– بعد حوالي 16 سنة من خصخصة شركة طنطا للكتان، رجعت الشركة تاني تكون قطاع عام بعد اتفاق الحكومة مع المستثمر السعودي عبد الإله الكعكي اللي كان اشتري الشركة في 2005 مقابل 83 مليون جنيه على دفع 340 مليون جنيه كتسوية له للخروج من الشركة.
– قصة طنطا للكتان معقدة وواحدة من أشهر قصص فساد الخصخصة اللي تمت في مصر، والنهاردة بعد أكثر من 7 سنين من حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا في 2013 الحكومة قدرت تستعيد جزء من حق الشعب في الشركة دي؟
– ايه هي قصة طنطا للكتان؟ ليه اتباعت؟ وليه الحكومة رجعت اشترتها دلوقتي؟ ايه مشكلات الخصخصة في مصر في السابق واللي مازالت مستمرة لحد دلوقتي؟ دي الأسئلة اللي هنحاول نجاوب عليها في سياق البوست ده.
********
ايه قصة طنطا للكتان؟
– طنطا للكتان هي شركة مصرية تأسست في 1954 في عهد جمال عبد الناصر على طريق طنطا زفتى.
– في 2005 وفي إطار مرحلة جديدة من برنامج الخصخصة اللي الحكومة توسعت فيه في التسعينات تم بيع طنطا للكتان بـ83 مليون جنيه لمستثمر سعودي اسمه عبد الإله الكعكي.
– الشركة ساعتها كان أخر تقييم ليها قبل 10 سنين من تاريخ البيع بـ211 مليون جنيه، والتقييم ده كان في سنة 1995، وتقييم الشركة كده عشان كان عندها أصول كثيرة، زي الأرض اللي عليها الشركة اللي كانت لوحدها كبيرة جدا حوالي 72 فدان. بالإضافة لأنه كان للشركة وديعة بـ19 مليون جنيه في أحد البنوك.
– قبل بيع الشركة في 2005 كان فيها 10 مصانع مختلفة مصنع للخشب السميك، الخشب الرفيع، الكتان، الدوبارة الرفيع، الدوبارة السميك، الزيت، منتجات الأثاث المنزلي، اليوريا، الكونتر، الميلامين.
– كل المصانع دي توقفت بعد الخصخصة لأنه المستثمر اللي خدها مكنش وخدها للتطوير بالإضافة طبعا للقضية اللي في المحكمة من 2010، تقريبا مفضلش شغال غير مصنعين بس ووردية واحدة في المصنعين، وقل عدد العمال في الشركة من حوالي 2000 عامل في 2005 لأقل من 500 عامل حاليا.
– الخصخصة اللي حصلت للشركة كانت عملية فاسدة بكل المقاييس مش بس عشان الشركة اتباعت رخيصة لكن عشان القطاع الصناعي خسر شركة مهمة بتنتج منتجات وسيطة من الكتان بتخش في صناعات تانية مختلفة أهمها صناعات الأخشاب.
– طبعا وبسبب القضية اللي اترفعت في 2010 واللي اتحكم فيها من المحكمة الإدارية العليا في 2013 ببطلان الخصخصة و إلزام الحكومة باستعادة الشركة من المستثمر اللي ساعتها هدد باللجوء للتحكيم الدولي، بالتالي القرار لم ينفذ، وبالمناسبة تنفيذ القرار كان المفروض على عاتق حكومة هشام قنديل أيام الإخوان بالتالي القضاء أصدر في أبريل 2013 في عز الاستقطاب السياسي اللي كان موجود ساعتها حكم بحبس هشام قنديل سنة وعزله من منصبه لامتناعه عن تنفيذ القرار الخاص باستعادة الشركة.
– واتأيد الحكم على هشام قنديل في النقض في سبتمبر 2013 بعد أحداث 3-7 اللي شالته من منصبه أساسا.
– لكن المثير أنه لا حكومة الببلاوي، ولا حكومة إبراهيم محلب، ولا حكومة شريف إسماعيل، ولا الحكومة الحالية صدر ضد أي منهم حكم مشابه أو سعوا في قرار استعادة الشركة إلا في الصلح اللي عملته الحكومة الحالية وبناء عليه دفعت للمستثمر السعودي 340 مليون جنيه عشان تستعيد شركة باعتها بـ83 مليون.
– طبعا استعادة الشركة خطوة إيجابية، ونتمنى أنه الحكومة تكون عندها خطة لتطويرها مش تصفيتها، وفعلا قيمة الشركة حاليا أكبر من 340 مليون جنيه، لكن المثير للاهتمام هو الرقم اللي دفعناه دلوقتي والفرق الكبير بينه وبين الرقم اللي الشركة اتباعت به.
– بحسبة بسيطة الـ83 مليون جنيه دول لو قاعدين في البنك طول الـ15 سنة اللي فاتت بمتوسط فائدة 10 % سنويا مكنوش هيجيبوا المبلغ ده، تحديدا كانوا هيجيبوا في حدود 124 مليون جنيه، بالتالي المستثمر السعودي اللي خد الأرض حرفيا سقعها بالبلدي وخرب الشركة رجع باع الشركة للحكومة دلوقتي بربح حوالي 257 مليون جنيه في 15 سنة، يعني سنويا والشركة واقفة والعمال متشردين ومفيش إنتاج تقريبا الراجل ده كسب حوالي 17 مليون جنيه كل سنة من الـ15 سنة اللي الشركة فضلت معاه فيهم، يعني الراجل كان بيكسب سنويا من الشركة 20٪ معدل ربح على الاستثمار اللي حطه اللي هو 83 مليون بدون ما يعمل أي حاجة ولا يصرف جنيه على الشركة.
