– في الأسبوع اللي فات عرض وزير المالية محمد معيط الموازنة العامة الجديدة أمام مجلس النواب. الموازنة دي من المفترض أنها اتعملت في الفترة من نوفمبر 2019 – فبراير 2020 يعني قبل أزمة كورونا.
– وزير المالية قال أنه الوزارة رأت أنها تسيب الموازنة زي ما هيا، وبعدين تعمل التعديلات المطلوبة مرة واحدة لاحقا، وده شيء غريب لأنه الموازنة المفروض تبدأ تتناقش في لجنة الخطة والموازنة خلال الأيام الجاية، فإزاي هيتم نقاش موازنة مبنية على أرقام مفروض هتتغير بشكل جذري.
– هنشوف مع بعض في البوست ده أهم ملامح الموازنة الجديدة؟ من حيث الإنفاق على القطاعات الرئيسية الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، ونشوف ايه اللي ممكن يتعدل عشان تكون الموازنة في نسختها النهائية في بداية شهر يوليو مواكبة لتغيرات كورونا.
*****
ليه الموازنة العامة الحالية متفائلة؟
– الموازنة الحالية مبنية على توقعات تحقيق نمو 4.5 % في حين أنه في أشد التقارير تفاؤلا الصادر عن صندوق النقد بعد تقييم أثار كورونا الحالية هو 2 %.
– مش ده بس هو التفاؤل المفرط الموجود في الموازنة الحالية، أهم حاجة هي الإيرادات الضريبية، الحكومة متوقعة أنه الإيرادات الضريب 964 مليار جنيه في حين أنه الرقم ده مستحيل تحقيقة في الوقت الحالي، أولا لان قطاعات كاملة واقفة زي السياحة والطيران ومش متوقع ترجع بسرعة وكل دي حصيلة ضريبية مخصومة، وثانيا لأن تقريبا نص الايرادات الضريبية مفروض تيجي من حصيلة ضريبة القيمة المضافة اللي هتقل بسبب تراجع الاستهلاك المحلي مع أزمة كورونا، الحاجة التانية أنه الحكومة نفسها أقرت تأجيل أو اعفاء ضرائب كتير زي إسقاط الضريبة العقارية على لقطاع السياحة لمدة 6 شهور، وتأجيل تحصيل ضريبة الدخل، وإعفاء غير المقيمين من ضريبة الأرباح الرأسمالية.
– طبعا التفاؤل ده موجود في الخطاب الإعلامي للحكومة، زي الكلام عن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي وازاي ده ساعدنا في مواجهة وباء كورونا، لكن المشكلة لما التفاؤل ده يتحول لأرقام في الموازنة، ويتجاهل الأزمة الحقيقية بسبب الوباء وده ودا اللي خلي الحكومة تعلن أنها هتلجأ لصندوق النقد للاقتراض من برنامج الدعم السريع اللي طرحه الصندوق لإقراض الدول المتضررة من كورونا.
*****
ايه ملامح الموازنة الحالية؟
– الموازنة الحالية فيها مصروفات تقدر ب 1.7 تريليون جنيه، منها 555 مليار جنيه لسداد القروض، بعيدا عن الفوائد اللي بتخش كجزء من المصروفات واللي قيمتها حوالي 566 مليار جنيه، يعني سداد القروض والفوائد في السنة الحالية يساوي تقريبا 1.1 ترليون جنيه، يعني تقريبا حوالي 65 % من المصروفات بتاعه الموازنة كلها.
– طبعا الحجم الكبير الموجه للقروض والفوائد في الموازنة هيعني انخفاض الإنفاق على كل الخدمات المهمة زي التعليم والصحة والحماية الاجتماعية .. واقعيا تقريبا تلتين المصاريف رايحة للديون والبلد كلها بتعيش على التلت!
