– خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة بخصوص سد النهضة حصل احتفاء من الإعلام المصري بمشهد لشاب وحيد رفع علم مصر قدام مظاهرة أثيوبية في نيويورك قدام المجلس.
– لكن الغريب ان ده كان مفروض يبقى مشهد سلبي جدا، لأن السؤال هوا ليه مفيش أي مظاهرات من المصريين قصاد المظاهرة الاثيوبية اللي كان معلن عنها سابقا، باستثناء الشاب الجدع ده؟؟
– خصوصا لأنه مصر ليها جالية يصل عددها لمليون مصري، ولما كان الرئيس السيسي بيروح نيويورك في الأمم المتحدة يعني نفس المكان كنا نلاقي حشود داعمة ليه، واللي في أحيان كثيرة كان بيتم حشدهم من السفارة المصرية واترصد انتقال جماعي باتوبيسات وتيشيرتات موحدة وغيرها من مظاهر التنظيم.
– المشهد ده مدعاة للتفكير في الوضع الحالي للامكانات غير المستغلة لمصريين الخارج في ازمة سد النهضة، ودورهم أهم بكتير من مسألة المظاهرات طبعا، خاصة انه تزامن مع تصريحات مثيرة للجدل اتنسبت لوزيرة الهجرة وبعدها نفتها.
ليه المصريين في الخارج مهمين لقضية السد؟
– في أكثر من 9.5 مليون مصري في الخارج منهم حوالي 2 -2.5 مليون مصري موجودين في الولايات المتحدة وكندا والدول الأوروبية الكبيرة وهي الدول اللي ممكن يكون لها موقف مؤثر لدعم لمصر في أزمة السد.
– على العكس من عدم توظيف جالياتنا كانت الحكومة الإثيوبية بتحاول دائما يكون عندها قنوات تواصل مع صناع السياسة في أمريكا من خلال الجالية الإثيوبية في البلدان دي.
– عمليات الضغط السياسي والعلاقات الكويسة بين الجالية الإثيوبية والحزب الديمقراطي وخاصة النواب السود في الحزب، وسعيهم لدمج الرواية الاثيوبية بشأن السد بحراك “حياة السود مهمة” والحراك الكبير ضد العنصرية في أمريكا، دي أحد الاسباب خلت الولايات المتحدة في أوقات سابقة ولحد دلوقتي مش بتضغط بقدر مؤثر على إثيوبيا لإمضاء اتفاق ملزم.
– شوفنا نشطاء أمرييكين سود مهمين زي جيسي جاكسون وأعضاء كونجرس مؤيدين لمواقف إثيوبيا وحقها فى التنمية وبيتهموا مصر بالعنصرية ومحاولة استغلال النيل لوحدها ودي نفس السردية الإثيوبية عن قضية السد.
– وده في حين أنه الجالية المصرية في أمريكا جزء كبير منها مش مهتم، والجزء اللي مهتم ومتابع القضية ينقسموا الى معارضين والحكومة مش بتحاول تنشأ أي قنوات تواصل معاهم لتحييد الاختلاف والتعاون للهدف المشترك بل بتطاردهم وتستهدفهم، والجزء المؤيد اللي السفارة بتعرف تحشده كل زيارة للرئيس السيسي ونشوف احمد موسى وغيره بيهللو للمشاهد دي متمش حشدهم المرادي.
– مش واضح سبب ان ده محصلش، خصوصا ان في قضية زي دي لو اتوجهت دعوة عادية كان ناس كتير من المصريين جم متطوعين بدافع ذاتي، مش بآليات حشد حكومية فجة مش مطلوبة في الخارج ولا حتى في الداخل.
طبعا مش بنقول أنه المظاهرة كانت ممكن تغير من نتائج الاجتماع، لكن على الأقل هتمثل وجود لفكرة الدعم الشعبي مش الرسمي.
