الموقف المصري | Egyptian Situation

معقول فيه بلد في الدنيا طول عمرها بتمنع حاجة خطيرة، وبعدين تسمح بيها فجأة، وبعدين ترجع تمنعها تاني فجأة، وبعدين ترجع تسمح بيها تاني؟!
أهلاً بيكم في مصر.. ده بالظبط اللي حصل في أزمة استيراد القمح المصاب بفطر الإرجوت.
النهاردة هنشرح كل حاجة عن الموضوع علمياً وسياسياً كمان، وهنناقش كل الحجج اللي اتقالت لتبرير القرار.
*****

إيه اللي حصل في آخر سنة؟

– في ديسمبر ٢٠١٥، رفضت هيئة الحجر الزراعي دخول شحنة قمح فرنسي حجمها ٦٣ ألف طن بسبب احتوائها على الإرجوت، والشحنة كانت من شركة بيجي لصالح وزارة التموين.
– في يناير ٢٠١٦ وزارة التموين قالت إنها تقبل بنسبة إرجوت في حدود المعدلات العالمية (0.05%)، لكن إدارة الحجر الزراعى التابعة لوزارة الزراعة أعلنت في فبراير أنها تتمسك بالشرط المصري بعدم قبول أي نسبة إرجوت.
– في ٦ مارس أصدر وزير الزراعة قرار بإقالة رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي، الدكتور سعد موسى!
الدكتور سعد نشر بيان قال فيه “لا أتخيل أن يتخذ الدكتور عصام فايد وزير الزراعة قرار إقالتى، خاصة أنى أوضحت له سالفًا الصورة كاملة وخطورة فطر الإرجوت على الصحة العامة والزراعة المصرية”، وقال كمان إنه حاصل على رسالتين للدكتوراه “أحدهما من الولايات المتحدة والأخرى من المركز الدولى للهندسة الوراثية، ويعلم مخاطر دخول الفطر”.
– في يوليو وزارة الزراعة أصدرت قرار جديد يسمح بدخول الإرجوت بحدود 0.05%، وقالت إنه آمن حسب دراسة لخبيرة من منظمة الأمم المتحدة للأغذية (الفاو).
– في ٢٥ أغسطس استقال وزير التموين خالد حنفي اللي كان بيضغط للسماح بالإرجوت، وبعدها بـ ٣ أيام فقط وزارة الزراعة أصدرت قرار جديد بيمنع الإرجوت تماما!
البعض ربط الحدثين ببعض، لكن في الواقع فيه سبب تاني رئيسي هو انه بالوقت ده صدرت نتائج دراسة معهد بحوث أمراض النبات، اللي كان تم تكليفه من وزارة الزراعة بدراسة الموضوع، واحتوى التقرير على تحذير شديد من الإرجوت، ورد على كل الشبهات العلمية اللي كانت بتتردد.
– من هنا بدئت موجة الضغوط الداخلية والخارجية. الموردين امتنعوا عن دخول مناقصات توريد القمح في ٣ مناقصات متتالية، وبعدها لوحت روسيا بفرض حظر على الفواكه والخضروات المصرية، بسبب “عدم وجود عملية فعالة لمراقبة الصحة النباتية في مصر”، لكن كان واضح إن القرار اتاخد للضغط على الحكومة.
– شفنا حملة صحفية عجيبة ضد وزير الزراعة، وتم اتهامه انه يده مرتعشة وانه عشان خايف من مصير وزير التموين بيعطل البلد!
– وأخيرًا في ٢١ سبتمبر، تم التراجع عن قرار حظر استيراد القمح المصاب بالإرجوت.
– المتحدث باسم وزارة الزراعة عيد حواش قال في مداخلة لبرنامج الإعلامي أحمد موسى إن وزير الزراعة تعرض لضغوط تسببت في إصدار قراره الأخير.. فوراً في اليوم التالي تمت إقالته من منصبه.
ياترى مين اللي سلطته أعلى من الوزير وضغط عليه؟

