– في الأيام الماضية انتهت الانتخابات الجزائرية الرئاسية، رغم الانقسام والتوتر بسبب رفض الحراك الشعبي إقامة انتخابات لايشارك فيها إلا رموز نظام بوتفليقة.
– الانتخابات تم حسمها من الجولة الأولى وحصل المرشح “عبدالمجيد تبون” على 58% من الأصوات أمام المرشحين الأربعة الآخرين، وبمشاركة 39% ممن ليهم حق التصويت حسب الأرقام الرسمية.
– مهم لينا كمصريين نتابع التطورات بالدول العربية، ونتعلم من تجاربنا وتجارب الآخرين.
*****
مين هو الرئيس الجزائري الجديد ؟
– عبدالمجيد تبون، 74 سنة، من كوادر وقيادات حزب جبهة التحرير حزب بوتفليقة من السبعينات، تدرج في المناصب التنفيذية مع الرؤساء هواري بومدين (محافظ)، والشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف (كوزير منتدب للجماعات الأهلية، ووزير للاتصال والثقافة)، وعينه بوتفليقة في بداية حكمه وزير للإسكان لمدة 3 سنوات، واتعين وزير مرة تانية سنة 2012، واتعين رئيس وزراء في 2017 وأطيح بيه بسبب خلافه مع بعض رجال الأعمال المحيطين بالرئيس السابق بوتفليقة.
– في خطاباته ولقاءاته الصحفية كان بينفي إنه مرشح مدعوم من الجيش الجزائري، وإن كان عنده خلافات مع نظام بوتفليقة وبعض الفاسدين المحيطين بيه، وإنه سعيد بالحراك الشعبي اللي وقف ترشح بوتفليقة، وإنه هيفتح حوار مع المتظاهرين، وهيقدم تعديلات دستورية في الشهور الأولى من حكمه.
ومن أبرز الجهات اللي أعلنت دعمها ليه هما الطرق الصوفية.
*******
وإيه أسباب المظاهرات الرافضة ؟
– آلاف المتظاهرين خرجوا في وسط العاصمة الجزائرية، واحتلوا جزء كبير من شارع ديدوش مراد، حتى ساحة البريد المركزي. ورغم الانتشار الكثيف للشرطة، إلا إن الأجواء كانت متوترة، وبعض المحتجين حاولوا يقتحموا مركز تصويت قريب وهما بيهتفو ا”لا للانتخابات مع العصابات” و”دولة مدنية وليس عسكرية” و”رئيسكم لايمثلني”.
– البعض كمان كان بيسخر بشكل خاص من عبدالمجيد تبون بوصفه رئيس “الكوكايين” بسبب اتهام ابنه في قضية تهريب 700 كيلو جرام من الكوكايين.
– كمان تم اقتحام لجنتين في منطقة القبائل، وتم تكسير صناديق الاقتراع. الرفض للانتخابات كان واضح وملحوظ من قبل يوم الاقتراع، لدرجة إن المرشحين ماكنوش قادرين يتحركوا على الأرض، أو يملوا قاعة من المؤيدين لهم في المؤتمرات الانتخابية اللي اتعملت تحت حماية شديدة من الشرطة.
– تقارير ومقالات وصفت تجربة الانتخابات إنها كانت مهينة، والحشود الغاضبة واجهت المرشحين في الفعاليات الانتخابية، وقطعوا ملصقات الدعاية لحملاتهم، وغطوها بالزبالة.
– بالنسبة لنسب الإقبال على التصويت، مفيش أي استطلاع رأي اتعمل قبل الانتخابات، والإقبال في لجان التصويت في الخارج ماكنش كبير، اللجان كانت شبه فارغة، وأمامها الكثير من المتظاهرين.
– رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر رجح في نهاية يوم التصويت في الداخل ان الاقبال ممكن يوصل ل50% رغم انه قبلها بأربع ساعات قال إن النسبة وصلت 20 %، وفي النهاية وصلت النسبة الرسمية لحوالي 39%.
– كان في إصرار واضح من الجيش الجزائري على إنهاء المرحلة الانتقالية بسرعة بعمل انتخابات رئاسية محدودة، وكان واضح رفض السماح برقابة مستقلة من الخارج وكمان التعنت في التصاريح لوسائل إعلامية مستقلة زي قناة فرانس 24 اللي اتوضع على تغطيتهم قيود كتيرة.
