– قبل أيام توصل مجلس الوزراء السوداني برئاسة عبدالله حمدوك لإتفاق مع منظومة الدفاعات الصناعية، وهي مؤسسة شبيهة بجهاز مشروعات الخدمة الوطنية عندنا، لإتفاق بموجبه يتم نقل كل الشركات المدنية المملوكة للجيش السوداني لوزارة المالية والصناعة، بينما يحتفظ الجيش بشركات التصنيع العسكري.
– إقتصاد الجيش السوداني كان مثار تساؤل كبير، خاصة مع حجم الفساد المرتبط به في ظل نظام البشير وحتي بعد الثورة، بالتالي دي خطوة مهمة جدا في الوقت الحالي.
– النهاردة حنشوف الخطوة دي حصلت إزاي، من خلال أننا نبص في تاريخ العلاقة بين الجيش والحكومة في الماضي القريب مع المجلس السيادي السوداني، وإيه اللي ممكن نشوفه في التجربة دي؟
*****
ايه حجم اقتصاد الجيش السوداني؟
– تقدر عدد لشركات المملوكة للجيش والأجهزة الأمنية بحوالي 250 شركة تعمل في قطاعات مختلفة مثل تصدير الذهب، واللحوم، واستيراد دقيق القمح، إضافة إلى الزراعة، وإدارة المستشفيات الخاصة.
– الشركات دي كلها تابعة للجيش بشكل مباشر وأرباحها تؤول للجيش، وبعد الثورة والتغيرات اللي حصلت في قيادة الجيش قاد البرهان وحميدتي خطوات لتعيين لواءات موالين ليهم علي رأس تلك الشركات.
– مثلا قوات الدعم السريع برئاسة حميدتي استولت علي بعض الشركات التي كان يديرها سابقًا جهاز الأمن والمخابرات، وده طبعا بالإضافة للاتفافات بين الشركات دي وشركات خارجية يملكها حميدتي أو أفراد عائلته اللي مشهورين بأنهم أكبر تجار دهب في السودان.
– مثلا شركة الجنيد وهي شركة مملوكة لأسرة حميدتي ظهر في وثائق اعتمدت عليها وكالة رويترز إنها باعت حوالي طن من الذهب في دبي خلال شهور واحد فقط آخر 2018، بقيمة تقارب 30 مليون دولار، تقديرات المببيعات السنوية للشركة دي تصل ل390 مليون دولار.
*****
– من بعد الثورة السودانية وتقاسم السلطة بين المجلس المدني ممثلا في تجمع قوي الحرية والتغيير والمجلس العسكري السوداني كان في خلافات مستمرة حوالين طبيعة الدور الاقتصادي للجيش.
– القوي المدنية في الحكومة أصرت علي خروج الجيش بشكل كلي من الاقتصاد وإتاحة شركاته لتكون شركات مساهمة أمام العامة بالتالي تحقق مبدأ الشفافية.
– الخلاف وصل لمرحلة متقدمة في ظل تصريجات رئيس الوزراء عبدالله حمدوك المتكررة عن الموضوع، واللي أخرها في ديسمبر لما قال أنه ” كل جيوش العالم بكون لديها علاقة بالاستثمار، لكن الاستثمار المتعلق بميزتهم التفضيلية، مثل الاستثمار في الصناعات الدفاعية، وده (هذا) مهم ومشروع، لكن كون أن المؤسسة العسكرية تستثمر في قطاع الإنتاج وتزيح وتحل محل القطاع الخاص ده أمر غير مقبول”.
– بعد التصريحات دي وتصريحات أخري جرت مفاوضات مستمرة بين الفصيل المدني والعسكري في المجلس السيادي، خاصة أنه العسكر كانوا أحكموا قبضتهم علي الاقتصاد بعد إزاحة البشير بسبب طبيعة التغيرات اللي حصلت جوه الجيش.
– الجنرالات الأساسيين في المجلس العسكري زي حميدتي وعبدالفتاح البرهان وغيرهم كان ليهم ولأقاربهم شركات تعمل في مجال التعدين والزراعة والثروة الحيوانية بأرباح ضخمة جدا.
– طبعا ولأن مطلب الرقابة والمحاسبة علي شركات الجيش كان مطلب شعبي فالحكومة المدنية بقيادة حميدتي كانت بتخوض الخناقة بقلب جامد، لكن ده لا يمنع أنه العسكريين رفضوا رفض قاطع الموضوع ده.