*****

“طول عمرنا بنستورد القمح بالإرجوت والدوشة دي عملها أعداء الوطن”
بصراحة دي أسخف وأغرب حجة اتقالت، وشيء مخجل أننا سمعناها من بعض نواب البرلمان كمان.
– أولاً بالعقل كده لو احنا طول عمرنا بنستورد إرجوت يبقى إيه الجديد؟ والرفض أصلاً ظهر من جهات حكومية بحتة.
– مصر طول تاريخها بتستورد 0% إرجوت ، وده موثق بقوانين وقرارات كتير منذ القانون ٥٣ لسنة ١٩٦٦، ولحد القرار الوزاري رقم ٣٠٠٧ لسنة ٢٠٠١.
– أول مرة يتم السماح بالإرجوت كان في آخر عهد مبارك سنة ٢٠١٠ بتعديل من الهيئة العامة للمواصفات والجودة، لكن برضه مدخلش أي إرجوت لإن وزارة الزراعة ممثلة في هيئة الحجر الزراعي حافظت على موقفها الرافض.

******

“كل دول العالم بتسمح بالإرجوت في حدود نسبة الفاو 0.05%.. اشمعنى إحنا؟”
– أولاً غير صحيح إن كل دول العالم كده، بالعكس دول كتير بترفض ومنها دول عربية بمنطقتنا زي السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين والجزائر والمغرب وتونس.
– نسبة الفاو دي بتفترض حاجتين مش عندنا، بتفترض معدل الاستهلاك العالمي للقمح، وبتفترض إن القمح سيخضع لعمليات فحص وتنقية كافية.
– إحنا عندنا معدل استهلاك المواطن المصري ١٨٦ كيلوجرام قمح في السنة حسب الاحصاءات الحكومية لإن ده غذائنا الرئيسي،(حتى لو كان فعلياً أقل شوية لو حسبنا وجود نسبة هدر)، بينما المعدل العالمي ٧٠ – ٨٠ كيلو فقط، يعني معدلنا قرابة 3 أضعاف.

– الدول دي عندها آليات لقياس دقيق للنسبة والتنقية من النسب الزائدة، بينما إحنا معندناش ده، ولا فيه خطة معلنة بتتكلم عن آلية وتكلفة الموضوع ده.
– الحجة دي بتتجاهل كمان إن البيئة الزراعية المصرية خالية من الإرجوت أصلاً، وبالتالي مادام بتتكلموا بالمعايير الدولية، فحسب قانون التجارة الدولية من حق أي دولة خالية تماماً من مرض معين تضعه بشكل مطلق فى قائمة الحجر الزراعي.
– طيب حتى كان ممكن تغيير المواصفة الدولية لتناسب مصر .. مش معقول تبقى بريطانيا مثلاً اللي شعبها مش بيستهلك زينا عاملة مواصفة 0.001 % للقمح، و0% للحبوب غير القمح.

*****

“الإرجوت غير ضار، وهيموت من الحرارة أثناء الخبز”
عيب فعلاً إن اللي بيقولوا الكلام ده مش بيحترموا عقول الناس، كإن الوقائع التاريخية اللي مات أو أصيب فيها الآلاف كانوا بياكلوا القمح نيء!
– حقيقة علمية محسومة إن فطر الإرجوت نفسه بيموت فعلاً، لكنه بيكون أفرز سموم ثابتة جداً لا تتأثر بدرجة الحرارة.

*****

” لو تمسكنا بالرفض مش هنلاقي حد يصدرلنا قمح وهنجوع”
“كل دول العالم بتصدر قمح بالإرجوت”
– يا سلام! أمال مصر طول عمرها بتستورد قمح بدون إرجوت منين؟ هوا إحنا بدأنا استيراد امبارح واحنا مش عارفين؟ حجة سخيفة ومغالطة واضحة من غير شرح أصلا.
– السوق العالمي للقمح بيتراوح بين ١٤٠ و ١٦٠ مليون طن، ونسبة القمح المصابة بفطر الإرجوت تترواح بين ٢٥ و ٢٨% فقط من حجم السوق العالمي.
– صورة البوست هيا لخريطة توضح المناطق المصابة بالإرجوت من نوعية Claviceps africana و Claviceps sorghi ، وتوضح وجود ٣٤ دولة لديها القمح الخالي من الإصابة تماماً. الخريطة نشرتها الأهرام الزراعي نقلاً عن الدكتور محمد فتحي سالم، أستاذ أمراض النبات بجامعة المنوفية ومستشار الفاو سابقاً.

