– في ال 48 ساعة اللي فاتوا شهدت أمريكا أحداث تاريخية، بعد اقتحام مجموعة من أنصار ترامب مبنى الكونغرس، قبل ما ينتهي المشهد بسرعة، ويتم التصديق على نتيجة الانتخابات بموافقة الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
– حاليا أمريكا بتشهد استقالات متتالية لمسؤولين بادارة ترامب، منهم وزراء، و ٤ من مستشاري الأمن القومي، وسط دعوات بإقالته رغم انه خرج بفيديو قصير يؤكد انه هيسلم السلطة سلميا في معادها ٢٠ يناير، وكمان أدان بشدة احداث الكابيتول ودعا لحساب المتورطين.
– إيه اللي حصل بالظبط ؟ وليه انهردة حدث تاريخي في أمريكا ؟ وإيه اللي نستفيد منه من الأحداث دي ؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست ده.
*****
– زي ما تابعنا جميعاً الانتخابات الرئاسية انتهت بتفوق بايدن وبحسب الإجراءات الانتخابية في أمريكا، يوم السادس من يناير المفروض إنه الكونغرس بمجلسيه “النواب والشيوخ”، بيصدقوا على نتائج النتائج، بعد فرز أصوات المجمع الانتخابي، وعادة دي جلسة اجرائية سريعة.
– الجديد لأول مرة مش ان الرئيس المنتهية ولايته رافض الاعتراف بالنتيجة، ده حصل أكتر من مرة سابقا وبيتم اعادة عد الأصوات ببعض المناطق أو التوجه للقضاء بالولايات أو المحكمة العليا، لكن اللي كان مرعب فعلا ان ترامب بيشكك بالمؤسسات كلها .. يعني وأصوات جورجيا مثلا اتعاد فرزها بالكامل يدويا، وجميع الطعون اللي قدمها للمحاكم اللي هوا بنفسه عين كتير من قضاتها لحد المحكمة العليا، وبرضه تم رفضها كلها لعدم وجود أي إثبات على تزوير الانتخابات، وبما فيها الولايات اللي حكامها “جمهوريين” من حزبه، اعتمدوا النتائج المعلنة.
– ترامب كمان ارتكب فضيحة كبيرة، اتصل بسكرتير ولاية “جورجيا” وطالبه بصيغة ترغيب ومحاولات ترهيب مختلفة إنه يزور نتيجة الانتخابات لصالحه، بإضافة 11 ألف صوت، والسكرتير “الموظف” رفض طبعاً الكلام ده، ورفض مخالفة القانون، والمكالمة تم تسجيلها وتسريبها للإعلام والصحافة.
– يوم 6 يناير، اتجمع آلاف من أنصار ومؤيدي ترامب حوالين مبنى “الكونغرس” في محاولة للتأثير على قرارهم بالتصديق على الانتخابات، لكن مع الوقت قام مجموعات منهم بتسلق الأسوار واقتحام مبنى الكونغرس، والاعتداء على رجال الشرطة، والوصول للقاعة العامة اللي كان فيها التصويت، واللي أخلتها قوات الأمن خلال دقايق.
– بعد ما استمرت الفوضى لمدة ساعة ووصول تعزيزات أمنية لمقر الكونغرس، تم إخلاء المبنى والقبض على كتير من منفذي الهجوم وحاملي السلاح، وأصدر قادة الحزبين “الديمقراطي” و”الجمهوري” بيانات بيطالبوا فيها ترامب بمخاطبة أنصاره لمغاردة المبنى.
*****
كانت إيه ردود الفعل على التصرفات دي ؟
– بعد رجوع الجلسة للانعقاد، تحدث نائب الرئيس الحالي “مايك بنس” وقال إنه “لن يتم التسامح مع الاعتداء على مبنى الكونغرس”، وأضاف “حتى بعد أعمال العنف والتخريب غير المسبوقين في مبنى الكابيتول هذا، ها هم أولاء ممثلو الشعب الأميركي المنتخبون يجتمعون مرة أخرى في اليوم نفسه للدفاع عن الدستور”.
