم هيقفشوا أوي كده، دي أغنية يعني! “.
– اتسجن شادي في مارس 2018 ومن وقتها بيتم التجديد التلقائي بدون أدلة أو تحقيقات، وبالطبع بدون أي سند قانوني للحبس الاحتياطي اللي معمول لمنع متهم صاحب نفوذ يأثر على الأدلة أو يهدد المجني عليهم.
– كمان أثناء السجن محروم من أبسط حقوقه، بحسب إحدى صديقاته اللي كان بيتنقلها الكلام عبر أهله ” كان بيقول إنه نفسه يقرا كتاب جديد، أو يسمع موسيقى جديدة أو حتى يشوف السماء في زنزانته” وضع لا آدمي بالمرة عاشه شادي، وبيعيشه ناس كتير بنفس وضعه حاليا.
– ونيجي أخيراً لإهمال طبي ممنهج مش حالة فردية، لأن الوضع الدائم هوا ان المسجون اللي يجيله مرض يستنى لحين الاستجابة للنداء، ولحين وصول طبيب السجن، مهما كانت خطورة الحالة، ولما ييجي غالبا هيعمله كشف سريع ويصرفله مسكن ويرجعه لزنزانته، والاستثناء بيحصل لما توصل الحالة لوضع خطير جدا وساعتها يكون فات الأوان زي شادي وغيره.
– والاطار العام ورا كل ده هوا استخدام أجهزة الدولة المفروض انها محايدة لأغراض سياسية، فيتحط معارضين سلميين زي زياد العليمي على قوائم الإرهاب، ويتسجن أساتذة جامعة وقيادات أحزاب شرعية في قضايا وهمية، وفي كل مرحلة توتر سياسي زي تيران وصنافير أو تعديل الدستور تحصل حملة كبيرة شبيهة، ويتاخد فيها كمان ناس ملهاش أي علاقة بالسياسة محدش فاهم متاخدين ليه.
*****
– بقدر ما نتمنى ان المتسبب في وفاة شادي يتحاسب، ولو على مستوى المسؤولية المباشرة للأطباء والضباط اللي تعاملوا مع الحالة، بقدر ما مهم جدا ان اللي حصل يكون بداية جادة لمراجعة الملف ده.
– النيابة أفرجت أول امبارح عن ١٦ مسجون بقضايا سياسية حبس احتياطي، منهم الصحفيان مصطفى الأعصر ومعتز ودنان (اللي اتسجن بعد ما عمل حوار المستشار هشام جنينة من سنتين) والمحامي عزت غنيم مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات. نتمنى تكون دي بداية عملية لإصلاح الخلل الجسيم بالملف ده لصالح مصر كلها داخليا قبل سمعتها في الخارج.
– كل العزاء لأسرة وأصدقاء شادي ربنا يرحمه، ونتمنى يكون آخر قصة مؤلمة نسمعها من داخل السجون.