*****

“الإرجوت يحتاج درجة حرارة منخفضة عشان كده عمره ما هينمو في مصر”
هنا إحنا نسكت ونسيب تقرير مركز بحوث أمراض النبات لوزارة الزراعة هوا اللي يتكلم .. التقرير بيناقش تفصيلياً فرضية خبيرة الفاو اللي قالت إن الفطر يحتاج حرارة ١٠ مئوية، وبيستند لدراسات علمية تؤكد إن الفطر نما عند درجة ١٣ أو ١٥.
وبعدها بيستند إلى حقيقتين:
– أولاً إن المرض موجود في منطقتنا في فلسطين اللي درجات الحرارة بها مماثلة لمصر، وفي موريتانيا والسودان اللي درجات الحرارة بهما أعلى كمان، وده دليل قاطع إن الفطر بينمو في الطقس دي.
– ثانياً حسب معلومات المعمل المركزي للمناخ بمصر متوسطات الحرارة ببعض المحافظات بالشتاء في يناير مناسبة لنمو الفطر، زي البحيرة ١٢.٥، وسوهاج وقنا ١٣.٣.

*****

إيه هي أضرار الإرجوت الصحية على الإنسان والحيوان؟
– الإرجوت هو فطر يصيب مئات الأنواع من النباتات النجيلية، منها ٢٣ محصول في مصر، أهمها الحبوب كالقمح والشعير والشوفان.
– الأضرار متنوعة ومتدرجة حسب تفاصيل علمية كتير منها نوع السموم، وكمية تناولها واستمرار ذلك لفترة طويلة، وحسب الحالة الصحية للشخص نفسه، مثلاً المصابين بأمراض الكلى والكبد زي ملايين المصريين أقل قدرة على طرد سموم الإرجوت، فهم الأعلى عُرضة للخطر.
– في حالة الكميات القليلة المتراكمة قد يسبب الصداع، أو تضيق الأوعية الدموية مما يزيد من تفاقم أمراض القلب، أو الإجهاض للحوامل، أو يزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان.
– المواشي اللي بتاكل الحبوب دي أيضاً قد تتعرض للإجهاض أو للسرطان.
– في حالات التسمم الإرجوتي الحاد بسبب نسب كبيرة لأنواع معينة بيحصل صورتين للتسمم، هما الغنغرينا التي تؤدي للوفاة، أو التشنجات الحادة.
– آخر حالات وفيات مسجلة من النوع القاتل كانت في أثيوبيا سنة ١٩٧٨، اتوفى ٣٤% من ١٤٠ مصاب، أما آخر حالات إصابة بالتشنجات بدون وفيات كانت سنة ١٩٧٥ في الهند، ٧٨ إصابة.
– أكبر كارثة مسجلة بالتاريخ الحديث كانت في فرنسا سنة ١٩٥١ حيث توفى أكتر من ١٥٠ ألف مواطن.

*****

إيه أضرار الإرجوت على الزراعة المصرية؟
– يهدد بخسائر اقتصادية كمًا ونوعًا، حيث قد يصل الانخفاض بانتاج محصول القمح إلى ١٠%، بالإضافة للخسائر النوعية بخفض رتبة المحصول المصري وسعره العالمي.
– لو توطن الفطر في الأرض بيكون التخلص منه شبه مستحيل.. دول متقدمة عننا بكتير زي فرنسا مقدرتش تقضي على توطن الفطر في أرضها.

*****

ليه الحكومة تعمل كده؟

– زي ما وضحنا الحكومة عارفة كويس جداً أضرار الإرجوت ومشاكله، موقف الرفض ده تاريخي من الستينات، وكتير من المعترضين بالسنة الأخيرة جهات وشخصيات حكومية بحتة.
– عندنا سبب اقتصادي .. الدولة عايزة توفر في ظل الأزمة الحالية.
سعر القمح المصاب ١٨٤ – ١٨٨ دولار للطن، بينما القمح غير المصاب سعره ٢٠٣ إلى ٢٠٨ دولار للطن، فإذا كانت مصر بتستورد ١٢ مليون طن قمح سنويًا، يبقى قمح الإرجوت هيوفر حوالي ٢٤٠ مليون دولار.