– والأهم تحصل خطوات اخرى زي ما ذكرنا بخصوص التواصل مع صناع القرار، لو كل مصري في الخارج بس بعت إيميل للنائب اللي بيمثل دايرته في الكونجرس أو في برلمان بلده بيشرح موقف مصر ويطلب دعم حقها ده ممكن يفرق، والتواصل المباشر مع الدوائر الاكاديمية والمراكز البحثية وغيرها كلها أمور ممكن تفرق.
– على العكس من الغفلة المصرية دي هنلاقي إثيوبيا أنشط بكثير وعلاقات الحكومة مع الجالية الإثيوبية أفضل رغم كثير من المشكلات اللي مع أبي أحمد والحكومة الإثيوبية من معارضين لنظامه موجودين في الولايات المتحدة.
– الدعم غير الظاهر وعدم استغلال وجود مليون مصري في بلد زي الولايات المتحدة يخلينا نفكر في وضع المصريين في الخارج وإزاي الحكومة المصرية بتتعامل معاهم وخاصة في قضايا وطنية جمعنا كلنا زي سد النهضة.
– جزء مهم من المصريين في الخارج هما الأكاديميين والباحثين المصريين اللي بيشتغلوا أو بيدرسوا بره، ودول تحديدا عندهم احتكاك مع المجتمع المدني وصنع السياسة في البلدان المهمة في أوروبا وفي الولايات المتحدة والحقيقة في المجمل موقف الحكومة من دول شديد السوء.
– شوفنا الوزيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة بتنقل عنها المواقع والصحف قبل أيام تصريح إن “الدارسين المصريين بالخارج هم أخطر شريحة من المهاجرين في الخارج، نتيجة عدة عوامل على رأسها الأفكار المغلوطة التي يتعرضون لها من أصحاب التوجهات المعادية لمصر”، لكن بعدها الوزيرة أرسلت نفي قالت فيه انها مقالتش الجملة بالشكل ده بل قالت انهم “أكثر شريحة معرضة للخطر” وليس “أخطر شريحة”.
– رغم ان الخبر الأول اتنشر في صحف تابعة للدولة مش معارضة ولا حاجة، لكن وارد النقل الخاطيء طبعا، لكن برضه بعد تصحيح الوزيرة مازال الكلام غريب، مفروض الطلاب المتعلمين تعليم كويس دول هما أكتر شريحة البلد تكون مطمنة عليها مش تعتبر إنه “معرضين لخطر” انه يتم التلاعب بيهم وتغيير افكارهم.
– وشوفنا حالات كثيرة لباحثين وأكاديميين بيتقبض عليهم زي إسماعيل الإسكندراني وباتريك جورج وأحمد سنطاوي، ده غير ناس تانية كتير متقبضش عليها لكن الحكومة بترفض تجدد باسبورتهم من السفارة أو بتضيق عليهم وعلى عملهم الأكاديمي بره مصر، أو مش قادرين يزورو بلدهم.
– في حالة عداء مستمرة من الحكومة للناس دي بدون أي مبرر واضح، خاصة ان كتير منهم مش مشهورين خالص ولا ليهم أي نشاط سياسي أصلا، شفنا حملة إعلامية تعرض لها الدكتور خالد فهمي أستاذ التاريخ بجامعة كامبريدج واللي احتفينا بحصوله على جوائز دولية مرموقة، وشفنا اللي حصل مؤخرا من القبض على المؤرخة علياء مسلم من مطار القاهرة بعد عودتها من المانيا ثم اطلاق سراحها على ذمة قضية تم اتهامها فيها بالانتماء لجماعة ارهابية وغيرها من التهم المحفوظة.
– شيء مهم في القصة هو رؤية الحكومات المصرية بالعموم للمصريين في الخارج، الحكومة بتبص للمصريين على أنهم مصدر تحويلات للعملة الصعبة وفقط، من المعروف أنه مصر هي خامس أكبر دولة في العالم استقبالا لتحويلات العاملين في الخارج بتحويلات وصلت في 2020 لحوالي 30 مليار دولار، لكن لما بتحصل مشكلات للمصريين في الخارج وخاصة في دول الخليج بنلاقي الحكومة بتتأخر في الاستجابة أو مبيكونش على قدر المستوى.