*****
ايه مشكلات الخصخصة؟
– الخصخصة في حد ذاتها مش مشكلة، إشراك القطاع الخاص في الإدارة أو في الاستثمار شيء مهم ومؤشر على اقتصاد أكثر حيوية، لكن مشكلة الخصخصة اللي تمت في التسعينات وبداية الألفية الثانية في عهد مبارك أنها كانت مليئة بالفساد.
– يكفي أننا نعرف أنه لحد دلوقتي في أحكام من القضاء نهائية باسترداد أكثر من شركة زي نموذج طنطا للكتان كده، فيه قضايا دلوقتي ومصالحات ومفاوضات شغالة لاستعادة شركات زي النيل لحليج الأقطان وعمر أفندي وطنطا للكتان والنصر للمراجل البخارية وشبين الكوم للغزل والنسيج وسيمو للورق والعربية للتجارة الخارجية.
– كل الشركات دي تم خصخصتها بأقل من قيمتها وبعد صدور أحكام من القضاء الإداري دخلت الحكومة في مفاوضات مستمرة مع المستثمرين اللي فيه منهم اللي لجأ للتحكيم الدولي واللي فيه منهم قبل يتفاوض مع الحكومة.
– لكن ولأنه القضاء الإداري كان نشط بعد الثورة في الأحكام المتعلقة بالخصخصة بفعل ضغط الشارع، الحكومة قررت في 2014 أنها تطلع قانون “تنظيم الطعن على عقود الدولة”، اللي فعليا قضى على مسار التقاضي لإبطال عقود الخصخصة السابقة على ثورة يناير، وده من خلال مادة نصت على منع أي طرف بخلاف طرفي العقد -الحكومة والمستثمرين- من الطعن عليها.
– الحكومة طبعا أصدرت القرار ده لوقف سيل الأحكام ببطلان عقود الخصخصة الفاسدة اللي كانت قبل يناير وبتطلع من الإدارية العليا، لكن في خلال الثلاث سنين اللي بعد الثورة علطول صدرت أحكام نهائية ببطلان عقود خصخصة 6 شركات ودول اللي الحكومة من المفترض بتتفاوض على إعادتهم للدولة.
– بجانب مشكلات الفساد في العقود دي واللي كانت بالطبع مشكلة مهمة أهدرت على الدولة مليارات، لكن في مشكلة تانية أهم في الخصخصة اللي تمت وهو أنه كتير من الشركات دي محصلهاش أي تطوير لما راحت للقطاع الخاص، وده بالأساس لأنه اتباعت بأسعار رخيصة وهي عندها أصول كثيرة أهمها الأراضي، فبالتالي كان أفضل للمستثمر أنه يسقع الأرض ويبيعها.
– وعشان محصلش تطوير للشركات دي فهي سرحت عمال كثير وتسببت في أنه يكون في أزمة مصانع مغلقة في مصر، وبالتالي مع حالة الاقتصاد العامة اللي بصراحة لا تشجع على الاستثمار الصناعي وصلنا لأزمة مستمرة لحد دلوقتي اسمها أزمة المصانع المغلقة.
******
نشوف ايه من كل ده؟
– الفساد السابق في عصر مبارك كان مرتكز على آليات أهمها غياب الشفافية والمحاسبة من قبل السلطات المنتخبة زي البرلمان، وده شيء مكمل للأسف في الوضع الحالي اللي احنا فيه.
– بنشوف غياب الشفافية ده في حاجات كتيرة زي برنامج الطروحات الحكومية اللي هو خصخصة بشكل آخر يعني، وبنشوف تصفية شركات كبيرة في القطاع العام زي الحديد والصلب بدعوى أنه مفيش طائل من تطويرها رغم تقديم شركات عالمية ومحلية عروض لتطويرها.
– بالتالي آليات ومحركات الفساد والترتيبات المؤسسية والقانونية اللي بتبرر له ما زالت موجودة، ورغم محاولات الحكومة تصدير أنه في آليات لمحاربة الفساد وأنه مفيش يعني تسهيلات لرجال الأعمال زي أيام مبارك إلا أنه ده طرح مجتزأ جدا لمحاربة الفساد.
– انت مش محتاج عشان تحارب الفساد أنك تخضع رجال الأعمال وتدخلهم أحزاب سياسية من صنيعة الأجهزة الأمنية وتخليهم يتبرعوا لصندوق تحيا مصر، لكن محتاج سيادة قانون وآليات مؤسسية لمكافحة الفساد يكون على رأسها تطبيق معايير للشفافية واستقلال قضاء وقبل كل ده مناخ ديمقراطي يسمح بأنه الناس تطالب بحقوقها.
– تحديدا في قصة طنطا للكتان مكنتش الشركة هترجع لولا القضية اللي رفعها العمال في 2010 واتحكم فيها في 2013، بالتالي الحريات النقابية في القلب من آليات محاربة الفساد.
– نتمنى أنه الحكومة يكون عندها خطة لإعادة مصانع طنطا للكتان للعمل مرة تانية، ومنتفاجئش بعد شوية أنها معروضة للتصفية.