– عندنا أسباب سياسية داخلية وخارجية، وزي ما قلنا قبل كده مشاكل البلد دايمًا فيها جانب سياسي جنب الجانب التقني.
السبب السياسي الداخلي يخص توازنات القوى في السُلطة، واللي فيها مستوردي القمح وأصحاب الصوامع ليهم علاقات بالحكومة، وقضية فساد القمح الكُبرى كانت مثال عليها.
وكمان بعض ذوي المصلحة في الموضوع وصلوا بنفوذهم وفلوسهم لمقاعد البرلمان ولهم تأثير بالقرارات، على رأسهم رئيس غرفة الحبوب طارق حسانين عضو لجنة الزراعة بالبرلمان، وبالمناسبة زيارة لجنة تقصي الحقائق للصومعة الي يملكها شقيقه كشفت عجز آلاف الأطنان.
وعندنا جانب سياسي داخلي كمان يخص أولوية التوفير المالي الآن لضمان استقرار سياسي أكتر حتى لو هيدفع تمن ده الأجيال القادمة.
– عندنا سبب سياسي خارجي يخص قرار بالتوجه نحو روسيا، مصر تميل للموقف الروسي في سوريا، و(اختارت) أن تنشيء روسيا المفاعلات النووية، زي ما (اختارت) إننا نستورد القمح الروسي بدلًا من أي قمح عالمي آخر. وسواء ده كان برغبة مصرية خالصة، أو بسبب ضغط ومساومات روسية، زي ما شفنا التلويح بوقف الاستيراد من مصر، المهم دي جوانب سياسية مش تقنية.

*****

إيه البديل؟؟
– البديل نستورد قمح بدون إرجوت .. بسيطة.
– فارق السعر الأغلى ٢٤٠ مليون دولار ده مبلغ أقل بكتير جداً جداً من المخاطرة بصحة المواطنين ومستقبل الزراعة.
– نقدر نستورد من دول كتير غير روسيا، وإحنا تاريخيا استوردنا من أوكرانيا وأستراليا وأمريكا مثلا.
وغير صحيح إننا مضطرين عشان روسيا هتوقف الاستيراد مننا .. حسب الدكتور نادر نورالدين، مستشار وزير التموين الأسبق، الموالح المصرية دي من الأجود والأرخص عالمياً، ولا ينافسها سوى الموالح الفلسطينية المكتفية بأسواق الخليج والأردن، والموالح الإسرائيلية المكتفية بأمركيا، وبالتالي روسيا مش هتلاقي حد أفضل من مصر تشتري منه، بينما مصر أمامها بدائل بالقمح .. كمان مصر بوصلة للسوق العربية والأفريقية، وتوجهها لروسيا يجذب دول أخرى. مصر أهم عميل للقمح الروسي مما يقوي موقفنا.

– ونقدر كمان نستورد من روسيا نفسها قمح بدون إرجوت بكل بساطة.
د.محمد فتحي سالم قال إن رئيس الحجر الزراعي الروسي قال إن يمكن أن تصدر الحكومة الروسية للحكومة المصرية مباشرة قمح بدون إرجوت، بسعر أغلى ١٨ – ٢٢ دولار في الطن، وإن سبب الأزمة كبار التجار الروس والمصريين وليس الحكومة الروسية.

– سمعنا إن وزير الزراعة اقترح إن الجيش اللي يستورد .. هوا مفيش حل إلا المستوردين اللي بيضغطوا أو الجيش!
هل الجيش دوره يستبدل كل حاجة في البلد؟ ده مضر لكفاءة وقدرة الحكومة، ومضر للجيش نفسه اللي مهمته الأساسية الأمن القومي مش أنشطة الاقتصاد المدني.
طيب ووزارة التموين اللي ده شغلها فين؟ والشركة القابضة للصوامع فين؟ شركة حكومية ليها تاريخ طويل بكل ما يخص القمح وعندها إمكانيات تخزين كبيرة جداً، ليه ماتستوردش بشكل مباشر؟ وده بحد ذاته هيرجع اللي عايز يشتغل بالتزام من القطاع الخاص يكمل شغله حسب اللوائح والقوانين.
*****