– ده حصل مع أزمة العالقين في وقت كورونا في دول الخليج، وحتى دلوقتي بعد منع السعودية السفر من الإمارات في مصريين عالقين في دبي بدون أي تدخل سريع من الحكومة.
– الوضع الحالي والأزمة اللي بنعيشها في قضية سد النهضة هي فرصة لإعادة التفكير في طرق التعامل مع المصريين في الخارج، سواء بأننا نبطل نتعقب السياسيين والباحثين عشان تأثير ده على صورة مصر قدام العالم، زي ما حصل قبل ايام لما يبقى الصحافة العالمية بدل ما تربط بين مصر وحقها بسد النهضة يتصدرها خبر القبض على الباحثة علياء مسلم.
– وشوفنا ده بيحصل مثلا في أنه مدير المخابرات المصرية عباس كامل لما راح أمريكا قبل اجتماع مهم لمجلس الأمن من أيام قليلة واتنشرت تقارير بصحف امريكية أنه أتكلم مع المسئولين الأمريكيين عن وضع محمد سلطان الناشط اللي كان محبوس في مصر، ولم يصدر أي نفي من السفارة المصرية في امريكا لصحة هذا الخبر.
– وده شيء غريب جدا لأنه مش معقول وانت بتدور على أقل دعم دولي ليك في قضية زي السد تروح تتكلم مع أطراف دولية حول رفض انتقاد الانتهاكات الحقوقية، خاصة اننا نقدر نتكلم عن انتهاكات إثيوبية في أزمة التيجراي أو غيرها.
– إثيوبيا بتستثمر في خطاب إنه مصر دولة استعمارية، وهتحارب إثيوبيا لأنها دولة إفريقية سمراء بمنطق عنصري، وبالتالي الدعوة لموقف إفريقي جماعي ضد مصر وده هيضر بمصالحنا جدًا.
– وعليه لازم الاهتمام بفكرة الرد على الدعاية الإثيوبية دي دولياً وإفريقياً، بخطاب متوازن وعاقل، لأن زي ما شوفنا خطابهم في مجلس الأمن كان عبارة عن خلطة مغالطات تاريخية وواقعية وقانونية، والرد عليها بمنطق وحلول وتعرية لازم يتم بكفاءة أعلى.
– كذلك مع ضرورة البناء والتشبيك مع الدول اللي موقفها متفهم للموقف المصري سواء في مجلس الأمن أو خارجه، ومحاولة التوضيح أو الضغط على توجهات الدول اللي كنا بنعتبرهم أصدقاء لأن القضية دي يفترض ما قبلها ليس كما بعدها في خريطة تحالفتنا.
– – فلازم الحكومة تشعر بمدى القوة الكامنة في مجتمعات المصريين بالخارج دي بدون عداء وتستغلها، وبدون السفارات ما تشتغل في التجسس عليهم وعلى أنشطتهم، ولا يحصل ترقب وصول لهم بدون أي سند قانوني، ونتمنى الإفراج عن كل الباحثين المقبوض عليهم وتقديم بادرة لمصالحة مجتمعية حقيقية في الظروف دي، وازاي ممكن تخفيض حدة الخلافات عشان نقدر كلنا نوجه جهودنا لصالح بلدنا.
– وبنكرر كلامنا السابق إن مسألة مياه النيل أكبر حتى من كونها أمن قومي لكل مصري، دي حياة أو موت لمصر حرفيا، مفيهاش مؤيدين ومعارضين، ومطلوب السلطة تمد يدها بخطوات إيجابية لتوحيد جهد كل المصريين بالداخل والخارج بشراكة حقيقية، ونتمنى نشوف تعامل على قدر التهديد الكبير ده لأمننا المائي والغذائي، من كل الأطراف الرسمية والشعبية في مصر، وبالتأكيد إحنا مع كل الاختيارات اللي تضمن حقنا كمواطنين مصريين في مياه النيل.