– أيضا حاول العسكريين استمالة الشعب لشركات الجيش وتوظيف الشركات دي سياسيا أخرها السنة اللي فاتت لما تبرع الجيش ب70 مليار جنية للحكومة لدفع مبلغ التعويض للحكومة الأمريكية بعد الاتفاق مع أمريكا علي تسوية مالية لضحايا المدمرة الأمريكية يو اس اس كول عشان رفع السودان من قوائم الإرهاب.
– كمان دفع الجيش مليار دولار كدعم للموزانة العامة في 2020، وحميدتي وقوات الدعم السريع أودعوا 170 مليون دولار في البنك المركزي لزيادة الاحتياطي النقدي عقب تدهور قيمة الجنية.
– بالتالي كان الجيش بيستخدم الأموال ده لمساومة الحكومة المدنية بشكل ما أو أخر، لكن اللي عجل بالموضوع بجانب تمسك المدنيين بالسيطرة علي شركات الجيش هو قانون دعم الانتقال الديمقراطي في السودان اللي مرره الكونجرس.
– القانون جه في سياق رفع العقوبات عن السودان، ورفعها من قوائم الدول الراعية للإرهاب ونص علي الرقابة علي شركات الجيش المدنية.
– إصرار الأمريكان علي موضوع مراقبة أموال الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية، وأصولها وميزانيتها، والكشف عن أسهمها في جميع الشركات العامة والخاصة ده جه لمصلحة أمريكية، إن نظام البشير كان له علاقات جيدة بإيران وخافوا ان الشركات دي بتستخدم لتجاوز العقوبات، ولكن الحكومة المدنية استطاعت تستثمر في تخوف العسكريين من الأمريكان وتوصل لاتفاق وسط يقضي بالرقابة علي شركات الجيش المدنية.
*****
– من حوالي سنة تقريبا صرح الرئيس السيسي بانه حيتم طرح بعض شركات الجيش في البورصة، ومن أشهر قليلة فقط بدأ الصندوق السيادي المصري التفاوض مع مستثمرين إستراتيجين لبيع حصص في شركات وطنية وصافي.
– لحد دلوقتي الواضح أنه في إهتمام من شركة أدنوك الإماراتية بشراء حصة حاكمة في وطنية للبترول التابعة للجيش ومن المتوقع أن تتم الصفقة مع الجانب الإماراتي في القريب يعني.
– دي طبعا خطوة إيجابية، وبمعني ما أحسن من مفيش وبتدي إشارات إيجابية للسوق عن نيه حسنة للجيش بالتخارج التدريجي من القطاعات الاقتصادية المدنية، لكنها زي ما كتبنا قبل كدة مش كافية خاصة مع توسع الجيش في قطاعات متشبعة زي القطاع العقاري أو الأسمنت.
– في السودان زي في مصر كانت نغمة الأمن القومي حاضرة في الخناقة علي الرقابة علي شركات الجيش، وهو استخدام سيء لإرتباط المواطن العادي بالجيش، لكن في السودان قدرت الحكومة المدنية تحيد الجيش بشكل تدريجي عن القطاعات المدنية.
– طبعا ده جه بجزء من ضغوط أمريكية، وهو شيء غير ممكن في مصر للاختلاف السياسي الكبير بين السياق السوداني والسياق المصري، لكن في النهاية هو درس لينا نفكر في مراجعة مسألة مزاحمة الجيش في الاقتصاد المدني ومدى فائدة ده للاقتصاد.
– زي ما قلنا سابقا محدش عنده مشكلة أنه مشاريع الجيش العسكرية تكون موجودة وسرية، وإن كل ما يخص التفاصيل الفنية لمشتريات السلاح يفضل سري (رغم إنه في الواقع الدول اللي بنشتري منها السلاح ده بتعلن أنواع وقدرات اللي اشتريناه)، ولكن المشاريع المدنية العادية لازم يكون عليها رقابة، ولازم تخضع للضرائب والجمارك والرسوم وتمن الأراضي وغيرها من معايير المنافسة العادلة مع القطاع الخاص، ده لصالح السوق والاقتصاد المصري كله ولصالح قواتنا المسلحة نفسها اللي كل مصري وطني بيدعم دورها في حماية الحدود وحرب الإرهاب.
*****