– أبرز الانخفاضات حصلت في بند “الدعم والمزايا الاجتماعية” واللي كانت المفروض تزيد مع أزمة كورونا لدعم المتضريين، لكن بالعكس قلت بانخفاض حوالي 1.4 مليار عن السنة اللي فاتت، نسبة الانخفاض القليلة دي جاية بالأساس من رفع الدعم الكبير عن الكهرباء والطاقة بشكل عام، الكهرباء لأول مرة بقت غير مدعومة ورقمها في الموازنة صفر، ودعم المواد البترولية قل 24 مليار جنيه مرة واحدة ودا مع تقدير الحكومة لسعر برميل النفط ب61 دولار، واللي سعره الحالي حوالي 21 دولار دلوقتي وبالتالي واقعيا الوفر هيكون أكبر من التقدير الحالي بكتير في البند ده.
– كل الانخفاضات دي كان ممكن تتضخ في الدعم الموجه للفئات الأفقر خاصة مع الضرر الكبير للعمالة غير المنتظمة بسبب كورونا، لكن اللي حصل إن دعم السلع التموينية انخفض 4.4 مليار جنيه! في وقت كتير من المستفيدين من دعم السلع التموينية في حاجة لزيادتها بسبب فقدان الوظائف.
– الدعم النقدي اللي في برامج زي تكافل وكرامة زاد بنسبة قليلة حوالي 500 مليون بس .. وقت الأزمة الحالي هوا أنسب وقت لتوسيع المستفيدين من البرنامج، واللي لازم يبقى حجر أساس للحكومة في دعم الأسر الأفقر في ظل الازمة الاقتصادية.
– بشكل عام كل أشكال الدعم انخفضت أو حصل فيها زيادات طفيفة جدا، ما عدا دعم الصادرات والإسكان الاجتماعي اللي زاد بسبب توجه الدولة لضخ الكثير من الاستثمارات في قطاع العقارات.
– التعليم والبحث العلمي والصحة في الموازنة الجديدة لسه واقعيا أقل من النسب الدستورية المقررة ب 4 % و1% و 3 % من الناتج القومي الإجمالي على التوالي، لكن غير ظاهر في الموازنة لأنه الحكومة من 3 سنين بدأت تتلاعب بالنسب دي زي ما شرحنا سابقا، عن طريق ضم حاجات كتير للإنفاق على الصحة زي الصرف الصحي ومياه الشرف و مستشفيات الشرطة والجيش، وكذلك في التعليم بيتضاف مثلا مدارس المجتمعات العمرانية الجديدة، وفوائد الديون لقطاع التعليم.
– تبعا للتصنيف الوظيفي في الموازنة هنلاقي أنه نسبة الإنفاق على الصحة حوالي 1.37 % من الناتج المحلي، ونسبة الإنفاق على التعليم تساوي 2.3 % والنسب دي بتقول ان التلاعب مازال مستمر، رغم انه ده أنسب وقت نشوف زيادة ضخمة في الانفاق على الصحة تحديدا.
– في التقسيم الوظيفي هنلاقي كمان ان قطاع النظام العام وشئون السلامة العامة اللي فيه انفاق الداخلية والعدل والهيئات القضائية زاد حوالي 11 مليار جنيه عن الموازنة السابقة بنسبة زيادة 15 %، منها حوالي 5 مليار زيادة في الأجور، و 3.6 مليار زيادة في الاستثمارات.
– مش معقول أبداً إن وزارة المالية بكل كوادرها ومستشاريها لمدة شهرين متعملش أي تعديلات على الموازنة بناءً على المعطيات الجديدة، ده شيء مؤسف الحقيقة.
*****
– طيب ايه التعديلات المطلوبة؟
ده المفروض إنه دور مجلس النواب، لكن طبعا فيه أسئلة كتير حول استخدام المجلس لصلاحياته وده يرجعنا للأول خالص دور الأجهزة الأمنية في اختيار أعضاء قائمة الأغلبية.
– لازم يكون في صندوق مخصص للطوارئ، ولازم الموازنة الحالية تكون موازنة طوارئ زي بقية دول العالم.