– وتم إكمال الجلسة والتصديق الرسمي على نتائج الانتخابات بعد مناقشة بعض الاعتراضات على نتيجة ولايتي “أريزونا” و”بنسلفانيا”.
– الأمر موقفش هنا، لكن كمان مسؤولين في حزب ترامب وفي حكومته ومستشاريه، انتقدوا دعوته للتظاهر ومحاصرة الكونغرس واعتبروه مسؤول عن اللي حصل، ومنهم اللي قدم استقالته بالفعل احتجاجاً على المشهد المؤسف ده.
– وزير “الصحة” مثلاً قال إنه يشعر بالاشمئزاز من الهجوم على مبنى الكونغرس، ويجب إنهاء تدنيس هذا الرمز المقدس لديمقراطيتنا.
– وزير الخارجية مايك بومبيو قال إنه اقتحام مبنى الكونغرس أمر غير مقبول، وأضاف “علينا تقديم المجرمين الذين شاركوا بأعمال الشغب هذه للعدالة سريعا” وأن هذا العنف “لا يمكن التساهل معه سواء في الداخل أو في الخارج”.
– حاول الرئيس ترامب أكتر من مرة كتابة تغريدات وبث فديوهات لمخاطبة أنصاره، لكن موقع تويتر وفيسبوك حذفوا تغريداته، لأنها تحرض على العنف.
– في نهاية اليوم، وبعد إنهاء الفوضى، قال ترامب في بيان نشره عبر حساب أحد موظفيه، إنه لايزال يرفض نتيجة الانتخابات ويراها مزورة، لكنه سيسلم السلطة يوم 20 يناير، باعتبارها “نهاية أفضل فترة رئاسية في تاريخ أمريكا”.
– الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قال: “ما حصل يليق بجمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديموقراطية، لقد هالني السلوك غير المسؤول لبعض القادة السياسيين منذ الانتخابات وقلّة الاحترام التي ظهرت اليوم تجاه مؤسساتنا وتقاليدنا وقواتنا الأمنية”.
– أما الرئيس الأمريكي السابق أوباما قال: “التاريخ سيتذكر أعمال العنف التي حصلت اليوم في الكابيتول، بتحريض من رئيس كذب بلا هوادة بشأن نتيجة الانتخابات، باعتبارها لحظة خزي وعار على بلدنا”.
– الرئيس المنتخب “جو بايدن” قال “إن ما حدث هو اعتداء على تاريخنا، وعلى أهم مقدساتنا، وعلى إرادة الشعب، وإن ترامب مسؤول عن تحريض هؤلاء الرعاع باقتحام مبنى الكونغرس”.
– وكتير من المسؤولين وعلى رأسهم نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، قالوا إنهم يجب التفكير في عزل ترامب عن طريق حكومته قبل يوم 20 يناير استناداً للتعديل ال 25 من الدستور، لأن استمراره هو تهديد للدستور واستقرار البلاد، ومن الممكن إنه الكونغرس يبدأ في إجراءات محاكمته بسبب أحداث الاقتحام.
*****
إيه اللي نستفيد منه في الأحداث دي كلها ؟
– ببساطة أمريكا اللي هي أكبر بلد ديمقراطية بتضرب كل الأمثلة على قوة الديمقراطية الراسخة وأهميتها، إنه مؤسسات الدولة وسلطاتها تلتزم باحترام القانون والدستور والشعب حتى لو وصل لكرسي الرئاسة شخص مختل أو مستبد.
– تخيل إنه الرئيس الأمريكي بيخسر الانتخابات وهو في الحكم، وميقدرش يستمر في الحكم دقيقة واحدة بعد نهاية مدته القانونية يوم 20 يناير.
– في أمريكا، الرئيس بيخسر الانتخابات في الولايات اللي بيحكمها أعضاء “حزبه” بدون ميقدر أي حاكم منهم تغيير نتيجة الانتخابات أو التلاعب فيها، أو سماع تعليمات الرئيس بالتشكيك والطعن في النتائج.