– وبالرغم من إن الجهة المشرفة على الانتخابات جهة “مستقلة” اسماً والمرشحين الخاسرين مقدموش طعون، لكن أجواء الانتخابات نفسها كانت غريبة، مكانش في أي مرشح قادر يعمل حملات انتخابية في الشوارع للتواصل مع المواطنين، ولا قدر أي مرشح عمل مؤتمرات جماهيرية مع الناس، كلها لقاءات مغلقة بحراسة الشرطة بسبب الرفض الشعبي للانتخابات.
المتظاهرين رافضين الانتخابات ليه؟
– قبل استقالة بوتفليقة، كان فيه انتخابات رئاسية معادها في أبريل، لكنها ألغيت في محاولة لتهدئة الشارع. لكن الشعب أصر على رحيل بوتفليقة، وبعد ما استقال، تولى الرئاسة بشكل مؤقت واحد من رجاله وهو عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة من سنة 2002، وفقا للدستور اللي بينص على فترة انتقالية 90 يوم.
– اتحدد معاد لانتخابات جديدة في شهر يوليو، ووقتها كان مظاهرات بتطالب بتأجيل عمل الانتخابات، لضيق الوقت اللي مش هيسمح للمعارضة تنظم صفوفها. المتظاهرين كانوا شايفين إن احتمال وصول حد من النظام القديم كبير، عشان كان مسيطر على السياسة طول 20 سنة فاتو، خصوصا إن الرئيس المؤقت متهم بالمشاركة في تزوير الانتخابات قبل كدا.
– طالبوا بنقل السلطة لهيئة رئاسية توافقية أو شخصية وطنية، تقود المرحلة الانتقالية وتعمل انتخابات بعد 6 شهور وقبل سنة بحد أقصى، وتنظيم مرحلة انتقالية ، يتم خلالها تعديل الدستور وقانون الانتخابات، وتنظيم انتخابات بلدية وتشريعية، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية.
– المجلس الدستوري وافق على تأجيل الانتخابات فعلا لكن متمش اعلان ان ده استجابة للمتظاهرين، لكن السبب الرسمي كان بسبب عدم تقدم مرشحين ممن تنطبق عليهم الشروط. في المقابل رسخ وجود رموز النظام القديم، ومدد وجود عبدالقادر بن بدوي في الرئاسة بالمخالفة للدستور.
مين اللي اترشح للانتخابات؟
من بين 143 مرشحا تقدموا للانتخابات الرئاسية، تم قبول 5 فقط، كلهم منتمين لنظام بوتفليقة:
– عبدالمجيد تبون الفائز واللي اتكلمنا عنه.
– رئيس الوزراء السابق علي بن فليس، قاضي سابق ومحامي، عنده 75 سنة، وكان وزير للعدل في التسعينات، ثم رئيس الحكومة بين 2000 و2003 قبل ما يتم تنحيته من المنصب. وكان في نفس الوقت رئيس حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم. تولي إدارة حملة بوتفليقة سنة 1999، وبعدين ترشح ضده في 2004 و 2014.
– عبد العزيز بلعيد، رئيس حزب جبهة المستقبل، وأصغر المرشحين سنا، عمره 56 سنة، وهو الوحيد بين المرشحين متولاش منصب تنفيذي قبل كدا، لكنه كان نائب في البرلمان عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم. كمان كان رئيس الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين (تابع للحزب الحاكم) بين 1986 و2007.
– عز الدين ميهوبي وزير الثقافة السابق، عنده 60 سنة، الأمين العام بالنيابة، لحزب التجمع الديمقراطي اللي كان شريك رئيسي في السلطة خلال عهد بوتفليقة.