– الرئيس السيسي كان أعلن عن خطة لمواجهة كورونا ب 100 مليار جنيه لكن لحد دلوقتي مفيش تفاصيل عن مصدرها؟ أو عن أوجه انفاقها؟ الموازنة مبتجاوبش عن الأسئلة دي.
– أولا: لازم الحكومة تنفق أكثر على الدعم والحماية الاجتماعية، عبر زيادة بمخصصات السلع التموينية، وزيادة ضخمة وواضحة في عدد الأسر المستفيدة من الدعم النقدي في برنامج تكافل وكرامة، أو بحث جاد لامكانية بدء برنامج طاريء مؤقت واسع للدعم النقدي.
– الاجراء ده أساسي مش عشان دعم المواطنين المتضررين بس، لكن كمان كاجراء اقتصادي بحت للحفاظ على “معدلات الاستهلاك” وقدرات الناس الشرائية، لمنع الوقوع في دوامة كبيرة من “الركود التضخمي”، يعني لو الناس معهاش فلوس الطلب هيقل على السلع فالمصانع والشركات اللي شغالة تنهار هيا كمان.
ده اللي بتعمله دول كتير بدأت توزع فلوس كاش على الناس، مثلا الخطة الأمريكية بتتضمن ١٢٠٠ دولار للبالغ و٥٠٠ دولار لكل طفل، بشيكات مباشرة قيمتها ربع تريليون دولار.
– ثانيا: الحكومة محتاجة تراجع أولويات الإنفاق الحالية، يعني مثلا زيادة مخصصات الاستثمارات في العاصمة الإدارية وغيرها من مشروعات العقارات والبنية التحتية يمكن تأجيلها لما بعد نهاية كورونا، خاصة ان الاقتصاد العالمي كله متراجع وبالتالي معدلات الاستثمار الأجنبي كلها مشكوك فيها.
– ثالثا : لازم نفكر في طرق تمويل مبتكرة لتمويل عجز الموازنة المتوقع، لو مفيش بديل عن قدر من الاقتراض بسبب قلة الحصيلة الضريبة المتوقعة، فمهم البند ده يشمل بحث إعادة التفاوض حول فوائد الدين المحلي مع البنوك اللي في مصر واللي معظمها بنوك الحكومة بتملكها أو بتملك نسب فيها.
– رابعا: زيادة الإنفاق على القطاع الصحي في الوقت الحالي أولوية قصوى، ومن ضمنها زيادة مخصصات الأجور في القطاع الصحي وبدل العدوى، بالإضافة لزيادة الانفاق على الخدمات الصحية وتوفير المستلزمات الطبية والوقائية واتاحتها للمواطنين، حتى لو هيتم طرح بعضها على بطايق التموين، وطبعاً إتاحة الأدوات الوقائية كاملة للأطباء والفرق الطبية.
– لازم الحكومة تدرك أنه اللحظة الاستثنائية الحالية بتتطلب إجراءات استثنائية في دعم الناس، وقدرتهم على الانفاق والاستهلاك، لأنه ده في النهاية أساس أي اقتصاد قوي، وبالتالي الحفاظ على الأجور وعدم انفجار معدلات البطالة شيء في منتهى الأهمية ولازم يترجم لأرقام الإنفاق في الموازنة.
– مهم طبعا نحقق معدلات نمو كويسة، ومفهوم مدى صعوبة استمرار وضع الاغلاق الاقتصادي بالعالم كله مش مصر بس، لكن الأهم أنه ميكونش النمو ده على حساب صحة وأرواح الناس، لما الناس بتمرض أو تموت فأكيد مش هيقدروا يشتغلوا .. ده يرجعنا لنقطة إنه لازم النمو تكون أرباحه أو أعباؤه متوزعة بشكل منصف ومتساوي على المجتمع، خاصة في الأزمة الحالية لحد ما تعدي بأقل الأضرار الممكنة بفضل تعاون كل المصريين.
*****