– الرئيس بيخسر الانتخابات، وبتفشل كل جهوده في تغيير النتائج سواء بالتشويه في الإعلام، أو بتقديم الطعون للمحكمة الفيدرالية – اللي هو معين أغلبيتها -، ببساطة لأن الطعون بتاعته ملهاش سند قانوني، والمحكمة محدش بيتدخل في عملها لا الرئيس ولا المحيطين بيه ولا الأجهزة الأمنية مثلاً.
– الرئيس في أمريكا، على مدار 4 سنين وهو بيكره الصحافة وبيهاجمها، والصحفيين بيكشفوا وقائع فساد خاصة بيه أو بتحقق في شبهات تجاوزه للقانون وسوء استغلال السلطة، ومع ذلك مقدرش ترامب يحجب موقع صحفي، أو يمنع طباعة جريدة، أو يحبس أي صحفي بيهاجمه، فقط بيتجاهل الصحفي أو الجريدة التابعة ليه.
– في أمريكا مسموح للناس إنها تتظاهر قدام مبنى الحكومة أو الكونغرس، بدون ميتم فض المظاهرات أو منع إقامتها لأنها على غير رغبة الحكومة، لكن المظاهرات بتنتهي والشرطة بتتدخل لو خرجت عن المسار القانوني واتجهت للعنف.
– الرئيس في أمريكا تمت محاولة عزله من الكونغرس على خلفية بعض التجاوزات والاتهامات، مقدرش إنه يوقف التحقيقات اللي بتحصل ضده، ميقدرش يحل البرلمان أو يمنعه من مناقشة قرار عزله، ميقدرش يهدد النواب ويمنع عملهم، كل اللي يقدر يعمله إنه يلتزم بالقانون ويخاطب الكونغرس ويدعو المؤيدين ليه لرفض القرارات، ولو كان خسر التصويت كان هيتم عزله، ولما كسب التصويت ميقدرش ينتقم من منافسيه وخصومه !
– طبعاً ممكن خيالنا ياخدنا هنا لو كان الرئيس ترامب في أي دولة تانية في الشرق الأوسط مثلاً كان إيه اللي هيحصل ؟ هل ينفع الرئيس يخسر الانتخابات في الدول المستبدة ؟ أو حد يترشح أصلاً قدام الرئيس ؟ أو ناس تطالب بمحاكمته ؟ أو صحافة تهاجمه وتكشف تصرفاته وقراراته السلبية والسيئة ؟ أو موظفين في الدولة يرفضوا طلبه بتزوير الانتخابات ؟ أو القضاة اللي بيعينهم يلتزموا بالقانون غصب عن إرادته ؟! عارفين الإجابات طبعاً للأسف.
– ممكن تكون الديمقراطية الأمريكية نظام معقد وفيه انتقادات وسلبيات، وبالفعل عندهم تيارات بتقول كده في الإعلام وكل مكان وتسعى لتحسينها، لكن الحقيقة هو مفيش في العالم نظام سياسي أفضل من الديمقراطية في نتائجها المتحققة، ولما تكون قائمة على مؤسسات دستورية قوية مستحيل يتم كسرها، حتى لو وصل شخص مجنون ومهووس لراس السلطة، لكنه هيمشي برضه بطريقة ديمقراطية، تحفظ أرواح الناس وتمنع الحرب الأهلية أو الانقلابات العسكرية.
– دي ببساطة جوهر إضافة الديمقراطية، تشيل رئيس وتجيب واحد تاني وتختار اللي يمثلك ويحمي مصالحك وتحاسبه لو أخفق كمان، والصحافة تخدمك وتتابع أخباره وتحلل كل قراراته، وفي الاخر كل 4 سنين بتقف في طابور وتنتخب في دقايق بمنتهى الأمان والطمأنينة إنه في شرطة وأجهزة أمن بتحميك وتحمي إرادتك، وفي قضاء عادل ومؤسسات بتحترمك لأنها بتاخد مرتبها منك، لايمكن تسمح بالتزوير والتلاعب في صوتك.
– تمنياتنا إننا نشوف شيء من الديمقراطية دي في بلدنا اللي تستحق زيها زي باقي العالم، نستحق المشاركة والحرية والعدالة.
*****