– عبد القادر بن قرينة، تولى عدة مناصب، أهمها وزير السياحة والصناعات التقليدية ونائب رئيس البرلمان. عمره 57 سنة، وهو حاليا رئيس حزب حركة البناء الوطني، ذات التوجه الإسلامي والقريب لجماعة الإخوان المسلمين من ناحية التوجه والسياسات، ولكنه مش بيحظى بدعم الإسلاميين في الجزائر. وبيقول إن ترشحه باسم الحراك الجزائري، لكن المتظاهرين كشفوا دعمه لترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
إيه المستقبل السياسي في الجزائر بعد الرئيس الجديد؟
– بشكل عام اللي حصل بيعزز الانقسام الشعبي، وشفنا دعوة محسوبين على نظام بوتفليقة لمظاهرات داعمة للانتخابات، عشان يبقى فيه “شارعين”. لكن الاستهتار اللي حصل بأراء الحراك الشعبي (اللي أسقط بوتفليقة من شهور) ومحاولة فرض الأمر الواقع هيكون ليه آثار سيئة على المستوى الشعبي، خاصة إنه حركة الجماهير في الشوارع لازالت كبيرة وفعلياً الانتخابات اتعملت في شهرين بدون ميقدر مرشح واحد ينزل الشوارع يتواصل مع الناس بشكل طبيعي وده نتتايجه بتبقى سيئة على الاستقرار المنتظر بإجراء الانتخابات.
– للأسف سيناريو الثورة الجزائرية بيتم دفعه إما لاحتوائه بإجراء الانتخابات الشكلية وبعدها القضاء على المظاهرات بالقمع أو بالانقسامات، أو دفع أطراف للعنف بعد اليأس من انسداد الطرق السلمية، وده برضه هيكون نتايجه سيئة.
– وده لاينفي برضه إن في مشكلة كبيرة في الحراك الجزائري إنه مقدمش مرشحين ولا ائتلاف اجتماعي وسياسي بيتكلم ويتفاوض باسمه أو يطرح برنامج سياسي محدد وواضح ومتفق عليه، يعني مثلاً في ثورة السودان حققت نجاح نسبي لحد دلوقتي لانه كان في تجمع المهنيين السودانيين وبعدها قوى إعلان الحرية والتغيير، اللي هوا تجمع نقابات وأحزاب، وكانوا المنظم الأساسي للمظاهرات، وقادو التفاوض مع المجلس العسكري السوداني ومع ممثلي الاتحاد الأفريقي اللي قامو بالوساطة، وبالتالي وصلو لصيغة اتفاق واضحة في المشاركة في الحكم لمدة 3 سنين وبعدها يتم انتخابات، وده قدر ينقل السودان خطوات لقدام ويحط ثورتها جوة الحكم.
– عدم وجود ممثلين طالعين من الحراك الجماهيري مع الوقت بيكون نقطة ضعف كبيرة، ويمكن أصحاب التنظيم الاكبر من تسيير الأمور لصالحهم، سواء كانت مؤسسات وأجهزة الدولة أو النظام السابق أو أي جماعات تانية.
– نتمنى إن ثوار الجزائر يتداركو الخطأ ده قبل الأمور ما تنتهي، ولسه في فرص للتفاوض والتغيير وطرح برنامج وخطاب سياسي واضح بخصوص شكل الحكم، والدستور، والسياسات الاقتصادية، بعيد عن الانجرار لفخ الخلاف على “هوية الدولة”.
– الشعوب خرجت عشان رغبتها في ديمقراطية حقيقية مش شكلية، عشان عدالة اجتماعية حقيقية، عشان مساواة ومواطنة ومحاسبة للفاسدين وقانون بيطبق على الجميع، وكل ده مستحيل إنه يتعمل في أي مجتمع بدون حوار حقيقي وجاد يمثل فيه كل الأطياف والجماعات ويوصلو للحد الأدنى من التوافق.
– واللي بيجهض آمال الشعوب في التغيير والحياة الكريمة للأسف هو اللي بيتسبب بعد كده في استمرار الفشل وتراكم الغضب أو دفع أي بلد للعنف والإرهاب وده مصير كتير من محاولات التغيير اللي منجحتش.
– تمنياتنا دايماً للشعب الجزائري الشقيق بالتغيير اللي بيحلمو بيه وبناء دولة الديمقراطية والعدالة والحرية، المشوار لسه طويل. وتمنياتنا كمان بالتوفيق لباقي ثورات الموجة الجديدة من الربيع العربي في السودان، ولبنان، والعراق.
******